نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


الاقتصاد السوري في عشرة أعوام: دلالات ومغالطات




:
تبدو الدراسات المقدمة في توصيف المسألة الاقتصادية السورية تحمل في طياتها أرقامًا ذات دلالة على حجم المأساة السورية وعمق كارثتها. اذ تتضح مستويات التدهور الفاقع في مستويات المعاش العام بكل المستويات الحياتية والصحية والتعليمية والسكانية والاستثمارية.
في مقابل هذا تظهر دراسات متعددة تتناول المسألة السورية من زاويا متعددة. بينما تركز الكثير من المنظمات الأممية على المنحى الإنساني العام وكيفية تدارك أخطاره، تظهر بعض الدراسات التي تقدم مجموعة من التوصيات في مستويات الحل تنعكس بشكل ما وبآخر على مستويات العمل في المسألة السياسية على مستوى الفاعلين والمؤثرين فيها دوليًا. تأتي هذه التوصيات الاقتصادية بمغالطات في طرق الحل بما يشبه ويحاكي طريقة التعامل مع الملف السوري سياسيًا. اذ يغيب تمامًا عنها أصل الحدث السوري ومشكلته التي هي سياسية بالجذر ودولية بالنتيجة.


 
تفترض الدراسة أنه لا توجد وجبة تحليل اقتصادية شافية ونهائية يمكن تقديمها كحل للكارثة السورية. بينما تقدم هذه الدراسة الأرقام ودلالاتها ومغالطتها، سواء من حيث الوضع الداخلي، أو مستويات العقوبات الاقتصادية التي أضرت بالسورين ولم تقدم لهم حلًا، وسيان بقيت أو أزيلت لن تغير في معاش السوريين واقتصادهم ما لم يحدث التغيير السياسي.
الدراسة تستنج أن التغيير السياسي سيتقدم بالوضع السوري على كافة المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية سواء كانت شعبيًا ومدنيًا وقانونيًا، وأيضًا على مستويات السلطة التي تشكل جزء من الحل السوري حسب 2254/2015، ولكن هذه هي مشكلتها معضلتها المستمرة لليوم.
 
أولًا: توطئة:
في دراسة سابقة عنوانها، ما بين المركزية الأوليجارشية واللامركزية الريعية: تحولات السياسة الاقتصادية السورية، والتي نُشرت في مركز أسبار الشرق الاوسط للدراسات والبحوث، تم تحديد فيها المعالم المفصلية في التغيرات التي طرأت على السياسة الاقتصادية السورية خلال الأعوام العشر الماضية، كانت خلاصة نتائجها:
الحفاظ على بنية سياسية اقتصادية أمنية مركزية تحتكر السلطة كلية ولا يمكن التنازل عنها مهما كلف الأمر، ويكلفه لليوم.
إعادة توزيع السياسة الاقتصادية وفق خطين: الأول اللامركزية الادارية الخدمية على مستويات المناطق والمحافظات، مع البقاء على المركزية السياسية فيه، تُريح كاهل السلطة من الاستحقاقات الخدمية والأزمات العامة للمواطنين. والثاني توسيع دائرة المستفيدين من المقربين من السلطة سواء من الداخل أو الخارج تحت عنوان الأجار العام لمرافق الدولة واستثمار فعاليتها بشكل يعود بالذهن لمرحلة الاقطاع والربحية الريعية دون تنمية اقتصادية، بل بخلافها المزيد من الانهيار العام سياسيًا واقتصاديًا، مع استمرار ما يقدمه اقتصاد الريع هذا للسلطة المركزية من ناتج يحافظ على استمرارية تدفق الأموال لها، ويهدم البنى السياسية العامة التي تفيد أي شكل من أشكال التغيير الممكنة في بنيته السياسية بغية تحسين الاقتصاد العام وتوسيع دوائر الديموقراطية الفعلية التي تنعكس ايجابًا على كل السوريين بما فيهم السلطة نفسها.
