هناك نظريتان ينقسم حولهما المترجمون ، تتعلق الأولى بالنص نفسه ، وتحاول الحفاظ عليه كما ورد في سياقه الأصلي ، والحفاظ على روح النص، أما الأخرى فهي خاصة بالقارئ حيث تركز الترجمة في الأساس على إيصال الفكرة للقارئ بأي وسيلة حتى ولو كان ذلك مخالفاً للنص الأصلي، فالأساس هنا هو القارئ والوصول إليه بأي شكل، ولكل نظرية أنصارها ومعارضوها، لكن الطبيعي أن الصراع بينهما ينحسم لصالح الترجمة الأكثر محافظة على روح النص، ومحاولة الارتقاء بالقارئ كي يبذل جهداً ويستمتع بقراءة النص، ولهذا أجدني أتفق مع محمد محمود في الشطر الأول من كلامه حين يطرح أبرز جدليات الترجمة في حين أخالفه في شطره الثاني :" أمانة النقل ومضاهاة أسلوب الترجمة بأسلوب الأصل أمر عسير ، وذلك على الأقل لأن التعبير بلغة ما يختلف عن التعبير بلغة أخرى، ومن ثم فإن المترجم ينسب إلى المؤلف ما يصدر عنه، وعلى المترجم أن يلتزم بالمضمون وليس عليه بل لا يمكن له أن ينقل الشكل اللغوي أو التعبير باللغات الأخرى، صحيح أنه ليس مطلوباً من المترجم أن ينقل نقلاً حرفياً ولكن ذلك لا يعطيه حق التصرف في النص كما يشاء، كما أن عليه أن يبذل قصارى جهده لكي ينقل الشكل أيضاً، لأن الشكل هو الوسيلة التي يعبر فيها الكاتب عن مضمونه وما يحمله من أفكار، فلا انفصال بين الشكل والمضمون بل إن أي إضرار بالشكل في الترجمة يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالمضمون .
ولدينا هنا نصفان يشكل كل منهما إحدى هاتين الزاويتين اللتين ينظر من خلالها المترجم للنص، وهما: الأول: خريف البطريرك، ترجمة: محمد علي اليوسفي:" هذه الترجمة العربية التي تمت عن الفرنسية مع تدقيقها على النص الأسباني لوجود بعض التصرفات التي لم تكن موفقة دائماً في النص الفرنسي محاولاً فيها الحفاظ على النص كما جاء في لغته الأصلية، حاولتُ نقل المناخ الروائي بما في ذلك طبيعة الصورة وإيحائية اللفظ .. ولم أتوان في المحافظة على روح النص الأصلي ومستوياته اللغوية ( ص6 ـ 7).
الثاني : خريف البطريق ترجمة : فضل الأمين، وقد عمل المترجم على تقديم النص بلغة عربية جمعت بين التزام بحرفية النص الإنجليزي الذي نقلت عنه " دُققت على نص فرنسي وعلى نص أسباني" والتزام بعبقرية لغتنا العربية وأساليبها في التعبير"ص7"، وربما كان ذلك أحد أسباب فروق الترجمة في النص والاختلاف في مستوى النقل، كما يؤثر في قيمة الترجمة، والمترجم هنا نصير القارئ يحاول أن يقدم له كل التسهيلات اللازمة لكي يفهم النص، فقد علل الأمين تغييراته بقوله: لكي " أمكّن القارئ من فهم تعقيدات هذه الرواية التي اعتبرها كاتبها أصعب من مائة عام من العزلة ( ص6).
