ويقول التحليل إن "هناك علاقة قوية بين بناء جيش حديث وتطوير اقتصاد قوي، وذلك لأن المهارات اللازمة لتطوير مجتمع حديث منتج اقتصاديًا مطلوبة أيضًا لبناء جيش كفء".
ويضيف: "في السعودية، كلاهما مفقودان، وهذا ما يفسر فشل خطة التنمية الضخمة لرؤية الرياض 2030".
ويشير إلى أنه في عام 2014، عانت السعودية من أزمة مالية حادة بعد انهيار الأسعار العالمية للنفط، والتي شكلت 90% من عائدات البلاد، وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 12%، ما دفع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإطلاق مشروع مثير للجدل لتحويل السعودية من دولة تعتمد على النفط إلى اقتصاد حديث متعدد القطاعات.
قبل أن يعلق التحليل بالقول: "حتى الآن، ومع ذلك، فإن رؤيته لم يتم التخطيط لها بعناية".
الضعف العسكري
وتم الكشف عن الضعف العسكري للسعودية من خلال تدخلها عام 2015 في الحرب الأهلية اليمنية، حيث كان هذا هو الصراع الأول الذي يشارك فيه الجيش السعودي بالكامل، لكن السعوديين فشلوا في هزيمة المتمردين الحوثيين، على الرغم من تفوق عتادهم وقوتهم البشرية، التي بلغ مجموعها 252 ألف جندي في عام 2019، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ومنذ عام 2015، طلب السعوديون مرارًا وتكرارًا الدعم العسكري واللوجستي من الولايات المتحدة، ما أثار تساؤلات حول جدوى تزويد السعوديين بأسلحة إضافية، نظرًا لمعداتهم الكثيرة بالفعل.
وفي إشارة إلى "ضعف" الجيش السعودي واعتماده على الحماية الأمريكية، قال السيناتور ليندسي جراهام ساخرا في عام 2018: "لولا الولايات المتحدة، لكانوا يتحدثون الفارسية في غضون أسبوع تقريبًا في المملكة".
وبعد 4 سنوات من بدء الحرب، فقد السعوديون السيطرة الكاملة على الوضع العسكري، وسيطر الحوثيون على أكثر من 20 موقعا داخل السعودية، وكان من الممكن أن يصلوا إلى مدينة نجران التي يبعد مطارها 18 كيلومترا عن الحدود.
أما منطقتي عسير وجيزان، فقد خضعت فيهما عشرات القرى والمواقع لسيطرة الحوثيين رغم انتشار القوات السودانية والخبراء الأمريكيين.
وفي غضون ذلك، استنفدت السعودية -وفق التحليل- أهدافها العسكرية في اليمن، ولم تترك شيئًا تقصفه سوى المدنيين، الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن.
العنصر البشري
كما فشل اعتماد الرياض على المقاتلين الأجانب في تغيير ميزان القوى ضد الحوثيين، مما دفع الحكومة السعودية للبحث عن طريقة لإنهاء الحرب، على الرغم من توقعات محمد بن سلمان الأولية بدخول الجيش السعودي إلى صنعاء بعد أسبوع من انتشاره.
وبالعودة أيضا إلى عام 2014، استعانت السعودية بقوات باكستانية ومصرية وأردنية، وانتشرت على الحدود مع العراق وسط مخاوف من احتمال اختراق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للبلاد بعد الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية.
وأثارت الأنباء التي تفيد بأن السعودية تسعى للحصول على مساعدة الآلاف من القوات الأجنبية تكهنات حول العقيدة العسكرية للمملكة، بالنظر إلى أنها أنفقت مئات المليارات من الدولارات على الأسلحة فقط لينتهي بها الأمر بالاعتماد على القوات الأجنبية لحماية نفسها.
وتساءل بعض المحللين عن سبب استمرار الرياض في الاستثمار في الأسلحة إذا كان جيشها لا يستطيع الدفاع عن البلاد.
وتبلغ ميزانية الدفاع السعودية لعام 2023 نحو 69 مليار دولار، أي أكثر من الإنفاق العسكري لجميع الدول العربية الأخرى مجتمعة، وتتجاوز ميزانيتي الدفاع لليابان (52 مليار دولار) وألمانيا (55 مليار دولار).
وركز الجيش السعودي على شراء الأسلحة ودفع الرواتب وبناء البنية التحتية، لكنه لا يولي اهتمامًا كبيرًا لتدريب قواته، والتي أظهرت مقاومة لتعلم تقنيات جديدة وتشغيل معدات عالية التقنية.
ووفق "جيوبوليتيكال فيوتشرز" تكاد تكون القدرات القتالية للجيش "معدومة"، على الرغم من أصوله العسكرية المتطورة ودوراته التدريبية المكثفة التي تشرف عليها القوات الأمريكية.
ويضرب مثالا على ذلك في حرب الخليج الأولى، عندما فشل طيار سعودي لطائرة مقاتلة من طراز F-15 في اعتراض طائرتين عراقيتين من طراز "ميراج" تحملان صواريخ (Exocet)، حتى بعد أن أعطته طائرة أمريكية للإنذار المبكر والتحكم موقعهما.
ولم يتمكن الطيار من إسقاط الطائرة، إلا بعد أن قدم المراقبون الأمريكيون تعليمات خطوة بخطوة حول كيفية القيام بذلك، وحينها احتفت وسائل الإعلام السعودية بالحادثة ووصفتها بأنها "إنجاز عسكري لافت".
وحسب التحليل، فإن "أحد أكبر التحديات التي يواجهها الجيش هو أفراده، خاصة بعدما شهدت قوات النخبة حالات فرار جماعي، ورفضت القوات الخدمة على الحدود الجنوبية، وطلب البعض مغادرة الجيش لأنهم لا يريدون القتال".
