وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد صرّح في وقت سابق بأن "إقرار العلاقات مع دول القارة الإفريقية وتوطيدها، من أولويات السياسة الخارجية لإيران خلال العهد الجديد". وتبدي طهران اهتماماً متزايداً بالقارة السمراء، فما هو سر هذا الاهتمام؟
ومن أبواب العاطفة الإسلامية ومناهضة الاستعمار، تسلّلت قوافل التبشير الإيرانية إلى القارة السمراء، إذ قام السفراء الإيرانيون في دولها بالإشراف على عمليات التوظيف السياسي والعقائدي، بهدف تحويل شباب القارة نحو الولاء الديني والأيديولوجي لطهران.
وساهمت منظمات حكومية وغير حكومية، مجتمعة في شبكة عُرفت باسم "شبكة الأعمال الإيرانية" (AYAN)، في نشر التشيع في القارة، وتولّى فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، تعبيد الطريق لهذا التغلغل، تبعتها الدبلوماسية الإيرانية عن طريق المساعدات التنموية، وبرامج التعاون الدولي، عبر تقديم مساعدات ومشاريع مشتركة في مجالي التكنولوجيا والطاقة، مثل التنقيب عن النفط والغاز، ومصانع البتروكيماويات، والزراعة والصحة، وبناء السدود والقواعد الدفاعية والعسكرية، مع ترويجها الدائم للمذهب الشيعي ونموذج الحكم الإيراني خلال هذه النشاطات.
وصرّح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي، ناصر بوريطة، في كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن "إيران تحاول الدخول إلى غرب إفريقيا لنشر المذهب الشيعي"، عادّاً أن "الأمن الروحي للمغاربة وللقارة الإفريقية يُعد من بين أولويات التصدي للأطماع الإيرانية فيها".
كذلك، يرى الباحث في المركز العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد خيري، أن إيران تعمل على تعزيز نفوذها في القارة السمراء من خلال المد الشيعي، إذ قامت بإنشاء حواضن وحوزات في العديد من دول القارة، بالإضافة إلى استغلال حالة الصراعات المسلّحة التي تشهدها بعض الدول للنفاذ إلى النفوذ فيها، من خلال دعم المجموعات المسلحة، كتنظيم بوكو حرام وحركة الشباب الصومالية.
وإبراهيم الزكزاكي، زعيم "الحركة الإسلامية النيجيرية"، هو قائد حملات التشيع في نيجيريا، إذ قامت إيران باستقطابه بعدما رأت انبهاره بثورتها وشعاراتها، ويتهمه البعض بمحاولة استنساخ نموذج حزب الله اللبناني للسيطرة على العملية السياسية في نيجيريا، بعد أخذه مناطق من ولايتي كوتو وسوكوتو في الشمال النيجيري، لإقامة ثكنة له ولميليشياته الموجهة لمحاربة المكون السنّي في نيجيريا
وشهد عام 2007 اندلاع مواجهات بين السنة والشيعة على إثر اغتيال الشيخ السني عمرو دانماشيا، المعروف بعدائه لحملات التشيّع، وفي عام 2010، ضبطت السلطات النيجيرية شحنة أسلحة قادمةً من ميناء بندر عباس في 13 حاويةً مسجلةً كمواد بناء، بعدها بدأت الحرب على الزكزاكي وميليشياته، وكان آخرها عام 2015 بعد مواجهات اتهمت فيها السلطات النيجيرية الزكزاكي بالتخطيط لاغتيال قائد الجيش النيجيري، فاقتحمت على إثره مقره، وألقت القبض عليه. وبحسب المدعي العام النيجيري، فإن عظيم أقه جاني وعلي أكبر طبطبائي القياديين في فيلق القدس، هما من دعم الزكزاكي في تأسيس جيشه.
