ويضاعف من فرص الربح والاستغلال، وتكريس اللاستقرار والصراع الطائفي أو الحزبوي أو القوموي، الذي يسهل من ازدياد أمراء الحرب وأغنياءه على الدوام , من خلال إشغال الشعوب المتخلفة سياسياً وكذلك إبعادها عن التنظيم الإجتماعي، لخلق فجوات دائمة وعميقة تسهل من خلالها عمليات الإحتكار وفرض الوصاية والتدخل الخارجي ، وبالمقابل تغييب العقل المعرفي الواعي ، الذي هو ناقوس خطر بالنسبة لمنظومة المافيوية العالمية التي تؤسسها الرأسمالية المتضخمة الهدامة، ويفسر ذلك على غنى البقاع بالموارد الاقتصادية ويدل على حاجة الدول المهيمنة للتحكم بهذه الموارد من خلال وضع خارطة تقسيم وتفتيت وتكريس نزاعات مذهبية قومية في تلك المناطق ، وأنموذج التطرف يمس هياكل المؤسسات والأحزاب التي تحافظ على قيم الاستبداد والإقصاء والفساد، وانتشال كل البنَّاءين المعرفيين الذين يحاربون التحزب المفرغ وغياب النظام الحقيقي الذي هو روح الوجود، ويرى المعرفيون في تأسيس تجمعات أشمل تضم العديد من الأحزاب والتيارات والجمعيات خياراً حتمياً للتخلص من جمود الذهنية الشمولية والمركزية المترهلة المقصية لإرادة المعرفيين الباحثين عن حقيقة التنوع والتماسك والعمل وفق المسار الصحيح، ومن خلال طرح مبدأ التعايش السلمي لإنتاج النخب المعرفية ووقف الحروب التي تعد دلائل إفلاس، فاستبدال الإبداع بغريزة الطمع والانجرار للأزمات، أعاد البشر لمخاض الحروب التي يقصها علينا التاريخ القديم وميثولوجيا الشعوب ، ونرى خير عبرة عن ذلك في روما وحضارتها وسلطتها ومظالمها ومن ثم سقوطها في أوكار نزاعاتها السلطوية، ولابد من توجيه جلّ الصراع ضد قوى الجهالة المتمثلة بدعاة صناعة الموت ، هذا الواجب المعرفي الذي يعد مفتاح فهم لكل الديانات والتصورات والتيارات والمزاعم الموجهة لصون الإنسان والوجود من خلال تمتين القيم..
والاتجاه المعرفي خال من التنميق ومن ثقافة البعد عن الحقيقة من خلال الهرولة نحو سباق التحزب النفعي السلطوي ، لذا تعمل المعرفية على تحديد مسار المعرفي انطلاقاً من مبدأ المحافظة على الوجود من خلال نشر الحب الطبيعي، بالتمسك بالعطاء وبذل الجهد ، فكما نرى أن قيمة التضحية معمول بها لأجل الدفاع عن الاتجاه أو التصور الذي يعتقده مجموعة أفراد ، فلاشك أن من يبذل هذه التضحية هو المعرفي الذي يسعى لإحراز وسام محبة للإنسانية قاطبة ، كون أن هذه التضحية نتاج جهد معرفي حقيقي وبذلك فالمعرفة موقف نبيل وانتصار لمجمل العقائد والتصورات الروحية والفلسفية التي آمنت بالوجود والموجود ، وهي بذلك تقويم لكل الأفكار السلوكية التي تدحض الأنانية وتشجع على الغيرية، وهي حصيلة احتكاك الكائن الإنساني بالوجود..
والمعرفيون حماة كل معتقد سليم ، إنهم برسالتهم الحب وجود والوجود معرفة يزيلون الحواجز العميقة بين الأديان والفلسفات مادية كانت أم روحية، ويفخرون بخصائص الشعوب وتنوعها ، ويحاولون إيجاد سبل تنظيمية جديدة في علاقة الناس ببعضهم، وينبذون الخلاف، فهم درع واقٍ لمختلف العقائد التي تنتصر للحياة والإنسان..