تكشف ابعاد المعضلة السورية أنها ليست اقتصادية وحسب، ولا يمكن حلها بنظريات اقتصادية معروفة التوصيف والطرق والأدوات، بقدر ما هي إشكالية معقدة تحتكم للبنية السياسية المقفلة والمغلقة للسلطة. فرغم ما تبديه مع تعدد خطوط التعامل المتوازية مع الأزمة السورية من منظارها الأوليجارشي سياسيًا وماليًا واقتصاديًا، إلا أنها لا تستجيب لأي حلٍ ممكن لها، ما اوقعها وأوقع سورية عامة في معضلة الاستنزاف العام، وعدم القبول فيها دوليًا وعربياُ بأي منظار مألوف للدول وسيادتها، بقدر المزيد من المفاوضات المستنزفة للسوريين وحياتهم، وتحولهم لسلع تفاوضية عامة في شتى شؤون ملفاتهم الحياتية والمعاشية والاقتصادية متضمنة ملفات اللجوء ودول الجوار، ومثلها المعتقلين والملفات الإنسانية والاحتياجات العامة وغيرها. وكل هذا فيما يشبه فعل المقايضة بين بقاء السلطة بمركزيتها مقابل تحويل كامل سورية لسلة مقايضة حسب ما يريد صاحب الملف منها: اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا.
في هذا الجزء من الدراسة، سنلقي الضوء على الأرقام التي تبرزها المسألة السورية خلال السنوات العشر الماضية، خاصة مع وجود العقوبات الاقتصادية الموقعة عليها منذ منتصف العام 2020 بمسمى “سيزر” وبظل تدهور عام في البيئة الاقتصادية وبروز مقولات سياسة “الأمر الواقع” التي يديرها بعض صانعي السياسة في المنطقة نحت عنوان “اقتصاد التعافي”.
 
ثانيًا: أرقام في المواد الاستهلاكية الرئيسية:
في مقارنة أولية بين أسعار المواد العامة في سورية ما قبل عام 2011 واليوم في العام 2021، يشير الجدول ادناه إلى:
انخفاض في قيمة راتب الموظف وسطيًا من 300 دولار الى 22 دولار شهريًا (أي أنه يستلم 7% فقط من دخله الفعلي لعام 2011)، مع أنه زاد على حساب الليرة السورية بحوالي 5 أضعاف.
حدد البنك الدولي في عام 2015 خط الفقر العالمي ب 1.9 دولار يوميًا للفرد، بينما حسب الأرقام الموضحة فان دخل الفرد السوري كموظف أقل من نصف الرقم العالمي.
راوح متوسط دخل الفرد في سورية في عام 2021 حوالي 768 ألف ليرة سنويًا، وهو ما يعادل 305.73 دولار سنويا (وفقا للسعر الرسمي للدولار في سورية)، وهو ما تم تصنيفه من قبل موقع Numbeo انه الأجر الأدنى على مستوي دول العالم.
حسب تقرير اليونسيف لعام 2018، فإن 83% من سكان سورية دون مستوى خط الفقر، من بينهم 8 ملايين طفل سوري في الداخل ودول النزوح بحاجة لمساعدات.
الجدول (1) مقارنة الأسعار العامة بين العامين 2011 وما قبله و2021 مسعرة بالليرة السورية ومقابلها بالدولار (يحسب الدولار بـ: 50/2011 و3500/2021 حسب تداوله بالسوق)، والنسبة بينهما.


* ملاحظة: سعر المازوت الصناعي 1750 ل س، وسعره العام في الأسواق الحرة وصل ل 4000 ل س، سعر البنزين الحر يصل ل 3000 ل س، وسعر جرة الغاز في الأسواق الحرة تجاوز ال 50 ألف ل س، مع العلم أن توزيعها على البطاقة باتت تتراوح مدته بالحد الأدنى شهرين. ومخصص البنزين على البطاقة 25 ل أسبوعيا وتصل ل 10 أيام، بينما مخصص المازوت 50 لتر سنويا فقط بالعام 2021 للأسرة الواحدة فقط، علما أن الأسرة تحتاج لما لا يقل عن 400 لتر وسطيًا حسب المنطقة وبرودتها، وهو متوفر بالسوق الحرة بشكل دائم.
-تضاعفت أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بنسبة 70 الى ما يزيد عن 150 بالمئة. والملاحظ أن المواد التي يتم استيرادها زادت النسبة فيها عن 100%، عدا عن الاحتكار في استيراد بعض المواد كالمتة والقهوة والزيت التي تصل لحد 200%.
-تضاعفت أسعار المحروقات ما يعادل 50 مرة وأكثر بالليرة السورية، مع انخفاض أسعارها بالنسبة للدولار. لكن هذه المواد غير متوفرة بما يلزم حاجة المواطن الدورية، فتطرح بالسوق الحرة بما يعادل نسبة زيادتها بالليرة السورية فثمن لتر المازوت ومثله البنزين يصل ل 3000-4000 ل س حسب الطلب عليه في مواسمه. هذا مع زيادة متضاعفة مرات في أسعار النقل الداخلي بذات النسب.
