السيدان ظلا طوال تاريخهما السياسي الطويل على طرفي نقيض، حتى في مجابهة الأجنبي الغازي للسودان في القرن التاسع عشر، ثم استمر التنافس والصراع المعلن والخفي بينهما على مدى العُمر.. توفي السيد عبد الرحمن المهدي، في العام 1959، بينما توفي السيد على الميرغني في 1968.
ورغم أنهما كانا يسيران في اتجاهين متعاكسين في المشهد السياسي، لكن عندما تلتقي مصلحتهما كانا ينسّقان موقفًا سياسيًا واحدًا فيهزمان بذلك أية محاولات لإخراج الملعب السياسي السوداني من هيمنة الطائفتين.. وأشهر تلك اللقاءات في العام 1956 عندما هزما الزعيم إسماعيل الأزهري، وأطاحا به من رئاسة الوزراء ليتولاها السيد عبد الله خليل. كانت قطبية السيدين أشبه بسحابتين تحملان شحنتين مختلفتين من الكهرباء من أن تلتقيا فيتولد منهما البرق والرعد.
ومع رحيل زعيمي الطائفتين، ظن السودانيون أن عهد ”لقاء السيدين“ ولَّى وراح مع التاريخ، خاصة بعد تبدل الأجيال وظهور الشباب في قيادة الطائفتين والحزبين، الاتحادي الديمقراطي، والأمة القومي.
لكن التاريخ الآن يستدير كما بدأ؛ ففي ظل الأزمة السياسية الخانقة التي يمر بها السودان حاليًا، وإخفاق الأحزاب السياسية الحديثة في إدارة الحكم بعد انتصار ثورة ديسمبر والإطاحة بنظام البشير، للدرجة التي أسقطت الحكومة الانتقالية بسهولة في يد المكون العسكري، ثم فشل الأحزاب السياسية في إدارة معارضة منتجة للحل السريع الذي يستعيد الفترة الانتقالية والحكم المدني.. في ظل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والسحاب الداكن، يعود إلى السطح مرة أخرى ”لقاء السيدين“ كخيار بديل بعد فشل الأحزاب السياسية.
لكن السيدين تغيرا، طائفة الأنصار يقودها حاليًا السيد عبد الرحمن الصادق المهدي، وطائفة الختمية أوكل زعيمها السيد محمد عثمان الميرغني قيادتها لأبنائه الذين يمثلون الجيل الصاعد في القيادة الدينية للطائفة والقيادة السياسية للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
”لقاء السيدين“ مع فارق الزمان والأجيال يعود للساحة السياسية السودانية بغتة دون ترتيب أو تخطيط مسبق، أقرب كونه شرطًا جزائيًا لفشل الأحزاب الأخرى العتيقة والحديثة في إدارة الحكم والمعارضة.
خلف الكواليس وفي هدوء، يجري حاليًا إعداد المسرح السياسي السوداني لتحالف طائفي وسياسي بين البيتين العريقين، بين بيتي الميرغني والمهدي، بعد استعصاء المكونات السياسية الأخرى في التوافق على حكومة مدنية تتولى السلطة.
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في خطابه، يوم 4 يوليو 2022، أعلن التزام القوات المسلحة بالخروج من الحكم والملعب السياسي كاملًا حال توافق القوى السياسية على حكومة تنفيذية تتولى السلطة.
ومنذ ذلك التاريخ أضاعت الأحزاب السياسية الوقت في التردد و التقديرات الخاطئة مع توالي صدور بيانات من الترويكا (الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والنرويج) والاتحاد الأوروبي، تستعجل القوى المدنية لتولي الحكم، وإنهاء الأزمة السياسية.
البيتان، بيت المهدي وبيت الميرغني، يهيئان المشهد لـ“لقاء السيدين“ بشكله الحديث، تحالف الجيل الثالث في بيت الميرغني مع الجيل الخامس في بيت المهدي.
بالضرورة لن ينفرد الحزبان –البيتان- بالحكم كاملًا، لكنهما سيمثلان رأس الرمح في تحالف يجمع بجانبهما بعض الأحزاب الأقل حجمًا، إضافة لشخصيات مستقلة وأخرى حزبية تشارك بصفة مستقلة عن ارتباطاتها التنظيمية.
بيت المهدي، يقوده حاليًا السيد عبد الرحمن الصادق المهدي وهو لا يزال في الخدمة العسكرية برتبة لواء، لكنه سيُرقى قريبًا إلى رتبة الفريق قبل إصدار قرار إحالته إلى التقاعد تمهيدًا لشغل دوره السياسي الجديد.
عبد الرحمن يتقدم بسرعة ليكون خليفة لوالده السيد الصادق المهدي أحد أكثر الشخصيات التي لعبت أدوارًا مستمرة طوال عمر السودان بعد الاستقلال، وكان والده يعده منذ فترة لمثل هذا الدور، إذا عهد إليه بكثير من المهام الحساسة خلف الكواليس، إضافة لإمساكه الكامل بمفاتيح كيان الأنصار، المكون الطائفي الأكثر انخراطًا بالشأن السياسي في تاريخ السودان.
