بالعموم تُعد الهجمات الأخيرة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا عبر ميليشياتٍ مدعومة من إيران جزءاً من استراتيجية إيرانية قديمة متجددة للتعامل مع الولايات المتحدة ومنافسيها الإقليميين في المنطقة كـ “إسرائيل” والسعودية، تُسمى “استراتيجية الحرب غير المباشرة” أو “الحرب غير المتكافئة”؛ وذلك من خلال جماعات تتبع المشروع الإيراني في المنطقة، الأمر الذي أتاح لإيران شنّ هجمات على خصومها مع قدرتها على التملُّص من مسؤولية تلك الهجمات، وهو ما ظهر جليّاً في تصنيف الهجمات تحت مسمى “مجهولة المصدر”، وما يجعلها قادرة على الضغط ودعم سياساتها الإقليمية التوسعية دون الحاجة إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أو الفاعلين الإقليميين.
يأتي هذا التصعيد متزامناً مع تعقّد المفاوضات النووية في فيينا، مع تعنُّت إيراني حيال بعض الملفات، كملف الصواريخ البالستية والملف الإقليمي؛ وبالتالي يمكن القول: إن إيران تستخدم وكلاءها كورقة ضغط إضافية للحصول على بعض التنازلات من الولايات المتحدة خلال محادثات فيينا، للعودة الكاملة لاتفاق 2015م ورفع كل العقوبات، ولا سيما أنَّ إيران كما يبدو ليست في عجلة من أمرها مع قدوم الديمقراطيين (الذين لا يرجحون استخدام القوة الخشنة مع إيران)، على العكس من الولايات المتحدة التي يبدو أنها تُحبّذ التوصل لاتفاق قبل تنصيب رئيسي؛ الذي سيكون في الغالب “أكثر تشدداً” حيال الملفات العالقة مع الولايات المتحدة.
لا يبدو أنَّ الإدارة الأمريكية ستذهب بعيداً بتوسيع دائرة الحرب على إيران، أو القيام برد عسكري واسع على ميليشيات المشروع الإيراني في سوريا والعراق؛ بل يُرجّح أن تنحصر الردود الأمريكية بضربات عسكرية محدودة لا تقود إلى نتائج وانعكاسات سلبية على محادثات فيينا؛ حيث تبدو إدارة بايدن حريصة على توقيع اتفاق جديد مع إيران.
وضمن هذا السياق أدّت سلسلة الهجمات على القواعد الأمريكية إلى زيادة الضغط الداخلي على الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، خاصة من قبل الجمهوريين الذين انتقدوا نهج بايدن في التعامل مع إيران ووكلائها في المنطقة، مطالبين بعمليات عسكرية رادعة تمنع تكرار هذه الهجمات.
قد يكون أحد الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها الإدارة الديمقراطية زيادة التنسيق مع روسيا بهدف ضبط تحركات إيران وأذرعها في المنطقة، على غرار التفاهمات في الجنوب السوري التي كان مضمونها إبعاد إيران عن الحدود مع “إسرائيل” وضبط تحركاتها في عموم منطقة الجنوب من خلال الاستعانة بالنفوذ الروسي، ومما يدعم ذلك ظهور بوادر تقارب وتنسيق روسي أمريكي في سوريا بعد امتناع روسيا عن التصويت ضد تمرير المساعدات عبر الحدود إلى سوريا في مداولات مجلس الأمن، في ظل غياب رؤية أمريكية واضحة للتعامل مع الملف السوري.
---------
الراصد - وحدة تحليل الدراسات