نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


الأدمغة العربية المهاجرة:خرج ولم يعد






يقول التقرير الإقليمي لـ"هجرة العمل" الذي أعدّته الجامعة العربية بدعم من صندوق الأمم المتّحدة للسكان إن فرنسا تستقبل 40% من العقول العربية المهاجرة وأميركا 23% وكندا 10%. وتكشف دراسات أخرى للجامعة العربية أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية، حتى أن الأطباء العرب أصبحوا يمثِّـلون 34% من إجمالي عدد الأطباء في المملكة المتّحدة. وتُشير هذه الدراسات إلى أن الوطن العربي يُـسهم بنحو 31% من الكفاءات والعقول المهاجرة من الدول النامية، كما أن نحو 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية، يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتّحدة الأميركية وكندا. وتوضح هذه الدراسات أن نحو 75% من الكفاءات العِـلمية العربية مُـهاجرة إلى ثلاث دول غربية بالتحديد وهي: بريطانيا والولايات المتّحدة وكندا.


أكثر من مليون خبير عربي مختصّ من حَـمَـلة الشهادات العُـليا والفنِّـيين المَـهَـرة، يعملون في الدول المتقدمة فتُـسهِـم جهودهم في تقدّمها أكثر فأكثر، ويعمِّـق رحيلهم عن الوطن العربي آثار ارتهانه للخبرات الأجنبية. هذا ما يذكره تقرير الأمم المتّحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002. بلغت الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جرّاء هجرة الأدمغة العربية في عقد السبعينيات فقط 11 مليار دولار، فيما يقدّر الخبراء تلك الأضرار اليوم بأكثر من 200 مليار دولار.‏ ولعل الدول الطاردة للمهارات تعتبر أن تعويض خسارتها البشرية قد يكون من خلال التحويلات النقدية للمهاجرين ونقل التكنولوجيا العائدة من خلالهم. والمفارقة الكبرى هي أن البلاد المصدرة لهجرة العقول تضطر لاستيراد الخبراء الأجانب بعقود باهظة بدلاً من أبنائها المؤهلين الذين لم يجدوا لهم مستقراً فيها.

ارتفعت نسبة نزيف العقول العربية المتجهة إلى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE التي تضمّ دول أميركا وأوروبا علاوةً على دول أخرى) من 452 ألف مهاجر العام 1980 إلى 854 ألف مهاجر العام 2000 وارتفع المعدل السنوي لهذا النزيف من 4,5% إلى 8,9% ليصل في العام 2010 إلى مليون دماغ عربي مهاجر.

"هجرة الأدمغة"، أي الكفاءات والخبرات أو هجرة العقول، هي واحدة من أكثر المشكلات حضوراً على قائمة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلدان النامية، منذ أن باشرت هذه البلدان بوضع البرامج للنهوض بأوضاعها المتردية الموروثة عن حقب طويلة من الحكم الاستعماري والهيمنة الأجنبية. وكان المؤتمر العربي للسكان الذي انعقد في  الدوحة (18/5/2009) قد حذّر من تردّي أوضاع التنمية في المنطقة العربية مع استمرار نزيف الكفاءات وتداعيات الأزمة المالية العالمية وانتشار النزاعات والحروب. وترى الجامعة العربية في تقرير لها حول العقول العربية المهاجرة إلى الغرب أن الكفاءات العربية المهاجرة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي تفوق أعداد المهاجرين إليها من الصين والهند، وكشف هذا التقرير أن نسبة الكفاءات العربية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المهاجرة من دول المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 50% من الأدمغة العربية المقيمة في دول المنظمة المذكورة وتبلغ هذه النسبة 74% إذا أُضيفت إليها الأدمغة الّلبنانية والمصرية. وتعَدّ مصر ولبنان والمغرب والعراق وسوريا وتونس أكثر الدول العربية فقداً للكفاءات، فهي تشكل 75% من نسبة العقول المهاجرة في العالم العربي.