ورغم حالة الكمون السياسي التي يستعصم بها السيد عبد الرحمن المهدي بكامل طوعه لتجنب إسقاطات فترة شغله لمنصب مساعد البشير حتى لحظة سقوطه، إلا أنه يتحرك الآن خلف الكواليس في مسارين، الأول جماهيري يستعيد التواصل القاعدي.
وقد زار معظم ولايات السودان، خلال الأشهر الماضية، وعقد لقاءات جماهيرية مفتوحة، أحدثت اختراقًا واضحًا.. والثاني في حشد الدعم الدولي الخارجي خلفه باعتباره الخيار المتاح في ظل مشهد سياسي باتت غالبية خياراته الحزبية موضع شك وقلق للمجتمع الدولي والإقليمي أيضًا.
وزار السيد عبد الرحمن المهدي في بيته، خلال 24 ساعة، سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، والسفير البريطاني، ثم المشرف السياسي بالسفارة البريطانية، والسفير الروسي.
في الجانب الآخر، يعاني بيت الميرغني من انشقاق كان مكتومًا بين جدرانه إلا أنه استعصى على الرتق فخرج إلى العلن، وفي ظل إمساك مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بقيادة الحزب والطائفة من مهجره الاختياري بالقاهرة، إلا أنه أوكل سلطاته لابنه السيد جعفر الصادق، الذي يمثل القيادة السياسية الشابة للحزب في الوقت الراهن.
واستطاع السيد جعفر استعادة تماسك الحزب بعد تفرق شمل قياداته، في الفترة الماضية، نتيجة تشدد شقيقه محمد الحسن الميرغني في التعامل مع هذه القيادات التاريخية ووصفه لهم بـ“الدواعش“، مما أدى لابتعادهم عن الحزب.
وخلال الفترة الماضية أُعيد تشكيل هياكل الحزب وصعد لمنصب رئيس القطاع السياسي السيد إبراهيم الميرغني الذي نشط في إعادة ترتيب الماكينة السياسية للحزب بإحلال القيادات القديمة بأخرى شابة متحمسة لأدوار جديدة. وخلال الأسبوع الماضي، اُعلن رسميًا عن مبادرة ”نداء أهل السودان “ يقودها الشيخ الطيب الجد وهو رمز صوفي معروف، ولفت الأنظار وجود عبد الرحمن الصادق المهدي في المنصة الرئيسة لحظة إعلان المبادرة. وإذا سارت الترتيبات كما هو مخطط لها، فغالبًا سيعلن المكون العسكري تنحيه عن السلطة متزامنًا مع إعلان حكومة مدنية تعتمد على تحالف يستعيد ذكريات ”لقاء السيدين“، ليثبت الملعب السياسي السوداني دائمًا أن أحدث ما لديه هو أقدمه.
ورغم أنهما كانا يسيران في اتجاهين متعاكسين في المشهد السياسي، لكن عندما تلتقي مصلحتهما كانا ينسّقان موقفًا سياسيًا واحدًا فيهزمان بذلك أية محاولات لإخراج الملعب السياسي السوداني من هيمنة الطائفتين.. وأشهر تلك اللقاءات في العام 1956 عندما هزما الزعيم إسماعيل الأزهري، وأطاحا به من رئاسة الوزراء ليتولاها السيد عبد الله خليل. كانت قطبية السيدين أشبه بسحابتين تحملان شحنتين مختلفتين من الكهرباء من أن تلتقيا فيتولد منهما البرق والرعد.
ومع رحيل زعيمي الطائفتين، ظن السودانيون أن عهد ”لقاء السيدين“ ولَّى وراح مع التاريخ، خاصة بعد تبدل الأجيال وظهور الشباب في قيادة الطائفتين والحزبين، الاتحادي الديمقراطي، والأمة القومي.
لكن التاريخ الآن يستدير كما بدأ؛ ففي ظل الأزمة السياسية الخانقة التي يمر بها السودان حاليًا، وإخفاق الأحزاب السياسية الحديثة في إدارة الحكم بعد انتصار ثورة ديسمبر والإطاحة بنظام البشير، للدرجة التي أسقطت الحكومة الانتقالية بسهولة في يد المكون العسكري، ثم فشل الأحزاب السياسية في إدارة معارضة منتجة للحل السريع الذي يستعيد الفترة الانتقالية والحكم المدني.. في ظل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والسحاب الداكن، يعود إلى السطح مرة أخرى ”لقاء السيدين“ كخيار بديل بعد فشل الأحزاب السياسية.
لكن السيدين تغيرا، طائفة الأنصار يقودها حاليًا السيد عبد الرحمن الصادق المهدي، وطائفة الختمية أوكل زعيمها السيد محمد عثمان الميرغني قيادتها لأبنائه الذين يمثلون الجيل الصاعد في القيادة الدينية للطائفة والقيادة السياسية للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
”لقاء السيدين“ مع فارق الزمان والأجيال يعود للساحة السياسية السودانية بغتة دون ترتيب أو تخطيط مسبق، أقرب كونه شرطًا جزائيًا لفشل الأحزاب الأخرى العتيقة والحديثة في إدارة الحكم والمعارضة.
