تسمّى الانتخابات التي تنتظم في الولايات المتحدة بعد غد الثلاثاء (8 نوفمبر/ تشرين الثاني) "الانتخابات النصفية"، لأنها تقع ببساطة في منتصف فترة الرئاسة. في هذه الانتخابات، يتمّ انتخاب كامل أعضاء مجلس النوّاب الأميركي وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، إضافة إلى عدد من حكام الولايات والقضاة وبعض المسؤولين الآخرين، فضلاً عن البرلمانات المحلية. وهي في العادة أقل أهمية من الانتخابات الرئاسية التي يكون فيها الإقبال أكبر من الانتخابات النصفية. ومع ذلك، تمتعت انتخابات 2018 النصفية بإقبال كبير من الناخبين، الذين أقبلوا على صناديق الانتخاب ليدلوا بأصواتهم، فيما كان أشبه باستفتاء على سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب. وكانت النتيجة انتخاب مجلس نوّاب بأكثرية ديمقراطية شكّلت عقبة في تنفيذ كثير من برامج الرئيس ترامب، الأكثر محافظة ومحاباة للشركات العملاقة والجماعات الدينية المتعصّبة والجماعات ذات التوجهات الفاشية والعنصرية.
انتخابات هذا العام، بعد غد الثلاثاء، مقدّر لها أيضاً أن تشهد إقبالاً كبيراً. ويرى اثنان من كل ثلاثة ناخبين مسجّلين هذه الانتخابات أنها أكثر أهميةً بالنسبة لهم من الحملات الانتخابية النصفية السابقة، التي كانت شهدت أعلى نسبة إقبال لها منذ قرن. ومع اقتراب الأسابيع الأخيرة، يتعمّق الانقسام بين الأميركيين على المستوى الوطني في تصويتهم للكونغرس، وهو الانقسام الذي بدأ منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكرّسه وفاقمه ترامب.
رفض ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وكان أول رئيس أميركي في العصر الحديث يرفض حضور تنصيب خلفه
بالنسبة للرئيس أوباما، لم يستطع الأميركيون البيض المتعصبون أن يغفروا له أنه أول رئيس أسود يحكمهم. وقد شعر بعض منهم أن رئاسة رجل أسود كانت إهانة لهم. أما غلاة الجمهوريين فساءهم بشكل خاص قانون الرعاية الصحية المتاحة (أو أوباما كير)، الذي حرم شركات التأمين العملاقة من عوائد ضخمة، وحمّل الحكومة جزءاً من عبء الرعاية الصحية لمن ليس لديه تأمين صحي. ومع أن الاقتصاد الأميركي في فترة أوباما تعافى عما كان عليه في أعقاب ركود 2008، إلا أن ما لطّختها جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، وفي مقدمتها التفريغ المستمر للطبقة الوسطى، إذ وصل التفاوت في الدخل إلى أعلى مستوى له منذ 1928.
وعندما ألقى الرئيس دونالد ترامب خطابه الافتتاحي في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، وعد بإنهاء ما سماها "المذبحة الأميركية"، راسماً صورة قاتمة لأمة مقسّمة ومختلّة وظيفياً، ومؤكّداً أنه وحده القادر على إصلاحها. ولكنه حين ترك البيت الأبيض مرغماً بعد أربع سنوات، خلّف وراءه أمّة أكثر انقساماً واستقطاباً، واقتصاداً شبه مدمّر، وكراهية عميقة بين الأميركيين، وانعدامَ ثقةٍ لدى كثرة منهم بآلية الانتخابات الأميركية ونتائجها.
رفض ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وكان أول رئيس أميركي في العصر الحديث يرفض حضور تنصيب خلفه، وأخذ معه بشكلٍ غير شرعي آلاف الوثائق المصنّفة "سرّية جداً" إلى مقرّ إقامته في مارالاغو، في فلوريدا. وشجّع أنصارَه على التوجّه إلى مبنى الكابيتول لمنع إقرار نتائج الانتخابات في أول سابقةٍ في التاريخ، وهو يواجه اليوم عشرات القضايا القضائية المرفوعة ضدّه، أهمها اتهامه وثلاثةً من أولاده البالغين بالكذب على جامعي الضرائب والمقرضين وشركات التأمين في مخطّط احتيال "مذهل" يبدّل بشكل روتيني في قيمة ممتلكاته لإثراء أنفسهم. هذه الدعوى المدنية أتت في أعقاب التحقيق الرسمي الذي يقوم به مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في احتجاز ترامب وثائق حكومية حسّاسة في منزله في فلوريدا، بينما تنظر هيئة محلفين كبرى خاصة في جورجيا فيما إذا كان هو وآخرون قد حاولوا التأثير على مسؤولي الانتخابات بالولاية، بعد هزيمته هناك على يد جو بايدن. ولكن أكثر الدعاوى إذلالاً لترامب هي التي أمره فيها القاضي لويس كابلان، قبل أيام، بأن يجيب تحت القسم في جلسة استماع رسمية على أسئلة محامي إليزابيث جين كارول، التي تدّعي أن الرئيس ترامب كان قد اغتصبها عنوةً في أحد المتاجر العامة في التسعينيات من القرن الفائت.
