وبالنتيجة فقد تأتّى عن ذلك تولّد إدراكات، أو استنتاجات خاطئة، ومتسرعة، من نوع أن “خسائرنا تكتيكية وخسائر إسرائيل استراتيجية، وأن إسرائيل لم تحقق أهدافها، وأن المقاومة بخير”، رغم كل الأهوال التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ورغم أن إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية بكل وحشية، منذ 13 شهرا، وبخاصة ضد فلسطينيي “غزة، ثم ضد لبنان، في جنوبه وفي ضاحية بيروت والبقاع”، وهذا ليس تحصيل حاصل، أو تفصيلا ثانويا، لانطوائه على استخفاف فظيع، وخطير، بعملية المحو التي تقوم بها إسرائيل إزاء البشر والشجر والحجر في المناطق المذكورة.
إن تلك اليقينيات في الحقيقة غفلت عن عوامل قوة إسرائيل الثابتة والعميقة، المتمثلة في شكل نظامها السياسي، وطريقة إدارتها لمواردها البشرية ولمجتمعها، وقوتها الاقتصادية، وتفوقها التكنولوجي، كونها واحدة من أهم مراكز التكنولوجيا المتطورة في العالم، ويأتي ضمن ذلك أيضا تمتعها بضمانة الدول الغربية، بخاصة الولايات المتحدة، لأمنها واستقرارها وتفوقها على محيطها من مختلف النواحي.
المشكلة أيضا أن من يتحدث عن أزمات إسرائيل، والخلافات الداخلية فيها، يتجاهل ضعفه الذاتي في حساب موازين القوى، وأزماته الداخلية، وضعف علاقته بمجتمعه وبمحيطه، كما يتناسى التصدعات أو المشكلات والأزمات في لبنان وفلسطين، وفي بيئات الدولة والمجتمع في العالم العربي، إضافة إلى التحديات والانشغالات الأخرى، وضمنها مواجهة تزايد خطر النفوذ الإيراني في اليمن، وفي دول المشرق العربي…
ولعل حال العناد والمكابرة والإنكار، حيث تتحكم الرغبات والعواطف والشعارات بالخيارات السياسية للقيادات، هي التي تفسر الفجوة الهائلة بين تهديد إسرائيل كلاميا، أو في الخطابات، وفي المقابل العجز عن تغيير معادلات القوة من الناحية الاستراتيجية إزاءها على أرض الواقع.
ولعل مثال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يبين هول ذلك، إذ قضى بعد أسبوع واحد فقط من توعده إسرائيل وتهديده بإبقائها واقفة على رجل واحدة (بين 19 و27/9/2024)، وهو الفرق ذاته بين صواريخ المقاومة التي لا تحدث أثرا كبيرا، والصاروخ الإسرائيلي الذي يدمر عمارات، أو أبراجا من عدة طوابق، والذي يغير معالم مدن بأكملها…
الفكرة الأخرى التي استندت إليها تلك القيادات تتعلق بقصور أو بسطحية إدراكاتها لطبيعة علاقات إسرائيل مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، بدعوى الجفاء الشخصي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو جفاء حقيقي، شخصي وسياسي، لكنه لا يخل البتة بمكانة إسرائيل الاستراتيجية لدى الولايات المتحدة الأميركية، التي تبدو، من الناحية العملية، مؤيدة لكل السياسات الإسرائيلية، مع استثناءات طفيفة وثانوية، ما يتم التدليل عليه عمليا باستمرار ضمانها لأمن إسرائيل، وتفوقها ودعمها سياسيا وعسكريا وماليا، وهذا ما يفترض إدراكه لمعرفة كيفية التعامل معه، لدرء تبعاته ومخاطره.
------------
مجلة المجلة