في سيرة امرئ القيس تختلط الوقائع بالاساطير سياسيا وعاطفيا ايضا فهذا العاشق الغريب المدفون قرب أنقرة التركية والذي أوشكنا ان ننساه من كثافة تراكم قصص الغرباء والمنفيين العرب الذين يموتون بعيدا عن اوطانهم ويقهرون دون ان يحاولوا ملكا ودون ان يكون معهم أصحاب يبكون سلفا من عمق الكشف والرؤية فهم يرون النهاية واضحة منذ اول خطوة في دروب المنفى :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وايقن انا لاحقان بقيصرا
فقلت له لاتبك عينك انما
نحاول ملكا اونموت فنعذرا
والمفارقة ان الشاعر في العودة الى ديار الاحباب يطالب بالبكاء وبعد مغادرتها ينهى عنه فالدموع العربية تسكب دوما في غير مواقعها ونعذر او نقهر لافرق ما دامت الفاجعة تنتظر عند سفوح اي عسيب او كثيب وقد كتبت هذه القصيدة في منطقة حماة شمال قلعة بني منقذ في شيزر كما يشير ثاني بيت فيها :
أرى ام عمرو دمعها قد تحدرا
بكاء على عمرو وما كان أصبرا
تقطع اسباب اللبانة والهوى
عشية جاوزنا حماة وشيزرا
اما صاحب امرئ القيس الباكي فهو عمرو بن قميئة البكري وكان شاعرا وسيما خدم مع والد امرئ القيس قبل اغتيال الثاني وسافر معه كما تقول الروايات الى القسطنطينية ليستنجد بالقيصر على استعادة مملكة ابيه وسمته العرب عمرو الضائع لانه مات غريبا في غير مأرب أومطلب فهل جميعنا ذاك العمرو يا زيد الذي يضرب عمرو ولا يترك امامه غير خيار السجن او المنفى ...؟ .
ولا بأس مبدئيا بالتسمية وليحمد صاحب الملك الضليل ربه لانهم لم يطلقوا عليه اسم عمرو الخائن فرفيقه أول وارث للحكم يطلب باصرار تدخل القوات الاجنبية في بلاده ولو نجح جهده لقيل عنه وعن مجلس الحكم اليمني كما يقال عن مجلس الحكم العراقي حاليا انه عاد من منفاه على ظهر الخيول الرومية .
ولا عليك من تخريجات يفرضها ألم المقارنات فأهمية امرئ القيس فنية وعاطفية قبل ان تكون سياسية فهو نفسه لم يكن له في السياسة والحكم مأرب وكان قصارى جهده مطاردة الحسان بين الواحات والهوادج فهناك الكر والفر الحقيقيان اللذان يتقنهما ذلك المعجون من شبق وهوس بجنس الانثى .
التهمة الطائية
وما كانت النساء تحبه رغم غزله ووسامته وكريم أصله ووفرة ماله فلهذا الصنف من الكائنات في ما يحب مذاهب وعجائب وقد قيل ان امرأ القيس سأل احدى نساءه لماذا لا تحبه النساء وتهرب منه الزوجات والخليلات فقالت له : انك اذا عرقت فحت بريح كلب ،فقال لها : صدقت فان اهلي ارضعوني لبن الكلاب .
هنا معضلة زير النساء الذي لا تحبه النساء اذن انها الرائحة وهي أصل الحب والتعلق كما يزعمون ولم يكن هناك يودورانت - ولا عطور كريستيان ديورليحل لشاعرنا مشكلة رائحة الكلاب التي تفوح منه ان تعرق ولا بد لكل شبق ان يتعرق الا اذا كان مثل بعض رجال هذا الزمان الذين أراحوا أنفسهم وتركوا الجهد الحميد لغيرهم لكن قبل ان تأخذ قصة عرق الكلاب مأخذ الجد دعنا نخبرك عن مصيبة أخرى في علاقة هذا الشاعر بالنساء .