وبدأ التعامل الاقتصادي والتبادل التجاري بين إيران ودول القارة الإفريقية مع وصول هاشمي رفسنجاني إلى سدة الحكم ما بين 1989 و1997، إذ أولى اهتماماً منقطع النظير لبناء جسور التعاون الاقتصادي في سياسته الخارجية مع الدول الإفريقية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وصلت هذه السياسة إلى ذروتها في فترة حكم محمود أحمدي نجاد، وفي عهده تأسس مصنع "إيران خودرو" للسيارات في السنغال في عام 2007، ويُعد المصنع الأول من نوعه في السنغال ومنه تصدر إيران منتجاتها من السيارات إلى سائر دول إفريقيا وحتى تركيا بأسعار زهيدة.
تبع ذلك توقيع شركة خودور لصناعة السيارات اتفاقية في عام 2007، أيضاً لتصدير سيارات الديزل والمعدات الثقيلة إلى دولة غينيا بما يقرب من ملياري دولار، تلاها بعد ذلك في عام 2008، لقاء بين البلدين لتوثيق التعاون أيضاً في مجالات الطاقة والزراعة والقطاع الخاص. وتبدو أهمية عامل اليورانيوم في السياسة الخارجية الإيرانية من خلال علاقتها مع غينيا، فبعد اكتشاف اليورانيوم فيها عام 2007، توطدت العلاقة بين الدولتين وارتفع التبادل التجاري بينهما بنسبة مئة وأربعين في المئة عام 2010. وجاء في التقرير الأممي لعام 2006 قيام تنزانيا بإبلاغ الأمم المتحدة بأنها أوقفت شحنةً من اليورانيوم مصدرها جمهورية الكونغو كانت في طريقها إلى إيران، إلا أن جمهورية الكونغو تنكرت لما جاء في التقرير، إذ تتم هذه العمليات عبر مؤسسات غير حكومية، لسهولة تنصّل الطرفين من المسؤولية.
وبحسب نجم الدين، فإن شرق إفريقيا هي أقرب نقطة إلى خليج هرمز، مما يشكل جزءاً من الأمن القومي بالمفهوم الإيراني، بالإضافة إلى ما يقدّمه التواجد الإيراني في ساحل الشرق الإفريقي من تسهيلات لعملية تهريب السلاح إلى الحوثيين في اليمن، مع ما يمنحها من إمكانية لتهديد الأمن القومي الإسرائيلي والمصري والسعودي، وللملاحة الدولية بشكل عام، وهي أوراق قوة تمكّن طهران من استخدامها للمساومة في مفاوضات الاتفاق النووي، لذا سعت إلى التواجد عسكرياً في هذه المنطقة، من خلال قاعدتها العسكرية في جيبوتي.
شهد التعاون العسكري بين طهران وجيبوتي (الواقعة على مضيق باب المندب)، محطته الأبرز عام 2011، إذ عقد الجانبان اتفاقيات تعاون في مجال تقديم الدعم العسكري الإيراني البحري إلى جيبوتي، خلال زيارة قام بها وفد عسكري إيراني ولقائه بكبار المسؤولين هناك، إلا أن العلاقة بين الجانبين شابها بعض التوتر بعد إعلان جيبوتي دعمها الكامل لعملية عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن.
ويضيف نجم الدين: "استطاعت إيران تحقيق اختراق قوي للأمن القومي العربي لا سيما مع وجود قاعدة عسكرية بحرية على باب المندب، وهو ما يشكل تهديداً للأمن السعودي والعربي بشكل عام، ما دفع مصر إلى المشاركة في عملية عاصفة الحزم والتواجد في باب المندب، للتصدي لأي مغامرة إيرانية في محاولة إغلاق المضيق".
واستطاعت إيران الولوج إلى إريتريا من بوابة الصراع الإثيوبي الإريتري ليشمل أشكالاً متعددةً أهمها الجانب العسكري من خلال تأسيسها قاعدةً بحريةً تقع على باب المندب. كما أرسلت طهران المئات من الحرس الثوري-فيلق القدس إلى إريتريا، وقامت بتنصيب عدد من بطاريات صواريخ بعيدة المدى ومتوسطة المدى وصواريخ مضادة للطائرات في ميناء "عصب"، الذي يُعد ثاني أكبر الموانئ في البلاد.