أولاً: العنوان: لعل أول فروق الترجمة يكمن في اختلاف العنوان، فالنص الأصلي بعنوان "خريف البطريرك" وجاءت الترجمة الأولى مطابقة للأصل في حين خالفت الثانية " خريف البطريق" الأصل وتبرير ذلك عند المترجم: " أهم ما ينبغي أن نلفت انتباه القارئ إليه هو أننا اخترنا كلمة البطريق بدل البطريرك لأن الأولى أكثر تعبيراً إذ تعني لغةً: القائد من قواد الرومان، أما الثانية فتعني المنصب الكهنوتي المعروف، ثم إن بطريق ماركيز هو نموذج عن كل دكتاتور في كل زمان ومكان" (ص6). وهذا الفهم لمعنى كلمة البطريرك، أنها منصب ديني فقط، تجريد للكلمة من مضامينها الدقيقة التي قصد إليها الروائي، فهي في المقام الأول تشير إلى النظام البطريركي الذي يعني السيادة المطلقة للنظام الحاكم والرئيس في الدولة، مع قمع مطلق للشعب" أي هيمنة الأب البطريركي، إذ أنه المركز الذي تنتظم حوله العائلة بنمطيها المدني والطبيعي، وتبعاً لذلك فإن العلاقات القائمة بين الحاكم والمحكوم وبين الأب والابن هي علاقة عمودية : ففي كلتا الحالتين تقف إرادة الأب على أنها الإرادة المطلقة وتتجسد في المجتمع والعائلة إجماعاً مفروضاً يرتكز إلى العادة والإكراه، وهذا النظام هو السبب الأول للجهل والتخلف في أي مجتمع يسوده، والعنوان خريف البطريرك إشارة إلى قرب زوال هذا النظام بالثورة وإحلال الحرية والديمقراطية محله، وفي المقام الثاني تفيد الكلمة المعنى الديني الكهنوتي، ويجدر بنا هنا الإشارة إلى الكنيسة التي كانت سيدة أوروبا والحاكمة في القرون الوسطى دينياً وسياسياً، وهذا يعني أن العنوان خريف البطريرك اشتمل السلطة المطلقة بجانبيها المادي والروحي، وذلك جد واضح في الرواية، أما كلمة البطريق فلا تفيد كل هذه الدلالات؛ فهي أولاً تدل على قائد حربي عسكري" القائد من قواد الروم الماهر في الشئون الحربية، تحت يده عشرة آلاف رجل، كما أنه منصب يتمتع به كثر، وهناك من يسبقه في المرتبة والمفروض أن يكون البطريق، كما هو في الرواية، متوحداً متميزاً وله السلطة العليا والمطلقة .
ثانيا: الشكل: لقد أشرنا في الجزء السابق إلى خصوصية الشكل الذي وضعه ماركيز ونقوم هنا بالإشارة إلى المواضع التي خالف فيها المترجمان هذا الأصل.
قام المترجمان كلاهما بتقطيع الجملة الروائية الطويلة إلى جمل قصيرة ووضع فواصل لكي تمنع التباس المعنى لدى القارئ العربي ولمواكبة طبيعة اللغة العربية، وهذا هو كل ما فعله اليوسفي " ولقد اضطررت فقط إلى إضافة بعض الفواصل فقط لتفادي التباس المعنى في النص المعرب (ص6 ) وحافظ على الرواية باعتبار الفصل الواحد هو عبارة عن سطر ممتد بلا توقف حتى نهاية الفصل، فمثلاً في الفصل الثاني الذي يبدأ بالجملة " عندما اكتشفناه للمرة الثانية …"( ص45) تستمر جملته في التواصل على مدار الأسطر والصفحات بلا انقطاع أو توقف حتى نهاية الفصل على مدار 34 صفحة .
أما الأمين فقد أجرى العديد من التغيرات ومنها:
-قام بترقيم الفصول من 1 - 6
-قام الأمين بتقطيع الفصول إلى مشاهد ومقاطع، فالفصل الأول عنده 12 مشهد اً، والثاني 5 مشاهد، والثالث 8 مشاهد، والرابع 3 مشاهد، والخامس مشهدان، والسادس جاء في مشهد واحد.
-وضع علامات لتعيين الحوار وتحديده في الصفحة بين المتحاورين.
وهذا الحوار الذي دار بين الجنرال وبين روديغو أغيلار ويبدأ الجنرال:
" لا وقت للحماقات .. لن أذهب ..
لم تكن المسألة متعلقة بذهابه أو ببقائه، ….
ببساطة سيدي الجنرال، كل الناس ضدنا حتى الكنيسة ..
- مطلقا الكنيسة مع الذي يحكم.
