اعتمد المؤلف في دراسته على ما أتيح له من أرقام ومعطيات للإجابة عن إشكاليتين جوهريتين: هل كان متغيرَا النفط والغاز المحددَين الأساسيين لمعالم السياسة الخارجية الجزائرية تجاه الاتحاد الأوروبي، سواء في فترة ارتفاع الأسعار أو انخفاضها؟ وهل استطاع صانع القرار الجزائري توظيف هذين العنصرين توظيفًا إيجابيًا ليكسب القضايا التفاوضية والملفات الشائكة مع "النظير" الأوروبي الذي كان حليفًا دائمًا لمسالك النصر السياسي والاقتصادي؟
ويوضح المؤلف، أيضًا، كيف كان النفط عاملًا من العوامل التي زادت في قوة ثورة التحرير للمطالبة باستقلال الجزائر وشراستها، وكيف أنه كان آلية من آليات تشبّث السلطات الفرنسية بأن الصحراء غير جزائرية، ويجب أن تظلّ فرنسية. ويرى العربي أنّ حصول الجزائر على استقلالها دفعها إلى مواصلة معارك الاستقلال، فاتخذت قرار التأميم، ثم تابعت المشوار من خلال سياسات تثمين المحروقات، ودفاعها عن هذه الموارد على المستوى الدولي من خلال دعوتها إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد.
يقول العربي: "إن ادعاءات السلطات الاستعمارية بأنّ الصحراء وطن لا شعب له، ويحق على كل الدول المتاخمة استغلال ثرواته التي يمكنها أن تغطي الحاجات الأوروبية من الطاقة، بل إنها البُعد الخلفي للأمن الأوروبي وقاعدته القوية في مواجهة التهديدات التي يمكنها أن تزعزع استقرار وأمن القارة العجوز، لم تصمد أمام عزيمة المفاوض الجزائري في المطالبة بالصحراء وثرواتها على أنها جزء لا يمكن التنازل عنه مهما كلف ذلك من مال وأرواح. فكانت اتفاقيات إيفيان واتفاقيات الجزائر عنوان هذا التحدي، وبرهانًا على شراسة المعركة الدبلوماسية بين المفاوض الجزائري وصانع القرار الفرنسي".
يقول العربي: "على الرغم من أن جُلّ هذه المشروعات كانت سياسية وأمنية بامتياز، فإن الطاقة كانت محورًا من المحاور الأساسية التي تمّ التركيز عليها في بناء هذه العلاقات". وقد أورد في الفصل موقف الجزائر من المشروعات المختلفة، وهي في أغلبها آلية من آليات الهيمنة الأوروبية بصِيغٍ جديدة. لكن، لاعتبارات جيوسياسية، لا يمكن الجزائر إدارة ظهرها لهذه المشروعات وعدم توقيعها، بل صدّقت عليها لعدم قدرتها على رفْضِها وبقائها في عزلةٍ عن محيطيها الإقليمي والدولي.
يرى المؤلف أنّ السياسة المتوسطية للدول الأوروبية أصبحت تدعو إلى حوار الثقافات، والقيام بإصلاحات سياسية في دول جنوب المتوسط وشرقه، كونها دولًا مسؤولة عن تصدير الإرهاب، "كما أن عددًا لا يستهان به من جاليتها موجود على التراب الأوروبي، وثمة أخطار أمنيّة مترتبة عن ذلك. وكان ختام هذه المحاولات التقريبية من خلال مشروع الاتحاد من أجل المتوسط. لكن السؤال الجوهري هو: هل استطاع هذا المشروع أن يحقق التنمية المرجوة في الدول المعنية؟". وجوابه هو أن النية الأوروبية لم تكن خالصة في تجسيد التعاون المنشود، "بل إن رغبتها في تحقيق انشغالاتها الأمنية ومصالحها السياسية والاقتصادية كانت دومًا نبراس أنشطتها وتوجهاتها. وهذا ما أكد فشل هذه المشروعات في فترة زمنية قصيرة بعد إطلاقها، ما يعني تحضير صانع القرار نفسه لمشروعات أخرى جديدة سترى النور في القريب العاجل، لأن زمن استعمال السلاح والدبابة ولّى أمام تكنولوجيا الذكاء والدهاء. في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نلقي اللوم كله على عاتق الدول الأوروبية، فدول الجنوب تتحمل أيضًا جزءًا كبيرًا من المسؤولية في فشل تجمعاتها الإقليمية قبل إنجاح مشروعات الشراكة مع القوى الاقتصادية العالمية الكبرى وإلقاء اللائمة عليها".