ويضيف: "التعاون الاقتصادي بين إيران ودول القارة لا يخلو من الصفقات القذرة، فبحسب تحقيق لصحيفة صنداي تليغراف البريطانية عام 2010، فإن إيران عقدت صفقةً سريةً مع دولة زيمبابوي للتنقيب عن اليورانيوم المتوافر بكثرة فيها، مقابل إمدادها بالنفط". تسعى طهران إلى امتلاك أوراق القوة للمقايضة بها في سوق السياسة الدولية والإقليمية، ومنها تحييد الموقف المصري الداعم للدول الخليجية، من خلال محاولة طهران المشاركة في بعض المشروعات المائية والزراعية والكهربائية التي تريد إثيوبيا القيام بها والتي تؤثر بشكل مباشر على مياه النيل، إذ التقى مسؤول إيراني كبير قبل نحو عامين في العاصمة أديس أبابا بمساعدة وزير الخارجية الإثيوبي آنذاك، وتم توقيع اتفاقات تعاون اقتصادي وصناعي وتطوير التجارة بين البلدين.
بحسب خيري، فإن طهران فشلت في مساعيها، لا سيما اختراق العلاقة المصرية السعودية، مستدلاً على ذلك بهرولتها لإعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية مع الرياض، من خلال الحوار السياسي والأمني الذي ترعاه بغداد، فالقاهرة والرياض تنظران إلى السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا على أنها سياسة زعزعة استقرار، لذا تركز مطالبهما على عودة طهران إلى نهج السياسة المعتدلة والكف عن تفريخ المليشيات المسلحة ودعمها لعودة العلاقات الطبيعية بين الجانبين.
يضيف: "من الضروري التفات الدول العربية إلى الدول الإفريقية وزيادة الاهتمام بها، لقطع الطريق أمام زيادة التغلغل الإيراني فيها، إذ إن إحجام الدول العربية عن تقديم المساعدات أو العون في مجال التنمية أو في استئصال آفة الإرهاب في بعض دولها، فتح الباب أمام إيران لتعزيز نفوذها في القارة السمراء".
-----------
رصيف ٢٢
بذور العلاقة
وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، جولته في عدد من الدول الإفريقية، بأنها "مثمرة وملهمة، إذ إن القارة الإفريقية أرض الفرص الذهبية"بدأ التوجه الإيراني نحو إفريقيا خلال حكم الشاه مدفوعاً بمواقف مناهضة الحركات الشيوعية والراديكالية، كمحصلة للتحالف القائم بين الشاه والغرب، بالإضافة إلى طبيعة نظام الشاه، الذي أوكلت إليه مهمّة شرطي المنطقة. غير أن التغلغل الإيراني في إفريقيا بدأ بشكل فعلي بعد الثورة الإسلامية، من خلال تفعيل المسؤولين الإيرانيين لمبدأي "تصدير الثورة" و"ولاية الفقيه"، ومراميهما لتأسيس "حكومة إسلامية عالمية".
ومن أبواب العاطفة الإسلامية ومناهضة الاستعمار، تسلّلت قوافل التبشير الإيرانية إلى القارة السمراء، إذ قام السفراء الإيرانيون في دولها بالإشراف على عمليات التوظيف السياسي والعقائدي، بهدف تحويل شباب القارة نحو الولاء الديني والأيديولوجي لطهران.
وساهمت منظمات حكومية وغير حكومية، مجتمعة في شبكة عُرفت باسم "شبكة الأعمال الإيرانية" (AYAN)، في نشر التشيع في القارة، وتولّى فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، تعبيد الطريق لهذا التغلغل، تبعتها الدبلوماسية الإيرانية عن طريق المساعدات التنموية، وبرامج التعاون الدولي، عبر تقديم مساعدات ومشاريع مشتركة في مجالي التكنولوجيا والطاقة، مثل التنقيب عن النفط والغاز، ومصانع البتروكيماويات، والزراعة والصحة، وبناء السدود والقواعد الدفاعية والعسكرية، مع ترويجها الدائم للمذهب الشيعي ونموذج الحكم الإيراني خلال هذه النشاطات.