هذه المصيبة التي تطيح بحظ أي رجل مع الجنس الآخر يرويها الميداني عن المفضل الضبي فيزعم الاثنان ان امرأ القيس كان رجلا- مفركا- اي من النوع الذي تمل النساء صحبته وعشرته ودليلهما على ذلك قصة امرأة من طي تزوجها وابتنى بها فأبغضته من ليلتها وقامت منذ نصف لليل تقول له:يا خير الفتيان أصبحت أصبحت ،فادرك ان ما صنعت من كراهية لكنه صبر حتى طلع الصباح وسألها : ماذا كرهت مني ؟ فصمتت لكنه ألح وليته ما ألح لأن البدوية التي تربت على الصراحة قالت : كرهتك لانك( خفيف العجز ثقيل الصدر سرع الاراقة بطئ الافاقة )وتفسير كل هذه المعميات في المعاجم انه من النوع الذي لا يستطيع ان يمتع شريكة مخدعه .
وطبعا طلق الشاعر الطائية وقبلها طلق العشرات فلم تصمد تحته الا انتحارية من قبائل كندة احتراما لاولادها منه ،وان كان الامر كذلك مع هذا الشاعر الفحل فلماذا كل ذلك ( التفشخر ) بالمغامرات النسائية الذي تجده عنده أكثر من اي شاعر آخر بالعربية باستثناء نزار قباني وعمربن ابي ربيعة ...؟
ان المعلقة وحدها فيها روايات لمغامرات مع عدة نساء منهن عنيزة وفاطمة وأم الحويرث وأم الرباب بل ان التغزل بهذه الباقة من الحسان هو أجمل ما في المعلقة فليس هناك من هو جيد التعليم او متوسطه في العالم العربي وربما الاسلامي لا يحفظ بعض ذلك (البورنوالجاهلي ) الذي يستعاد بتلذذ في جلسات السمر،وغالبا ما يبدأ المكبوتون بعنيزة وهودجها :
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات انك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معا
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فالهيتها عن ذي تمائم مغيل
ولو كان هناك قانون لحماية حقوق الطفل لوضعوا امرأ القيس وام الطفل صاحب التمائم بالسجن نتيجة لذلك الاهمال البين في لحظة لذة لكنا دعنا من المزاح وهيا بنا الى الجد لنسأل هل كان غريب أنقرة مثل حاكم استانبول - وهي القسطنطينية – السلطان عبد الحميد يهم ولا يستطيع فيجمع الجواري في الحرملك ويشجعهن على اللهو غير البرئ كي لا يحرم نفسه متعة النظر ؟
ربما كانت غزليات امرئ القيس والمبالغة فيها حالة تعويض نفسي عن كراهية النساء فهو بكل هذه المبالغات يقنع نفسه اولا بانه محبوب ومرغوب ويعدد ايامه السعيدة الفاتكة كما يعدد القادة المنتصرون معاركهم الظافرة :
ألا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
وفي أخبار هذا اليوم يقول الروة والحكاؤن الذين يحبون هذا الشاعر اكثر من غيرة لوفرة الدراما في شعره وحياته ان القبيلة التي ينتمي اليها خلفت النساء والعسفاء والخدم في الديار وعرف الشاعر بالامر فتأخر عن السير مع الرجال وذهب الى الغدير فلما وردته نساء القبيلة للاستحمام جمع امرؤ القيس ثيابهن وجلس عليها وأقسم الا يعطي كل جارية ثوبها حتى تخرج فيراها عارية مقبلة ومدبرة .
ويوم دارة جلجل هذا يذكرنا باساطير ملك يماني آخر في بلاد الجن فسيف بن ذي يزن جمع ثياب الجنيات في الوادي الذي حملته اليه أخته عاقصة وبينهن الجنية التي سيتزوجها لكنه لم ينحر حصانه كما نحر امرؤ القيس ناقته وارانا صورة – مش ولابد – لنساء القبيلة وهن يتخبطن بالشحم واللحم وكأنهن لم يذقن في حياتهن طعاما دسما .