ـ أجل .. ولكن جنرالات القيادة العليا يجتمعون منذ ثمان وأربعين ساعة دون أن يتوصلوا إلى اتفاق …
-لا أهمية لذلك سترى كيف يتفقون عندما ندفع لهم أكثر.
ـ أجل .. لكن قادة المعارضة من السياسيين بدأوا مؤخراً يكشفون عن وجوههم، وهم الآن يحاولون تأليب الشارع ضدنا ( ص120 )
* وضع علامات ترقيم مثل علامات الاستفهام في مواضع الأسئلة، ونقطتان": " في مواضع القول، وعلامة التعجب في المواضع التي يفترض فيها التعجب! في حين التزم اليوسفي بالنص الأصلي واكتفى بوضع فواصل فقط، وللتوضيح نورد هنا جزءاً من الترجمة عن الأمين ومثيله اليوسفي:
ـ خريف البطريق:" في ذلك اليوم تساءل: ما الذي حدث في العالم أثناء الليل كي يتجول أهل القصر وسكان المدينة بقبعات حمراء وسبحات من خرز ؟!"(ص50).
خريف البطريرك:" فأخذ يبحث عندئذ عما حدث في العالم أثناء نومه حتى صار قوم منزله وسكان المدينة يتجولون بقبعات حمراء حاملين معهم في كل مكان سبحة من الجلجل "(ص42).
قام الأمين بتحوير وإضافات في النص لكي تتناسب مع إمكانية وضع علامة استفهام أو تعجب، أما عند اليوسفي فنلاحظ من سياقه أن الحاجة إلى وضع علامات خاصة لا تبدو ملحة.
* وضع عبارات المونولوج الداخلي والانتقالة المفاجئة من ضمير إلى ضمير(الالتفات) وكذلك الأقوال بين علامات تنصيص تدل على المتكلم.
*وضع الأغاني والدروس التعليمية والأوامر والتعليمات الخاصة في شكل محدد:
العنصر خريف البطريق خريف البطريرك
الأغاني يا سائلاً عن فارس في ساحة القتال. مضى ولم يعد إلى حشد من الرجال. ينظرون كل يوم أن يعود عودة الأبطال. ويصعدون البرج في منارة الميناء في المساء والصباح. ليسألوا عنه الغمام والشراع والأمواج والرياح ص115 يا أيها الولد السائل عن فارس نأى في ساحة القتال، الحشد يتأوه حسرة يا للألم وحسرة الرجال، الحشد يصعد إلى برج المنارة لكي يرى فارسه ويعلن البشارة. ص100
الدروس ال طون في العلبة / ال أبله في بيت المونة ال قلنسوة نظيفة .ص165 طار طربوش الجد حط الزير على الزيزفون القلنسوة حسنة الصقل كان يردد...ص149
الأوامر المادة الأولى: إعلان قداسة
"بنداسيون ألفارادو" بقرار رفيع باسم الشعب الحر السيد. وإطلاق لقب شفيعة الأمة عليها وشافية المرضى ومربية الطيور يوم ميلادها عيداً وطنياً.
المادة الثانية إعلان حالة حرب بين الأمة وكل قوى الكرسي الرسولي، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج تمس حقوق الإنسان والمعاهدات النافذة. ص154 البند الأول ينص على القداسة المدنية لبندثيون ألفارادو بقرار سام من الشعب الحر والسيد، ويصبغ عليها لقب قديسة الأمة الشفيعة، شافية المرضى ومربية الطيور، مع اعتبار تاريخ ميلادها يوم عيد وطني، البند الثاني، بتاريخ إصدار هذا المرسوم تكون حالة الحرب قد أعلنت بين الأمة وكل قوى الكرسي الرسولي مع كل النتائج التي تترتب في مثل هذه الحالة عند حقوق الناس والاتفاقات المعمول بها . ص137
ثالثا: اللغة : من الدراسة المقارنة بين الترجمتين نلاحظ فروقاً شاسعة في الاستخدام اللغوي فاللغة في أساس النص لغة معقدة شاعرية وذات شفافية خاصة، ولكننا نلاحظ مثلاً أن الأمين كان يحاول تيسير لغة الرواية وذلك عن طريق بسط وشرح بعض الصور والاستعارات التمثيلية للمؤلف وبعض الأحداث والمواقف لكي يوفر على القارئ المجهود الذي يتطلبه لكي يفهم النص مما يضر كثيراً بالمعنى، أو عن طريق إضافة جمل زائدة عن اليوسفي للتوضيح والشرح فقط .