التغلغل وأساليبه
بحسب الباحث في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، مصطفى النعيمي، فإن التدخل المذهبي الإيراني عبارة عن عباءة تتستر من خلالها إيران لتحقيق أهداف توسعية، بالاعتماد على الركائز الدينية الموالية، إذ تبدأ إيران بعد عملية السيطرة الفكرية بالتدخل المذهبي، من خلال إرسال بعثات دينية للترويج للمذهب الشيعي، تنتقل بعدها إلى السيطرة الجغرافية بعد انتقاء مناطق التأثير بما فيها المؤثر الاقتصادي، مع تدخل مباشر في مؤسسات الأمن والجيش المحليين للوصول إلى اختطاف الدولة.وصرّح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي، ناصر بوريطة، في كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن "إيران تحاول الدخول إلى غرب إفريقيا لنشر المذهب الشيعي"، عادّاً أن "الأمن الروحي للمغاربة وللقارة الإفريقية يُعد من بين أولويات التصدي للأطماع الإيرانية فيها".
كذلك، يرى الباحث في المركز العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد خيري، أن إيران تعمل على تعزيز نفوذها في القارة السمراء من خلال المد الشيعي، إذ قامت بإنشاء حواضن وحوزات في العديد من دول القارة، بالإضافة إلى استغلال حالة الصراعات المسلّحة التي تشهدها بعض الدول للنفاذ إلى النفوذ فيها، من خلال دعم المجموعات المسلحة، كتنظيم بوكو حرام وحركة الشباب الصومالية.
صرّح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربي، ناصر بوريطة، في كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن "إيران تحاول الدخول إلى غرب إفريقيا لنشر المذهب الشيعي"ويضيف أن "دعم المجاميع المسلحة من قبل طهران لم يعد أمراً خافياً على المتابعين للشأن الإيراني أو الإفريقي، سيما بعد الكشف عن اللقاء الذي جمع زكية إبراهيم زكزاكي وزينب قاسم سليماني، عام 2020، بالإضافة إلى ما نُشر عام 2019 عن قيام الحرس الثوري الإيراني بتهريب عدد من رجاله المحتجزين في كينيا من قبل السلطات هناك".
وإبراهيم الزكزاكي، زعيم "الحركة الإسلامية النيجيرية"، هو قائد حملات التشيع في نيجيريا، إذ قامت إيران باستقطابه بعدما رأت انبهاره بثورتها وشعاراتها، ويتهمه البعض بمحاولة استنساخ نموذج حزب الله اللبناني للسيطرة على العملية السياسية في نيجيريا، بعد أخذه مناطق من ولايتي كوتو وسوكوتو في الشمال النيجيري، لإقامة ثكنة له ولميليشياته الموجهة لمحاربة المكون السنّي في نيجيريا
وشهد عام 2007 اندلاع مواجهات بين السنة والشيعة على إثر اغتيال الشيخ السني عمرو دانماشيا، المعروف بعدائه لحملات التشيّع، وفي عام 2010، ضبطت السلطات النيجيرية شحنة أسلحة قادمةً من ميناء بندر عباس في 13 حاويةً مسجلةً كمواد بناء، بعدها بدأت الحرب على الزكزاكي وميليشياته، وكان آخرها عام 2015 بعد مواجهات اتهمت فيها السلطات النيجيرية الزكزاكي بالتخطيط لاغتيال قائد الجيش النيجيري، فاقتحمت على إثره مقره، وألقت القبض عليه. وبحسب المدعي العام النيجيري، فإن عظيم أقه جاني وعلي أكبر طبطبائي القياديين في فيلق القدس، هما من دعم الزكزاكي في تأسيس جيشه.