والسؤال المركزي في فصل الاسطورة عن الحقيقة في حياة الملك الضليل ومعظم شعراء العصر الجاهلي هل استعار الرواة قصصا كثيرة وألصقوها بهذا الشاعر الذي لا تكاد تفرز الاسطوري عن الواقعي في شعره وحياته ؟
الارجح نعم فغير اساطير سيف بن ذي يزن استعيرت لامرئ القيس أجزاء من سيرة اوديب الاغريقي فقد غضب عليه ابوه وطلب من أحد عبيده ان يذهب به الى الصحراء ويذبحه ويأتيه بعينيه كدليل لكن العبد يشفق على الشاب فيطلقه ويحضر لابيه عينا جؤذر .
تشابهات الأشعث
ولماذا نوغل في التفاصيل الصغيرة والجزئيات وطه حسين يعتقد ان معظم قصصه في الطريق الى قيصر تقليد لحكايات اخرى فرحلته الى ملك الروم ما هي الا من قبيل التكرار لرحلة عبد الرحمن بن الاشعث الى ملك الترك يطلب معونته ضد الحجاج وفي هذا الافتراض يكون للموت القيسي عند سفوح جبل عسيب قرب أنقرة التركية سببا أشعثيا خلطه الرواة بغيره فالحكاؤن ورواة السير لا يهتمون بالتاريخ بل بالاثارة فللتاريخ كتبته وممولوه والرواة انما يبحثون عن رضا مستمعين ان اطربتهم دفعوا وكيف تطربهم ان لم تؤسطر وتتغزل وتؤلف وتضيف وتجعلك بطلك فارسا ودونجوانا وصاحب ملك ضائع تتدخل لأجله القوى العظمى في زمانه .
ان الحكاية المؤسطرة المسمومة التي يرويها الاصمعي في عدة اسطر تأخذ عند الروة عشرات الصفحات وسنقول لك لماذا؟ بعد ان نقرأ معا ما يقوله الاصمعي بادئا القصة من نهايتها :
(كان يقال لامرئ القيس الملك الضليل ومات بانقرة من بلاد الروم منصرفا عن قيصر وفيه يقول :
ياجفنة مسحنفرة
وطعنة مثعنجرة
قد غودرت بانقرة
وكان ملك الروم قد أتبعه حلة مسمومة فلمل لبسها تقطع جلده )
الرواة لا يكفيهم هكذا خبر فهو لوكالات أنباء تستعجل البث وهم أصحاب برامج اسبوعية وشهرية مرتاحة لذا لا بد لهم من تفاصيل يملأون بها الفراغات والساعات ولابد من قصة عاطفية محورية تفسر تسميم الشاعر الذي قال حين حانت منيته قرب قبر احدى بنات الملوك في سفح ذلك الجبل المهجورشمال الحدود السورية التي هي حد الغربة الجغرافية بين العرب والروم :
أجارتنا ان المزار قريب
واني مقيم ما اقام عسيب
اجارتنا انا غريبان هاهنا
وكل غريب للغريب نسيب
فان تصلينا فالقرابة بيننا
وان تهجرينا فالغريب غريب
وقد يقول قائل لم تسلم من غزل شاعرنا العربي جثة بالية في سفح جبل لكن يشهد الله ان عجز البيت الثالث ( وان تهجرينا فالغريب غريب ) يشفع له ان يحمل عاطفته متأججة حتى آخر لحظة عند حافة قبره عندما حانت لحظة ادراك الغربة الحقيقة الابدية التي لا ينفع معها وصل ولا فصل وتلك حالات غربة فلسفية لا يقف عندها الرواة الذين يحبون السهل غير الممتنع والمتاح والمرغوب من قبل الجميع وهل هناك اسهل من ان تفسر غضب القيصر الرومي وموافقته على تسميم الشاعر العربي بوجود قصة حب بين ابنة القيصر وبين الملك الضليل الضائع الذي ضيعه والده صغيرا وحمله همه كبيرا فلم تمنعه الهموم من الوثوب على أية انثى في الطريق او القصر او الخيمة دون اي تفكير بالعواقب ودون اي تفكير بمتعتها .