يستخلص العربي في هذا الفصل أنّ الجزائر دولة غاز قبل أن تكون دولة نفط، وامتلاك الجزائر هذا المورد الثمين واحتياطاتها الضخمة منه جعلها محل اهتمام صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي بغية ضمان الحصول عليه، وبالشروط التي تخدم مصالحها الاقتصادية، فوافقت على إنشاء العديد من المشروعات وساهمت في تجسيدها.
ويقول: "إلا أن التحدّيات الدولية الكثيرة، خصوصًا من الغريم الروسي الممثّل في شركة ’غازبروم‘ وضغوطها العمودية والأفقية على العديد من الفواعل في السوق الدولية للغاز تُزعزع مكانة الجزائر في سوق الطاقة الدولية، وتجعل مواقفها التفاوضية ضعيفة في القضايا التي تَخْدم مصالحها. كما أن احتمال نضوب النفط والغاز خطر آخر، ويجب التحضير لبدائل ناجعة تجنِّب الاقتصاد الجزائري كوارثَ لا تُحْمد عقباها في المستقبلَين المتوسط والبعيد، داخل مجتمع دولي لا يرحم الضعفاء، بل يؤسّس لمقوّمات القوّة ويخضع لضغوطها".
يضيف العربي إن التكهن بدور مستقبلي مؤثّر لمتغيرَي النفط والغاز في التوجه المستقبلي للعلاقات الجزائرية-الأوروبية يبدو مثاليًا، وبعيد المنال، "حيث لا يمكن دولة ضعيفة اقتصاديًا، غير مستقرة سياسيًا، ومفاوضة بشكلٍ انفرادي، أن تواجه تكتلًا أوروبيًا يمتلك من عناصر القوة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما تنوء عن حمله الجبال. هذه الوضعية المحرجة تجعل الجزائر ورقةً ضعيفة أمام مجموعةٍ متجانسة متكاتفة تحصد اليابس والأخضر في مجمل القضايا التفاوضية التي تكون طرفًا فيها".
ويضيف: "إن الطريق أمام هذين المتغيرين مملوء بالعقبات على مستويات عمودية وأفقية، يجب على السلطات التفكير بعمق وجدية بهدف تجاوزها واستغلال عوائد المحروقات الآنية لمرحلة ما بعد النفط والغاز في الغد القريب الذي ليس لناظره ببعيد. إن مقاربة اللجوء إلى الغاز الصخري الذي تمتلك الجزائر منه احتياطيًا كبيرًا ليس بالحل الأنجع والأفضل لإنجاح استراتيجية التنمية والإقلاع الاقتصادي المنشود في الجزائر منذ خمسة عقود من الزمن وما يزيد، بل تشجيع سياسات الاستثمار في القطاعات البديلة التي يقل فيها احتمال النضوب فيها، كالقطاع الزراعي والقطاع السياحي، وقطاع البحث العلمي، فرأسمال المعرفة لا يقدَّر بثمن، كما أنه كنزٌ لا يفنى، فالعلم نور والجهل ظلام"
النفط في العلاقات الجزائرية - الأوروبية
يتألف الكتاب (440 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة فصول. في الفصل الأول، "العلاقات الجزائرية - الأوروبية وموقع النفط فيها"، يتناول العربي العلاقات الجزائرية - الأوروبية، خصوصًا الفرنسية منها، عندما تمّ اكتشاف النفط في صحراء الجزائر، وبعد أن طرحت الدول الأوروبية مقاربات جديدة بهدف فصل الصحراء عن الشمال والاحتفاظ بها، وإصدارها قانون النفط الصحراوي وانعكاساته السلبية على قطاع المحروقات، إلى جانب سياساتها الأمنية المنتَهجة لمواجهة الضربات القاصمة من جبهة التحرير الوطني، وعزمها على بقاء الجزائر واحدة غير مقسَّمة وفق الدعاية الفرنسية، والتي فحواها مفادها أنّ الصحراء بحر داخلي يحقّ لجميع الدول المتاخمة استغلال الثروة الموجودة في باطنه. وُوجِهت هذه الدعاية باستراتيجيا مضادة انتهجها الجزائريون وترتكز على شقين أساسيين: الأول عسكري يعتمد على الرصاص وتغيير موازين القوى في الميدان، والثاني سياسي دبلوماسي على المستوى الخارجي.ويوضح المؤلف، أيضًا، كيف كان النفط عاملًا من العوامل التي زادت في قوة ثورة التحرير للمطالبة باستقلال الجزائر وشراستها، وكيف أنه كان آلية من آليات تشبّث السلطات الفرنسية بأن الصحراء غير جزائرية، ويجب أن تظلّ فرنسية. ويرى العربي أنّ حصول الجزائر على استقلالها دفعها إلى مواصلة معارك الاستقلال، فاتخذت قرار التأميم، ثم تابعت المشوار من خلال سياسات تثمين المحروقات، ودفاعها عن هذه الموارد على المستوى الدولي من خلال دعوتها إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد.