ولكي نعي الوجود الذي نحن فيه نتساوى من خلال ثالوث الإدراك والوعي والإيمان، يجدر أن نكون نواة لمنظومة المعرفة المؤثرة في النفوس التي أجهضت إثر عملية الوعظ التي رسختها قيم الأفراد المتألهين لصالح المنتفعين الذين يخفون وراء قناع النهضة مصالحهم الضيقة،ففعل الحركة فعل حتمي يستدعيه الوجود بطبيعته على الكائنات برمتها ، فالفكر لابد من أن يخضع للإجتهاد والتأويل والتفسير والنقض، لا بديل عن هذه الحقيقة التي يعمل المعرفيون على نشرها ، فالعقلية الإقصائية واضحة بضعفها والفكر المعرفي المنبثق عن وحدة الوجود من خلال نشر فلسفة الحب ، لهو المعبِّر الراقي عن هذه النظرة الثاقبة والقوية التي يمتلكها المعرفيون نحو الحياة والإنسان ، لذا فالناس لا تشعر بجوهرها سوى باتحادها كتجمعات معرفية ضخمة، تعمل على كسر الحواجز ، حيث توقن أن الصراع الدائر بين الدول وداخل كل دولة ، يكمن في تجاهل توزيع الموارد ، أو احتكار السلطة من خلال استمرار التوريث، وكلاهما نتاج قهر تاريخي متراكم إزاء جهل سببه الجشع والبطش، فالمعرفيون يدينون بالحب كفلسفة تدعو للتغيير، لتحصيل أقصى درجات السعادة والرفاهية وتحقيق قيمة الإنسان، وصون الوجود كضرورة لاستمرار الحياة..
فالجمال الحسي ما يلبث أن يذوي وتتجلى عندئذٍ قوة الحب في خلق إكسير الحياة ، ويرى المعرفيون في الموت بأنه زوالٌ القوتين الروحية والمادية أو انعدامها لدى الإنسان ودخوله لمتاهة من الضياع والجهل والانغلاق, ويميزون بين الموت والفناء، فالموت هو موت القلب , الضمير والإحساس بالآخر وفقد المعرفة وتغييبها ، وأما الفناء فهو انتقال الإنسان من كونه سليل الوجود إلى عودته للتراب ، لأن الإنسان من الوجود فهو تراب..
والمعرفيون يرفضون التقوقع الأناني الغريزي وراء الأوسمة والألقاب فيرون في الحب هوية وفي المعرفة قومية، فالمجتمعات المعرفية تربط نفسها بجمال الوجود من خلال تمرسها بالفنون والآداب ، من أجل ضمان رفاهيتها ومنفعتها التامة..
من هنا نستطيع القول أن قضية الإنسان الكبرى هي قضية المعرفة المبنية على قاعدة المحبة وثقافة الاختلاف, فالحياة ملك المعرفيين الذين هم سر تطورها ونهضتها نحو الأفضل، والأمم تحتفظ بوجودها وتحافظ على تنوعها في ظل هيئة معرفية عليا قادرة على حل المعضلات التي تخلقها القوى المادية إزاء الأمم الضعيفة اقتصادياً، والاستراتيجية القومية القائمة على الفروض العقائدية المتطرفة بعيدة عن التطورات الكبرى الحاصلة في العالم المتمدن, أما الاستراتيجية المعرفية فهي حلقة وصل قوية تربط مصالح الأمم بعضها ببعض على قاعدة الانتماء للوجود الواحد, حيث لا وجود للحلول الأحادية الضيقة , طالما تنوعت المدركات العقلية للإنسان تبعاً لبيئته وتنوعت فلا سيادة دون معرفة حيث تتحقق العبودية بالممارسة الإقصائية الاستغلالية ، فحين يتضاءل الحق عند الجزأ يتأثر الكل, والقومية الحقيقية بمعزل عن الاحتكار وأساس نشوئها معتمد على التشارك في الطاقات والإمكانات حيث تتجلى باتحاد المعرفيين على اختلاف تواجدهم وتوجهاتهم فهم أمة واحدة من خلال مواقفها ضد الفظائع والمآسي التي ترتكبها منظومة محاكم التفتيش الجديدة ، والوجود وطنهم الشامل..