كثيرة هي الدراسات والتقارير التي يعدّها خبراء الهجرة والتي تدق جرس الإنذار وتحذّر الدول الطاردة للعقول من ضعف متوقع في طاقتها البشرية ومن تراجع طردي في معدلات التنمية فتعمّق الشقة الفاصلة بين العالمين العربي والغربي: فقد تضاعف عدد الأدمغة العربية المهاجرة بين العامين 1990 و2000 والعاملة بخاصة في قطاعَيّ الصحة والتعليم. فبلغت نسبة الأطباء العرب في دول منظمة التعاون الاقتصادي 18,2% وهي نسبة تفوق مثيلتها من الأطباء الصينيّين بـ 20%  ويرى خبراء التنمية أن هذا الواقع يشكّل عائقاً بنيوياً في وجه أيّ جهود تنموية في البلدان العربية مستقبلاً. من هنا تساؤل أصحاب القرار في الوطن العربي حول مدى قدرة الدول العربية على توفير الظروف اللازمة لتوظيف أصحاب الكفاءات المهاجرين، وتفعيل إسهاماتهم في كلّ مشروع يرمي إلى التنمية في مختلف المجالات واستثمار الأزمة المالية العالمية من أجل التشبيك بين أصحاب الكفاءات ورجال الأعمال العرب، أي ما بات يُعرَف اليوم بالتضامن بين المعرفة والمال، أو بين رأس المال المعرفي ورأس المال العربي.

في حديث للخبير المصري الدكتور عبد السلام نوير نشره موقع "سويس أنفو" (Suisse info) أن قوافل العقول والأدمغة العربية تنزح من بلدانها، ميممةً وجهها شطر الشمال والغرب، بفعل جاذبية الحياة الأفضل والإمكانات الأكبر والشُّهرة العالمية،‏ في حين أن منظِّري التنمية في العالم يرون أن قطاع البحوث والتطوير هو قاطرة التنمية. ودعا الخبير نوير جامعة الدول العربية إلى وضع "استراتيجية عربية" للتعامل مع هذه المشكلة الحيوية، واعتبار هذه القضية "قضية أمن قومي عربي".‏ ويقول الخبير نوير إن ظاهرة هجرة الأدمغة العربية مستفحلة، كما إن الدراسات والإحصاءات، الرسمية وغير الرسمية، تُـشير إلى أنها في ازدياد مطَّـرد، وليست في تراجع كما يزعم الزاعمون، بعدما غدت المجتمعات العربية بيئات طاردة للكفاءات والأدمغة العِـلمية العربية، لا ‏حاضنة لها. فقد هاجر من العراق 7350 عالمِاً في مختلف المجالات في الفترة من 1991- 1998، بسبب الأوضاع التي كانت سادت العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العِـلمية في البلاد. ومصر هي البلد العربي الأكبر المصدّر لهجرة الكفاءات والعقول بصفة إجمالية. ففي أميركا أكثر من 320 كفاءة مصرية رفيعة وفي كندا 110 وفي أستراليا 70 وفي بريطانيا 35 وفي فرنسا 36 وفي ألمانيا 25 وفي سويسرا 14 وفي هولندا 40 وفي النمسا 14 وفي إيطاليا 90 وفي إسبانيا 12 وفي اليونان 60.

رفعت تداعيات العولمة ومتطلّبات سوق العمل الحديثة، وبخاصة القائمة على كفاءات "اقتصاد المعرفة"، رفعت نسبة أصحاب كفاءات التعليم العالي المهاجرين بنسبة تفوق 50% من مجموع المهاجرين في العالم خلال السنوات الخمس 1995- 2000، فارتفع عددهم من 9,4 ملايين إلى 19,7 مليوناً خلال الفترة نفسها.