يقول العربي: "إن ادعاءات السلطات الاستعمارية بأنّ الصحراء وطن لا شعب له، ويحق على كل الدول المتاخمة استغلال ثرواته التي يمكنها أن تغطي الحاجات الأوروبية من الطاقة، بل إنها البُعد الخلفي للأمن الأوروبي وقاعدته القوية في مواجهة التهديدات التي يمكنها أن تزعزع استقرار وأمن القارة العجوز، لم تصمد أمام عزيمة المفاوض الجزائري في المطالبة بالصحراء وثرواتها على أنها جزء لا يمكن التنازل عنه مهما كلف ذلك من مال وأرواح. فكانت اتفاقيات إيفيان واتفاقيات الجزائر عنوان هذا التحدي، وبرهانًا على شراسة المعركة الدبلوماسية بين المفاوض الجزائري وصانع القرار الفرنسي".
النفط والغاز في الشراكة الجزائرية - الأوروبية
في الفصل الثاني، "تأثيرات النفط والغاز في استراتيجية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي"، يتحدث العربي عن موقع النفط والغاز ودورهما في العلاقات الجزائرية - الأوروبية من خلال المشروعات المختلفة، ابتداءً من مسار برشلونة، ثم مشروع الشراكة، وبعده سياسة الجوار الأوروبية، وأخيرًا مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.يقول العربي: "على الرغم من أن جُلّ هذه المشروعات كانت سياسية وأمنية بامتياز، فإن الطاقة كانت محورًا من المحاور الأساسية التي تمّ التركيز عليها في بناء هذه العلاقات". وقد أورد في الفصل موقف الجزائر من المشروعات المختلفة، وهي في أغلبها آلية من آليات الهيمنة الأوروبية بصِيغٍ جديدة. لكن، لاعتبارات جيوسياسية، لا يمكن الجزائر إدارة ظهرها لهذه المشروعات وعدم توقيعها، بل صدّقت عليها لعدم قدرتها على رفْضِها وبقائها في عزلةٍ عن محيطيها الإقليمي والدولي.
يرى المؤلف أنّ السياسة المتوسطية للدول الأوروبية أصبحت تدعو إلى حوار الثقافات، والقيام بإصلاحات سياسية في دول جنوب المتوسط وشرقه، كونها دولًا مسؤولة عن تصدير الإرهاب، "كما أن عددًا لا يستهان به من جاليتها موجود على التراب الأوروبي، وثمة أخطار أمنيّة مترتبة عن ذلك. وكان ختام هذه المحاولات التقريبية من خلال مشروع الاتحاد من أجل المتوسط. لكن السؤال الجوهري هو: هل استطاع هذا المشروع أن يحقق التنمية المرجوة في الدول المعنية؟". وجوابه هو أن النية الأوروبية لم تكن خالصة في تجسيد التعاون المنشود، "بل إن رغبتها في تحقيق انشغالاتها الأمنية ومصالحها السياسية والاقتصادية كانت دومًا نبراس أنشطتها وتوجهاتها. وهذا ما أكد فشل هذه المشروعات في فترة زمنية قصيرة بعد إطلاقها، ما يعني تحضير صانع القرار نفسه لمشروعات أخرى جديدة سترى النور في القريب العاجل، لأن زمن استعمال السلاح والدبابة ولّى أمام تكنولوجيا الذكاء والدهاء. في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نلقي اللوم كله على عاتق الدول الأوروبية، فدول الجنوب تتحمل أيضًا جزءًا كبيرًا من المسؤولية في فشل تجمعاتها الإقليمية قبل إنجاح مشروعات الشراكة مع القوى الاقتصادية العالمية الكبرى وإلقاء اللائمة عليها".
