المحاور:
• التدخل الإيراني.
• أهداف إيران من التدخل في سوريا.
• التدخل الروسي.
• أهداف روسيا من التدخل في سوريا.
• التحالف الروسي الإيراني في سوريا.
• توقف العمليَّات العسكريَّة.
• الصراع الروسي الإيراني، ودعم صراع الأجنحة.
• أهمية ميناء اللاذقية لإيران.
• مصالح روسيا في الساحل السوري.
• أهمية ميناء اللاذقية.
• الحصار الاقتصادي والعقوبات.
• حرب عصابات بين مواليّ الأسد في اللاذقية.
• قادة الجيوش في دمشق.
• سمات التحالف الروسي الإيراني في سوريا. مدخل:
أول أشكال التدخل الإيراني المباشر ظهرت بدخول حزب الله ذراع إيران العسكري في لبنان ، (حيث اقتصر سابقاً على عمل السفارة الإيرانية والملحقية الثقافية وبعض الجمعيات ذات المظهر الإجتماعي والإنساني فيما كانت تمارس دور التبشيريات كجمعية الإمام المرتضى )، والذي قام بعرض عسكري في مدينة اللاذقية عام 2000 دعمًا لبشار الأسد القادم الجديد إلى قصر المهاجرين.
بينما التدخل الروسي في سوريا كان قبل ذلك بسنوات ، وتطوَّر تدريجيًّا منذ ستينيات القرن الماضي ليصلْ ذروته مع وصول الأسد الأب لسدة الحكم بعد الانقلاب الذي أتى به للحكم في 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970 حيث اعتمد عسكريًّا بشكل شبه كامل على السوفييت آنذاك بما يخص تسليح الجيش بكلّ صنوفه وتشكيلاته حتّى غدا الخبراء السوفييت في جميع مفاصل الجيش السوري، بل وضمنوا ولاء الكثير من قادته، فقد كان يتردَّد بأنَّ الروس يتدخلون في تعيين رؤساء الأركان ووزراء الدفاع وقادة القوى والفيالق الذين كانوا يخضعون لدورات في صنوف الحرب والقيادة في روسيا.
لم يتوقف السوفييت عند هذا الحدّ، بل دخلوا مجالات الاقتصاد والثروات المعدنيَّة، وكان إنشاء سد الفرات هو ذروة التدخل السوفييتي في سوريا، مع تصرُّف الخبراء الروس بحريَّة تامة، ورغم ذلك بقي حافظ الأسد يلعب على حافة الهاوية، ويُخِضع تلك الأطراف لعمليَّة ابتزاز، فهو وكما أثبتت الوقائع، لعب دورًا في خسارة الجولان لمصلحة إسرائيل، وكان حينها وزيرًا للدفاع، لكنَّه بذات الوقت خاضَ بدعمٍ من السوفييت حربَ تشرين ضد إسرائيل، والتي عمل من خلالها السوفييت على تجربة أسلحتهم في صراعها من السلاح الأمريكي في ظروف معركة حقيقيَّة. بعد تسلُّم بشار الأسد الحكم، وتسليم مقاليد دمشق لإيران، والتي كانت نتيجتها عزلة دوليَّة، وخروج مُذل من لبنان، بدأ التدخل الإيراني يأخذ أشكالًا أخرى اقتصاديَّة من خلال ربط حكومات النظام بسلسلة من الاتفاقيات التجارية كان آخرها 11 اتفاقية في (28 /1/2019)
جرت في دمشق مراسم توقيع عدَّة اتفاقيات استراتيجيَّة للتعاون الثنائي بين إيران وسوريا بحضور النائب الأول للرئيس الإيراني “اسحاق جهانغيري” ورئيس الوزراء السوري “عماد خميس” وقال الأخير: “نشكر الجمهورية الإسلامية لما قدَّمته من دعم للشعب السوري في ظلّ الحرب، نُؤكد للجميع أنَّ سوريا بعد 8 سنوات من الحرب الظالمة والمؤامرات صامدة”.
أمَّا اجتماعيًّا فقد عملت إيران على اختراق النسيج الاجتماعي السوري، ونشر فكرة التشيُّع في صفوفه من خلال عمليَّات واسعة وتجنيد دعاة ومشايخ بدعم من السفارة الإيرانيَّة بدمشق والملحقيَّة الثقافيَّة فيها، هذا التدخل ومن كلا الطرفين بدا واضحًا مع انطلاق الثورة السورية منتصف آذار / مارس 2011. •التدخل الإيراني:
رغم أنَّ التغلغل الإيراني كان واضحًا، وبدأ يأخذ شكلًا ظاهريًّا في جميع المجالات خاصة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، إلا أنَّ انطلاق الثورة السوريَّة كان مناسبة وفرصة كبيرة لزيادة هذا التدخل وتعميقه، والذي بدأ مع اليوم الأول للثورة السوريَّة من خلال المواقف السياسيَّة حيث انحازت إيران عبر قيادتها السياسيَّة والدينيَّة بشكل صارخ إلى جانب نظام الأسد، وتبنتْ رؤيته الإعلاميَّة والسياسيَّة بلْ وشاركتْ بصياغتها، وكان تدخلها المباشر منذ اليوم الأول عبر ذراعها العسكري حزب الله اللبناني الذي ظهر عناصره في محيط دمشق، ومن ثم درعا لكن ظهوره العلني بدا واضحًا وجليًّا في معارك مدينة القصير جنوبي حمص في (19/ 5 / 2013 واستمرت 18 يومًا) حين شارك عناصره بالقتال إلى جانب قوَّات الأسد كما ظهرت ممارساتهم الطائفية أيضًا من خلال رفع شعارات طائفيَّة وانتهاك مقدسات أهل المنطقة.
الرواية الإيرانيَّة التي أصرَّت عليها إيران بأنَّه لا يُوجد مقاتلين لها فقط هم مستشارين، دحضتها الوقائع على الأرض من خلال صور مقتل عدد من القادة والعناصر الإيرانيَّة، ومن خلال دعمها لعدد كبير من المليشيات التابعة لها على أساس طائفي حتَّى جاء اعتراف أحد قادة إيران العسكريين بتجنيد إيران لـ 200 ألف مقاتل نصفهم في سوريا في (17 آذار / مارس 2019)
هذا التدخل لم يكن عسكريًّا فقط، بل عملتْ إيران بالتوازي على التغلغل داخل المؤسسة العسكريَّة لنظام الأسد، وإيجاد ضباط مؤيدين لها على رأسهم ماهر الأسد شقيق بشار الأسد وقائد الفرقة الرابعة وعدد من الضباط والمسؤولين السوريين منهم عصام زهر الدين، وعدد من ضباط الأمن والمخابرات قتل بعضهم بسبب الصراع داخل أجنحة النظام.
التغلغل الإيراني أيضًا كان عن طريق نشر المذهب الشيعي خاصة في المناطق التي سيطرت عليها شرق سوريا ومحاولات ذلك في دمشق والسويداء وديرالزور وحلب، وترميم بعض المزارات ونشر مظاهر الاحتفال وممارسات المذهب كزواج المتعة وزيارة المقدسات وغيرها من ممارسات. • أهداف إيران من التدخل في سوريا:
من أهم أهداف التدخل الإيران، هو تحقيق حلم إيران بالهلال الشيعي الذي يربط طهران ببغداد فدمشق وبيروت، والذي عملت إيران منذ انتصار ثورتها على تحقيقه من خلال السيطرة على العراق ولبنان وتدخلها في سوريا، كذلك تثبيت قواعد عسكرية لها في الداخل السوري، وتقويَّة نفوذ نظام الأسد من خلال دعمه عسكريًّا واقتصاديًّا.
وبالتالي الاستفادة من موقع سوريا الجغرافي والجيوسياسي من أجل تقوّيّة نفوذها في الشرق الأوسط والعالم والوصول إلى البحر المتوسط من خلال اللاذقية وبيروت؛ لذلك فقد دفعت قوَّاتها والميليشيا المواليَّة لها بالسيطرة على الحدود العراقيَّة السوريَّة، وعلى مدينة البوكمال (شرق ديرالزور) ومن ثم على الباديَّة السوريَّة وطريق دمشق – ديرالزور من أجل ضمان طريق بري يصل بين بغداد ودمشق.
حاولت إيران فرض سيطرتها من خلال إيجاد مراكز قوى تابعة لها داخل النظام السوري، وكذلك من خلال إيجاد قوى محليَّة على شكل ميليشيات يقودها موالون للنظام الإيراني سُميَّت “ميليشيا الدفاع الوطني” وهي قوى عسكريَّة غير نظاميَّة لها قيادات مستقلة أنشأها رجال أعمال ووجهاء مقربون من إيران.
• التدخل الروسي:
كان الدعم الروسي حتى العام (2015) يقتصر على الدعم السياسي والإعلامي حيث دعم الروس وبصورة غير مسبوقة نظام الأسد ووقفوا إلى جانبه في مجلس الأمن الدولي، واستخدمت روسيا خلال سنوات الثورة حق النقض الفيتو 12 مرّةً ضد مشاريع قرارات تُدين نظام الأسد، كذلك دعم الإعلام الروسي النظام عبر قنواته الإعلاميَّة وساهم بكسر العزلة السياسيَّة عنه باستدعائه إلى موسكو، وبالتسويق لمؤتمرات ومبادرات سياسيَّة مثل سوتشي وآستانا؛ لكن التحوُّل الأبرز كان في التدخل الروسي بشكل مباشر في الصراع على الأرض، وأرسلت روسيا عدد من قوَّاتها العسكريَّة ومقاتليها وطائراتها ثم قامت بتحديث قاعدة حميميم (مطار الباسل سابقًا) وتحويله إلى قاعدة عسكريَّة، ومركز تنسيق للعمليَّات الروسيَّة.
