خبر اغتيال الطبيب المصري وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أعاد إلى الأذهان صورة باراك أوباما الشهيرة في إحدى قاعات البيت الأبيض ومعه نائبه آنذاك جو بايدن، حيث تابعا تنفيذ عملية قتل بن لادن. لكن ومهما حاولت إدارة بايدن الإيحاء بتحقيق انتصار شبيه بذلك الذي حققه أوباما، إلا أن تأثير مقتل الظواهري على تنظيم القاعدة، لن يكون بحجم تأثير مقتل بن لادن.
فعلى الرغم من الضربات المتلاحقة للتنظيم الإرهابي إلا أن «القاعدة» لا تزال موجودة وفاعلة، وإن كان داعش قد سرق منها الأضواء في السنوات الأخيرة، ولكن «القاعدة» استطاعت النجاة والبقاء على قيد الحياة.
يلاحظ المتابع لأخبار «القاعدة» ولآراء الخبراء في هذه المجموعات الإرهابية في السنوات الأخيرة أن ضعفا أصاب التنظيم، وأن الظواهري لم يكن فاعلا وموجودا، إن بسبب سنه أو مرضه، كما كان بن لادن، إضافة إلى شخصيته وأسلوبه، وكذلك انتقال التنظيم من حالة المركزية التي عاشها أيام أسامة بن لادن إلى حالة اللامركزية التي سادت خلال فترة تزعم الظواهري.
ولكن حالة اللامركزية التي عاشها التنظيم جعلت منه أكثر خطورة مما كان عليه في فترة تزعم بن لادن، فقد ظهرت مجموعات عرفت بـ«الذئاب المنفردة» استلهمت أفكارها المتطرفة من التنظيم وأخواته وباتت أكثر قدرة على الحركة وتنفيذ عمليات إرهابية في عدة دول، وإن لم تكن بحجم العملية الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) من العام 2001، إلا أن تتبع كل هذه المجموعات الصغيرة بات أصعب.
فصحيح أن الهيكلية التنظيمية لـ«القاعدة» أصبحت أقل تماسكا مما كانت عليه في زمن بن لادن، إلا أن الآيديولوجيا المتطرفة التي يحملها التنظيم لا تزال منتشرة في مناطق عدة من العالم، وقابلة للانتشار أيضا بين صفوف الفئات العمرية الشابة لأسباب كثيرة.
وإن كان من المبكر الحكم على مستقبل التنظيم ومساره في انتظار من ستؤول إليه القيادة، إلا أنه ليس من المبكر أبدا القول إن هذا الصاروخ الشديد الذكاء الذي استهدف الظواهري ليس ذكيا بشكل كاف، وإن كان ضروريا، للقضاء على الإرهاب.
فالظواهري تم استهدافه في العاصمة الأفغانية كابول، بعد نحو عام على الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على السلطة هناك. والأفكار التي حملها الظواهري لا زالت قابلة للانتشار وجذب وتنظيم شباب في دول عدة من العالم.
وإيجاد أسباب تعليلية لانضمام البعض إلى هذه المجموعات المتطرفة والتأثر بها ليس مقنعا، كما أن عقد صفقات مع من يرعى هذه التنظيمات قد يجدي على المدى القصير، لكن وبأي لحظة قد يعود الرعاة إلى استخدام ورقة الإرهاب ليس ضد من عقد الصفقة معهم فحسب، بل ضد كل من يؤمن بقيمة حياة الفرد وحريته.
أن تعقد الولايات المتحدة اتفاقا مع حركة طالبان لتفاجأ بعد أقل من عام بأن طالبان لم تلتزم به وبأنها لا زالت تؤوي لا عناصر من القاعدة فحسب بل أيمن الظواهري نفسه، أمر يجب التوقف عنده.
أن تفاوض الولايات المتحدة إيران على ملفها النووي، وهي تعي أن إيران لا تدعم وترعى فقط الميليشيات الشيعية الإرهابية التي تنشر الفوضى والقتل في دول المنطقة، وحتى مسؤولة عن عمليات إرهابية في عدة دول من العالم، وأيضا تربطها علاقة وثيقة مع تنظيم القاعدة، وينحصر التفاوض بشكل أساسي فقط على موضوع السلاح النووي، فهو أمر آخر يستحق التساؤل عن جدوى الاعتماد فقط على ذكاء الصاروخ اللافت في محاربة الإرهاب.
فالخطر الحقيقي لا يكمن في «القاعدة» كتنظيم، بل في «القاعدة» كإطار فكري، «القاعدة» التي بدأت كفكرة استلهمها عبد الله عزام من سيد قطب الذي اعتبر أن الصحوة الدينية تتطلب انطلاق «جماعة المؤمنين» من بقعة جغرافية سماها سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»: «قاعدة الانطلاق»، ثم طورها عزام إلى تجسيد حقيقي في معسكر قاعدة الجهاد الذي أنشأه في أفغانستان إبان القتال ضد السوفيات في منتصف السبعينات، ثم طورها بن لادن والظواهري وما بقي من الطليعة المقاتلة إلى تنظيم يشبه إلى حد كبير التنظيمات اليسارية التي ظهرت في الستينات، ثم أتى داعش وطور الفكرة إلى حد الوصول للحلم بإقليم جغرافي تسيطر عليه وتحكمه فيما يشبه الدولة.
هذا السياق التاريخي يجب أن يدفع الجميع للتفكير ولا سيما الولايات المتحدة التي تقود الحرب العالمية على الإرهاب، بأن القضاء على «القاعدة» فكرا وتنظيما يحتاج ما هو أبعد من الجانب العسكري والأمني، وقد تكون من أهم الخطوات المساعدة في هذا الصدد أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها في التعامل مع الأنظمة المنتجة للظروف التي تسمح لفكر «القاعدة» بالظهور والنمو مثل النظام الإيراني والنظام السوري والتنظيمات والميليشيات المرتبطة بهما.
محاربة الإرهاب تتطلب أكثر من صاروخ ذكي مهما بلغت نسبة ذكائه، محاربة الإرهاب والتطرف تتطلب العودة إلى جذوره، إلى تلك الأفكار التي تجذب شابا يعيش في بلجيكا وتقنعه بأنه إن قتل أبرياء فسيدخل الجنة.
--------
مجلة المجلة