النفط والغاز في مستقبل العلاقات الجزائرية - الأوروبية
يرصد العربي في الفصل الثالث، "مستقبل العلاقات الجزائرية - الأوروبية في مجال النفط والغاز والاستراتيجيات المشتركة بينهما"، أهمية متغيرَي النفط والغاز في رسم مستقبل العلاقات الجزائرية - الأوروبية، في ظل استراتيجية الطاقة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الجزائر جزءًا من المشهد التفاؤلي لاحتياجاته من الطاقة. كما يبحث في مقاربة اللجوء إلى الطاقات المتجدِّدة بغية الحفاظ على البيئة التي أصبح الخطر عليها داهمًا من خلال ظاهرة الاحتباس الحراري، وتأثيرات ذلك في التوازن البيئي، ما يعزِّز استهلاك الغاز الطبيعي ويجعل الجزائر في صدارة الاهتمام الأوروبي لوجود شبكة من الأنابيب تربطها بدول الاتحاد الأوروبي شرقًا عبر إيطاليا، وغربًا عبر إسبانيا.يستخلص العربي في هذا الفصل أنّ الجزائر دولة غاز قبل أن تكون دولة نفط، وامتلاك الجزائر هذا المورد الثمين واحتياطاتها الضخمة منه جعلها محل اهتمام صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي بغية ضمان الحصول عليه، وبالشروط التي تخدم مصالحها الاقتصادية، فوافقت على إنشاء العديد من المشروعات وساهمت في تجسيدها.
ويقول: "إلا أن التحدّيات الدولية الكثيرة، خصوصًا من الغريم الروسي الممثّل في شركة ’غازبروم‘ وضغوطها العمودية والأفقية على العديد من الفواعل في السوق الدولية للغاز تُزعزع مكانة الجزائر في سوق الطاقة الدولية، وتجعل مواقفها التفاوضية ضعيفة في القضايا التي تَخْدم مصالحها. كما أن احتمال نضوب النفط والغاز خطر آخر، ويجب التحضير لبدائل ناجعة تجنِّب الاقتصاد الجزائري كوارثَ لا تُحْمد عقباها في المستقبلَين المتوسط والبعيد، داخل مجتمع دولي لا يرحم الضعفاء، بل يؤسّس لمقوّمات القوّة ويخضع لضغوطها".
يضيف العربي إن التكهن بدور مستقبلي مؤثّر لمتغيرَي النفط والغاز في التوجه المستقبلي للعلاقات الجزائرية-الأوروبية يبدو مثاليًا، وبعيد المنال، "حيث لا يمكن دولة ضعيفة اقتصاديًا، غير مستقرة سياسيًا، ومفاوضة بشكلٍ انفرادي، أن تواجه تكتلًا أوروبيًا يمتلك من عناصر القوة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما تنوء عن حمله الجبال. هذه الوضعية المحرجة تجعل الجزائر ورقةً ضعيفة أمام مجموعةٍ متجانسة متكاتفة تحصد اليابس والأخضر في مجمل القضايا التفاوضية التي تكون طرفًا فيها".
قضايا تفاوضية شائكة
في خاتمة الكتاب، يقول العربي إن النفط والغاز لم يكونا يومًا محدِّدَين معالم السياسة الخارجية الجزائرية تجاه الاتحاد الأوروبي، سواء في فترة ارتفاع أسعار المحروقات أو انخفاضها. ولم يتمكن صانع القرار الجزائري من توظيف هذين المتغيرين الأساسيين في كسب القضايا التفاوضية العديدة والشائكة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تعرف دائمًا من أين تؤكل الكتف، وتخرج منتصرةً اقتصاديًا وسياسيًا.ويضيف: "إن الطريق أمام هذين المتغيرين مملوء بالعقبات على مستويات عمودية وأفقية، يجب على السلطات التفكير بعمق وجدية بهدف تجاوزها واستغلال عوائد المحروقات الآنية لمرحلة ما بعد النفط والغاز في الغد القريب الذي ليس لناظره ببعيد. إن مقاربة اللجوء إلى الغاز الصخري الذي تمتلك الجزائر منه احتياطيًا كبيرًا ليس بالحل الأنجع والأفضل لإنجاح استراتيجية التنمية والإقلاع الاقتصادي المنشود في الجزائر منذ خمسة عقود من الزمن وما يزيد، بل تشجيع سياسات الاستثمار في القطاعات البديلة التي يقل فيها احتمال النضوب فيها، كالقطاع الزراعي والقطاع السياحي، وقطاع البحث العلمي، فرأسمال المعرفة لا يقدَّر بثمن، كما أنه كنزٌ لا يفنى، فالعلم نور والجهل ظلام"