إن القوة الحقيقية التي نستطيع بها حماية الإنسان تحتويها القوة الأخلاقية المنبثقة عن الحب، والتي يمكن من خلالها أن نراهن على استمرارية الثقة بين الناس ويمكن خوض الوجود لاستخلاص المعرفة التي تنقذ الملايين من العوز والجهل والبطش، ويفسد الكل بفساد الجزأ، ومن الوجود الجميل ندرك الحياة وجمال المسعى نحو الحقيقة المطلقة في المعرفة ، فرسالة المعرفيين تتلخص باستكمال هذا الصراع النبيل بينهم وبين قوى الجهالة ، والخطوات العملية تبدأ أولاً من الإيمان بوحدة الوجود ووحدة الدماغ البشري الكلي المتمثل بالمعرفة ، ولا يمكن البدء بأي حركة تغيير ما لم نؤمن بهذه الحقيقة التي يراها المعرفيون أملاً في الخلاص , والحل هو في إعادة إنتاج قادة عظام ليس على غرار ما سبق بل نحو الأفضل وما يتلاءم مع روح العصر وهذا يعني أن نتوقف عن تقديس رموز معينة بذاتها القصد منها تجميد العقول وتفريغها ودمجها بالتبلد والترهل والاعتكاف بما هو جاهز ومسلَّم به , بل نحو الأفضل شرط أن لا نقف في مسيرة النشء القادم كعثرة ، كذلك يؤمن المعرفيون ببعث الإنسان الجديد وبالمقابل يوقرون جهود الأسلاف السابقين لخوض معارك الوجود وحمايته من أخطار الإنسان الأناني، لأجل انتصار الحقيقة المعرفية القائمة على التحرر الوطني المنفتح على بقية شعوب الجوار والعالم برمته،حيث يرى المعرفيون في نشأة الأمة المعرفية الاتحادية، بديلاً عن الحدود الجغرافية التي بناها السلطويون الأعداء لكل سلم بشري، وما يجمع الإنسانية على اختلاف انتماءاتها وبرامجها هو الوجود المهدد بالفناء والكوارث التي تفرزها الحروب التي يصنعها الإنسان، ويجدون في التاريخ بدعة القائمين على تحصين الأنانية كمذهب عالمي، لكن الواضح والجلي لكل مدرك أن ما بلغه الإنسان هو بفعل إعمال العقل المبدع والمحب والمعرفي، فالوجود الوطن هو دعامة الوجود الشامل والمعرفيون في كل مكان مطالبون ببناء أوطانهم وتنظيفها من المخربين والسذج، ليعش المعرفيون أبناء الوجود ، لأنهم وحدهم الجديرون بالعيش كونهم تجاوزوا العادية، وتلقي التعليمات المغرضة، لقد آمن المعرفي نيتشه بالإنسان المتفوق ماقتاً الإنسان العادي كون المتفوق هو الجدير بالخلق ، والعادي هو الأقرب إلى العاهة والتطفل ، فوحده الوجود يرقى بفضل أصابع البنائين المعرفيين،أما الوقائع والشواهد والإثباتات التاريخية فهي أباطيل السلطات المتقوقعة في عزلتها وغيبوبتها عن مطالب الشعوب عبر التاريخ..