كما أن هناك أوصافاً رومانسية تصويرية في البطريرك ليس لها نظير في البطريق .. مثل:" الحداد الغسقي (ص113)،" يد حورية البحر المتيبسة ( ص66 ) ،" الأماسي الخبازية ( ص24 ).
أما بالنسبة لاستخدام اللغة فنجد أن اليوسفي قد استخدم المفردات لتعطي دلالات أكثر إيحاءً وعمقاً مما فعل الأمين، مثل ترجمة " الطاغية المتوحد ( ص11 ) ،" الطاغية الأوحد ( ص12 ) عند الأمين ، فالأوحد توحي بوحدانية في مجال السلطة، ولكن المتوحد توحي أيضا بالانفراد والعزلة ـ الوحدة ـ أي اللامعقول يعطي بعداً حياً إنسانياً لشخوصه، ولكي تترسخ الفكرة أكثر نعرض هذين النموذجين: الأول من البطريرك" لقد رأيت العينين الحزينتين والشفتين الشاحبتين واليد المتأملة التي تلوّح وداعاً إلى لا أحد " (ص12 )
والثاني من البطريق" أو على رواية يزعم راويها أنه رأى عبر هودج الرئاسة المزخرف، العينين الكئيبتين والشفتين الشاحبتين وأبصر اليد البلهاء تلوح راسمة إشارة التحية في الهواء".
فاستخدام كلمات " الحزينتين، وداعاً، لا أحد " تعطي بُعدا إنسانيا وتعكس إحساس البطريرك بالوحشية والعزلة.
بالإضافة لاستخدام اليوسفي للضمير "هو" على غموضه للتدليل على شخصية الجنرال بالإضافة إلى احتفاظه بالتقديم والتأخير مع ربط الجملة بروابط مثل الاسم الموصول والضمير لتحافظ الجملة على لهاثها وصخبها، أما الأمين فقد حلّ الإشكالية بتقديم ما يجب تقديمه مثل الجار والمجرور في بداية الجملة، وهكذا تمكن من تقسيم الجمل والفصول إلى مشاهد، وما فعله اليوسفي أقرب لجملة ماركيز وأكثر محافظة عليها.
ومما يتبع قضية اللغة تلك الألفاظ الجنسية المباشرة التي استخدمها ماركيز وكذلك بعض الكلمات التي عُرفت بسوقيّتها، ولأن الكاتب ليس كاتباً غرائزياً يعمل على استمالة غرائز الشباب، وإنما قصد إلى إظهار أن الجنرال كان أقرب إلى البهائم منه إلى البشر، وكيف تحكمت فيه الغرائز والشهوات، استخدم هذه الألفاظ الجنسية المباشرة ليظهر ذلك الجانب الحيواني المسيطر عند الجنرال، وقد قام اليوسفي بترجمة الألفاظ كما هي دون أدنى تصرف، أما الأمين فإنه قام بحذفها أو التخفيف منها قدر الإمكان بهدف الحفاظ على " الحياء العام" على حساب الرواية.
ونلاحظ على الأمين أنه تلاعب ببعض التقنيات التي استخدمها ماركيز ومنها الانتقالية المفاجئة في الضمائر فنجده يغيّر فيها كما رأينا في النموذج السابق.
بالإضافة إلى كون الأمين اعتدى على المنولوج الداخلي للبطل عن طريق وضعه أحيانا شخصية مواجهة " سحقا له .. ليذهب الموت إلى الجحيم وليذهبوا هم إلى الجحيم. صاح بأمه "(ص40) مع عدم وجود أمه الفعلي، وكذلك محاولة ربط الحاضر بالماضي بعبارات جزئية مثل عبارة " فتذكر لتوه ( ص31)، مما يسيء لتقنية تيار الوعي التي ينتهجها المؤلف.