الاستغلال الاقتصادي
بحسب الباحث إسلام فكري نجم الدين، ماجستير في التاريخ الإفريقي ومتخصص في الشؤون الإفريقية، تحاول طهران الاستفادة من رخص الأسواق الإفريقية، وسهولة اختراقها، إذ ترى في إفريقيا منفذاً لنفوذها وأماكن جلب المواد الخام بأقل الأسعار لا سيما الذهب واليورانيوم والألماس، بل ويمكن أن تكون أسواقاً لشركات ومنتجات إيرانية.وبدأ التعامل الاقتصادي والتبادل التجاري بين إيران ودول القارة الإفريقية مع وصول هاشمي رفسنجاني إلى سدة الحكم ما بين 1989 و1997، إذ أولى اهتماماً منقطع النظير لبناء جسور التعاون الاقتصادي في سياسته الخارجية مع الدول الإفريقية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وصلت هذه السياسة إلى ذروتها في فترة حكم محمود أحمدي نجاد، وفي عهده تأسس مصنع "إيران خودرو" للسيارات في السنغال في عام 2007، ويُعد المصنع الأول من نوعه في السنغال ومنه تصدر إيران منتجاتها من السيارات إلى سائر دول إفريقيا وحتى تركيا بأسعار زهيدة.
تبع ذلك توقيع شركة خودور لصناعة السيارات اتفاقية في عام 2007، أيضاً لتصدير سيارات الديزل والمعدات الثقيلة إلى دولة غينيا بما يقرب من ملياري دولار، تلاها بعد ذلك في عام 2008، لقاء بين البلدين لتوثيق التعاون أيضاً في مجالات الطاقة والزراعة والقطاع الخاص.
حزب الله والحرس الثوري والحوثيون لهم الدور الأكبر في اختراق المناطق الإفريقية تحت مسمى رجال أعمال تتولى الاتّجار بالماس والذهب والمعادن النفيسة، كما تصدر إيران نفسها على أنها من هزمت داعش للترويج لخبرتها في الصراعات المحلية
التشيّع والتطرّف
يرى نجم الدين، أن حزب الله والحرس الثوري الإيراني و جماعة أنصار الله "الحوثيين"، لهم الدور الأكبر في اختراق المناطق الإفريقية تحت مسمى رجال أعمال تتولى الاتّجار بالماس والذهب والمعادن النفيسة، كما تصدر إيران نفسها على أنها من هزمت داعش في سوريا والعراق، للترويج لخبرتها في الصراعات المحلية، وأنها ستقدم منحاً ومناورات مع الدول الإفريقية التي تواجه خطراً مثل حركة الشباب الصومالية أو تنظيم بوكو حرام في غرب إفريقيا أو القاعدة أو داعش في الشمال الإفريقي. وتركز إيران تحديداً على جيبوتي وإريتريا والصومال في شرق إفريقيا وعلى تشاد والنيجر ونطاق وسط غرب إفريقيا مثل نيجيريا لوجود مسلمين هناك.بدأ التعامل الاقتصادي والتبادل التجاري بين إيران ودول القارة الإفريقية مع وصول هاشمي رفسنجاني إلى سدة الحكم ما بين 1989 و1997وتختلف أهداف إيران في شرق إفريقيا عنها في غرب القارة، ففيما تنحصر أهدافها في طهران في غرب القارة على التوسع والنفوذ الأيديولوجي والاقتصادي، مع الرغبة في كسر عزلتها الدولية، تسعى إيران في الشرق الإفريقي إلى خدمة أهداف إستراتيجية.
وبحسب نجم الدين، فإن شرق إفريقيا هي أقرب نقطة إلى خليج هرمز، مما يشكل جزءاً من الأمن القومي بالمفهوم الإيراني، بالإضافة إلى ما يقدّمه التواجد الإيراني في ساحل الشرق الإفريقي من تسهيلات لعملية تهريب السلاح إلى الحوثيين في اليمن، مع ما يمنحها من إمكانية لتهديد الأمن القومي الإسرائيلي والمصري والسعودي، وللملاحة الدولية بشكل عام، وهي أوراق قوة تمكّن طهران من استخدامها للمساومة في مفاوضات الاتفاق النووي، لذا سعت إلى التواجد عسكرياً في هذه المنطقة، من خلال قاعدتها العسكرية في جيبوتي.