وكي يكتمل الضياع لا تعرف هل حب ابنة القيصر ومغازلتها من وراء ظهر ابيها حقيقة ام دسيسة من بني أسد أعداء امير شعراء العربية في العصر الجاهلي ففي الاخبار ان بني أسد الذين اغتصبوا عرش ابيه حين سمعوا ان القيصر أمد امرا القيس بجيش عرمرم ليستعيد ملكه منهم ارسلوا الى القيصر رجلا اسمه الطماح وهو أحد دهاتهم فوشى به للقيصر وقال انه يراسل ابنتك ويريد ان يفضحك فارسل له القيصر الحلة المسمومة وكتب معها قائلا :
(اني ارسلت لك حلتي التي كنت البسها تكرمة لك فالبسها باليمن والبركة واكتب الى بخبرك من منزل الى منزل ) فلما وصلته ولبسها اسرع السم في جسده وتقرح لحمه لذا لقب بذي القروح .
وفي أخبار القسطنطينية على ايام الامبراطور جوستنيان ذكر لعربي في البلاط اسمه القيس ارسله القيصر على راس كتيبة الى فلسطين ليضبط امرها فهل هو شاعرنا ؟ وان كان فهل رضي بامارة أكثر خصوبة من نجد و تهامة واليمن ونسي ملك ابيه واجداده ؟
الاسئلة كثيرة ولا أجوبة لها ففي الأساطير لاوجود لليقينيات التاريخية ولا حاجة للوثائق لانها اصلا غير موجودة الافي المخيلة فشرعية الاسطورة تنبع من ذيوعها وانتشارها ورسوخها في المخيلة الجماعية وحسب امرئ القيس ذيوعا وأهمية ورسوخا انه ما يزال الى اليوم على قمة هرم الشعر الجاهلي الذي ظل رغم عشرات التيارات والقرون ذروة فنية لم يتجاوزها شاعر لا من شعراء النصرانية ولا من شعراء الاسلام .
وامرؤ القيس حسب لويس شيخو من شعراء النصرانية في البلاد العربية وتلك قصة قد يكون لنا اليها عودة لمعرفة الخارطة العقائدية لشبه جزيرة العرب قبل الاسلام ففي العصر الوثني – الجاهلي كانت الفنون اكثر طلاقة والبشر أكثر حرية وفي ذلك العصر كانت الاساطير العربية تحبو وتحاول ان تتعلم المشي وما هذا الشاعر الا الصدى البعيد لكم عربي لا بأس به من الاساطير الاجتماعية والسياسية والعاطفية لقوم كانت علاقتهم ملتبسة بالنساءوماتزال
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وايقن انا لاحقان بقيصرا
فقلت له لاتبك عينك انما
نحاول ملكا اونموت فنعذرا
والمفارقة ان الشاعر في العودة الى ديار الاحباب يطالب بالبكاء وبعد مغادرتها ينهى عنه فالدموع العربية تسكب دوما في غير مواقعها ونعذر او نقهر لافرق ما دامت الفاجعة تنتظر عند سفوح اي عسيب او كثيب وقد كتبت هذه القصيدة في منطقة حماة شمال قلعة بني منقذ في شيزر كما يشير ثاني بيت فيها :
أرى ام عمرو دمعها قد تحدرا
بكاء على عمرو وما كان أصبرا
تقطع اسباب اللبانة والهوى
عشية جاوزنا حماة وشيزرا
اما صاحب امرئ القيس الباكي فهو عمرو بن قميئة البكري وكان شاعرا وسيما خدم مع والد امرئ القيس قبل اغتيال الثاني وسافر معه كما تقول الروايات الى القسطنطينية ليستنجد بالقيصر على استعادة مملكة ابيه وسمته العرب عمرو الضائع لانه مات غريبا في غير مأرب أومطلب فهل جميعنا ذاك العمرو يا زيد الذي يضرب عمرو ولا يترك امامه غير خيار السجن او المنفى ...؟ .
ولا بأس مبدئيا بالتسمية وليحمد صاحب الملك الضليل ربه لانهم لم يطلقوا عليه اسم عمرو الخائن فرفيقه أول وارث للحكم يطلب باصرار تدخل القوات الاجنبية في بلاده ولو نجح جهده لقيل عنه وعن مجلس الحكم اليمني كما يقال عن مجلس الحكم العراقي حاليا انه عاد من منفاه على ظهر الخيول الرومية .