أوضحت دراسة أعدّها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، أن العديد من الدول المتقدِّمة تشجِّع العقول والأدمغة العربية، مثل قرار أصدره الكونغرس الأميركي برفع عدد بطاقات الإقامة للمتخرِّجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتطوّرة من 90 ألفاً في السنة إلى 150 ألفاً، ثم إلى 210 آلاف.‏ وأشارت الدراسة إلى أن حوالى 60% ممّن درسوا في الولايات المتّحدة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة ، و50% ممّن درسوا في فرنسا، لم يعودوا إلى بلادهم.‏ ويتجلّى مدى خطورة هذا الوضع على الوطن العربي، في كون هؤلاء يعملون في أهمّ العلوم الاستراتيجية، مثل الطب النووي والفيزياء النووية والهندسة النووية والهندسة الوراثية والهندسة الإلكترونية والميكرو إلكترونية والجراحات الدقيقة والعلاج بالإشعاع وعلوم الّليزر وتكنولوجيا الأنسجة وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا.‏

يُشير تقرير الجامعة العربية المذكور أعلاه إلى أن في فرنسا 40% من الكفاءات التعليمية المهاجرة من بلدان عربية، وإلى أن نحو 20% من خرِّيجي الجامعات العربية يهاجرون إلى الخارج. ويردّ التقرير تزايد معدّل الهجرة إلى تزايُد القيود المفروضة على حرية ممارسة البحث العِلمي والفكري الحرّ. تحظى الولايات المتّحدة بالنّصيب الأكبر من العقول العربية بنسبة 39%، تليها كندا 13.3%. على أن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا، ينتمون إلى بلدان عربية، وتتضمّن هذه الأرقام، العديد من الفئات في مِهَن وتخصّصات مختلفة.

يُجيب الخبراء عن السؤال الذي جعله التقرير الصادر عن الجامعة العربية عنواناً له: "هجرة الكفاءات نزيف أم فرص؟" يردّ الخبراء بقولهم إن هجرة الكفاءات "فرصة" حينما تكون الهجرة ظاهرة طبيعية موجودة في جميع أنحاء العالم، وبهذا المعنى ينتقل الأفراد (وحتى مجموعات من الناس) من مكان إلى آخر باختيارهم بحثاً عن فرص عمل وعيش أفضل، فيكون ذلك أمراً طبيعياً يساعد على توسيع الخبرة والاطّلاع على الثقافات والحضارات الأخرى وينعكس إيجابياً على المجتمع الذي خرجت منه هذه المجموعات؛ ولكن حينما تتحول الهجرة إلى ظاهرة مجتمعية تزيد في حجمها على إمكانات المجتمع وتسبّب نقصاً في الكفاءات المتميّزة والقادرة على إحداث التغيير في المجتمع سواء في جانبه الاقتصادي وليس المالي فقط، أم جانبه الثقافي والفكري، أم جانبه الإداري. ولا يكفي دق جرس الإنذار والقول بأن هجرة العقول العربية لم تعد فرصةً بل هي نزيف كارثي؛ يجب طرح السؤال الذي لا مناص منه حول مدى قدرة الدول العربية على توفير الظروف الملائمة التي تجتذب أصحاب الكفاءات العرب وتشجعّهم على العودة إلى بلادهم.

إن مسألة عدم احترام العِلم والعلماء والاستخفاف بهم وعدم توفر بيئة مناسبة للبحث العِلمي والإبداع، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي، وعدم توافر فُرص العمل المُتاحة لتخصّصات نوعية، كلّ ذلك يؤدّي إلى استمرار نزيف الهجرة. ومن أسباب الهجرة أيضاً، ضعف مراكز البحث العِلمي (انخفاض ميزانية البحث العلمي، 0,3%)، فضلاً عن عدم وصول المجتمع العربي إلى مرحلة الربط بين النشاط العِلمي والتكنولوجي من جهة أولى واحتياجات المجتمع من جهة ثانية.‏


افق-مؤسسة الفكر العربي
الاحد 24 أبريل 2022