خلف الكواليس وفي هدوء، يجري حاليًا إعداد المسرح السياسي السوداني لتحالف طائفي وسياسي بين البيتين العريقين، بين بيتي الميرغني والمهدي، بعد استعصاء المكونات السياسية الأخرى في التوافق على حكومة مدنية تتولى السلطة.
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في خطابه، يوم 4 يوليو 2022، أعلن التزام القوات المسلحة بالخروج من الحكم والملعب السياسي كاملًا حال توافق القوى السياسية على حكومة تنفيذية تتولى السلطة.
ومنذ ذلك التاريخ أضاعت الأحزاب السياسية الوقت في التردد و التقديرات الخاطئة مع توالي صدور بيانات من الترويكا (الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والنرويج) والاتحاد الأوروبي، تستعجل القوى المدنية لتولي الحكم، وإنهاء الأزمة السياسية.
البيتان، بيت المهدي وبيت الميرغني، يهيئان المشهد لـ“لقاء السيدين“ بشكله الحديث، تحالف الجيل الثالث في بيت الميرغني مع الجيل الخامس في بيت المهدي.
بالضرورة لن ينفرد الحزبان –البيتان- بالحكم كاملًا، لكنهما سيمثلان رأس الرمح في تحالف يجمع بجانبهما بعض الأحزاب الأقل حجمًا، إضافة لشخصيات مستقلة وأخرى حزبية تشارك بصفة مستقلة عن ارتباطاتها التنظيمية.
بيت المهدي، يقوده حاليًا السيد عبد الرحمن الصادق المهدي وهو لا يزال في الخدمة العسكرية برتبة لواء، لكنه سيُرقى قريبًا إلى رتبة الفريق قبل إصدار قرار إحالته إلى التقاعد تمهيدًا لشغل دوره السياسي الجديد.
عبد الرحمن يتقدم بسرعة ليكون خليفة لوالده السيد الصادق المهدي أحد أكثر الشخصيات التي لعبت أدوارًا مستمرة طوال عمر السودان بعد الاستقلال، وكان والده يعده منذ فترة لمثل هذا الدور، إذا عهد إليه بكثير من المهام الحساسة خلف الكواليس، إضافة لإمساكه الكامل بمفاتيح كيان الأنصار، المكون الطائفي الأكثر انخراطًا بالشأن السياسي في تاريخ السودان.
ورغم حالة الكمون السياسي التي يستعصم بها السيد عبد الرحمن المهدي بكامل طوعه لتجنب إسقاطات فترة شغله لمنصب مساعد البشير حتى لحظة سقوطه، إلا أنه يتحرك الآن خلف الكواليس في مسارين، الأول جماهيري يستعيد التواصل القاعدي.
وقد زار معظم ولايات السودان، خلال الأشهر الماضية، وعقد لقاءات جماهيرية مفتوحة، أحدثت اختراقًا واضحًا.. والثاني في حشد الدعم الدولي الخارجي خلفه باعتباره الخيار المتاح في ظل مشهد سياسي باتت غالبية خياراته الحزبية موضع شك وقلق للمجتمع الدولي والإقليمي أيضًا.
وزار السيد عبد الرحمن المهدي في بيته، خلال 24 ساعة، سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم، والسفير البريطاني، ثم المشرف السياسي بالسفارة البريطانية، والسفير الروسي.
في الجانب الآخر، يعاني بيت الميرغني من انشقاق كان مكتومًا بين جدرانه إلا أنه استعصى على الرتق فخرج إلى العلن، وفي ظل إمساك مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بقيادة الحزب والطائفة من مهجره الاختياري بالقاهرة، إلا أنه أوكل سلطاته لابنه السيد جعفر الصادق، الذي يمثل القيادة السياسية الشابة للحزب في الوقت الراهن.
واستطاع السيد جعفر استعادة تماسك الحزب بعد تفرق شمل قياداته، في الفترة الماضية، نتيجة تشدد شقيقه محمد الحسن الميرغني في التعامل مع هذه القيادات التاريخية ووصفه لهم بـ“الدواعش“، مما أدى لابتعادهم عن الحزب.
وخلال الفترة الماضية أُعيد تشكيل هياكل الحزب وصعد لمنصب رئيس القطاع السياسي السيد إبراهيم الميرغني الذي نشط في إعادة ترتيب الماكينة السياسية للحزب بإحلال القيادات القديمة بأخرى شابة متحمسة لأدوار جديدة. وخلال الأسبوع الماضي، اُعلن رسميًا عن مبادرة ”نداء أهل السودان “ يقودها الشيخ الطيب الجد وهو رمز صوفي معروف، ولفت الأنظار وجود عبد الرحمن الصادق المهدي في المنصة الرئيسة لحظة إعلان المبادرة. وإذا سارت الترتيبات كما هو مخطط لها، فغالبًا سيعلن المكون العسكري تنحيه عن السلطة متزامنًا مع إعلان حكومة مدنية تعتمد على تحالف يستعيد ذكريات ”لقاء السيدين“، ليثبت الملعب السياسي السوداني دائمًا أن أحدث ما لديه هو أقدمه.
شبكة إرم نيوز