إن أصحاب الحلول هم كل معرفي قدم حياته ثمناً لتقدم أجيال من بعده وكل كتابات وجهود أصحاب الحل تنحاز إلى الحب والوجود والمعرفة، أمام جمع غفير من الطغاة أمثال فرعون و نيرون، هتلر وستالين وصدام ، دوماً هذا الصراع هو المتجلي عبر التاريخ، والانتصار الحتمي هو لقوى المعرفة على الإطلاق، ولم يكن للمستبد أي فضل بل هم الكارثة التي لا بد من وقف احتمالات وقوعها ونشوبها وتوغلها كالسرطانات في الوجود والمجتمع، والقادة بحاجة لنصر الجند حتى يذكرهم التاريخ ، والجند إذا أعملوا عقولهم وقلوبهم فهم يساوون عملياً كل القادة الجالسين في مراكزهم مشغولين بصك البنود والاتفاقيات وتوجيه الأوامر ومتابعة قمع الخصوم الذين يهددون مركزهم المرموق، ومن هنا كان للمعرفيين هدف أسمى في مكافحة تجهيل الناس وتخديرهم بالشعارات وتحويل البشر إلى رموز معرفية ومحو ذهنية تأليه القائد ، فالهدف الذي ينشده المعرفيون أكبر من القضايا الايديولوجية الحزبية ، ويبدأ من صميم المؤسسات والأحزاب والتيارات في كل دولة أو اتحاد من خلال التسلح بفكر الحب وجود والوجود معرفة وبث النهضة والانتعاش في روح هذه المؤسسات والأحزاب في كل أنحاء العالم والالتفاف نحو القواسم المشتركة التي من شأنها إلغاء الحواجز وتجاوز أزمات الماضي والانفتاح للمستقبل العالمي
إن ما يجمع الأمم هو تنوع هوياتها الثقافية وهذا التنوع يخدم الوجود والنهضة الإنسانية عموماً، وكل بناء معرفي هو لخدمة الإنسانية فنرى غاليليو وعبد الرحمن الكواكبي وأبي حيان التوحيدي، سقراط وفان كوخ ، غوركي ، ألبير كامو ، مانديلا، وغيرهم العديدون ساهموا بالبناء المعرفي كلٌ في موقعه وثقافته وشعبه محققين العبرة لتجارب كل شعوب الأرض على حد سواء..
جميعنا نمثل هذا الدماغ الكلي للبشرية..
والمعرفيون ترس متين لكل دعاة الخير والحق والجمال، ولا يمكن فهم الوجود دون الإحاطة به بمعرفته وإدراكه كجوهر ذاتي ولا يمكن استيساغ الشيء دون حبه ، فلنتخلص من عنجهية الجشعين والجهلاء لقيمة الوجود .
المعرفيون من طينة واحدة لأنهم مجبولون على الفطرة الطبيعية والسلام ومكافحة الجهل والخرافة إن لسان حالهم يقول : لنكن من حلفاء الأفكار الطبيعية وإن اختلفنا في أساليب طرحها، باعتبار أن النهج السلوكي هو الذي يحررنا من العادات والغرائز التلقائية، نحو نهج فلسفي لا حدود أو سقف له، لتطوير حركة الموجود الإنساني في تفاعله مع ظواهر الوجود وعلاته وتغيراته..
فالأزمات السياسية التي تعاني منها الدول نتيجة غياب مرجعية دولية حقيقية بالمعنى الإنساني الأمني، يمكن وضعها على طاولة الحوار لأجل مستقبل الوجود من خلال خلق برامج سلوكية تضع مصالح الدول المنكوبة على قائمة الحل، والفكر الصحيح يقودنا لتحسين مستوى الإنسان في علاقته بالآخر لأجل الاتفاق على حماية الوجود من صناع الموت والتفكير الظلامي ، لأن المعرفة رسالة حقيقية لأجل وجود ماثل أمامنا ندركه من خلال أنفسنا والآخر ، وما الإنسان سوى طاقة محدودة بالوجود ساعية لنيل الريادة المتحققة بالمعرفة التي تعني جوهر التقدم والتغيير في الوجود...
----------
الحوار المتمدن - موبايل
والاتجاه المعرفي خال من التنميق ومن ثقافة البعد عن الحقيقة من خلال الهرولة نحو سباق التحزب النفعي السلطوي ، لذا تعمل المعرفية على تحديد مسار المعرفي انطلاقاً من مبدأ المحافظة على الوجود من خلال نشر الحب الطبيعي، بالتمسك بالعطاء وبذل الجهد ، فكما نرى أن قيمة التضحية معمول بها لأجل الدفاع عن الاتجاه أو التصور الذي يعتقده مجموعة أفراد ، فلاشك أن من يبذل هذه التضحية هو المعرفي الذي يسعى لإحراز وسام محبة للإنسانية قاطبة ، كون أن هذه التضحية نتاج جهد معرفي حقيقي وبذلك فالمعرفة موقف نبيل وانتصار لمجمل العقائد والتصورات الروحية والفلسفية التي آمنت بالوجود والموجود ، وهي بذلك تقويم لكل الأفكار السلوكية التي تدحض الأنانية وتشجع على الغيرية، وهي حصيلة احتكاك الكائن الإنساني بالوجود..