شهد التعاون العسكري بين طهران وجيبوتي (الواقعة على مضيق باب المندب)، محطته الأبرز عام 2011، إذ عقد الجانبان اتفاقيات تعاون في مجال تقديم الدعم العسكري الإيراني البحري إلى جيبوتي، خلال زيارة قام بها وفد عسكري إيراني ولقائه بكبار المسؤولين هناك، إلا أن العلاقة بين الجانبين شابها بعض التوتر بعد إعلان جيبوتي دعمها الكامل لعملية عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن.
ويضيف نجم الدين: "استطاعت إيران تحقيق اختراق قوي للأمن القومي العربي لا سيما مع وجود قاعدة عسكرية بحرية على باب المندب، وهو ما يشكل تهديداً للأمن السعودي والعربي بشكل عام، ما دفع مصر إلى المشاركة في عملية عاصفة الحزم والتواجد في باب المندب، للتصدي لأي مغامرة إيرانية في محاولة إغلاق المضيق".
واستطاعت إيران الولوج إلى إريتريا من بوابة الصراع الإثيوبي الإريتري ليشمل أشكالاً متعددةً أهمها الجانب العسكري من خلال تأسيسها قاعدةً بحريةً تقع على باب المندب. كما أرسلت طهران المئات من الحرس الثوري-فيلق القدس إلى إريتريا، وقامت بتنصيب عدد من بطاريات صواريخ بعيدة المدى ومتوسطة المدى وصواريخ مضادة للطائرات في ميناء "عصب"، الذي يُعد ثاني أكبر الموانئ في البلاد.
أوراق القوّة
ينبّه النعيمي إلى المسؤولية الأممية في التغول الإيراني سواء في إفريقيا أو سواها، من خلال تقاعس المنظومة الدولية عن تنفيذ مقررات مجلس الأمن، مما أدى إلى منح المشروع الإيراني في المنطقة عموماً المزيد من فرص تعزيز النفوذ ومراكمة أوراق القوة من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي ولفيفه في العراق إلى أنصار الله في اليمن، إذ قامت وتقوم هذه الميليشيات، لا سيما حزب الله، بتعبيد الطريق إلى طهران في القارة السمراء، للاستفادة منها في عمليات تبييض الأموال والالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران.ويضيف: "التعاون الاقتصادي بين إيران ودول القارة لا يخلو من الصفقات القذرة، فبحسب تحقيق لصحيفة صنداي تليغراف البريطانية عام 2010، فإن إيران عقدت صفقةً سريةً مع دولة زيمبابوي للتنقيب عن اليورانيوم المتوافر بكثرة فيها، مقابل إمدادها بالنفط".
تستفيد إيران من الغياب الأممي والعربي فتقوم عبر ميليشياتها، لا سيما حزب الله، بتعبيد الطريق إلى القارة السمراء، للاستفادة منها في عمليات تبييض الأموال والالتفاف على العقوبات المفروضة عليها
بحسب خيري، فإن طهران فشلت في مساعيها، لا سيما اختراق العلاقة المصرية السعودية، مستدلاً على ذلك بهرولتها لإعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية مع الرياض، من خلال الحوار السياسي والأمني الذي ترعاه بغداد، فالقاهرة والرياض تنظران إلى السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا على أنها سياسة زعزعة استقرار، لذا تركز مطالبهما على عودة طهران إلى نهج السياسة المعتدلة والكف عن تفريخ المليشيات المسلحة ودعمها لعودة العلاقات الطبيعية بين الجانبين.
يضيف: "من الضروري التفات الدول العربية إلى الدول الإفريقية وزيادة الاهتمام بها، لقطع الطريق أمام زيادة التغلغل الإيراني فيها، إذ إن إحجام الدول العربية عن تقديم المساعدات أو العون في مجال التنمية أو في استئصال آفة الإرهاب في بعض دولها، فتح الباب أمام إيران لتعزيز نفوذها في القارة السمراء".
-----------
رصيف ٢٢