التدخل العسكري الروسي في (30 سبتمبر / أيلول 2015) قلب موازين القوى، وساعد نظام الأسد بإعادة السيطرة على الأرض، ومن جهة أخرى كان للروس دورًا كبيرًا في سياسة المصالحات التي نتجت عن تطبيق مناطق خفض التصعيد أحد نتائج مؤتمرات آستانة، والتي فرَّغت العمليَّة السياسيَّة من مضامينها، وجزَّأت الحلَّ في سوريا، وأفشلت جميع عمليَّات التدخل السياسي، وكذلك عمل الأمم المتحدة من خلالها مندوبيها الذين أرسلتهم إلى سوريا. • أهداف روسيا من التدخل في سوريا:
بعد ما حدث في العراق وليبيا، وبعد العزلة الدوليَّة التي بدأت روسيا تُعاني منها بعد العقوبات الغربيَّة على القيادة الروسيَّة بسبب أحداث أوكرانيا وما تلاها من مقاطعة غربيَّة جاءت الثورة السوريَّة، وطلبتْ قيادة النظام السوري عن طريق “قاسم سليماني” من الروس التدخل العسكري من أجل الحيلولة دون سقوط نظام الأسد، لضمان المصالح الروسيَّة في سوريا، والتي تملك قواعدًا عسكريَّةً فيها، ومنها قاعدة طرطوس العسكريَّة.
من ناحية أخرى، تستعيد روسيا دورها السياسي والعسكري في آخر مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، وكذلك تجريب أسلحتها والعمل على تسويقها ولا يُعتبر إبقاء رأس النظام السوري أولوية لروسيا بقدر الحفاظ على بنية النظام السياسيَّة والأمنيَّة والعسكريَّة، وضمان مصالح روسيا العسكريَّة والاقتصاديَّة، والتي تمثَّلت بإيجاد عناصر مؤيدة لروسيا داخل المؤسسات السياسيَّة والعسكريَّة في نظام الأسد؛ إذ برز اسم “سهيل الحسن” الملقب بـ “النمر” كرجل روسيا في سوريا، كذلك عملت على إيجاد قوى مكافئة ومعادلة للمليشيات الإيرانيَّة أطلقت عليها اسم “الفيلق الخامس”، وبالتالي تلاقت المصالح الإيرانيَّة والروسيَّة على إبقاء شكل النظام ومؤسساته من خلال إقامة تحالف هش مصلحي وآني.
• التحالف الروسي – الإيراني في سوريا:
تلاقي الأهداف والمصالح بصورتها العامة كان سببًا في التحالف الروسي – الإيراني في سوريا، وهو الإبقاء على نظام الأسد بصورته الحاليَّة، والحفاظ على شكل الجيش والأجهزة الأمنيَّة؛ هذه النقاط المشتركة كانت محاور لتلاقي القيادتين الروسيَّة والايرانيَّة، والتي فيما يبدو اتفقت على نقاط السيطرة عبر شبكة المصالح لكلّ دولة.
ففي حين كانت دمشق العاصمة ومؤسساتها الأمنيَّة هي الهدف الأول للروس، كان المحيط ومناطق المراقد الشيعيَّة حول دمشق هي هدف الإيرانيين بعيدًا عن دمشق، واتجهت أنظار إيران إلى الحدود مع لبنان في الزبداني وحمص وأريافها وكذلك الحدود العراقيَّة وطريق بغداد – دمشق البرِّي عبر الباديَّة السوريَّة، وبالتالي السيطرة على مناطق شرقي سوريا.
أمَّا الروس، فقد وجَّهوا أنظارهم باتجاه الساحل حيث القاعدة الروسيَّة والساحل السوري الذي يضمن تواجد القطع البحريَّة الروسيَّة، وحركتها في المياه الإقليميَّة بكلّ يُسر وسهولة، ونحو الداخل وأطراف حمص وحماة من أجل حماية العمق الساحلي، كذلك مناطق الفوسفات والغاز في خنيفيس وتدمر وغيرها بعد أن خسرت منابع النفط التي سيطرت عليها أمريكا (شرق سوريا)، وبسبب حساسيَّة الموقف والوضع العسكري والجيوسياسي والحساسيَّة الإسرائيلية من التواجد الإيراني على الحدود معها في جنوب سوريا جعلت من تلك المنطقة من حصة روسيا وبالتوافق مع الإسرائيليين.
هذا التحالف الروسي الإيراني رغم هشاشته استمر طيلة فترة العمليَّات العسكريَّة في حمص والغوطة وديرالزور ودرعا حيث كان سلاح الجو الروسي دعمًا لوجستيًّا للميليشيا والقوَّات الإيرانيَّة في معاركها على الأرض، ومع هدوء الجبهات تغيَّر شكل هذا التحالف، وتحوَّل إلى تحالف سياسي من أجل حصد نتائج (الانتصارات العسكريَّة) التي حقَّقها الحليفان.
• توقف العمليَّات العسكريَّة:
لعل العامل الأبرز في تماسك التحالف الروسي – الإيراني رغم خلاف المصالح الجوهرية لكلا الدولتين، وبتوقف المعارك أو انحسارها بدا جليًّا أنَّ هناك تناقضات، وخلاف بدأ يظهر على السطح، ولم يكن بداية الأمر بشكل مباشر، بل من خلال عملية استقطاب الولاءات داخل النظام السوري الذي تحوَّل إلى أجنحة متصارعة منها ما هو تابع لروسيا، ومنها ما هو تابع لإيران إذ يعزو مراقبون تصفيَّة العديد من الضباط البارزين في صفوف نظام الأسد إلى هذا الصراع على السلطة في سوريا. شكل آخر من الصراع هو صراع التعيينات، ففي حين تعمل روسيا على إعادة تشكيل جيش النظام وفق ما كان عليه من عقيدة وسلاح روسي وبإشرافها، وكذلك إعادة تشكيل الأجهزة الأمنيَّة وحلّ جميع الفصائل الأخرى والميليشيات الأجنبيَّة خاصة تلك النابعة لإيران، يهتم الإيرانيون بإبقاء بشار الأسد وشقيقه ماهر في السلطة مهما كانت النتائج.
ومع محاولة قطف نتائج العمليَّات العسكريَّة، ومن أجل تحقيق سيطرتها بشكل كامل أدخلت روسيا إلى محاولات الحلّ السياسي لاعب إقليمي جديد، وهو الدولة التركيَّة، والتي وإن التقت مصالحها مرحليًّا مع الإيرانيين، إلا أنَّها تختلف معهم في مواقع كثيرة أبرزها الموقف من مصير الأسد، هذا التصرُّف أغضب الإيرانيين كثيرًا، وحاولوا إفشال العمليَّة السياسيَّة في سوتشي، وضغطوا من أجل تحويل مسار آستانا، لمسار لتضييع الوقت فقط ريثما يتم تثبيت نظام الأسد سياسة خلط الأوراق التي اتبعها الإيرانيون من أجل عدم استفراد روسيا، وبمساعدة تركيا في الحلِّ السياسي السوري، قابلها سياسة غض البصر من قبل الروس عن التهديدات الإسرائيليَّة للوجود الإيراني في سوريا.
فلم يُسجَّل أيَّ ردّ فعل روسي عن الاستهداف المتكرر للمواقع الإيرانيَّة أو لحليفها حزب الله في سوريا، وهو أمر أزعج الإيرانيين أيضًا مما دفع قادتهم للتصريح أكثر من مرَّة بعدم فعاليَّة وسائط الدفاع الجوي الروسيَّة خاصة الـS300 والتساؤل عن جدوى وجودها منذ نهاية أيلول / سبتمبر 2018.
الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” لموسكو كانت ضمن هذا التوافق الروسي، وفي هذا السياق أتتْ تصريحات القادة الروس حول عدم الإبقاء على قوى أجنبية في سوريا؛ كذلك أفرز توقف العمليَّات العسكريَّة صراعًا من نوع آخر حول المكاسب الاقتصاديَّة، والتي تعتبرها كلا الدولتين تعويضًا عن خسائرها في الحرب.
ففي حين وقَّعت الشركات الروسيَّة اتفاقيات حول استثمار الثروات الباطنيَّة كالفوسفات، وقَّعت إيران العديد من الاتفاقيات الاقتصاديَّة مع نظام الأسد.
• الصراع الروسي الإيراني، ودعم صراع الأجنحة:
معاناة الدول الثلاثة روسيا وإيران وسوريا من العقوبات الغربيَّة بدا واضحًا، وهو ما يُطلق صراعًا على المكاسب هناك، وظهرت أبرز أشكال هذا الصراع في الخلاف الروسي – الإيراني مع نظام الأسد على إدارة مرفأ اللاذقية البحري، الذي يُعتبر نافذة إيران وطموحها للوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي كسر حالة العزلة والحصار الذي تُعانيه من العقوبات الغربيَّة والأمريكيَّة، وأيضًا الوصول لحدود أوروبا، وبالتالي قد تدفع هذا التحالف للاستقطاب أكثر وربَّما تدفع به إلى نهاية وشيكة قد تودي بـ “النجاحات” التي حقَّقها فيما سبق.
عملياً لن يكون هناك صراعًا مباشرًا بين الدولتين وذلك لأسباب كثيرة متعلقة بالحالة السياسيَّة لكلا البلدين والمصالح المشتركة السياسية والاقتصاديَّة بينهما، ولذلك سيخوض كلا الطرفين صراع السيطرة عبر وكلائه المحليين حيث يعتمد الروس أكثر على القوَّات النظامية ذات التراتبية المهنية والعسكرية، بينما يعتمد الإيرانيون على الميليشيا الأكثر انفلاتًا.