-زيادة أسعار المحروقات، وأسعار استيراد الاعلاف، زاد في أسعار المواد الاستهلاكية المنتجة من مشتقات الحليب بنسب تزيد عن 200%. ومثلها في أسعار الفروج واللحوم الحمراء.
-حسب ما يوضح الجدول فان الانخفاض في سعر الليرة مقابل الدولار من 50 الى 3500 ل س يجد يصداه الواضح والمتناسب معه في أسعار الذهب. لكن غالبية المواد الاستهلاكية زادت بمرات عن تلك الزيادة، ما يفسر الاحتكار من جهة، والفارق الذي تحققه الدولة من فرق أسعار المواد المباعة قياسًا للدولار في السوق السوداء، إلى ما يتم التعامل به أثناء الاستيراد -حسب سعر البنك المركزي للدولار وهو 2557 ل س.
-حسب دراسات رقمية لاحتياجات الأسرة المكونة من أربعة أفراد، تشمل المواد الاستهلاكية الأساسية والخضروات والفواكه، ومصاريف التنقل والاتصالات واستهلاك المحروقات الشهري (بعد توزيع كثافته في فصل الشتاء على كل العام)، فقد ارتفعت بدءًا من 550 ألف ل س شهريًا في مطلع نيسان 2021، الى 766 ألف سورية في صيف العام ذاته، وتصل حسب -تقديرات عامة مضافًا لها السكن وأجار البيوت لمليون وربع شهريًا. فيما حددت تقارير ومعايير دولية إن التكاليف الشهرية للأسرة في دمشق مقدرة بالدولار هي 1.716 دولارًا أمريكيًا بدون إيجار (باستخدام مقدار عالمي لمستوى المعاش العام). فيما تقدر التكاليف الشهرية لشخص واحد بـ 466.71 دولار بدون إيجار.
 
ثالثًا: دلالات الأرقام ومغالطاتها:
الأرقام الواضحة تدلل على نفسها:
-حسب تقرير الأمم المتحدة عام 2020، بلغت الخسائر الاقتصادية السورية، 442 مليار دولار، والقيمة التقديرية لتدمير رأس المال المادي (البنية التحتية) 117.7 مليار دولار أمريكي، مضافًا إلى الخسائر المقدرة في الناتج المحلي الإجمالي 324.5 مليار دولار أمريكي، وذلك خلال الفترة ما بين 2011 و2019.
-حسب تقرير الاسكوا في نفس الفترة، كانت “الخسائر في التنمية البشرية في مجالي التعليم والصحة كارثية، ويبدو أنه لا يمكن معالجتها، ما سبّب معاناة على نحو خاص لجيل السوريين الذين بلغوا سن الرشد”. وحسب التقرير أيضًا فإن “مؤشر التنمية البشرية في سورية شهد انخفاضًا حادًا من 0.64 عام 2010 إلى 0.549 في عام 2018، مما قلل من مكانتها من مظلة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة إلى البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة”. كما هبط الناتج المحلي السوري خلال 9 سنوات من 55 مليار دولار الى 22 مليار. فيما كان يقدرها المبعوث الاممي السابق ستيفان ديمستورا تحتاج سورية على الاقل الى 250 مليار دولار لإعادة الامور الى نصابها.
-نحو 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي إضافةً إلى 2.5 مليون شخص عرضة لانعدام الأمن الغذائي الحاد، ويصل الرقم الى 9.4 مليون حسب تقديرات الفاو.
-45% من المنازل دمرت ونصف المرافق الصحية و40% من المدارس والجامعات والبنى التحتية للمدارس قد تضررت، والتدمير طال البنى الأساسية التعليمية والصحية ويحيل آفاق التنمية البشرية الحالية للمجهول، ولا سيما بالنسبة لجيل كامل من الأطفال في سن الدراسة.
-الأرقام في العام 2021 تزايدت وشملت كافة مناطق سورية لتفيد منظمة الأغذية والزراعة انه حوالي 4.5 مليون سوري دخلوا خط الفقر خلال عام لتصل النسبة العامة لما يزيد عن 12.4 مليون أي بنسبة 60% العامة وذلك في تقريرها للعام 2021 الذي يحذر من انعدام الامن الغذائي والصحي العام في كل المناطق السورية (بما فيها ادلب وشرق الفرات خارج سيطرة سلطة النظام). ولم تتضمن مستويات الازمة المضاعفة بسبب أزمة كوفيد-19 العالمية. كما لم تُدرج أسعار المواد الطبية التي تزايدت أسعارها بشكل دوري، مع فقدان الكثير من الادوية من الأسواق المحلية، وذلك نتيجة لتدمير الكثير من المعامل الطبية وافلاس الكثير منها، واحتكار استيراد المواد الطبية ما يدفع السكان للتعامل مع الطب البديل حسب تقرير مفصل من رويترز.
-تدهور الليرة السورية بدأ منذ بداية 2020 وقبل وضع عقوبات قيصر “سيزر” للتنفيذ بستة أشهر، فمنذ شباط ذلك العام، ظهر الخلاف الحاد بين السلطة وأحد أذرعها الاقتصادية الكبرى بل الأكبر، رامي مخلوف، والذي كانت نتيجته انهيار في الليرة السورية مما دون 800 ل س للدولار الواحد وصولًا لل 2500 ل س بزمن قياسي، لتتابع انهيارها بعد توقيع العقوبات لتصل اليوم ل 3500 ل س. ما يفسر حجم الأموال من الاحتياطي العام التي تم حجبها او الاستيلاء عليها من شركات رامي مخلوف (شام القابضة وغيرها العشرات) واخراجها من الخدمة، أي من رفد ميزانية الدولة بداية، ولاحقًا الأموال التي تم حجزها على المستفيدين من رجال الأعمال السوريين في لبنان بعد توقيع العقوبات. وهذه لم يتسنى لنا التأكد من كميتها ودقتها الفعلية، سوى أرقام بملايين الدولارات، وربما مليارات تسرب بلا مستندات موثقة، لانها بنكية وتعتبر سرية. ما يؤكد أن الازمة السورية في اقتصادها سياسي بداية، وريعي ثانية، وخلاف أصحاب الريوع (دوائر المستفيدين التي تم تخليقها خلال ال 10 سنوات) ثالثًا والنتيجة كارثة متعاقبة.
-رغم وضوح الأرقام أعلاه ودلالاتها الرقمية التي تشير الى الانهيار العام في كل مستويات البنية الاقتصادية السورية، والتي تنعكس بكثافة متسارعة ودورية في أزمات الوضع المعاشي الحالي، حيث يكفي أن نقول ان ساعات التقنين الكهربائي تصل لساعتين انارة والباقي عتم، وفي أحسن الأحوال ساعتين انارة مقابل 4 عتم، مع تدهور متتالي في الأسعار العامة، إلى أنه لليوم تحافظ البنية المركزية للنظام على اداراتها للأزمة بطرق متعددة منها:
فتح الأسواق الحرة وعدم ضبط الأسعار.
-ضخ أموال بلا رصيد من خلال طبع العملات الورقية من فئة (2000 و5000) ما يساهم بالتضخم العام والأزمات المعاشية.
-استخدام البطاقة الالكترونية للمواد المقننة (المازوت، الغاز، البنزين، الخبز، السكر، الرز، وأحيانًا قليلة الشاي والزيت).
-إضافة إلى لجوئها لسياسة الاتفاق العام بموازنة 2021 كما سنرى أدناه، مع إيقاف المشاريع الاستثمارية.
-إدارة الأزمات وعدم الالتفاف لمطالب الشارع، الذي فقد حضوره الفعلي والضاغط بعد ال 2018 بسبب التهجير والعنف المضاعف واللجوء للحلول الفردية كنتيجة.
-استخدام احصائيات التدهور العام المعاشي كوسيلة ضغط لرفع العقوبات الاقتصادية واستجرار أموال إعادة الاعمار. ما جعل الكثير من الدراسات تتجه لتسميات عدة متعلقة باقتصاد التعافي والاسراع في تقديم المساعدات بعنوان سياسة عامة تحت شعار خطوة مقابل خطوة، الاتفاق الذي دشنه بايدن وبوتين بداية عام 2021 بالاتفاق على ادخال المساعدات عبر المعبر الحدودي الوحيد من باب الهوى. أضف لمحاولة الأردن والامارات للتعامل بذات السياسة من خلال إعادة احياء شبكة الربط الثلاثي للغاز العربي عبر سورية. وهذه للحظتها لم تفعل بعد ولم تتحدد أليتها الواضحة ماليًا واقتصاديًا، رغم وجود مؤشرات على حلحلة سياسية تفيد التقارير أنها مقدمة عنوانها العريض: سياسة الأمر الواقع وضرورات اقتصاد التعافي (الذي أطلقته الاسكوا) بغية الوصول لتنفيذ الحل السياسي المزمع 2254/2015. فهل هذا حقيقي أو قابل للتنفيذ؟
مغالطات الأرقام:
يشير الجدول التالي إلى الموازنة السورية خلال الأعوام العشرة السابقة وذلك حسب إعلان الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء عنها في وقتها. والتي تشير للملاحظات الأولية التالية:
انخفاض قيمة الليرة السورية امام الدولار بنسبة 1/70 مقارنة بين عامي 2010/2011 لعام 2021.
أعلى موازنة كانت عام 2012، وتشير الدراسات إلى محاولة السلطة والحكومة إلى امتصاص الغضب العام الجماهيري نتيجة تصاعد موجة الاحتجاجات الثورية التي عمت سورية، حيث بلغ نسبة الانفاق العام على الفرد 2382 دولار وذلك حسب دراسة اقتصادية للمجلس الاطلسي.
الجدول (2) أرقام الموازنة السورية المعلنة منذ 2011 للعام 2021 بالليرة السورية ومقابلها بالدولار

تراجع الموازنة العامة لمستويات دنيا حتى العام 2017. مع ملاحظة زيادة نسبية في عامي 2018 و2019 ثم العودة للانخفاض مجددًا عام 2020 ولأكثر مستوياتها 2021.
-رغم مضاعفة قيمة الموازنة 10 مرات مقدرة بالليرة في العام 2021 عن العام 2011، إلا أنها الأقل بنسبة كبيرة حسب الدولار، كما انها خصصت للنفقات الجارية بنسبة 83% من موازنتها وخفض المشاريع الاستثمارية للصفر لامتصاص الغضب العام في الشارع، وذلك من خلال دعم المواطن الفرد بالوقود وبعض المواد الاستهلاكية عبر البطاقة الالكترونية، مع انتظار أموال اعادة الاعمار ومحاولة للاستثمار والتنمية!
-بعد دراسته المعنونة خطة سلام من اجل سورية على أربعة اجزاء بدءًا من العام 2015، قدم مركز راند الأمريكي عام 2017 مقاربة تحليلية للوضع السوري مرفقة بتوصية مفادها الحفاظ على مركزية الدولة وعدم انهيارها، لكن كلا الدراستين أثبتتا عدم نجاح توصياتها في تغير الوضع السياسي وتحسن الوضع المعاشي السوري، بل بخلافها كلية. أتى بعدها مركز كارتر للدراسات الأمريكي بداية عام 2021 لتقديم دراسته بعنوان: الطريق نحو تحويل النزاع في سوريا، والذي أوصى باجراءات فعلية لبناء الثقة مفادها: يمكن للولايات المتحدة وأوروبا أن تقدم للحكومة السورية: 1- حوافز دبلوماسية، 2- المساعدة الرسمية في إعادة الإعمار، 3- تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية، مع البقاء بعقوبات محددة على بعض المسؤولين المتهمين بارتكاب جرائم الحرب. وهي الخطوة التي ترجمت سياسيًا بخطوة مقابل خطوة مع روسيا. والتي نتج عنها مبادرة الأردن والامارات الأخيرة أيضًا، بالاتجاه نحو إمكانية عودة العلاقات مع دمشق شرط الوصول لتنفيذ 2254 أيضًا. كما وقدم المركز السوري لدراسة السياسات عام 2020 مقاربته للحل السوري أيضًا وأبدى ملاحظة عامة مفادها ((أدت التحسّنات النسبية في الظروف الأمنية لبعض المناطق، خاصة مع اتفاقية مناطق خفض التصعيد، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة3.3 % تقريبًا، ومع ذلك فقد انخفض مرة أخرى في عام 2018 بنسبة % 1.9 ثم شهد عام2019 معدل نمو إيجابيًا وبنسبة % 7.9 بسبب انخفاض وتيرة المعارك وتقلص نطاقها)) . والتي لم يتمكن المركز من تفسيرها بأنها محاولة لتثبيت نصر عسكري بصيفة اقتصادية أثبت، وتثبت الميزانية اللاحقة وخلافات أركان السلطة، التي أرنا لها أعلاه، صحة ذلك ووهم فرضية السلطة ذاتها.
-تظهر الأرقام المعلنة عن الميزانية السورية، وسبل تعاطيها السياسي مع المسألة الاقتصادية الى كم المغالطات التي ترتكبها مراكز الدراسات في قراءة المشهد السوري اقتصاديًا، فرغم الحاجة الماسة لتحسين الوضع المعاشي السوري، إلا إن الاستمرار في نهج السلطة السياسية ذاتها يبدد أية جهود دولية لذلك، وذلك لاستمرارية تحكمها المركزي السلطوي، مع إتاحة لامركزية ريعية مالية لمتنفذيها، والاهم من هذا كلها وضع المعاشي السوري كصفقة مقايضة مع أي حل سياسي ممكن عنوانها: بقاء السلطة او الافقار والتهجير العام، وخلافها التغير السياسي أو الفوضى العارمة.
وصفات سياسية اقتصادية متوازية
الانتقال من المركزية المطلقة سياسيًا وماليًا الى اللامركزية الخدمية مع الحفاظ على المركزية السياسية الأمنية والتحكم برجال الأعمال (اللامركزية الريعية)، أي ربط الخدمات بطريقة الخدمات اللامركزية مع جنى الأرباح لمصلحة الحكومة، تغير مواقع النفوذ لرجال الاعمال، اعتماد سياسة التمويل مفتوح المصادر عبر: المنظمات الأممية والمساعدات العامة، منظمات المجتمع المدني، مصادر الحرب المفتوحة (قانون الايجار) وربطها جميعها بحلقة السلطة المركزية واعتماد سياسة الجني المفتوح وتوزيع قاعد الاستفادة المباشرة لممولي الحرب، ربط الحاجات الرئيسية للمواطن وتقنينها والتحكم فيها من خلال العمليات الالكترونية المبرمجة المسماة بالبطاقة الذكية (كما وثقت في الدراسة المشار إليها أعلاه)… هي طرق السلطة في إدارة الواقع الاقتصادي والمعاشي السوري، ورغم أنه وحسب دراسة روسية تفيد بان “شخصيات بارزة مختصة بالوضع الاقتصادي السوري تقول إن الحكومة المركزية في دمشق فشلت في استعادة السيطرة على الحياة الاقتصادية في المحافظات البعيدة النائية، وأن الرشاوى والأتاوات التي تفرض على الشحن في حال التجارة أو النقل أو العبور وكذلك على القوافل الإنسانية بحيث تذهب كل تلك الأموال لسلسلة تضم قطعات في الجيش تتمتع بامتيازات، أو لفروع الأمن، أو لوسطاء وسماسرة تجاريين، ومن يرتبط بهم ويواليهم من كبار رجال الأعمال، إلا أن شروط تنفيذ مشاريع كبرى للانتعاش الاقتصادي غير موجودة أصلًا، إذ ليس بوسع سورية ولا تلك المجموعة الصغيرة من الجهات المانحة أن ترقى لتلك المهمة”.
 
رابعًا: النتائج المستخلصة:
لست خبيرًا في التحليل الاقتصادي، فهو مجال متخصص ويجب مراعاته، لكني حرصت على استحضار مجمل الأرقام الاقتصادية السورية الموثقة، واستبعدت غير الموثقة كالتي تتحدث عن حجم الدين العام الداخلي والخارجي (بما فيه بيع سندات الخزينة التي يشار لإفلاسها سواء لمستثمرين محليين أو ممن يسموا أصدقاء روس وإيرانيون) والذي لا يمكن إثباته لسريته سوى المعلن منه كأخبار صحفية. لكن (كما قال مظفر النواب: كيف يحتاج دم بهذا الوضوح لمعجم طبقي لتفسيره) فأرقام بهذه الوضوح لا تحتاج لتفسير أبدًا. ولربما أجاد السياسيون المسمون أعداء بتوصيف السياسة الاقتصادية السورية وتوقع انهيارها منذ زمن بعيد، وأهمها ما كتبه شمعون بيرز وزير الخارجية الإسرائيلي السابق الذي درس اقتصاديات المنطقة منذ تعسينيات القرن الماضي بكتابه “الشرق الأوسط الجديد”، خاصة في تضخم ميزانيات الدفاع لنسبة تصل ل 85% مع انخفاض هائل في قطاعي الصحة والتعليم لما دون ال 1% في مقابل انحسار المشاريع الاستثمارية لما دون ال 3%، فكيف وإن تحولت لساحة حرب كبرى وفق معطياتها أعلاه! ما يجعل أولى أولويات سورية التغيير الديموقراطي قبل الخبز وربما الحرية، وذلك حسب آلن جورج عام 2003 في كتابه “سورية لا خبز ولا حرية”.
الكارثة السورية بإحدى تجلياتها الاقتصادية تشير إلى:
-الحال الاقتصادي الكارثي سببه الرئيسي سياسي مرتبط بأزمة السلطة السياسية التي ترفض سماع الرأي الآخر والتوجه لحل سياسي عادل للمسالة السورية (وهذه مجال مفتوح سياسيًا للدراسات لا تتيحها الدراسة).
-فقدان معظم الموارد السورية الطبيعية كالبترول والغاز، معظم الأراضي الزراعية، والمنشآت الصناعية وأصحاب رؤوس المال المحلين.
-رغم أن العقوبات الاقتصادية الموقعة على سورية ساهمت مؤخرًا في معضلتها المعاشية للسكان السوريين، لكنها لم تؤثر على بنية السلطة ولا المستفيدين منها، بل فاقمت ثرائهم وافقار السوريين.
-رفع العقوبات الاقتصادية لن يمثل حلًا لازمتها بالمقابل، لان إعادة الاعمار تتطلب بنية سياسية تفكر بطريقة مختلفة عن السلطة الحالية. أضافة لأن الواقع المعاشي لن يسترد عافيته امام سياسات الاحتكار والريوع المعتمدة جوهريًا في بنية السلطة.
-المغالطات في نماذج الحل المقترحة باقتصاد التعافي وغيره، لن تحل الازمة السورية، فحتى وإن حسنت في الوضع المعاشي نسبيًا وهذا أمر ملحّ وضروري وهام، لكنها بذات الوقت لن تصل لحل سوري عام. ما لم يحدث التغيير السياسي العام وإعادة الإعمار بعده. فمغالطات الحل السياسي التي أخرت الانتقال السياسي أمام الدستور في تنفيذ 2254 تقاس بذات الآلية في الوضع المعاشي، ما لم تكن مغالطات مرسومة لصالح مديري الأزمة السورية.
-يمكن للسلطة السورية ومن خلفها روسيا إدارة الوضع الراهن لسنوات والنتيجة ستكون مزيد من الهجرات للمتبقي والقادرين من السوريين. وايضًا تكريس سورية كمنطقة غير مستقرة وغير آمنة وبؤرة لزراعة وتوزيع المخدرات على دول الجوار.
سياسة الانفاق العام التي تديرها الحكومة العام الحالي تعني زيادة وتكريس الأزمة السورية ودلالة إفلاس شبه كلي لما بعدها. وتعني أيضًا زيادة حدة الصراع والتنافس بين أقطاب الريوع المحلية والخارجية، ما قد يؤدي لصراعات من نوع مختلف عن العشر سنوات السابقة. فرغم ما تبديه السلطة المركزية من تماسك داخلي لليوم، لكن أمام الإفلاس العام ثمة قول مختلف. هذا مع ضرورة التأكيد على ان الحل السوري بالتغيير السياسي سيفيد السلطة القائمة ويعفيها من الكثير من النزاعات البيت الواحد على الهيمنة المطلقة.
-جميع المؤشرات والأفكار الاقتصادية ونظرياتها ستفشل بإيجاد حلول للمسألة السورية، بل ستزيد من تكريسها فهي قابلة للاستثمار والاستفادة منها بين يدي صانعي السياسة السورية لاستمرارها بالطريقة التي تريدها حسب سلطويتها المركزية. فما لم تُعالج أصل المشكلة والمشكلة هي الحريات والتنافس الحر والشريف وتفعيل دور القانون وتحرير إمكانيات السوق من الهيمنة وامراء الحرب وتجارها، وهذه تحتاج وتتطلب التغيير السياسي اولًا.
-قد تفاجئك عبارة ركوة القهوة ب 500 ل س، ومثلها كاسة الزيت، ورغيف الخبز ب 100 ل س، وحبة السيتامول ب 200 ل س وعرض الكلية للبيع ب 5 مليون، في قلب العاصمة دمشق أقدم عواصم التاريخ. هذه مأساة لا حدود لها، لكنها بذات الوقت علامة شر مدقع من جهة لن ينتهي بسهولة ونهايته أشد وقعًا مما نتخيل، لكنه بذات الوقت علامة كبرى على قدرة السوري على الجبر وجبر الجبر وفيض من الصبر، وتبدو أعلى درجات الحلول الاقتصادية التقنين والتقتير وهذه أنفة وعزة وليست ذلًا أبدًا. فبعد عشر سنوات ونيف من كل صنوف الحرب والدمار التي تعرض لها الشعب السوري لازال ينظر للاقتصاد على أنه مجرد حالة عابرة ستزول بزوال أسبابه بينما السوري باقٍ وقادر على إيجاد كل الحلول اذا ما تغيرت السياسة القائمة، وهنا المعضلة!