ولا عليك من تخريجات يفرضها ألم المقارنات فأهمية امرئ القيس فنية وعاطفية قبل ان تكون سياسية فهو نفسه لم يكن له في السياسة والحكم مأرب وكان قصارى جهده مطاردة الحسان بين الواحات والهوادج فهناك الكر والفر الحقيقيان اللذان يتقنهما ذلك المعجون من شبق وهوس بجنس الانثى .
التهمة الطائية
وما كانت النساء تحبه رغم غزله ووسامته وكريم أصله ووفرة ماله فلهذا الصنف من الكائنات في ما يحب مذاهب وعجائب وقد قيل ان امرأ القيس سأل احدى نساءه لماذا لا تحبه النساء وتهرب منه الزوجات والخليلات فقالت له : انك اذا عرقت فحت بريح كلب ،فقال لها : صدقت فان اهلي ارضعوني لبن الكلاب .
هنا معضلة زير النساء الذي لا تحبه النساء اذن انها الرائحة وهي أصل الحب والتعلق كما يزعمون ولم يكن هناك يودورانت - ولا عطور كريستيان ديورليحل لشاعرنا مشكلة رائحة الكلاب التي تفوح منه ان تعرق ولا بد لكل شبق ان يتعرق الا اذا كان مثل بعض رجال هذا الزمان الذين أراحوا أنفسهم وتركوا الجهد الحميد لغيرهم لكن قبل ان تأخذ قصة عرق الكلاب مأخذ الجد دعنا نخبرك عن مصيبة أخرى في علاقة هذا الشاعر بالنساء .
هذه المصيبة التي تطيح بحظ أي رجل مع الجنس الآخر يرويها الميداني عن المفضل الضبي فيزعم الاثنان ان امرأ القيس كان رجلا- مفركا- اي من النوع الذي تمل النساء صحبته وعشرته ودليلهما على ذلك قصة امرأة من طي تزوجها وابتنى بها فأبغضته من ليلتها وقامت منذ نصف لليل تقول له:يا خير الفتيان أصبحت أصبحت ،فادرك ان ما صنعت من كراهية لكنه صبر حتى طلع الصباح وسألها : ماذا كرهت مني ؟ فصمتت لكنه ألح وليته ما ألح لأن البدوية التي تربت على الصراحة قالت : كرهتك لانك( خفيف العجز ثقيل الصدر سرع الاراقة بطئ الافاقة )وتفسير كل هذه المعميات في المعاجم انه من النوع الذي لا يستطيع ان يمتع شريكة مخدعه .
وطبعا طلق الشاعر الطائية وقبلها طلق العشرات فلم تصمد تحته الا انتحارية من قبائل كندة احتراما لاولادها منه ،وان كان الامر كذلك مع هذا الشاعر الفحل فلماذا كل ذلك ( التفشخر ) بالمغامرات النسائية الذي تجده عنده أكثر من اي شاعر آخر بالعربية باستثناء نزار قباني وعمربن ابي ربيعة ...؟
ان المعلقة وحدها فيها روايات لمغامرات مع عدة نساء منهن عنيزة وفاطمة وأم الحويرث وأم الرباب بل ان التغزل بهذه الباقة من الحسان هو أجمل ما في المعلقة فليس هناك من هو جيد التعليم او متوسطه في العالم العربي وربما الاسلامي لا يحفظ بعض ذلك (البورنوالجاهلي ) الذي يستعاد بتلذذ في جلسات السمر،وغالبا ما يبدأ المكبوتون بعنيزة وهودجها :
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات انك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معا
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فالهيتها عن ذي تمائم مغيل
ولو كان هناك قانون لحماية حقوق الطفل لوضعوا امرأ القيس وام الطفل صاحب التمائم بالسجن نتيجة لذلك الاهمال البين في لحظة لذة لكنا دعنا من المزاح وهيا بنا الى الجد لنسأل هل كان غريب أنقرة مثل حاكم استانبول - وهي القسطنطينية – السلطان عبد الحميد يهم ولا يستطيع فيجمع الجواري في الحرملك ويشجعهن على اللهو غير البرئ كي لا يحرم نفسه متعة النظر ؟
ربما كانت غزليات امرئ القيس والمبالغة فيها حالة تعويض نفسي عن كراهية النساء فهو بكل هذه المبالغات يقنع نفسه اولا بانه محبوب ومرغوب ويعدد ايامه السعيدة الفاتكة كما يعدد القادة المنتصرون معاركهم الظافرة :
ألا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
وفي أخبار هذا اليوم يقول الروة والحكاؤن الذين يحبون هذا الشاعر اكثر من غيرة لوفرة الدراما في شعره وحياته ان القبيلة التي ينتمي اليها خلفت النساء والعسفاء والخدم في الديار وعرف الشاعر بالامر فتأخر عن السير مع الرجال وذهب الى الغدير فلما وردته نساء القبيلة للاستحمام جمع امرؤ القيس ثيابهن وجلس عليها وأقسم الا يعطي كل جارية ثوبها حتى تخرج فيراها عارية مقبلة ومدبرة .