ففي ديرالزور هناك صراع واضح بين الطرفين حيث يعتمد الروس على الأجهزة الأمنيَّة والفيلق الخامس وقوَّات النمر، بينما يعتمد الإيرانيون على الميليشيات التابعة لهم والميليشيات المحلية مثل لواء الباقر الذي أسسه “نواف الراغب البشير” العائد إلى نظام الأسد بعد سنوات قضاها في صفوف المعارضة.
الصراع بدأ في السيطرة على معابر نهر الفرات، والتي تُشكِّل نقاط التواصل بين ضفتي نهر الفرات حيث يسيطر النظام على الضفة اليمنى (الشامية) في حين تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الضفة اليسرى (الجزيرة).
وتسببت تلك المعابر بحالة من الصراع وصل أحيانًا إلى اشتباكات مسلحة بين عناصر النظام والميليشيات الإيرانيَّة للسيطرة عليها، وبالتالي الحصول على العائدات الماليَّة الضخمة التي تدرها نتيجة عمليَّات التبادل التجاري والتهريب بين ضفتي النهر خاصة النفط، والأغنام والقمح، ثم قام الروس بفرض سيطرتهم على معظم تلك المعابر منعًا لمثل تلك الاحتكاكات. كذلك بدا الوضع أكثر توترًا بعد مقتل “عصام زهر الدين” في ديرالزور، وتعرَّض عناصر تتبع لروسيا لقصف من طائرات التحالف الدولي بسبب بعض التصرفات لعناصر غير منضبطة قامت باستهداف مواقع التحالف مما اقتضى الرد من الأخير.
لكن الامتحان الحقيقي لحقيقة هذا الصراع تجلَّى في محاولة السيطرة على درعا والجنوب السوري ومحاولة الروس إبعاد ميليشيا حزب الله اللبناني والاستفراد في المنطقة من خلال الضغط على نظام الأسد، وذلك تطبيقًا للتفاهمات الروسيَّة الإسرائيليَّة، والتي بدت تظهر للعلن بعد الجولات المكوكية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لروسيا، وعلى خطوط التماس في الشمال السوري خاصة في ريف حماة وإدلب حيث يحاول الروس أيضًا الحفاظ على تفاهمات معينة مع الأتراك من أجل الوصول لحل “معضلة إدلب”؛ فهذه المناطق تُشكِّل اختبارًا حقيقيًّا لمدى قوة هذا التحالف وتماسكه.
• أهمية ميناء اللاذقية لإيران:
الأهمية الاستراتيجيَّة لمرفأ اللاذقية والساحل السوري بالمجمل بالنسبة لإيران هي عمليَّة غير قابلة للمساومة (أصدر بشار الأسد قرارًا بتسهيل الإدارة الإيرانيَّة لمرفأ اللاذقية)، فنظام الأسد الذي خسر كثيرًا خلال سنوات الحرب بدا يترنح أمام العقوبات الاقتصاديَّة خاصة مع تفعيل أمريكا لعقوباتها ضدَّ المؤسسات، والأفراد وتهديدها كلَّ من يتعامل مع نظام الأسد والتلويح بقانون سيزر، هذه العقوبات واقتراب الأسد من حافة الهاوية، أفرز نوعًا من التململ الشعبي في صفوف مؤيديه.
• مصالح روسيا في الساحل السوري:
يرى الروس في اللاذقية، ومرفأها والساحل السوري، آخر منافذهم على البحر المتوسط، وبالتالي خسارة هذا المنفذ سيكون ضربة قاصمة لتضحياتهم في سوريا؛ لذلك يُحاول الروس إفشال السيطرة الإيرانيَّة عليه من خلال تدعيم قواعدهم العسكريَّة في ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوّيّة، وهو ما جعل الإدارة الروسيَّة ترفض التفرُّد الإيراني في الساحل السوري.
الغاز المتوقع وجوده مُقابل الساحل السوري هو سبب آخر لهذا الصراع، حيث بدأ الروس التنقيب عن الغاز مقابل الساحل السوري، وهو ما يسيل له لعاب الشركات الروسيَّة، وبالتالي تزداد الحاجة لميناء اللاذقية كمنفذ بحري، وكموقع استراتيجي يخدم عمليَّات التنقيب الروسيَّة، وبالتالي الصراع للسيطرة على الميناء سيشتد في الفترة المقبلة مع رفض إسرائيلي لتواجد إيراني على البحر المتوسط وموافقة روسيَّة على ذلك.
• أهمية ميناء اللاذقية:
يُعتبر مرفأ اللاذقية من أقدم المرافئ على شاطئ البحر المتوسط أنشأه الفينيقيون منذ خمسة وعشرين قرنًا, ثم جاء اليونان وبنوا مدينة اللاذقية وأسموها لاواديسا وبسطوا سيطرتهم على منفذها البحري الهام، وكان المرفأ حتى عام 1925 عبارة عن حوض طبيعي من دون أرصـفة لا يتجاوز عمق المياه فيه 4.5 م، وفي العام 1931 تم إنشاء الرصيف الشمالي، وتلاه الرصيف الجنوبي.
تم إحداث شركة مرفأ اللاذقية (قطاع مشترك) وذلك بناءً على المرسوم التشريعي رقم 38 في 12/2/1950 القاضي بإحداث واستثمار مرفأ بحري في مدينة اللاذقية مع المنشآت التابعة له، وأتبعت إلى وزارة النقل في العام 1974، وفي العام 1982 آلتْ جميع أسهم القطاع الخاص إلى الدولة، وأصبحت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية (قطاع عام) وذلك بناءً على القانون رقم /17/ الصادر بنفس التاريخ.
بموجب القانون /2/ لعام 2005 المتعلِّق بإحداث المؤسسات والشركات العامَّة اعتبرت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية شخص اعتباري عام يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويُشارك في تنمية الاقتصاد الوطني، وتتولى إدارتها لجنة إدارية ترتبط بالسيد وزير النقل.
بُدئ بإقامة منشآت مرفأ اللاذقية على مرحلتين ابتداءً من العام 1954 وانتهاءً بالعام 1985، فالمرحلة الأولى، تم إنشاؤها خلال الفترة (1952-1956)، وبعد الانتهاء الفعلي من آخر الأعمال المتعلقة بالبنى التحتية لمرفأ اللاذقية في العام 1985 استمرت الدراسات وفق ما هو مخطط له لاستكمال توسيع مرفأ اللاذقية باستخدام كامل المساحات المرصودة له والتي تم تحديدها ضمن مرسوم الاستملاك الصادر في العام 1976 بالأراضي المحاذية للمنطقة المرفئية القديمة شمالًا والممتدة حتى موقع روتانا آفاميا حاليًّا، واتخذت القرارات اللازمة من الجهات الوصائية والتي كان آخرها في العام 2009 حيث صدر قرار لجنة الإدارة المتكاملة للساحل السوري بتوسيع مرفأ اللاذقية وفق المخططات الموضوعة من الخبراء الدوليين، وتم تأشير القرار المذكور من قبل رئاسة مجلس الوزراء، وحاليَّا يتم التنسيق بين وزارة النقل وهيئة التخطيط والتعاون الدولي وجهات استشارية روسية بخصوص الإقلاع بمشروع التوسيع.
• الحصار الاقتصادي والعقوبات:
الحصار الاقتصادي الذي يُعاني منه نظام الأسد، والعقوبات التي طالته وحليفيه تسبَّبت بحالة من التململ في الحاضنة الشعبيَّة، ودفعت النظام إلى التنبه لها ومحاولة كبح جماحها، حيث زار بشار الأسد إيران في (25/02/2019) طالبًا مساعدتها في تخفيف عبء العقوبات وتراجع الاقتصاد السوري الذي وصل حافة الهاوية، والذي سيتسبب في فوضى أمنيَّة كبيرة.
خاصةً بأنَّ سلطة بشار وماهر الأسد بدأت بالتراجع أمام تنامي ظاهرة المليشيات والشبيحة، وهو ما جعل اللاذقية والقرداحة معقل النظام وحاضنته الشعبية تغرق في حالة من الاقتتال والفوضى (بشار ويسار طلال الأسد وخلافهم مع إياد بركات).
زيارة بشار الأسد لإيران حاولت إنقاذ ما يُمكن إنقاذه عن طريق مد إيران له بالوقود والنفط الذي يحتاجه، والتي تلقت ضربة قاصمة بامتناع الحكومة المصرية عن السماح للسفن الإيرانيَّة بالعبور من قناة السويس، وبالتالي تشديد الخناق على النظام السوري، والذي بزيارته لإيران قطع أحد حبال الرضى الروسي عنه.
• حرب عصابات بين مواليّ الأسد في اللاذقية:
لا تقتصر مشكلة اللاذقية على الخلاف الروسي – الإيراني حول إدارة الميناء؛ بل برزت ظاهرة الصراع الداخلي بين آل الأسد، مؤخرًا بصورة أوضح من ذي قبل، حيث تحوَّلت مدينة اللاذقية و شوارعها إلى مناطق لتصفية الحسابات وصراع على النفوذ والسيطرة بين عائلة الأسد ومواليها وأنصارها من جهة، وبين خصومهم التقليديين من العائلات العلوية الأخرى والتي عانت كثيراً من تسلط هؤلاءمن جهة ثانية.
فقد شهد كلاً من شارع الأمريكان ومنطقة شارع الزراعة، دارت اشتباكات بالأسلحة النارية المتوسطة والخفيفة حيث بدت المدينة وكأنها أحد جبهات القتال ، كان طرفاها شبان من آل شعبو ومناصرين لعائلة الأسد تسببت هذه الإشتباكات بتحول ساحات المدينة لمناطق مغلقة تحيط بها سيارات دفع رباعي تحمل شباباً يطلقون النار ، ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها؛ إذ شهدت شارع المدينة مؤخراً أكثر من حالة مواجهة بين عائلات آل شاليش وآل ديب الموالين لآل الأسد ضد منافسيهم من آل شعبو وآل بركات وآل الخير وآل نجيب وآل عثمان .
حاضنة النظام والتي بدت تشعر بالخيبة من تلك الاشتباكات ومن تراجع هيبة آل الأسد وضعف نفوذهم، وظهور مليشيا محلية لأول مرة خارج نطاق سيطرة عائلة الأسد والموالين لها ، وتتمثل فـي تحدي عائلة الأسد وقتل بعض شبانهم في اشتباكات أصبح مشهدها متكررًا، كذلك عدم قدرة أجهزة الدولة على السيطرة على المدينة ومن المعروف أن أجهزة الأمن والشرطة لاتستطيع فرض سيطرتها في مدينة اللاذقية ولافرض القانون بسبب سيطرة تلك المليشيات لذلك استنجدت الفروع الأمنية بعناصر من حزب الله وبالقاعدة الروسية في حميميم.
كذلك يمثل “سليمان هلال الأسد” وهو من عائلة الأسد ومن الدائرة المقربة حالة من الإنفلات والخروج عن السيطرة من خلال اقتحام المحلات بالسلاح وإطلاق النار العشوائي ، كذلك هناك حادثة أخرى لها دلالتها في حالة الفوضى التي وصلت إليها المدينة حيث وصل الخلاف في أحد النواديإلى عمليات إطلاق نار وقنابل بين شباب من عائلتي الأسد وبركات، ففي 4 آذار / مارس 2019، هاجم الشاب “علي محمد حسن سعد” بسيارة سوزوكي مقر نادي الضباط بمنتجع الشاطئ الأزرق في مدينة اللاذقية، وألقى قنابلًا داخل الممرات، وفتح النار على عناصر الأمن الموجودين في النادي ما أسفر عن وقوع سبعة قتلى عرف منهم الرقيب أول “أشرف مصطفى ياسين” وعدد من الجرحى، تسببت بضرر لأجزاء كبيرة من ساحات النادي الذي يعتبر أحد أكبر التجمعات السياحية للضباط ورجالات النظام.
كذلك فقد تداولت صفحات موالية وشهادات من مدينة اللاذقية قصة بشار طلال الأسد المتحصِّن بالقرداحة والذي اختطف ضباط أمن من آل بركات بسبب خلاف على تجارة المخدرات ، حيث صادرت الجمارك شحنة مخدرات له وقام بمقاومة جميع محاولات إعتقاله مطلقاً وحسب مواقع موالية تهديدات باستهداف كل من يحاول ذلك.
وبالتالي، طرفا الخلاف الروسي – الإيراني يُغذيّان هذه النزاعات من أجل السيطرة على مدينة اللاذقية وحاضنة النظام الاجتماعيَّة؛ وهنا يبرز التمايز في أهداف كلا الطرفين حول الموقف من شخص بشار الأسد والدائرة المحيطة به.
• قادة الجيوش في دمشق:
زيارة بشار الأسد إلى إيران أكدت على خياره الأخير، وانحيازه لجانب إيران التي هرع إليها مستنجدًا لإنقاذه من الحالة السيئة التي وصل إليها اقتصاده وتأثير الحصار الغربي عليه، والوعود التي تلقاها في إيران بتقديم مساعدات عاجلة، وبسبب الحصار المفروض على إيران، فقد تم التوافق على استخدام الطريق البرِّي الواصل بين بغداد – دمشق، وكذلك من أجل ضمان مساهمة الحكومة العراقيَّة في إنقاذ اقتصاد نظام الأسد المنهار، فالطريق من بغداد إلى دمشق يمرّ بأكثر المناطق سخونة، وهي صحراء الأنبار، ومناطق غرب العراق، والحدود العراقيَّة السوريَّة والباديَّة السوريَّة الحصن الجديد لتنظيم الدولة (داعش)، وكذلك وجود قاعدة التنف التي ترصد الطريق المزمع إنشاؤه.
تأمين هذا الطريق استدعى اجتماع قادة أركان البلدان المهتمة “إيران – سوريا – العراق” في 18/03/2019 في دمشق حيث نُوقشت عدة قضايا هامة أبرزها تأمين طريق المساعدات الإيراني لدمشق، وحمايته عن طريق الحكومة العراقية والحشد الشعبي داخل العراق حتى الحدود العراقية السورية، ومن ثم تقوم المليشيا التابعة لإيران بإكمال المهمة عبر الباديَّة السوريَّة.
والخطر الأكبر يتمثَّل في خلايا تنظيم الدولة (داعش) المنتشرة على طول الطريق في صحراء الأنبار، والباديَّة السوريَّة وصولًا لشرق تدمر، ومنطقة السخنة حيث تتعرض قوافل الميليشيا لهجمات من خلايا التنظيم بشكل متفرَّق، كذلك وجود قاعدة التنف العسكريَّة والتي تشرف عليها القوات الأمريكية بشكل مباشر يجعل من الصعوبة بمكان التحرُّك بحريِّة، ونقل مساعدات عسكريَّة ولوجستية لنظام الأسد، وكان من بين الأمور التي تمَّت مناقشتها هزيمة داعش في سوريا، وسيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) على شرق الفرات والانسحاب الأمريكي، والتهديدات التركيَّة ومعركة إدلب، والتهديدات الإسرائيلية للتواجد الإيراني في سوريا.
• زيارة وزير الدفاع الروسي:
يبدو أنَّ زيارة بشار الأسد لإيران جاءت دون علم القيادة الروسيَّة، وكذلك ما تم الحديث عنه حول مرفأ اللاذقية، وتسليم النظام السوري إدارته للإيرانيين مقابل الدعم الاقتصادي مما جعل بوتين يرسل وزير دفاعه “سيرغي شويغو” سريعًا إلى دمشق للاطلاع على ما جرى خلال الزيارة ،
وتوجيه تحذير للنظام في سوريا بعدم تسليم مرفأ اللاذقية للإيرانيين، وعن ضرورة التنسيق معهم في جميع الخطوات التي يقوم بها النظام السوري كذلك جرى الحديث حول الوضع في إدلب، وعن اتفاقية أضنة والتصريحات التركية حول شرق الفرات.
هذه الزيارة عكست غضب روسي من زيارة بشار الأسد، ومن نتائجها هذا الغضب بدا واضحًا في التلميح الروسي بعد اجتماع “بوتين ونتنياهو” بأنَّ العمليَّات الإسرائيليَّة في سوريا قد تستأنف، وهو ما يُمثّل غض بصر روسي عن استهداف الطيران الإسرائيلي لأهداف إيرانيَّة في سوريا، ما أربك الحسابات أيضًا اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، وبالتالي سيسمح لإسرائيل بالتدخل بصورة أكبر في الشأن السوري لإبعاد الوجود الإيراني عن الحدود معها مستغلة الخلاف الروسي الإيراني والتنسيق الروسي معها.
• سمات التحالف الروسي الإيراني في سوريا:
لعل أبرز سمة للتحالف الروسي – الإيراني أنَّه تحالف هش يقوم على أهداف مختلفة لكلا الطرفين، فلكلَّ طرف أهدافه الخاصة، ولتدخله أسباب تختلف عن أسباب تدخل الطرف الآخر، وإن كان الهدف الأساسي المشترك هو منع نظام الأسد من السقوط، والوقوف في وجه التدخل الأمريكي، وإن كان بنسب متفاوتة، وكذلك الوقوف في وجه تمدَّد دول الخليج في سوريا والعراق والضغط عليها لتحقيق مصالح اقتصاديَّة وسياسيَّة، والضغط على تركيا للحصول على تنازلات في مناطق أخرى من محيطها الإقليمي.
نقاط الخلاف أو عدم التوافق تتمثل في أسباب التدخل ذاتها لكلِّ طرف، ففي حين أنَّ روسيا تدخلت بالدرجة الأولى لحماية مصالحها في سوريا والمنطقة والحفاظ على آخر منافذها على البحر المتوسط، وبالتالي على أوروبا، وكذلك الحصول على امتيازات اقتصاديَّة في سوريا، والوقوف بوجه التمدد الأمريكي في العراق.
فإنَّ التدخل الإيراني كان هدفه الأساسي الحفاظ على نظام بشار الأسد من السقوط والحفاظ على فكرة الهلال الشيعي من الانهيار بسقوطه، وأيضًا محاولة الوصول للبحر المتوسط، وفي هذه الحالة تتنافس مع حليفها الروسي، وهو ما برز في الخلاف حول مرفأ اللاذقية كذلك محاولة الاقتراب من حدود إسرائيل، وزرع كيان شبيه بحزب الله في القنيطرة، وهذه نقطة خلاف أخرى مع الروس تجلت بالتوافق الروسي – الإسرائيلي على سيطرة روسيا على الجنوب السوري، وغض البصر عن استهداف إسرائيل للأهداف الإيرانيَّة.
الاقتصاد، أيضًا نقطة خلاف، فكلا الدولتين تُحاولان تعويض خسائرهما في سوريا عبر اتفاقيات اقتصاديَّة، وتجاريَّة طويلة الأمد مع نظام الأسد، كذلك فقد كان أحد أهداف الروس من التدخل هو تجريب عدد كبير من الأسلحة الروسيَّة بغية تسويقها، وهذا ما صرَّح به عدد من المسؤولين الروس.
التقارب الروسي – التركي، ومحاولة تهميش الدور الإيراني سياسيَّا خاصة فيما يتعلَّق بتوافقات آستانا وسوتشي، واتفاقيات خفض التصعيد في إدلب، وتبادل الزيارات الدبلوماسيَّة بين أنقرة وموسكو جعلت من التوتر بين الحليفين، يطفو على السطح حيث تعمل القيادة العسكريَّة والسياسيَّة الإيرانيَّة على خلط الأوراق خاصة في إدلب، ودفع النظام السوري لارتكاب تجاوزات فيها قد تحرج الروس في توافقاتهم مع الأتراك.
-----------
الشرق نيوز
• أهداف إيران من التدخل في سوريا.
• التدخل الروسي.
• أهداف روسيا من التدخل في سوريا.
• التحالف الروسي الإيراني في سوريا.
• توقف العمليَّات العسكريَّة.
• الصراع الروسي الإيراني، ودعم صراع الأجنحة.
• أهمية ميناء اللاذقية لإيران.
• مصالح روسيا في الساحل السوري.
• أهمية ميناء اللاذقية.
• الحصار الاقتصادي والعقوبات.
• حرب عصابات بين مواليّ الأسد في اللاذقية.
• قادة الجيوش في دمشق.
• سمات التحالف الروسي الإيراني في سوريا.
أول أشكال التدخل الإيراني المباشر ظهرت بدخول حزب الله ذراع إيران العسكري في لبنان ، (حيث اقتصر سابقاً على عمل السفارة الإيرانية والملحقية الثقافية وبعض الجمعيات ذات المظهر الإجتماعي والإنساني فيما كانت تمارس دور التبشيريات كجمعية الإمام المرتضى )، والذي قام بعرض عسكري في مدينة اللاذقية عام 2000 دعمًا لبشار الأسد القادم الجديد إلى قصر المهاجرين.
بينما التدخل الروسي في سوريا كان قبل ذلك بسنوات ، وتطوَّر تدريجيًّا منذ ستينيات القرن الماضي ليصلْ ذروته مع وصول الأسد الأب لسدة الحكم بعد الانقلاب الذي أتى به للحكم في 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970 حيث اعتمد عسكريًّا بشكل شبه كامل على السوفييت آنذاك بما يخص تسليح الجيش بكلّ صنوفه وتشكيلاته حتّى غدا الخبراء السوفييت في جميع مفاصل الجيش السوري، بل وضمنوا ولاء الكثير من قادته، فقد كان يتردَّد بأنَّ الروس يتدخلون في تعيين رؤساء الأركان ووزراء الدفاع وقادة القوى والفيالق الذين كانوا يخضعون لدورات في صنوف الحرب والقيادة في روسيا.
لم يتوقف السوفييت عند هذا الحدّ، بل دخلوا مجالات الاقتصاد والثروات المعدنيَّة، وكان إنشاء سد الفرات هو ذروة التدخل السوفييتي في سوريا، مع تصرُّف الخبراء الروس بحريَّة تامة، ورغم ذلك بقي حافظ الأسد يلعب على حافة الهاوية، ويُخِضع تلك الأطراف لعمليَّة ابتزاز، فهو وكما أثبتت الوقائع، لعب دورًا في خسارة الجولان لمصلحة إسرائيل، وكان حينها وزيرًا للدفاع، لكنَّه بذات الوقت خاضَ بدعمٍ من السوفييت حربَ تشرين ضد إسرائيل، والتي عمل من خلالها السوفييت على تجربة أسلحتهم في صراعها من السلاح الأمريكي في ظروف معركة حقيقيَّة.
توقيع 11 اتفاقية تعاون بين سورية وإيران في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والاستثمار والإسكان-فيديو
جرت في دمشق مراسم توقيع عدَّة اتفاقيات استراتيجيَّة للتعاون الثنائي بين إيران وسوريا بحضور النائب الأول للرئيس الإيراني “اسحاق جهانغيري” ورئيس الوزراء السوري “عماد خميس” وقال الأخير: “نشكر الجمهورية الإسلامية لما قدَّمته من دعم للشعب السوري في ظلّ الحرب، نُؤكد للجميع أنَّ سوريا بعد 8 سنوات من الحرب الظالمة والمؤامرات صامدة”.
أمَّا اجتماعيًّا فقد عملت إيران على اختراق النسيج الاجتماعي السوري، ونشر فكرة التشيُّع في صفوفه من خلال عمليَّات واسعة وتجنيد دعاة ومشايخ بدعم من السفارة الإيرانيَّة بدمشق والملحقيَّة الثقافيَّة فيها، هذا التدخل ومن كلا الطرفين بدا واضحًا مع انطلاق الثورة السورية منتصف آذار / مارس 2011.
رغم أنَّ التغلغل الإيراني كان واضحًا، وبدأ يأخذ شكلًا ظاهريًّا في جميع المجالات خاصة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، إلا أنَّ انطلاق الثورة السوريَّة كان مناسبة وفرصة كبيرة لزيادة هذا التدخل وتعميقه، والذي بدأ مع اليوم الأول للثورة السوريَّة من خلال المواقف السياسيَّة حيث انحازت إيران عبر قيادتها السياسيَّة والدينيَّة بشكل صارخ إلى جانب نظام الأسد، وتبنتْ رؤيته الإعلاميَّة والسياسيَّة بلْ وشاركتْ بصياغتها، وكان تدخلها المباشر منذ اليوم الأول عبر ذراعها العسكري حزب الله اللبناني الذي ظهر عناصره في محيط دمشق، ومن ثم درعا لكن ظهوره العلني بدا واضحًا وجليًّا في معارك مدينة القصير جنوبي حمص في (19/ 5 / 2013 واستمرت 18 يومًا) حين شارك عناصره بالقتال إلى جانب قوَّات الأسد كما ظهرت ممارساتهم الطائفية أيضًا من خلال رفع شعارات طائفيَّة وانتهاك مقدسات أهل المنطقة.
الرواية الإيرانيَّة التي أصرَّت عليها إيران بأنَّه لا يُوجد مقاتلين لها فقط هم مستشارين، دحضتها الوقائع على الأرض من خلال صور مقتل عدد من القادة والعناصر الإيرانيَّة، ومن خلال دعمها لعدد كبير من المليشيات التابعة لها على أساس طائفي حتَّى جاء اعتراف أحد قادة إيران العسكريين بتجنيد إيران لـ 200 ألف مقاتل نصفهم في سوريا في (17 آذار / مارس 2019)
هذا التدخل لم يكن عسكريًّا فقط، بل عملتْ إيران بالتوازي على التغلغل داخل المؤسسة العسكريَّة لنظام الأسد، وإيجاد ضباط مؤيدين لها على رأسهم ماهر الأسد شقيق بشار الأسد وقائد الفرقة الرابعة وعدد من الضباط والمسؤولين السوريين منهم عصام زهر الدين، وعدد من ضباط الأمن والمخابرات قتل بعضهم بسبب الصراع داخل أجنحة النظام.
التغلغل الإيراني أيضًا كان عن طريق نشر المذهب الشيعي خاصة في المناطق التي سيطرت عليها شرق سوريا ومحاولات ذلك في دمشق والسويداء وديرالزور وحلب، وترميم بعض المزارات ونشر مظاهر الاحتفال وممارسات المذهب كزواج المتعة وزيارة المقدسات وغيرها من ممارسات.
من أهم أهداف التدخل الإيران، هو تحقيق حلم إيران بالهلال الشيعي الذي يربط طهران ببغداد فدمشق وبيروت، والذي عملت إيران منذ انتصار ثورتها على تحقيقه من خلال السيطرة على العراق ولبنان وتدخلها في سوريا، كذلك تثبيت قواعد عسكرية لها في الداخل السوري، وتقويَّة نفوذ نظام الأسد من خلال دعمه عسكريًّا واقتصاديًّا.
وبالتالي الاستفادة من موقع سوريا الجغرافي والجيوسياسي من أجل تقوّيّة نفوذها في الشرق الأوسط والعالم والوصول إلى البحر المتوسط من خلال اللاذقية وبيروت؛ لذلك فقد دفعت قوَّاتها والميليشيا المواليَّة لها بالسيطرة على الحدود العراقيَّة السوريَّة، وعلى مدينة البوكمال (شرق ديرالزور) ومن ثم على الباديَّة السوريَّة وطريق دمشق – ديرالزور من أجل ضمان طريق بري يصل بين بغداد ودمشق.
حاولت إيران فرض سيطرتها من خلال إيجاد مراكز قوى تابعة لها داخل النظام السوري، وكذلك من خلال إيجاد قوى محليَّة على شكل ميليشيات يقودها موالون للنظام الإيراني سُميَّت “ميليشيا الدفاع الوطني” وهي قوى عسكريَّة غير نظاميَّة لها قيادات مستقلة أنشأها رجال أعمال ووجهاء مقربون من إيران.
• التدخل الروسي:
كان الدعم الروسي حتى العام (2015) يقتصر على الدعم السياسي والإعلامي حيث دعم الروس وبصورة غير مسبوقة نظام الأسد ووقفوا إلى جانبه في مجلس الأمن الدولي، واستخدمت روسيا خلال سنوات الثورة حق النقض الفيتو 12 مرّةً ضد مشاريع قرارات تُدين نظام الأسد، كذلك دعم الإعلام الروسي النظام عبر قنواته الإعلاميَّة وساهم بكسر العزلة السياسيَّة عنه باستدعائه إلى موسكو، وبالتسويق لمؤتمرات ومبادرات سياسيَّة مثل سوتشي وآستانا؛ لكن التحوُّل الأبرز كان في التدخل الروسي بشكل مباشر في الصراع على الأرض، وأرسلت روسيا عدد من قوَّاتها العسكريَّة ومقاتليها وطائراتها ثم قامت بتحديث قاعدة حميميم (مطار الباسل سابقًا) وتحويله إلى قاعدة عسكريَّة، ومركز تنسيق للعمليَّات الروسيَّة.
التدخل العسكري الروسي في (30 سبتمبر / أيلول 2015) قلب موازين القوى، وساعد نظام الأسد بإعادة السيطرة على الأرض، ومن جهة أخرى كان للروس دورًا كبيرًا في سياسة المصالحات التي نتجت عن تطبيق مناطق خفض التصعيد أحد نتائج مؤتمرات آستانة، والتي فرَّغت العمليَّة السياسيَّة من مضامينها، وجزَّأت الحلَّ في سوريا، وأفشلت جميع عمليَّات التدخل السياسي، وكذلك عمل الأمم المتحدة من خلالها مندوبيها الذين أرسلتهم إلى سوريا.
بعد ما حدث في العراق وليبيا، وبعد العزلة الدوليَّة التي بدأت روسيا تُعاني منها بعد العقوبات الغربيَّة على القيادة الروسيَّة بسبب أحداث أوكرانيا وما تلاها من مقاطعة غربيَّة جاءت الثورة السوريَّة، وطلبتْ قيادة النظام السوري عن طريق “قاسم سليماني” من الروس التدخل العسكري من أجل الحيلولة دون سقوط نظام الأسد، لضمان المصالح الروسيَّة في سوريا، والتي تملك قواعدًا عسكريَّةً فيها، ومنها قاعدة طرطوس العسكريَّة.
من ناحية أخرى، تستعيد روسيا دورها السياسي والعسكري في آخر مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، وكذلك تجريب أسلحتها والعمل على تسويقها ولا يُعتبر إبقاء رأس النظام السوري أولوية لروسيا بقدر الحفاظ على بنية النظام السياسيَّة والأمنيَّة والعسكريَّة، وضمان مصالح روسيا العسكريَّة والاقتصاديَّة، والتي تمثَّلت بإيجاد عناصر مؤيدة لروسيا داخل المؤسسات السياسيَّة والعسكريَّة في نظام الأسد؛ إذ برز اسم “سهيل الحسن” الملقب بـ “النمر” كرجل روسيا في سوريا، كذلك عملت على إيجاد قوى مكافئة ومعادلة للمليشيات الإيرانيَّة أطلقت عليها اسم “الفيلق الخامس”، وبالتالي تلاقت المصالح الإيرانيَّة والروسيَّة على إبقاء شكل النظام ومؤسساته من خلال إقامة تحالف هش مصلحي وآني.
• التحالف الروسي – الإيراني في سوريا:
تلاقي الأهداف والمصالح بصورتها العامة كان سببًا في التحالف الروسي – الإيراني في سوريا، وهو الإبقاء على نظام الأسد بصورته الحاليَّة، والحفاظ على شكل الجيش والأجهزة الأمنيَّة؛ هذه النقاط المشتركة كانت محاور لتلاقي القيادتين الروسيَّة والايرانيَّة، والتي فيما يبدو اتفقت على نقاط السيطرة عبر شبكة المصالح لكلّ دولة.
ففي حين كانت دمشق العاصمة ومؤسساتها الأمنيَّة هي الهدف الأول للروس، كان المحيط ومناطق المراقد الشيعيَّة حول دمشق هي هدف الإيرانيين بعيدًا عن دمشق، واتجهت أنظار إيران إلى الحدود مع لبنان في الزبداني وحمص وأريافها وكذلك الحدود العراقيَّة وطريق بغداد – دمشق البرِّي عبر الباديَّة السوريَّة، وبالتالي السيطرة على مناطق شرقي سوريا.
أمَّا الروس، فقد وجَّهوا أنظارهم باتجاه الساحل حيث القاعدة الروسيَّة والساحل السوري الذي يضمن تواجد القطع البحريَّة الروسيَّة، وحركتها في المياه الإقليميَّة بكلّ يُسر وسهولة، ونحو الداخل وأطراف حمص وحماة من أجل حماية العمق الساحلي، كذلك مناطق الفوسفات والغاز في خنيفيس وتدمر وغيرها بعد أن خسرت منابع النفط التي سيطرت عليها أمريكا (شرق سوريا)، وبسبب حساسيَّة الموقف والوضع العسكري والجيوسياسي والحساسيَّة الإسرائيلية من التواجد الإيراني على الحدود معها في جنوب سوريا جعلت من تلك المنطقة من حصة روسيا وبالتوافق مع الإسرائيليين.
هذا التحالف الروسي الإيراني رغم هشاشته استمر طيلة فترة العمليَّات العسكريَّة في حمص والغوطة وديرالزور ودرعا حيث كان سلاح الجو الروسي دعمًا لوجستيًّا للميليشيا والقوَّات الإيرانيَّة في معاركها على الأرض، ومع هدوء الجبهات تغيَّر شكل هذا التحالف، وتحوَّل إلى تحالف سياسي من أجل حصد نتائج (الانتصارات العسكريَّة) التي حقَّقها الحليفان.
• توقف العمليَّات العسكريَّة:
لعل العامل الأبرز في تماسك التحالف الروسي – الإيراني رغم خلاف المصالح الجوهرية لكلا الدولتين، وبتوقف المعارك أو انحسارها بدا جليًّا أنَّ هناك تناقضات، وخلاف بدأ يظهر على السطح، ولم يكن بداية الأمر بشكل مباشر، بل من خلال عملية استقطاب الولاءات داخل النظام السوري الذي تحوَّل إلى أجنحة متصارعة منها ما هو تابع لروسيا، ومنها ما هو تابع لإيران إذ يعزو مراقبون تصفيَّة العديد من الضباط البارزين في صفوف نظام الأسد إلى هذا الصراع على السلطة في سوريا.
ومع محاولة قطف نتائج العمليَّات العسكريَّة، ومن أجل تحقيق سيطرتها بشكل كامل أدخلت روسيا إلى محاولات الحلّ السياسي لاعب إقليمي جديد، وهو الدولة التركيَّة، والتي وإن التقت مصالحها مرحليًّا مع الإيرانيين، إلا أنَّها تختلف معهم في مواقع كثيرة أبرزها الموقف من مصير الأسد، هذا التصرُّف أغضب الإيرانيين كثيرًا، وحاولوا إفشال العمليَّة السياسيَّة في سوتشي، وضغطوا من أجل تحويل مسار آستانا، لمسار لتضييع الوقت فقط ريثما يتم تثبيت نظام الأسد سياسة خلط الأوراق التي اتبعها الإيرانيون من أجل عدم استفراد روسيا، وبمساعدة تركيا في الحلِّ السياسي السوري، قابلها سياسة غض البصر من قبل الروس عن التهديدات الإسرائيليَّة للوجود الإيراني في سوريا.
فلم يُسجَّل أيَّ ردّ فعل روسي عن الاستهداف المتكرر للمواقع الإيرانيَّة أو لحليفها حزب الله في سوريا، وهو أمر أزعج الإيرانيين أيضًا مما دفع قادتهم للتصريح أكثر من مرَّة بعدم فعاليَّة وسائط الدفاع الجوي الروسيَّة خاصة الـS300 والتساؤل عن جدوى وجودها منذ نهاية أيلول / سبتمبر 2018.
الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” لموسكو كانت ضمن هذا التوافق الروسي، وفي هذا السياق أتتْ تصريحات القادة الروس حول عدم الإبقاء على قوى أجنبية في سوريا؛ كذلك أفرز توقف العمليَّات العسكريَّة صراعًا من نوع آخر حول المكاسب الاقتصاديَّة، والتي تعتبرها كلا الدولتين تعويضًا عن خسائرها في الحرب.
ففي حين وقَّعت الشركات الروسيَّة اتفاقيات حول استثمار الثروات الباطنيَّة كالفوسفات، وقَّعت إيران العديد من الاتفاقيات الاقتصاديَّة مع نظام الأسد.
• الصراع الروسي الإيراني، ودعم صراع الأجنحة:
معاناة الدول الثلاثة روسيا وإيران وسوريا من العقوبات الغربيَّة بدا واضحًا، وهو ما يُطلق صراعًا على المكاسب هناك، وظهرت أبرز أشكال هذا الصراع في الخلاف الروسي – الإيراني مع نظام الأسد على إدارة مرفأ اللاذقية البحري، الذي يُعتبر نافذة إيران وطموحها للوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي كسر حالة العزلة والحصار الذي تُعانيه من العقوبات الغربيَّة والأمريكيَّة، وأيضًا الوصول لحدود أوروبا، وبالتالي قد تدفع هذا التحالف للاستقطاب أكثر وربَّما تدفع به إلى نهاية وشيكة قد تودي بـ “النجاحات” التي حقَّقها فيما سبق.
عملياً لن يكون هناك صراعًا مباشرًا بين الدولتين وذلك لأسباب كثيرة متعلقة بالحالة السياسيَّة لكلا البلدين والمصالح المشتركة السياسية والاقتصاديَّة بينهما، ولذلك سيخوض كلا الطرفين صراع السيطرة عبر وكلائه المحليين حيث يعتمد الروس أكثر على القوَّات النظامية ذات التراتبية المهنية والعسكرية، بينما يعتمد الإيرانيون على الميليشيا الأكثر انفلاتًا.
ففي ديرالزور هناك صراع واضح بين الطرفين حيث يعتمد الروس على الأجهزة الأمنيَّة والفيلق الخامس وقوَّات النمر، بينما يعتمد الإيرانيون على الميليشيات التابعة لهم والميليشيات المحلية مثل لواء الباقر الذي أسسه “نواف الراغب البشير” العائد إلى نظام الأسد بعد سنوات قضاها في صفوف المعارضة.
الصراع بدأ في السيطرة على معابر نهر الفرات، والتي تُشكِّل نقاط التواصل بين ضفتي نهر الفرات حيث يسيطر النظام على الضفة اليمنى (الشامية) في حين تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الضفة اليسرى (الجزيرة).
وتسببت تلك المعابر بحالة من الصراع وصل أحيانًا إلى اشتباكات مسلحة بين عناصر النظام والميليشيات الإيرانيَّة للسيطرة عليها، وبالتالي الحصول على العائدات الماليَّة الضخمة التي تدرها نتيجة عمليَّات التبادل التجاري والتهريب بين ضفتي النهر خاصة النفط، والأغنام والقمح، ثم قام الروس بفرض سيطرتهم على معظم تلك المعابر منعًا لمثل تلك الاحتكاكات.
لكن الامتحان الحقيقي لحقيقة هذا الصراع تجلَّى في محاولة السيطرة على درعا والجنوب السوري ومحاولة الروس إبعاد ميليشيا حزب الله اللبناني والاستفراد في المنطقة من خلال الضغط على نظام الأسد، وذلك تطبيقًا للتفاهمات الروسيَّة الإسرائيليَّة، والتي بدت تظهر للعلن بعد الجولات المكوكية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لروسيا، وعلى خطوط التماس في الشمال السوري خاصة في ريف حماة وإدلب حيث يحاول الروس أيضًا الحفاظ على تفاهمات معينة مع الأتراك من أجل الوصول لحل “معضلة إدلب”؛ فهذه المناطق تُشكِّل اختبارًا حقيقيًّا لمدى قوة هذا التحالف وتماسكه.
• أهمية ميناء اللاذقية لإيران:
الأهمية الاستراتيجيَّة لمرفأ اللاذقية والساحل السوري بالمجمل بالنسبة لإيران هي عمليَّة غير قابلة للمساومة (أصدر بشار الأسد قرارًا بتسهيل الإدارة الإيرانيَّة لمرفأ اللاذقية)، فنظام الأسد الذي خسر كثيرًا خلال سنوات الحرب بدا يترنح أمام العقوبات الاقتصاديَّة خاصة مع تفعيل أمريكا لعقوباتها ضدَّ المؤسسات، والأفراد وتهديدها كلَّ من يتعامل مع نظام الأسد والتلويح بقانون سيزر، هذه العقوبات واقتراب الأسد من حافة الهاوية، أفرز نوعًا من التململ الشعبي في صفوف مؤيديه.
• مصالح روسيا في الساحل السوري:
يرى الروس في اللاذقية، ومرفأها والساحل السوري، آخر منافذهم على البحر المتوسط، وبالتالي خسارة هذا المنفذ سيكون ضربة قاصمة لتضحياتهم في سوريا؛ لذلك يُحاول الروس إفشال السيطرة الإيرانيَّة عليه من خلال تدعيم قواعدهم العسكريَّة في ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوّيّة، وهو ما جعل الإدارة الروسيَّة ترفض التفرُّد الإيراني في الساحل السوري.
الغاز المتوقع وجوده مُقابل الساحل السوري هو سبب آخر لهذا الصراع، حيث بدأ الروس التنقيب عن الغاز مقابل الساحل السوري، وهو ما يسيل له لعاب الشركات الروسيَّة، وبالتالي تزداد الحاجة لميناء اللاذقية كمنفذ بحري، وكموقع استراتيجي يخدم عمليَّات التنقيب الروسيَّة، وبالتالي الصراع للسيطرة على الميناء سيشتد في الفترة المقبلة مع رفض إسرائيلي لتواجد إيراني على البحر المتوسط وموافقة روسيَّة على ذلك.
• أهمية ميناء اللاذقية:
يُعتبر مرفأ اللاذقية من أقدم المرافئ على شاطئ البحر المتوسط أنشأه الفينيقيون منذ خمسة وعشرين قرنًا, ثم جاء اليونان وبنوا مدينة اللاذقية وأسموها لاواديسا وبسطوا سيطرتهم على منفذها البحري الهام، وكان المرفأ حتى عام 1925 عبارة عن حوض طبيعي من دون أرصـفة لا يتجاوز عمق المياه فيه 4.5 م، وفي العام 1931 تم إنشاء الرصيف الشمالي، وتلاه الرصيف الجنوبي.
تم إحداث شركة مرفأ اللاذقية (قطاع مشترك) وذلك بناءً على المرسوم التشريعي رقم 38 في 12/2/1950 القاضي بإحداث واستثمار مرفأ بحري في مدينة اللاذقية مع المنشآت التابعة له، وأتبعت إلى وزارة النقل في العام 1974، وفي العام 1982 آلتْ جميع أسهم القطاع الخاص إلى الدولة، وأصبحت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية (قطاع عام) وذلك بناءً على القانون رقم /17/ الصادر بنفس التاريخ.
بموجب القانون /2/ لعام 2005 المتعلِّق بإحداث المؤسسات والشركات العامَّة اعتبرت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية شخص اعتباري عام يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويُشارك في تنمية الاقتصاد الوطني، وتتولى إدارتها لجنة إدارية ترتبط بالسيد وزير النقل.
بُدئ بإقامة منشآت مرفأ اللاذقية على مرحلتين ابتداءً من العام 1954 وانتهاءً بالعام 1985، فالمرحلة الأولى، تم إنشاؤها خلال الفترة (1952-1956)، وبعد الانتهاء الفعلي من آخر الأعمال المتعلقة بالبنى التحتية لمرفأ اللاذقية في العام 1985 استمرت الدراسات وفق ما هو مخطط له لاستكمال توسيع مرفأ اللاذقية باستخدام كامل المساحات المرصودة له والتي تم تحديدها ضمن مرسوم الاستملاك الصادر في العام 1976 بالأراضي المحاذية للمنطقة المرفئية القديمة شمالًا والممتدة حتى موقع روتانا آفاميا حاليًّا، واتخذت القرارات اللازمة من الجهات الوصائية والتي كان آخرها في العام 2009 حيث صدر قرار لجنة الإدارة المتكاملة للساحل السوري بتوسيع مرفأ اللاذقية وفق المخططات الموضوعة من الخبراء الدوليين، وتم تأشير القرار المذكور من قبل رئاسة مجلس الوزراء، وحاليَّا يتم التنسيق بين وزارة النقل وهيئة التخطيط والتعاون الدولي وجهات استشارية روسية بخصوص الإقلاع بمشروع التوسيع.
• الحصار الاقتصادي والعقوبات:
الحصار الاقتصادي الذي يُعاني منه نظام الأسد، والعقوبات التي طالته وحليفيه تسبَّبت بحالة من التململ في الحاضنة الشعبيَّة، ودفعت النظام إلى التنبه لها ومحاولة كبح جماحها، حيث زار بشار الأسد إيران في (25/02/2019) طالبًا مساعدتها في تخفيف عبء العقوبات وتراجع الاقتصاد السوري الذي وصل حافة الهاوية، والذي سيتسبب في فوضى أمنيَّة كبيرة.
خاصةً بأنَّ سلطة بشار وماهر الأسد بدأت بالتراجع أمام تنامي ظاهرة المليشيات والشبيحة، وهو ما جعل اللاذقية والقرداحة معقل النظام وحاضنته الشعبية تغرق في حالة من الاقتتال والفوضى (بشار ويسار طلال الأسد وخلافهم مع إياد بركات).
زيارة بشار الأسد لإيران حاولت إنقاذ ما يُمكن إنقاذه عن طريق مد إيران له بالوقود والنفط الذي يحتاجه، والتي تلقت ضربة قاصمة بامتناع الحكومة المصرية عن السماح للسفن الإيرانيَّة بالعبور من قناة السويس، وبالتالي تشديد الخناق على النظام السوري، والذي بزيارته لإيران قطع أحد حبال الرضى الروسي عنه.
• حرب عصابات بين مواليّ الأسد في اللاذقية:
لا تقتصر مشكلة اللاذقية على الخلاف الروسي – الإيراني حول إدارة الميناء؛ بل برزت ظاهرة الصراع الداخلي بين آل الأسد، مؤخرًا بصورة أوضح من ذي قبل، حيث تحوَّلت مدينة اللاذقية و شوارعها إلى مناطق لتصفية الحسابات وصراع على النفوذ والسيطرة بين عائلة الأسد ومواليها وأنصارها من جهة، وبين خصومهم التقليديين من العائلات العلوية الأخرى والتي عانت كثيراً من تسلط هؤلاءمن جهة ثانية.
فقد شهد كلاً من شارع الأمريكان ومنطقة شارع الزراعة، دارت اشتباكات بالأسلحة النارية المتوسطة والخفيفة حيث بدت المدينة وكأنها أحد جبهات القتال ، كان طرفاها شبان من آل شعبو ومناصرين لعائلة الأسد تسببت هذه الإشتباكات بتحول ساحات المدينة لمناطق مغلقة تحيط بها سيارات دفع رباعي تحمل شباباً يطلقون النار ، ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها؛ إذ شهدت شارع المدينة مؤخراً أكثر من حالة مواجهة بين عائلات آل شاليش وآل ديب الموالين لآل الأسد ضد منافسيهم من آل شعبو وآل بركات وآل الخير وآل نجيب وآل عثمان .