ويضيف: "الجيش لا يسيطر على عناصره، ولا يقدمهم للمحاكمة العسكرية إذا هربوا أو لم يعودوا إلى وحداتهم بعد انتهاء إجازاتهم، وبدلا من ذلك، يحيلهم إلى ممثلي قبائلهم في الجيش".
أداء اقتصادي ضعيف
وفي الجانب الاقتصادي، يلفت التحليل إلى أن معدل النمو السنوي للاقتصاد السعودي بين عامي 2003 و2013 بلغ 0.8% على الأكثر ، على الرغم من إنفاق الحكومة تريليونات الدولارات على 9 خطط خمسية للتنمية الاقتصادية بين عامي 1970 و 2014.
وتشير النتائج، حسب "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، إلى فشل تحقيق أهداف الخطط، ومن المتوقع أن يكون أداء رؤية 2030 ضعيفًا بنفس القدر.
ويضيف التحليل: "تتطلب السعودية وفرة من العمالة الماهرة، لكن الشباب السعودي رفض المشاركة في العمل المنتج الذي يتطلب تدريبًا متكررًا، ويدفع أقل من توقعاتهم، إنهم يتوقعون أن يعيشوا حياة الرفاهية، مما يعني أن الاقتصاد السعودي سيستمر على الأرجح في الاعتماد على العمال الأجانب لسد فجوة العمالة".
ويضرب مثالا بالخطوط الجوية السعودية، فموظفو الناقل الوطني للبلاد يفتقرون إلى الاحتراف، ويشكو الطيارون الأجانب من الغياب التام للانضباط.
ويضيف: "السعوديون يدخنون على سطح الطائرة أثناء التزود بالوقود وأثناء التواجد في الجو، وغالبًا ما يتخطى الطيارون المحليون التدريبات ويدعون المرض إذا لم تعجبهم جداول رحلاتهم".
وأمام ذلك، ونظرًا لتكوينها الاقتصادي والإداري والسياسي والثقافي، لا يمكن للبلد أن تضمن نجاح رؤية 2030، وفقا للتحليل، الذي يقول إن "البيروقراطية الجامدة والبطيئة في السعودية، بالإضافة إلى بنيتها التحتية الضعيفة والاعتماد على العمالة الوافدة، لا تشجع المستثمرين الأجانب".
ويضيف التحليل: "يعتمد المشروع (رؤية 2030) على بناء مجتمع منفتح على استعداد لرفض القبلية، لكن النظام غير راغب في معالجة قضية القبلية، بما يتجاوز التصريحات الروتينية".
ويتابع: "من غير المحتمل أيضًا أن تجد بعض مشاريع رؤية 2030 التمويل الكافي، فمدينة نيوم الضخمة في الصحراء الشمالية للمملكة، على سبيل المثال، ستكلف 500 مليار دولار ومن المحتمل ألا تجتذب ما يكفي من المستثمرين".
ويزيد: "سيتطلب ضمان نجاح رؤية 2030 أيضًا نوعًا من الإصلاح السياسي يتعارض مع سياسات بن سلمان الذي يعتمد نهج احتكار صنع القرار وتقييد حرية التعبير".
ويضرب مثالا على ذلك بسعي ولي العهد السعودي لتوحيد خطب الجمعة في المساجد في جميع أنحاء المملكة، و"قمع المنتقدين من خلال الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القضاء".
بالتوازي مع ذلك، والحديث للكاتب، سيتطلب الانتقال إلى دولة منتجة إنشاء اقتصاد معرفي وترك النظام الاجتماعي القبلي، الأمر الذي من شأنه أن يقوض أهم ركائز السياسة السعودية.
ويضيف: "منذ طفرة النفط في سبعينيات القرن الماضي، شب السعوديون ليتوقعوا مستوى معيشيًا معينًا يتضمن وسائل راحة كبيرة دون كسبها، ولكي تبدأ الحكومة في إخبار المواطنين السعوديين العاديين أنه يجب عليهم كسب عيشهم من خلال العمل الجاد، فإن ذلك يعد لعنة بالنسبة لهم".
وبالمثل، وفق "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، يتوقع أفراد العائلة المالكة السعودية نتائج سريعة، إيمانًا منهم بأن الاستثمار في المشاريع الضخمة سيساعدهم على تحقيق أهدافهم.
ويضيف: "يشك البعض في أن العائلة الحاكمة السعودية تريد حقًا امتلاك جيش قوي، فلم تنفذ الحكومة السعودية خططًا مدروسة لزيادة الكفاءة العسكرية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تغييرات سلوكية ونبذ القيم التقليدية".
ويتابع: "لقد دافعت خطط المملكة التنموية الخمسية باستمرار عن قيم البلاد التقليدية القائمة على الطاعة والولاء المطلق للملك، خوفا من أن تلهم القيم الاجتماعية الحديثة التفكير المستقل والمطالبة بالمشاركة السياسية، وبالتالي تدفع نحو تحويل المملكة إلى ملكية دستورية".
ويزيد: "كما أن الحكومة لم تفعل الكثير للحد من عودة القبلية، التي وجدت طريقها إلى الجيش والبيروقراطية والحياة العامة".
ويتابع: "لثني الشباب عن التحول إلى الإسلام السياسي، ركز بن سلمان على جهود محدودة للتحرير الاجتماعي، مثل السماح بالحفلات الموسيقية وغيرها من أشكال الترفيه، وستؤدي هذه الإجراءات في النهاية إلى الركود بدلاً من التحديث".
المصدر | هلال خشان/ جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد