فكانت أولى الترجمات هي ترجمة حرفية للنص المتعلق بحديث ابن عباس حول كتابه الموسوم بالإسراء والمعراج، و كانت عملية الترجمة أشبه بفعل دنكشوتي باحث عن الخرافة لا عن الحقيقة فالكتاب أساسا لا وجود له في التراث وإنما هو عبارة عن شيء من المخيلة المريضة لدى أعداء الثقافة العربية، بعدها بقرابة القرن الزمني أي في القرن الحادي عشر تمت عملية ترجمة للشعر العربي وبخاصة ذلك المتعلق بشعر الغزل العربي وهو الذي شكل مُدخلات الشعر الأوروبي الحديث عكس ما يحدث اليوم من قبل شعراء الحداثة العرب الذين تأثروا بالشعر الأوروبي المعاصر.
لكن أهم منعطف تحقق في الترجمة وانعكاساتها على مفكري عصر النهضة هو ترجمة كتب الفيلسوف العربي ابن رشد التي أحدثت ثورة في النهج التفكيري والمدرساني في أوروبا في القرون الوسطى، وهي حقائق أكد عليها معظم مثقفي أوروبا وفي مختلف العصور أمثال جورج جوسداروف صاحب كتاب ‘نحو عصر آخر وسيط’ والإنكليزي ويليم هوويل والباحث الفرنسي آلان دوليبيرا وغيرهم كُثر، لكن الأمر لم يكن في حالات كثيرة يخلو من التجرد فالدافع الرئيس الذي غلب على الترجمة كان مجرد الاكتشاف للآخر الحضاري لمعرفة مكامن الضعف وتضخيمها للمتلقي وفي ذات التوجه الاستفادة من التحولات العاصفة التي أنتجتها حالة الصراع القائمة بين العقلانية المدرسانية وما يمكن توصيفه باللاعقلانية المتمثلة بالكهنوت الديني الغيبي الذي فرض نفسه على الحضارة العربية وعجّل بأفولها عندما بدأ العقل الأوروبي بالخروج من التفكير الكنسي القائم على الغيبيات والبعيد عن تحييد الدين.
المرحلة الثانية هي تلك التي حدثت مع بدايات عصر النهضة الأوروبي في القرن الثالث عشر بترجمة قصة حي بن يقظان في إيطاليا عام 1280 م، وبين هذه الفترة والمرحلة الثالثة كانت هناك أشبه بالقطيعة حتى القرن السابع عشر بداية المرحلة الثالثة مع النص العربي الأدبي عندما تمت ترجمة لاتينية قام بها إدوارد بوكوك لنص أدبي يحمل قصة حي بن يقظان التي نستطيع القول إنها كانت المقدمة لاهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي وكان للرواية حضورها المشع في تشكيل المشهد الروائي في القارة الأوروبية، فكانت الأساس للعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب “عقيدة القس من جبل السافوا” للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، وكذلك نجد الأحداث المشتركة واضحة بينها وبين رواية “روبنسون كروزو” للكاتب دانييل ديفوا، وقصة ماوكلي فتى الأدغال وشخصية طرزان التي تتحدث معظمها عن سلوك الإنسان عندما يجبر على العيش في بيئة لوحده.
أيضا الملاحظ أن هناك توجها عاما للمؤسسات ودور النشر الأوروبية في ما يتعلق بالترجمة وأهمها حصر الترجمة على الكتابات الروائية السردية المرتبطة بالسيرة الذاتية، وهنا تكمن العقبة في أن حالة التماهي التي أبداها العديد من الأدباء العرب قد تؤسس لنوع من الكتابة وتعيق تسليط الضوء على فضاء واسع من الكتابات الأدبية التي تستحق وفق المعايير والصيغ الجمالية أن تترجم، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجدوى من الترجمة من الأساس.
وفي ذات السياق هناك خلل لا ينبغي إفاله أو تجاهله وهو ذلك المرتبط بكينونة اللغة العربية وتراكيبها في اللغة الإنكليزية؛ على سبيل المثال لا توجد تاء التأنيث والاختلاف الجذري بقواعد النحو يلقي بظلاله على تحريف المعنى الحرفي للكلمة ويجعلها تبدو كما لو كانت عبارة عادية فاقدة لبريقها إذا لم تقد إلى تغيير المعنى أصلا، فهناك كلمات في اللغة العربية لا يوجد لها مرادف في الإنكليزية ويتم التعامل معها من خلال المقاربة اللغوية وهو ما يفقد النص جمالياته وأبعاده الدلالية في اللغة المترجمة، ومن خلال ما سبق أستطيع القول إن جميع الترجمات مهما كانت القدرات لدى المترجم تظل ناقصة ولا تخدم الأدب أو الأديب.
وأمام وضعية كهذه عملت بعض دور النشر على ترجمة الأدب العربي بطريقة جعلته يبدو غريبا حتى عن لغة الكتابات التي تشكل هوية الأديب فعمدت إلى الترجمة التلخيصية الحرة وهي ضارة بالنص وأشبه بنوع من الانتقائية تجعل النص بعيدا كل البعد عن المصدر لكونها في معظم الأحيان تكون مخالفة له وهي أقرب إلى الترجمة الاقتصادية وأبعد ما تكون عن النص الأدبي.
الترجمة اللفظية: وهي أشبه بعملية إفقار للنص من المشاعر والأحاسيس والوصف الدقيق للحظة والمكان، فهو في هذه الحالة يقوم على البحث في القاموس لكل كلمة عما يناسبها من معنى وهنا تتم عملية نقل ونسخ للنص لا نقل التعابير والأوصاف الجمالية!
الترجمة المعنوية الفنية المعيارية: هذا النوع من الترجمة يتطلب أن يكون المترجم لديه القدرة على القراءة المعمقة النوعية المتميزة، نعم يمكن للأديب من نفس المدرسة أن يتماهى ويعبر ويضيف إلى النص، لكن المحصلة هي أن هذا النوع من الترجمة أشبه بما يقوم به المترجم المعتمد المُحلف لدى الهيئات القضائية، فيكون النص قانونيا صالحا للقراءة لكنه لا يقترب من ترجمة نصية واقعية ذات عمق ودلالات عاكسة تماما لمفردات النص الأدبي.
لكن ومع كل ما تقدم أعتقد أن الترجمة للأدب العربي تحتاج إلى مزايا ينبغي أن تتوافر في المشتغلين على الترجمة في الجانب الأدبي كونها تختلف اختلافا جذريا عن جميع أشكال الترجمة؛ ينبغي أولا وقبل كل شيء أن يكون المترجم على علم وليس إجادة فرق في الحالتين، أقول على علم بقواعد اللغة العربية متقنا في طبيعة اللغتين مدركا للفوارق بين السمتين المميزتين للعربية والإنكليزية، من حيث أن العربية تطغى عليها الصيغ الفعلية بينما في الإنكليزية تغلب عليها الجمُل الإسمية، مدركا لاختلاف البيئة ولديه ثقافة موسوعية خاصة بالتركيبة الثقافية لكلا البلدين وهو ما يتطلب أن يكون لديه ميكانيزم لغوي معرفي متحرك في أبحاث اللغة أي أنه لا يكون متموضعا في مرحلة معينة، وأعتقد أن مجامع اللغة العربية يمكن أن تلعب دورا في ذلك من خلال تحديد القواسم والمشتركات اللغوية في هذه المسألة وهي التي تتعاطى مع اللغة من خلال الأمام بالاتجاهات الحداثية وهي صفة ينبغي أن تكون متأصلة في المترجم.
التركيز كان على حي بن يقظان، وهي التي أسست للأدب الأوروبي الحديث وعلى حديث ابن عباس وعلى تلك الكتابات الإستشراقية الفرنسية التي توقفت عند ترجمة المستشرقين حول الدين وكتاب ألف ليلة وليلة تحديدا، التي شكلت المدُخلات الرئيسية في قراءة سيكولوجية الفرد العربي وهي التي طغت على ترجمة الأوروبيين للفلسفة الرشدية التي أسست للنهج المدرساني الأوروبي، ولهذا نجد أن معظم الأعمال المترجمة إلى اللغات الأوروبية تغلب جانب الفساد والأقليات المهمشة والمرأة المقهورة بفعل طغيان الرجل العربي المستبد المتخلف، وهي نوع من الانتقائية تقدم العرب إلى العالم من خلال تقرير اجتماعي يكتب وفق ما هو سياسي مقولة هنري وايموت، مترجم الجزء الثاني من رواية الأيام لطه حسين إلى الإنكليزية “إن هذا أدب غريب ينتمي إلى بلدان متخلفة علميا وصناعيا واقتصاديا”.
-----------
الجديد
لكن أهم منعطف تحقق في الترجمة وانعكاساتها على مفكري عصر النهضة هو ترجمة كتب الفيلسوف العربي ابن رشد التي أحدثت ثورة في النهج التفكيري والمدرساني في أوروبا في القرون الوسطى، وهي حقائق أكد عليها معظم مثقفي أوروبا وفي مختلف العصور أمثال جورج جوسداروف صاحب كتاب ‘نحو عصر آخر وسيط’ والإنكليزي ويليم هوويل والباحث الفرنسي آلان دوليبيرا وغيرهم كُثر، لكن الأمر لم يكن في حالات كثيرة يخلو من التجرد فالدافع الرئيس الذي غلب على الترجمة كان مجرد الاكتشاف للآخر الحضاري لمعرفة مكامن الضعف وتضخيمها للمتلقي وفي ذات التوجه الاستفادة من التحولات العاصفة التي أنتجتها حالة الصراع القائمة بين العقلانية المدرسانية وما يمكن توصيفه باللاعقلانية المتمثلة بالكهنوت الديني الغيبي الذي فرض نفسه على الحضارة العربية وعجّل بأفولها عندما بدأ العقل الأوروبي بالخروج من التفكير الكنسي القائم على الغيبيات والبعيد عن تحييد الدين.
المرحلة الثانية هي تلك التي حدثت مع بدايات عصر النهضة الأوروبي في القرن الثالث عشر بترجمة قصة حي بن يقظان في إيطاليا عام 1280 م، وبين هذه الفترة والمرحلة الثالثة كانت هناك أشبه بالقطيعة حتى القرن السابع عشر بداية المرحلة الثالثة مع النص العربي الأدبي عندما تمت ترجمة لاتينية قام بها إدوارد بوكوك لنص أدبي يحمل قصة حي بن يقظان التي نستطيع القول إنها كانت المقدمة لاهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي وكان للرواية حضورها المشع في تشكيل المشهد الروائي في القارة الأوروبية، فكانت الأساس للعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب “عقيدة القس من جبل السافوا” للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، وكذلك نجد الأحداث المشتركة واضحة بينها وبين رواية “روبنسون كروزو” للكاتب دانييل ديفوا، وقصة ماوكلي فتى الأدغال وشخصية طرزان التي تتحدث معظمها عن سلوك الإنسان عندما يجبر على العيش في بيئة لوحده.
معيقات لغوية
النص الروائي في أي لغة يكتسب صوره الجمالية منها، فنحن هنا نؤكد أن النص هو مجموعة أحاسيس ومشاعر تنتج عن تلك الحالة المتناثرة الموسومة بالكلمات والعبارات فائقة التبجيل، وهنا تكون الأحاسيس في النص المترجم بلغة مختلفة تماما عن تلك التي ترجمت إليها، فالنص هنا بفعل الترجمة يفقد معناه وينسلخ تماما عن البيئة التي قيل فيها والمعنى يتغير فيصبح بعيدا عن المتلقي وغريبا عن ذائقته، فالشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وكذلك النص الذي يندرج في إطار فن الكتابة والتعبير أي أن تكنيك اللغة في جميع الحالات لا يمكن أن يتم استنساخه وقولبته بصورة قسرية.أيضا الملاحظ أن هناك توجها عاما للمؤسسات ودور النشر الأوروبية في ما يتعلق بالترجمة وأهمها حصر الترجمة على الكتابات الروائية السردية المرتبطة بالسيرة الذاتية، وهنا تكمن العقبة في أن حالة التماهي التي أبداها العديد من الأدباء العرب قد تؤسس لنوع من الكتابة وتعيق تسليط الضوء على فضاء واسع من الكتابات الأدبية التي تستحق وفق المعايير والصيغ الجمالية أن تترجم، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجدوى من الترجمة من الأساس.
وفي ذات السياق هناك خلل لا ينبغي إفاله أو تجاهله وهو ذلك المرتبط بكينونة اللغة العربية وتراكيبها في اللغة الإنكليزية؛ على سبيل المثال لا توجد تاء التأنيث والاختلاف الجذري بقواعد النحو يلقي بظلاله على تحريف المعنى الحرفي للكلمة ويجعلها تبدو كما لو كانت عبارة عادية فاقدة لبريقها إذا لم تقد إلى تغيير المعنى أصلا، فهناك كلمات في اللغة العربية لا يوجد لها مرادف في الإنكليزية ويتم التعامل معها من خلال المقاربة اللغوية وهو ما يفقد النص جمالياته وأبعاده الدلالية في اللغة المترجمة، ومن خلال ما سبق أستطيع القول إن جميع الترجمات مهما كانت القدرات لدى المترجم تظل ناقصة ولا تخدم الأدب أو الأديب.
وأمام وضعية كهذه عملت بعض دور النشر على ترجمة الأدب العربي بطريقة جعلته يبدو غريبا حتى عن لغة الكتابات التي تشكل هوية الأديب فعمدت إلى الترجمة التلخيصية الحرة وهي ضارة بالنص وأشبه بنوع من الانتقائية تجعل النص بعيدا كل البعد عن المصدر لكونها في معظم الأحيان تكون مخالفة له وهي أقرب إلى الترجمة الاقتصادية وأبعد ما تكون عن النص الأدبي.
الترجمة اللفظية: وهي أشبه بعملية إفقار للنص من المشاعر والأحاسيس والوصف الدقيق للحظة والمكان، فهو في هذه الحالة يقوم على البحث في القاموس لكل كلمة عما يناسبها من معنى وهنا تتم عملية نقل ونسخ للنص لا نقل التعابير والأوصاف الجمالية!
الترجمة المعنوية الفنية المعيارية: هذا النوع من الترجمة يتطلب أن يكون المترجم لديه القدرة على القراءة المعمقة النوعية المتميزة، نعم يمكن للأديب من نفس المدرسة أن يتماهى ويعبر ويضيف إلى النص، لكن المحصلة هي أن هذا النوع من الترجمة أشبه بما يقوم به المترجم المعتمد المُحلف لدى الهيئات القضائية، فيكون النص قانونيا صالحا للقراءة لكنه لا يقترب من ترجمة نصية واقعية ذات عمق ودلالات عاكسة تماما لمفردات النص الأدبي.
لكن ومع كل ما تقدم أعتقد أن الترجمة للأدب العربي تحتاج إلى مزايا ينبغي أن تتوافر في المشتغلين على الترجمة في الجانب الأدبي كونها تختلف اختلافا جذريا عن جميع أشكال الترجمة؛ ينبغي أولا وقبل كل شيء أن يكون المترجم على علم وليس إجادة فرق في الحالتين، أقول على علم بقواعد اللغة العربية متقنا في طبيعة اللغتين مدركا للفوارق بين السمتين المميزتين للعربية والإنكليزية، من حيث أن العربية تطغى عليها الصيغ الفعلية بينما في الإنكليزية تغلب عليها الجمُل الإسمية، مدركا لاختلاف البيئة ولديه ثقافة موسوعية خاصة بالتركيبة الثقافية لكلا البلدين وهو ما يتطلب أن يكون لديه ميكانيزم لغوي معرفي متحرك في أبحاث اللغة أي أنه لا يكون متموضعا في مرحلة معينة، وأعتقد أن مجامع اللغة العربية يمكن أن تلعب دورا في ذلك من خلال تحديد القواسم والمشتركات اللغوية في هذه المسألة وهي التي تتعاطى مع اللغة من خلال الأمام بالاتجاهات الحداثية وهي صفة ينبغي أن تكون متأصلة في المترجم.
عقبات فكرية
من ضمن العقبات الفكرية التي تواجه ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية هي أن الغرب لا يبحث عن قراءة معمقة للمشهد العربي الأدبي بعيدا عن الأيديولوجيا والنظرة الأوروبية القديمة التي تشكلت من خلال الميثولوجيا التي حددت نظرة الغرب إلى الآخر العربي وخلقت تلك الشخصية الغريبة المسكونة بالخرافة والتخلف والكسل والغيبيات وهي نظرة مجحفة وظالمة للعرب.التركيز كان على حي بن يقظان، وهي التي أسست للأدب الأوروبي الحديث وعلى حديث ابن عباس وعلى تلك الكتابات الإستشراقية الفرنسية التي توقفت عند ترجمة المستشرقين حول الدين وكتاب ألف ليلة وليلة تحديدا، التي شكلت المدُخلات الرئيسية في قراءة سيكولوجية الفرد العربي وهي التي طغت على ترجمة الأوروبيين للفلسفة الرشدية التي أسست للنهج المدرساني الأوروبي، ولهذا نجد أن معظم الأعمال المترجمة إلى اللغات الأوروبية تغلب جانب الفساد والأقليات المهمشة والمرأة المقهورة بفعل طغيان الرجل العربي المستبد المتخلف، وهي نوع من الانتقائية تقدم العرب إلى العالم من خلال تقرير اجتماعي يكتب وفق ما هو سياسي مقولة هنري وايموت، مترجم الجزء الثاني من رواية الأيام لطه حسين إلى الإنكليزية “إن هذا أدب غريب ينتمي إلى بلدان متخلفة علميا وصناعيا واقتصاديا”.
-----------
الجديد