والمعرفيون حماة كل معتقد سليم ، إنهم برسالتهم الحب وجود والوجود معرفة يزيلون الحواجز العميقة بين الأديان والفلسفات مادية كانت أم روحية، ويفخرون بخصائص الشعوب وتنوعها ، ويحاولون إيجاد سبل تنظيمية جديدة في علاقة الناس ببعضهم، وينبذون الخلاف، فهم درع واقٍ لمختلف العقائد التي تنتصر للحياة والإنسان..
ولكي نعي الوجود الذي نحن فيه نتساوى من خلال ثالوث الإدراك والوعي والإيمان، يجدر أن نكون نواة لمنظومة المعرفة المؤثرة في النفوس التي أجهضت إثر عملية الوعظ التي رسختها قيم الأفراد المتألهين لصالح المنتفعين الذين يخفون وراء قناع النهضة مصالحهم الضيقة،ففعل الحركة فعل حتمي يستدعيه الوجود بطبيعته على الكائنات برمتها ، فالفكر لابد من أن يخضع للإجتهاد والتأويل والتفسير والنقض، لا بديل عن هذه الحقيقة التي يعمل المعرفيون على نشرها ، فالعقلية الإقصائية واضحة بضعفها والفكر المعرفي المنبثق عن وحدة الوجود من خلال نشر فلسفة الحب ، لهو المعبِّر الراقي عن هذه النظرة الثاقبة والقوية التي يمتلكها المعرفيون نحو الحياة والإنسان ، لذا فالناس لا تشعر بجوهرها سوى باتحادها كتجمعات معرفية ضخمة، تعمل على كسر الحواجز ، حيث توقن أن الصراع الدائر بين الدول وداخل كل دولة ، يكمن في تجاهل توزيع الموارد ، أو احتكار السلطة من خلال استمرار التوريث، وكلاهما نتاج قهر تاريخي متراكم إزاء جهل سببه الجشع والبطش، فالمعرفيون يدينون بالحب كفلسفة تدعو للتغيير، لتحصيل أقصى درجات السعادة والرفاهية وتحقيق قيمة الإنسان، وصون الوجود كضرورة لاستمرار الحياة..
فالجمال الحسي ما يلبث أن يذوي وتتجلى عندئذٍ قوة الحب في خلق إكسير الحياة ، ويرى المعرفيون في الموت بأنه زوالٌ القوتين الروحية والمادية أو انعدامها لدى الإنسان ودخوله لمتاهة من الضياع والجهل والانغلاق, ويميزون بين الموت والفناء، فالموت هو موت القلب , الضمير والإحساس بالآخر وفقد المعرفة وتغييبها ، وأما الفناء فهو انتقال الإنسان من كونه سليل الوجود إلى عودته للتراب ، لأن الإنسان من الوجود فهو تراب..
والمعرفيون يرفضون التقوقع الأناني الغريزي وراء الأوسمة والألقاب فيرون في الحب هوية وفي المعرفة قومية، فالمجتمعات المعرفية تربط نفسها بجمال الوجود من خلال تمرسها بالفنون والآداب ، من أجل ضمان رفاهيتها ومنفعتها التامة..