وفي بعض الأحيان نجد الأمين في ترجمته يفسد المعنى ويسيء للحدث، وقد جاء ذلك في مواضع عدة نذكر منها هذه العبارة :" لم يكتشفها أحد بالفعل ( قصاصات الورق ) فتلاشت كلها مع ذاكرته بما فيها صورة ليتسيا نازارينو التي لم يبقَ منها غير طيف يملأ رأس أمه بندثيون ألفارادو التي تحتضر في قصر الضاحية "( ص132 ) فأمه قد ماتت فعلياً قبل زواجه من ليتسيا وليس العكس، لذلك نجد أن ترجمة اليوسفي أوفق في التعامل مع الحدث : "حيث لم يكتشفها أحد قط عندما انتهت صورة ليتسيا نفسها بالتلاشي في بالوعة ذاكرته غير تاركة سوى الذكرى الدائمة لأمه بندثيون ألفارادو ومساء الوداع في مقر قصر الضاحية "(ص115) .
وهذا نموذج فقط، في حين أن في الرواية مواضع أخرى كثيرة تدل على ذلك.
وعلى صعيد آخر حاول اليوسفي الاقتراب من جو النص الأصلي عن طريق إيراد بعض العبارات كما وردت في النص الأصلي مع ترجمتها في الهامش إلى العربية ، مثلا : فيفا الماتشو " تترجم في الهامش " عاش الفحل " ( ص20 ) وعبارة donot drop this side up( ص 139 ) والتي تعني مواد قابلة للكسر.
وكذلك حافظ على الأخطاء اللغوية الكتابية للجنرال في نقلها للعربية مع الإشارة إلى أن الأخطاء مقصودة مثل " ممنوع القيام بقظارات في المراحيض" (ص114) ولكن الأمين لم يحاول الحفاظ على جو النص فقام بترجمة هذه الجمل للعربية مباشرة " عاش الفحل (ص22) مواد سريعة العطب (ص157) ممنوع ممارسة القذارات في المراحيض ( ص131).
ولذلك لنا أن نعتقد في النهاية أن ترجمة اليوسفي أفضل بكثير من ترجمة الأمين، لأنها حاولت مقاربة شكل النص الأصلي ولغته دون أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بالمضمون، أما الأمين فقد ارتضى إجراء تغييرات كثيرة شكلية ولغوية أساءت للنص كثيراً كما رأينا، وضيّعت الأثر الذي قصد ماركيز أن يتركه في نفس القارئ عن طريق استخدام هذا الشكل. وربما يرجع ذلك لسببين هامين: الأول الترجمة المأخوذة عن ثلاثة مصادر منها الإنجليزية التي تميل للتبسيط، والفرنسية التي أوضح اليوسفي أن بها بعض الإخلال بالنص الأصلي.الآخر: يكمن في تحقيق الربح والانتشار على الصعيد التجاري بتقديم نص أسهل للقارئ العادي. وهذه التغيرات التي أحدثها الأمين على النص الأصلي قد قضت على جزء كبير من تميّزه وغرائبيته، وأخرجته من شكله المعقد المثير للجدل، الذي قصد إليه الكاتب لأسباب معينة أبرزها الاختلاف والتجديد، لتصبح الرواية، على يد الأمين، رواية عادية تقليدية كغيرها من الروايات التي تتناول موضوع القمع. وكان من نتائج الاهتمام بالفكرة والتضحية بالشكل أن أضاع الأمين، ضمن ما أضاع، تلك اللمسة الشاعرية التي حافظ عليها اليوسفي والتي كانت كبيرة الأهمية بالنسبة للكاتب نفسه، ومن هنا ندرك مدى الضرر الذي ألحقته هذه التغييرات من الناحية الشكلية، إذ يكمن القول إن الأمين قام بوضع رواية جديدة تختلف عن تلك التي كتبها ماركيز.
ملاحظة: نظراً لتعقيدات الرواية فإن هذه المقارنة ستبدو غريبة لمن لم يقرأ الرواية.