ويوم دارة جلجل هذا يذكرنا باساطير ملك يماني آخر في بلاد الجن فسيف بن ذي يزن جمع ثياب الجنيات في الوادي الذي حملته اليه أخته عاقصة وبينهن الجنية التي سيتزوجها لكنه لم ينحر حصانه كما نحر امرؤ القيس ناقته وارانا صورة – مش ولابد – لنساء القبيلة وهن يتخبطن بالشحم واللحم وكأنهن لم يذقن في حياتهن طعاما دسما .
والسؤال المركزي في فصل الاسطورة عن الحقيقة في حياة الملك الضليل ومعظم شعراء العصر الجاهلي هل استعار الرواة قصصا كثيرة وألصقوها بهذا الشاعر الذي لا تكاد تفرز الاسطوري عن الواقعي في شعره وحياته ؟
الارجح نعم فغير اساطير سيف بن ذي يزن استعيرت لامرئ القيس أجزاء من سيرة اوديب الاغريقي فقد غضب عليه ابوه وطلب من أحد عبيده ان يذهب به الى الصحراء ويذبحه ويأتيه بعينيه كدليل لكن العبد يشفق على الشاب فيطلقه ويحضر لابيه عينا جؤذر .
تشابهات الأشعث
ولماذا نوغل في التفاصيل الصغيرة والجزئيات وطه حسين يعتقد ان معظم قصصه في الطريق الى قيصر تقليد لحكايات اخرى فرحلته الى ملك الروم ما هي الا من قبيل التكرار لرحلة عبد الرحمن بن الاشعث الى ملك الترك يطلب معونته ضد الحجاج وفي هذا الافتراض يكون للموت القيسي عند سفوح جبل عسيب قرب أنقرة التركية سببا أشعثيا خلطه الرواة بغيره فالحكاؤن ورواة السير لا يهتمون بالتاريخ بل بالاثارة فللتاريخ كتبته وممولوه والرواة انما يبحثون عن رضا مستمعين ان اطربتهم دفعوا وكيف تطربهم ان لم تؤسطر وتتغزل وتؤلف وتضيف وتجعلك بطلك فارسا ودونجوانا وصاحب ملك ضائع تتدخل لأجله القوى العظمى في زمانه .