من هنا نستطيع القول أن قضية الإنسان الكبرى هي قضية المعرفة المبنية على قاعدة المحبة وثقافة الاختلاف, فالحياة ملك المعرفيين الذين هم سر تطورها ونهضتها نحو الأفضل، والأمم تحتفظ بوجودها وتحافظ على تنوعها في ظل هيئة معرفية عليا قادرة على حل المعضلات التي تخلقها القوى المادية إزاء الأمم الضعيفة اقتصادياً، والاستراتيجية القومية القائمة على الفروض العقائدية المتطرفة بعيدة عن التطورات الكبرى الحاصلة في العالم المتمدن, أما الاستراتيجية المعرفية فهي حلقة وصل قوية تربط مصالح الأمم بعضها ببعض على قاعدة الانتماء للوجود الواحد, حيث لا وجود للحلول الأحادية الضيقة , طالما تنوعت المدركات العقلية للإنسان تبعاً لبيئته وتنوعت فلا سيادة دون معرفة حيث تتحقق العبودية بالممارسة الإقصائية الاستغلالية ، فحين يتضاءل الحق عند الجزأ يتأثر الكل, والقومية الحقيقية بمعزل عن الاحتكار وأساس نشوئها معتمد على التشارك في الطاقات والإمكانات حيث تتجلى باتحاد المعرفيين على اختلاف تواجدهم وتوجهاتهم فهم أمة واحدة من خلال مواقفها ضد الفظائع والمآسي التي ترتكبها منظومة محاكم التفتيش الجديدة ، والوجود وطنهم الشامل..
إن القوة الحقيقية التي نستطيع بها حماية الإنسان تحتويها القوة الأخلاقية المنبثقة عن الحب، والتي يمكن من خلالها أن نراهن على استمرارية الثقة بين الناس ويمكن خوض الوجود لاستخلاص المعرفة التي تنقذ الملايين من العوز والجهل والبطش، ويفسد الكل بفساد الجزأ، ومن الوجود الجميل ندرك الحياة وجمال المسعى نحو الحقيقة المطلقة في المعرفة ، فرسالة المعرفيين تتلخص باستكمال هذا الصراع النبيل بينهم وبين قوى الجهالة ، والخطوات العملية تبدأ أولاً من الإيمان بوحدة الوجود ووحدة الدماغ البشري الكلي المتمثل بالمعرفة ، ولا يمكن البدء بأي حركة تغيير ما لم نؤمن بهذه الحقيقة التي يراها المعرفيون أملاً في الخلاص , والحل هو في إعادة إنتاج قادة عظام ليس على غرار ما سبق بل نحو الأفضل وما يتلاءم مع روح العصر وهذا يعني أن نتوقف عن تقديس رموز معينة بذاتها القصد منها تجميد العقول وتفريغها ودمجها بالتبلد والترهل والاعتكاف بما هو جاهز ومسلَّم به , بل نحو الأفضل شرط أن لا نقف في مسيرة النشء القادم كعثرة ، كذلك يؤمن المعرفيون ببعث الإنسان الجديد وبالمقابل يوقرون جهود الأسلاف السابقين لخوض معارك الوجود وحمايته من أخطار الإنسان الأناني، لأجل انتصار الحقيقة المعرفية القائمة على التحرر الوطني المنفتح على بقية شعوب الجوار والعالم برمته،حيث يرى المعرفيون في نشأة الأمة المعرفية الاتحادية، بديلاً عن الحدود الجغرافية التي بناها السلطويون الأعداء لكل سلم بشري، وما يجمع الإنسانية على اختلاف انتماءاتها وبرامجها هو الوجود المهدد بالفناء والكوارث التي تفرزها الحروب التي يصنعها الإنسان، ويجدون في التاريخ بدعة القائمين على تحصين الأنانية كمذهب عالمي، لكن الواضح والجلي لكل مدرك أن ما بلغه الإنسان هو بفعل إعمال العقل المبدع والمحب والمعرفي، فالوجود الوطن هو دعامة الوجود الشامل والمعرفيون في كل مكان مطالبون ببناء أوطانهم وتنظيفها من المخربين والسذج، ليعش المعرفيون أبناء الوجود ، لأنهم وحدهم الجديرون بالعيش كونهم تجاوزوا العادية، وتلقي التعليمات المغرضة، لقد آمن المعرفي نيتشه بالإنسان المتفوق ماقتاً الإنسان العادي كون المتفوق هو الجدير بالخلق ، والعادي هو الأقرب إلى العاهة والتطفل ، فوحده الوجود يرقى بفضل أصابع البنائين المعرفيين،أما الوقائع والشواهد والإثباتات التاريخية فهي أباطيل السلطات المتقوقعة في عزلتها وغيبوبتها عن مطالب الشعوب عبر التاريخ..