حاضنة النظام والتي بدت تشعر بالخيبة من تلك الاشتباكات ومن تراجع هيبة آل الأسد وضعف نفوذهم، وظهور مليشيا محلية لأول مرة خارج نطاق سيطرة عائلة الأسد والموالين لها ، وتتمثل فـي تحدي عائلة الأسد وقتل بعض شبانهم في اشتباكات أصبح مشهدها متكررًا، كذلك عدم قدرة أجهزة الدولة على السيطرة على المدينة ومن المعروف أن أجهزة الأمن والشرطة لاتستطيع فرض سيطرتها في مدينة اللاذقية ولافرض القانون بسبب سيطرة تلك المليشيات لذلك استنجدت الفروع الأمنية بعناصر من حزب الله وبالقاعدة الروسية في حميميم.
كذلك يمثل “سليمان هلال الأسد” وهو من عائلة الأسد ومن الدائرة المقربة حالة من الإنفلات والخروج عن السيطرة من خلال اقتحام المحلات بالسلاح وإطلاق النار العشوائي ، كذلك هناك حادثة أخرى لها دلالتها في حالة الفوضى التي وصلت إليها المدينة حيث وصل الخلاف في أحد النواديإلى عمليات إطلاق نار وقنابل بين شباب من عائلتي الأسد وبركات، ففي 4 آذار / مارس 2019، هاجم الشاب “علي محمد حسن سعد” بسيارة سوزوكي مقر نادي الضباط بمنتجع الشاطئ الأزرق في مدينة اللاذقية، وألقى قنابلًا داخل الممرات، وفتح النار على عناصر الأمن الموجودين في النادي ما أسفر عن وقوع سبعة قتلى عرف منهم الرقيب أول “أشرف مصطفى ياسين” وعدد من الجرحى، تسببت بضرر لأجزاء كبيرة من ساحات النادي الذي يعتبر أحد أكبر التجمعات السياحية للضباط ورجالات النظام.
كذلك فقد تداولت صفحات موالية وشهادات من مدينة اللاذقية قصة بشار طلال الأسد المتحصِّن بالقرداحة والذي اختطف ضباط أمن من آل بركات بسبب خلاف على تجارة المخدرات ، حيث صادرت الجمارك شحنة مخدرات له وقام بمقاومة جميع محاولات إعتقاله مطلقاً وحسب مواقع موالية تهديدات باستهداف كل من يحاول ذلك.
وبالتالي، طرفا الخلاف الروسي – الإيراني يُغذيّان هذه النزاعات من أجل السيطرة على مدينة اللاذقية وحاضنة النظام الاجتماعيَّة؛ وهنا يبرز التمايز في أهداف كلا الطرفين حول الموقف من شخص بشار الأسد والدائرة المحيطة به.
• قادة الجيوش في دمشق:
زيارة بشار الأسد إلى إيران أكدت على خياره الأخير، وانحيازه لجانب إيران التي هرع إليها مستنجدًا لإنقاذه من الحالة السيئة التي وصل إليها اقتصاده وتأثير الحصار الغربي عليه، والوعود التي تلقاها في إيران بتقديم مساعدات عاجلة، وبسبب الحصار المفروض على إيران، فقد تم التوافق على استخدام الطريق البرِّي الواصل بين بغداد – دمشق، وكذلك من أجل ضمان مساهمة الحكومة العراقيَّة في إنقاذ اقتصاد نظام الأسد المنهار، فالطريق من بغداد إلى دمشق يمرّ بأكثر المناطق سخونة، وهي صحراء الأنبار، ومناطق غرب العراق، والحدود العراقيَّة السوريَّة والباديَّة السوريَّة الحصن الجديد لتنظيم الدولة (داعش)، وكذلك وجود قاعدة التنف التي ترصد الطريق المزمع إنشاؤه.
تأمين هذا الطريق استدعى اجتماع قادة أركان البلدان المهتمة “إيران – سوريا – العراق” في 18/03/2019 في دمشق حيث نُوقشت عدة قضايا هامة أبرزها تأمين طريق المساعدات الإيراني لدمشق، وحمايته عن طريق الحكومة العراقية والحشد الشعبي داخل العراق حتى الحدود العراقية السورية، ومن ثم تقوم المليشيا التابعة لإيران بإكمال المهمة عبر الباديَّة السوريَّة.
والخطر الأكبر يتمثَّل في خلايا تنظيم الدولة (داعش) المنتشرة على طول الطريق في صحراء الأنبار، والباديَّة السوريَّة وصولًا لشرق تدمر، ومنطقة السخنة حيث تتعرض قوافل الميليشيا لهجمات من خلايا التنظيم بشكل متفرَّق، كذلك وجود قاعدة التنف العسكريَّة والتي تشرف عليها القوات الأمريكية بشكل مباشر يجعل من الصعوبة بمكان التحرُّك بحريِّة، ونقل مساعدات عسكريَّة ولوجستية لنظام الأسد، وكان من بين الأمور التي تمَّت مناقشتها هزيمة داعش في سوريا، وسيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) على شرق الفرات والانسحاب الأمريكي، والتهديدات التركيَّة ومعركة إدلب، والتهديدات الإسرائيلية للتواجد الإيراني في سوريا.
• زيارة وزير الدفاع الروسي:
يبدو أنَّ زيارة بشار الأسد لإيران جاءت دون علم القيادة الروسيَّة، وكذلك ما تم الحديث عنه حول مرفأ اللاذقية، وتسليم النظام السوري إدارته للإيرانيين مقابل الدعم الاقتصادي مما جعل بوتين يرسل وزير دفاعه “سيرغي شويغو” سريعًا إلى دمشق للاطلاع على ما جرى خلال الزيارة ،
وتوجيه تحذير للنظام في سوريا بعدم تسليم مرفأ اللاذقية للإيرانيين، وعن ضرورة التنسيق معهم في جميع الخطوات التي يقوم بها النظام السوري كذلك جرى الحديث حول الوضع في إدلب، وعن اتفاقية أضنة والتصريحات التركية حول شرق الفرات.
هذه الزيارة عكست غضب روسي من زيارة بشار الأسد، ومن نتائجها هذا الغضب بدا واضحًا في التلميح الروسي بعد اجتماع “بوتين ونتنياهو” بأنَّ العمليَّات الإسرائيليَّة في سوريا قد تستأنف، وهو ما يُمثّل غض بصر روسي عن استهداف الطيران الإسرائيلي لأهداف إيرانيَّة في سوريا، ما أربك الحسابات أيضًا اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، وبالتالي سيسمح لإسرائيل بالتدخل بصورة أكبر في الشأن السوري لإبعاد الوجود الإيراني عن الحدود معها مستغلة الخلاف الروسي الإيراني والتنسيق الروسي معها.
• سمات التحالف الروسي الإيراني في سوريا:
لعل أبرز سمة للتحالف الروسي – الإيراني أنَّه تحالف هش يقوم على أهداف مختلفة لكلا الطرفين، فلكلَّ طرف أهدافه الخاصة، ولتدخله أسباب تختلف عن أسباب تدخل الطرف الآخر، وإن كان الهدف الأساسي المشترك هو منع نظام الأسد من السقوط، والوقوف في وجه التدخل الأمريكي، وإن كان بنسب متفاوتة، وكذلك الوقوف في وجه تمدَّد دول الخليج في سوريا والعراق والضغط عليها لتحقيق مصالح اقتصاديَّة وسياسيَّة، والضغط على تركيا للحصول على تنازلات في مناطق أخرى من محيطها الإقليمي.
نقاط الخلاف أو عدم التوافق تتمثل في أسباب التدخل ذاتها لكلِّ طرف، ففي حين أنَّ روسيا تدخلت بالدرجة الأولى لحماية مصالحها في سوريا والمنطقة والحفاظ على آخر منافذها على البحر المتوسط، وبالتالي على أوروبا، وكذلك الحصول على امتيازات اقتصاديَّة في سوريا، والوقوف بوجه التمدد الأمريكي في العراق.
فإنَّ التدخل الإيراني كان هدفه الأساسي الحفاظ على نظام بشار الأسد من السقوط والحفاظ على فكرة الهلال الشيعي من الانهيار بسقوطه، وأيضًا محاولة الوصول للبحر المتوسط، وفي هذه الحالة تتنافس مع حليفها الروسي، وهو ما برز في الخلاف حول مرفأ اللاذقية كذلك محاولة الاقتراب من حدود إسرائيل، وزرع كيان شبيه بحزب الله في القنيطرة، وهذه نقطة خلاف أخرى مع الروس تجلت بالتوافق الروسي – الإسرائيلي على سيطرة روسيا على الجنوب السوري، وغض البصر عن استهداف إسرائيل للأهداف الإيرانيَّة.
الاقتصاد، أيضًا نقطة خلاف، فكلا الدولتين تُحاولان تعويض خسائرهما في سوريا عبر اتفاقيات اقتصاديَّة، وتجاريَّة طويلة الأمد مع نظام الأسد، كذلك فقد كان أحد أهداف الروس من التدخل هو تجريب عدد كبير من الأسلحة الروسيَّة بغية تسويقها، وهذا ما صرَّح به عدد من المسؤولين الروس.
التقارب الروسي – التركي، ومحاولة تهميش الدور الإيراني سياسيَّا خاصة فيما يتعلَّق بتوافقات آستانا وسوتشي، واتفاقيات خفض التصعيد في إدلب، وتبادل الزيارات الدبلوماسيَّة بين أنقرة وموسكو جعلت من التوتر بين الحليفين، يطفو على السطح حيث تعمل القيادة العسكريَّة والسياسيَّة الإيرانيَّة على خلط الأوراق خاصة في إدلب، ودفع النظام السوري لارتكاب تجاوزات فيها قد تحرج الروس في توافقاتهم مع الأتراك.
-----------
الشرق نيوز