ان الحكاية المؤسطرة المسمومة التي يرويها الاصمعي في عدة اسطر تأخذ عند الروة عشرات الصفحات وسنقول لك لماذا؟ بعد ان نقرأ معا ما يقوله الاصمعي بادئا القصة من نهايتها :
(كان يقال لامرئ القيس الملك الضليل ومات بانقرة من بلاد الروم منصرفا عن قيصر وفيه يقول :
ياجفنة مسحنفرة
وطعنة مثعنجرة
قد غودرت بانقرة
وكان ملك الروم قد أتبعه حلة مسمومة فلمل لبسها تقطع جلده )
الرواة لا يكفيهم هكذا خبر فهو لوكالات أنباء تستعجل البث وهم أصحاب برامج اسبوعية وشهرية مرتاحة لذا لا بد لهم من تفاصيل يملأون بها الفراغات والساعات ولابد من قصة عاطفية محورية تفسر تسميم الشاعر الذي قال حين حانت منيته قرب قبر احدى بنات الملوك في سفح ذلك الجبل المهجورشمال الحدود السورية التي هي حد الغربة الجغرافية بين العرب والروم :
أجارتنا ان المزار قريب
واني مقيم ما اقام عسيب
اجارتنا انا غريبان هاهنا
وكل غريب للغريب نسيب
فان تصلينا فالقرابة بيننا
وان تهجرينا فالغريب غريب
وقد يقول قائل لم تسلم من غزل شاعرنا العربي جثة بالية في سفح جبل لكن يشهد الله ان عجز البيت الثالث ( وان تهجرينا فالغريب غريب ) يشفع له ان يحمل عاطفته متأججة حتى آخر لحظة عند حافة قبره عندما حانت لحظة ادراك الغربة الحقيقة الابدية التي لا ينفع معها وصل ولا فصل وتلك حالات غربة فلسفية لا يقف عندها الرواة الذين يحبون السهل غير الممتنع والمتاح والمرغوب من قبل الجميع وهل هناك اسهل من ان تفسر غضب القيصر الرومي وموافقته على تسميم الشاعر العربي بوجود قصة حب بين ابنة القيصر وبين الملك الضليل الضائع الذي ضيعه والده صغيرا وحمله همه كبيرا فلم تمنعه الهموم من الوثوب على أية انثى في الطريق او القصر او الخيمة دون اي تفكير بالعواقب ودون اي تفكير بمتعتها .
وكي يكتمل الضياع لا تعرف هل حب ابنة القيصر ومغازلتها من وراء ظهر ابيها حقيقة ام دسيسة من بني أسد أعداء امير شعراء العربية في العصر الجاهلي ففي الاخبار ان بني أسد الذين اغتصبوا عرش ابيه حين سمعوا ان القيصر أمد امرا القيس بجيش عرمرم ليستعيد ملكه منهم ارسلوا الى القيصر رجلا اسمه الطماح وهو أحد دهاتهم فوشى به للقيصر وقال انه يراسل ابنتك ويريد ان يفضحك فارسل له القيصر الحلة المسمومة وكتب معها قائلا :
(اني ارسلت لك حلتي التي كنت البسها تكرمة لك فالبسها باليمن والبركة واكتب الى بخبرك من منزل الى منزل ) فلما وصلته ولبسها اسرع السم في جسده وتقرح لحمه لذا لقب بذي القروح .
وفي أخبار القسطنطينية على ايام الامبراطور جوستنيان ذكر لعربي في البلاط اسمه القيس ارسله القيصر على راس كتيبة الى فلسطين ليضبط امرها فهل هو شاعرنا ؟ وان كان فهل رضي بامارة أكثر خصوبة من نجد و تهامة واليمن ونسي ملك ابيه واجداده ؟
الاسئلة كثيرة ولا أجوبة لها ففي الأساطير لاوجود لليقينيات التاريخية ولا حاجة للوثائق لانها اصلا غير موجودة الافي المخيلة فشرعية الاسطورة تنبع من ذيوعها وانتشارها ورسوخها في المخيلة الجماعية وحسب امرئ القيس ذيوعا وأهمية ورسوخا انه ما يزال الى اليوم على قمة هرم الشعر الجاهلي الذي ظل رغم عشرات التيارات والقرون ذروة فنية لم يتجاوزها شاعر لا من شعراء النصرانية ولا من شعراء الاسلام .
وامرؤ القيس حسب لويس شيخو من شعراء النصرانية في البلاد العربية وتلك قصة قد يكون لنا اليها عودة لمعرفة الخارطة العقائدية لشبه جزيرة العرب قبل الاسلام ففي العصر الوثني – الجاهلي كانت الفنون اكثر طلاقة والبشر أكثر حرية وفي ذلك العصر كانت الاساطير العربية تحبو وتحاول ان تتعلم المشي وما هذا الشاعر الا الصدى البعيد لكم عربي لا بأس به من الاساطير الاجتماعية والسياسية والعاطفية لقوم كانت علاقتهم ملتبسة بالنساءوماتزال