إن أصحاب الحلول هم كل معرفي قدم حياته ثمناً لتقدم أجيال من بعده وكل كتابات وجهود أصحاب الحل تنحاز إلى الحب والوجود والمعرفة، أمام جمع غفير من الطغاة أمثال فرعون و نيرون، هتلر وستالين وصدام ، دوماً هذا الصراع هو المتجلي عبر التاريخ، والانتصار الحتمي هو لقوى المعرفة على الإطلاق، ولم يكن للمستبد أي فضل بل هم الكارثة التي لا بد من وقف احتمالات وقوعها ونشوبها وتوغلها كالسرطانات في الوجود والمجتمع، والقادة بحاجة لنصر الجند حتى يذكرهم التاريخ ، والجند إذا أعملوا عقولهم وقلوبهم فهم يساوون عملياً كل القادة الجالسين في مراكزهم مشغولين بصك البنود والاتفاقيات وتوجيه الأوامر ومتابعة قمع الخصوم الذين يهددون مركزهم المرموق، ومن هنا كان للمعرفيين هدف أسمى في مكافحة تجهيل الناس وتخديرهم بالشعارات وتحويل البشر إلى رموز معرفية ومحو ذهنية تأليه القائد ، فالهدف الذي ينشده المعرفيون أكبر من القضايا الايديولوجية الحزبية ، ويبدأ من صميم المؤسسات والأحزاب والتيارات في كل دولة أو اتحاد من خلال التسلح بفكر الحب وجود والوجود معرفة وبث النهضة والانتعاش في روح هذه المؤسسات والأحزاب في كل أنحاء العالم والالتفاف نحو القواسم المشتركة التي من شأنها إلغاء الحواجز وتجاوز أزمات الماضي والانفتاح للمستقبل العالمي
إن ما يجمع الأمم هو تنوع هوياتها الثقافية وهذا التنوع يخدم الوجود والنهضة الإنسانية عموماً، وكل بناء معرفي هو لخدمة الإنسانية فنرى غاليليو وعبد الرحمن الكواكبي وأبي حيان التوحيدي، سقراط وفان كوخ ، غوركي ، ألبير كامو ، مانديلا، وغيرهم العديدون ساهموا بالبناء المعرفي كلٌ في موقعه وثقافته وشعبه محققين العبرة لتجارب كل شعوب الأرض على حد سواء..
جميعنا نمثل هذا الدماغ الكلي للبشرية..
والمعرفيون ترس متين لكل دعاة الخير والحق والجمال، ولا يمكن فهم الوجود دون الإحاطة به بمعرفته وإدراكه كجوهر ذاتي ولا يمكن استيساغ الشيء دون حبه ، فلنتخلص من عنجهية الجشعين والجهلاء لقيمة الوجود .
المعرفيون من طينة واحدة لأنهم مجبولون على الفطرة الطبيعية والسلام ومكافحة الجهل والخرافة إن لسان حالهم يقول : لنكن من حلفاء الأفكار الطبيعية وإن اختلفنا في أساليب طرحها، باعتبار أن النهج السلوكي هو الذي يحررنا من العادات والغرائز التلقائية، نحو نهج فلسفي لا حدود أو سقف له، لتطوير حركة الموجود الإنساني في تفاعله مع ظواهر الوجود وعلاته وتغيراته..
فالأزمات السياسية التي تعاني منها الدول نتيجة غياب مرجعية دولية حقيقية بالمعنى الإنساني الأمني، يمكن وضعها على طاولة الحوار لأجل مستقبل الوجود من خلال خلق برامج سلوكية تضع مصالح الدول المنكوبة على قائمة الحل، والفكر الصحيح يقودنا لتحسين مستوى الإنسان في علاقته بالآخر لأجل الاتفاق على حماية الوجود من صناع الموت والتفكير الظلامي ، لأن المعرفة رسالة حقيقية لأجل وجود ماثل أمامنا ندركه من خلال أنفسنا والآخر ، وما الإنسان سوى طاقة محدودة بالوجود ساعية لنيل الريادة المتحققة بالمعرفة التي تعني جوهر التقدم والتغيير في الوجود...
----------
الحوار المتمدن - موبايل