 
المراجع:
FAQs: Global Poverty Line Update, World Bank 30/9/2015, https://www. HYPERLINK “https://www.worldbank.org/en/topic/poverty/brief/global-poverty-line-faq”worldbank HYPERLINK “https://www.worldbank.org/en/topic/poverty/brief/global-poverty-line-faq”.org/en/topic/poverty/brief/global-poverty-line-faq
https://www. HYPERLINK “https://www.egyptsonline.com/2021/10/Average-per-capita-income-in-Syria.html”egyptsonline HYPERLINK “https://www.egyptsonline.com/2021/10/Average-per-capita-income-in-Syria.html”.com/2021/10/Average-per-capita-income-in-Syria.html
https://www. HYPERLINK “https://www.unicef.org/mena/ar/”unicef HYPERLINK “https://www.unicef.org/mena/ar/”.org/mena/ar/
تكاليف المعيشة تموز 2021: مليون وربع شهريًا، جردة قاسيون، حزب الإرادة الشعبية، 19/7/2021. https://bit.ly/2ZgU2Dy
تكاليف المعيشة في سورية تصل لنحو مليون وربع المليون شهريًا، Syriatv، 26/8/2021. https://bit.ly/3r32u4X
https://www. HYPERLINK “https://www.numbeo.com/cost-of-living/in/Damascus”numbeo HYPERLINK “https://www.numbeo.com/cost-of-living/in/Damascus”.com/cost-of-living/in/Damascus
سوريا: 442 مليار دولار حجم الخسائر الاقتصادية بعد ثماني سنوات من الحرب، مركز أنباء الأمم المتحدة، 23/9/2020.
https://news.un.org/ar/story/2020/09/1062062
سوريا بعد ثمان سنوات من الحرب، الاسكوا، 2020، https://publications.unescwa.org/projects/saw/index-ar.html
الإندبندت، 2/2019. https://bit.ly/3cND3Me
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الفاو، https://www.fao.org/news/story/ar/item/458435/icode HYPERLINK “https://www.fao.org/news/story/ar/item/458435/icode/”/
عقد من الحرب في سورية، أطباء بلا حدود، 4/3/2020، https://bit.ly/3xpokR4
نحو 60% من السوريين يعانون من الجوع بسبب الصراع وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مركز انباء الأمم المتحدة، 17/2/2021، https://news.un.org/ar/story/2021/02/1071072.
https://www.reuters.com/article/idARAL8N2L50B1
William Christou and Karam Shaar, 2021 budget reveals the depth of Syria’s economic woes, Atlantic Council, 1/12/2020.
القانون رقم 38: الموازنة العامة ل2011، موقع رئاسة مجلس الوزراء الرسمي، http://www.pministry.gov.sy/.
القانون رقم 23: الموازنة العامة ل2021، موقع رئاسة مجلس الوزراء الرسمي، http://www.pministry.gov.sy/.
منع انهيار الدولة في سورية، مركز راند الأمريكي، 2017، https://www.rand.org/ar/publications/syria.html
الطريق نحو تحويل النزاع في سوريا: اطار عمل لمقاربة مرحلية، مركز كارتر للدراسات، أمريكيا، 1/2021.
جوناثان لاثام، وآخرون، سوريا، العدالة لتجاوز النزاع، تقرير اثار النزاع 2016-2019، المركز السوري لبحوث السياسات، 2020.
الكسندر اكسينيونك، الحرب والاقتصاد والسياسة في سوريا: مفاصل مهشمة، المجلس الروسي للشؤون الدولية، 17/4/2020.
شمعون بيرس، الشرق الأوسط الجديد، ترجمة حلمي عبد الحافظ، الاهلية، الأردن، 1994.
آلن جورج، سورية..لا خبز..ولا حرية، ترجمة: حصيف عبد الغني، بلا دار نشر، 2003.
 ------------
أسبار
*الدكتور جمال الشوفي كاتب وباحث سوري في الدراسات الفكرية والسياسية.. دكتوراه في الفيزياء النووية

د. جمال الشوفي
السبت 22 يناير 2022