يبدو دعم الديمقراطيين من الناخبين المسجلين من غير البيض أضعف مما كان عليه قبل انتخابات 2018
وفوق هذا وذاك، يأتي التحقيق الذي تجريه لجنة التحقيق في أحداث يناير/ كانون الثاني 2022 التابعة لمجلس النواب. لقد استنتجت اللجنة أن ترامب قد قاد "بدون أدنى شك... جهداً لقلب الديمقراطية الأميركية، وهو ما أدّى مباشرة إلى أعمال العنف في 6 يناير/ كانون الثاني. لقد حاول أن يسلب صوت الشعب الأميركي واستبدل إرادة الناخبين برغبته في البقاء في السلطة. إنه الشخص الوحيد في قلب قصة ما حدث في 6 يناير"، "ولذلك وافق أعضاء اللجان بالإجماع على أمر استدعاء ترامب رسمياً للإدلاء بأقواله أمام اللجنة".
كانت الاتجاهات العامة هذه السنة تصبّ في صالح الجمهوريين، ولا يزال المتنبّئون السياسيون يعتقدون أن الحزب الجمهوري هو المرشّح للفوز في مجلس النواب، وأن احتمال فوزه في مجلس الشيوخ واردٌ بقوة. وربما كانت حظوظ الجمهوريين أكبر لو أن المحكمة العليا أجّلت إصدار قرارها في يونيو/ حزيران بإلغاء قضية رو ضد ويد، ما حفّز مؤيدي حقوق الإجهاض، وخصوصاً النساء، لينشطوا ضدّ الجمهوريين. ولكن لدى الجمهوريين سلاحاً آخر. لا تزال أسعار المواد الغذائية والأساسيات والعقارات وإيجار البيوت في تصاعدٍ مستمر. ويلقي الجمهوريون باللائمة في ارتفاع أسعار الوقود على الرئيس بايدن، متجاهلين حرب روسيا على أوكرانيا وقرار السعودية تقليص صادرات النفط في أسوأ وقت ممكن، بالنسبة للعالم.
ولا يزال الرئيس بايدن يمثل عبئاً ثقيلاً على المرشّحين الديمقراطيين هذا الخريف. ورغم أن نسبة قبوله بين الأميركيين ارتفعت من 35% في مثل هذا الوقت من العام الفائت إلى 40% اليوم، لا يمكن تجاهل أن أغلبية 57% لا تزال تقول إنه لم ينجز الكثير أو لعله لن ينجز أي شيء.
وتتركّز المعركة الانتخابية على المستقلين كما هو الحال دوماً، لأنهم غالباً ما يشكّلون بيضة القبّان. ولكن في المناطق الأكثر تنافسية التي يتسابق فيها المرشّحون عنقاً لعنق، كما يقول المثل الأميركي، فإن الاستطلاعات تعطي الجمهوريين أفضلية ضئيلة، فمن بين الناخبين المسجلين قال 47% إنهم سيصوّتون للجمهوري في دائرتهم في مجلس النواب، بينما قال 46% إنهم سيصوتون للديمقراطيين. هذه النتيجة هي نفسها كما كانت في إبريل/ نيسان. ولكن في فبراير/ شباط، كان الجمهوريون يحوزون أفضلية سبع نقاط.
يعتقد المتنبّئون السياسيون أن الحزب الجمهوري هو المرشّح للفوز في مجلس النواب، واحتمال فوزه في مجلس الشيوخ واردٌ بقوة
يراهن الديمقراطيون على الشباب الذين يميلون، في معظمهم، لليبراليين، لو أنهم أدلوا بأصواتهم، ولكنهم مشغولون، على الأرجح، بالبحث عن عمل أو بدراستهم أو بلهوهم. أما النساء فيشكلن دعامة كبيرة للديمقراطيين الذين يتمتعون بثماني عشرة نقطة أكثر من الجمهوريين.
من ناحية أخرى، يبدو دعم الديمقراطيين من الناخبين المسجلين من غير البيض أضعف مما كان عليه قبل انتخابات 2018. وينخفض تأييد الناخبين الملوّنين للديمقراطيين باضطراد، رغم أن سياسة الجمهوريين تقف حائلاً بين هؤلاء المواطنين وعائلاتهم الذين يريدون إحضارهم إلى الولايات المتحدة. وتفيد دراسات ميدانية وأكاديمية جديدة بأن أميركيين كثيرين من أصل لاتيني يميلون إلى الجمهوريين في انتخابات بعد غد الثلاثاء، ربما بسبب البحبوحة التي بات كثيرون منهم يتمتّعون بها، ما يدفعهم إلى أن يدافعوا عن سياسة تخفيض الضرائب وانغلاق أميركا عن العالم الخارجي. وباعتبارهم المجتمع العرقي الأسرع نمواً في الولايات المتحدة، فإن نفوذهم السياسي قد يقلب الموازين بالنسبة للجمهوريين.
ومع ذلك، لا يمكن الجزم بثقة كبيرة أن الجمهوريين سيحققون مكسباً كاسحاً في انتخابات الثلاثاء، بل المرجّح أن يحصلوا على أغلبية صغيرة في مجلس النواب تجعلهم قادرين على وضع العصي في عجلة سياسات الرئيس بايدن، بينما أمل الديمقراطيين ما يزال كبيراً في الحفاظ على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، ما سيجعل السنتين المقبلتين مثيرتين للمراقب السياسي، ولكن صعبتين وقاسيتين للمواطن الأميركي، وأيضاً للعالم الذي يتطلّع إلى قيادة أكبر للولايات المتحدة.
-------
العربي الجديد