مثل هذا الاحتمال لن يستهدف بالضرورة الوصول إلى دمشق، حتى لو كانت قريبة أو بلا دفاعات. لكنه يشي بالدور القائم والمتوقع للنظام ولبشار شخصياً، في هذه الحرب التي تتوسع في مناطقها وأهدافها وتورط أطرافاً جديدة بها.
كان نكران النظام للتوغل الإسرائيلي، وانسحاب القوات الروسية والميليشيات التي كانت تتمركز هناك، مؤشراً على احتماليات اتخاذ موقف الصمت والانسحاب وربما التنسيق، مقابل أي توسع محتمل للاختراق العسكري داخل الأراضي السورية، لا سيما بمحاذاة الحدود مع لبنان وصولاً إلى البقاع. وهو موقف قد يتناسب مع صمت النظام إزاء الحرب على غزة وحزب الله في لبنان، وكأنها لا تعنيه، لكنه يتناقض تماماً مع القارب الواحد الذي يجمع النظام وإيران وميليشياتها، وأبرزهم حزب الله.
حتى اللحظة، ما زال أمن النظام على الأرض في سوريا مرهوناً بشكل كبير بالقدرة الإيرانية ممثلة بعشرات الميليشيات، ومنها قوات من حزب الله ذاته، وما زالت الجغرافيا السورية الخاضعة (نظرياً) للنظام محكومة بنحو أكثر من 500 نقطة عسكرية لميليشيات إيرانية، مما يجعلها عملياً صاحبة اليد العليا في هذه المناطق، لا سيما وأن أهم قوة عسكرية للنظام ممثلة بالفرقة الرابعة، تابعة لماهر الأسد المعروف بعلاقاته الخاصة مع الإيرانيين، ومشاركتهم كل شيء، وفي المقدمة تجارة الكبتاغون.
ميدانياً، في مثل هذا الكثافة العسكرية من الصعب تقدير مآلات الصراع وما في جعبة كل من إيران وإسرائيل من قدرات وإمكانيات على الأرض السورية. لكن هذه الضبابية أيضاً تصعّب على بشار الأسد خذلان إيران وحزب الله، أو منعهما من مقاتلة إسرائيل على الأراضي السورية. فهو يدرك أن طهران، لن تتركه يهنأ برهانه على الإسرائيليين، لا سيما إن تعرض حزب الله إلى نكسات خطيرة أو اقترب من الهزيمة الواضحة. فحينها، سيكون متوقعاً بشدة تدبير انقلاب ضد رئيس النظام، حتى لو أزعج الأمر الروس. ففي النهاية، ليس من المتوقع أن تترك إيران استثمارها الضخم في سوريا نهباً لرهانات بشار وبحثه عن النجاة في قارب آخر.
بين هذين المصيرين، أن يغرق الأسد مع القارب الإيراني، أو أن يقفز إلى القارب الآخر، فجوة عميقة ومصيرية، لا تسدها التكهنات، ويبدو أنها باتت محض رهان وجودي بالنسبة لبشار الأسد. فهو لن يدفع تكاليف الحفاظ على بقائه للإيرانيين من مصيره الشخصي ومصير طائفته. كما أنه في قرارة نفسه، يدرك أن طهران ما كانت لتنقذه من ثورة شعبه، لولا ما جنته سابقاً ولاحقاً من فوائد استراتيجية كبيرة منه ومن سوريا. وتلك بالنسبة إليه كانت صفقة لتبادل المنفعة، لا تتضمن تورطه بمعركة قد تقدم نظامه كعدو لإسرائيل، وهو الذي حافظ ووالده من قبل، على حدود (باردة) ومستقرة في الجولان طوال 50 عاماً. وذلك ما وفر له الأمن والقبول الإسرائيلي والغربي لبقائه كل هذه المدة، رغم كل الجرائم التي ارتكبها وما زال.
بطبيعة الحال، يدرك بشار أن هذه الانتهازية ليست مضمونة النتائج، وأن القفزة التي يريدها قد تسقط به في بحر عميق. لكن بالنسبة إليه فإن المغامرة غير محسومة النتائج، أفضل من البقاء في مركب غارق. ومن يدري، فربما حصل مسبقاً على وعود ونصائح تجعل قفزته أكثر أماناً، لا سيما وأن الأمر ليس مرتبطاً به وحده، بل بطائفته كلها. وربما يكون هناك على الصعيد الإقليمي أو الدولي، من أوجد له هذا المخرج، وهيأ بالتعاون مع إسرائيل سبيلاً لملاذ آمن للنظام وطائفته في سوريا، ستكون مختلفة تماماً في حال انتهت الحرب أو الحروب الحالية والمتوقعة بانتهاء عهد الوصاية الإيرانية.
-------
المدن