نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت

نظرة في الإعلان الدستوري

26/03/2025 - لمى قنوت

رياح الشام

25/03/2025 - مصطفى الفقي

في الردّة الأسدية الإيرانية

22/03/2025 - عبد الجبار عكيدي


دمشق تؤبن شاعرها الكبير علي الجندي في مناخ فني لا تغيب عنه الذاكرة السياسية




دمشق - الهدهد - كان تأبين الشاعر الكبير علي الجندي يوما مشهودا في دمشق الأمر الذي أرجعه محبوه الى أن العاصمة السورية التي ولدت فيها أحلى قصائده وعاش فيها أجمل أيامه قبل أن ينتقل الى اللاذقية تشعر نحوه بعقدة الذنب لأنها أهملته في سنوات شيخوخته الأخيرة كما فعلت مع عبد السلام العجيلي وقبله مع بدوي الجبل وآخرين بينهم نزار قباني الذي عاد اليها في كفن وكان يتحاشى دخولها بعد قصيدة "السياف العربي " لكن علي الجندي من الأسماء التي يصعب أهمالها أو نسيانها فهو مع نزار والماغوط وأدونيس من أبرز رموز الشعر العربي في تاريخه الحديث وكان علي الجندي بالذات مجايلا للسياب ومن أصدقائه المقربين في بيروت ومن أوائل من كتبوا قصيدة التفعيلة التي كانت ثورة فنية في الخمسينيات من القرن الماضي


الشاعر السوري الكبير علي الجندي
الشاعر السوري الكبير علي الجندي
وهذه أمور فنية لا تهم كثيرا في التقييم السياسي فقد كان على علي الجندي رغم شهرته ولمعان أسمه أن يدفع ثمن قرابته لعبد الكريم الجندي الذي نافس حافظ الأسد ذات يوم على السلطة وخسر معركته لينتهي منتحرا "أو مستنحرا" كما يحصل مع معظم وزراء الداخلية في سورية وآخر المستنحرين منهم غازي كنعان قريب علي كنعان الشاعر السوري الآخر الذي يدفع ثمنا مماثلا للثمن الذي دفعه علي الجندي
المهم ان ذلك فصل من التاريخ مضى ومع ذلك فان المناخ الثقافي والفني الذي جرى فيه حفل تأبين علي الجندي لم يغيب تلك المعاني المتجذرة التي خلفتها أحداث قريبة معاصرة لذا كانت مناسبة تأبين علي الجندي في الذكرى الأربعين لرحيله مناسبة لأثبات ان ذاكرة الناس لا تنسى مهما حاولت السلطات الطمس والتعتيم فقد حضر شوقي بغدادي ليرثي صديق عمره في قصيدة كلاسيكية لافتة ستنشرها "صحيفة الهدهد الدولية "لاحقا وحضر من لبنان شوقي بزيع وآخرون ومع الشوقيان تحدث في حفل التأبين أبناء الشاعر وبناته ولفتت الأنظار الكلمة التي ألقاها لهب الجندي بكر علي الجندي وهو شاعر أيضا يكتب تحت اسم "عاصف الجندي " ويقيم في الولايات المتحدة الأميركية
وفي ما يلي نص الكلمة - القصيدة التي ألقاها لهب الجندي في حفل تأبين علي الجندي في دمشق

--------------------

أنا لهب ابن أبو لهب. اسمي الرسمي عاصف الجندي لأن الأسم لهب لم يمكن تسجيله حينها.
كنت دائما أحتار قبل البدء بكتابة أي رسالة للوالد- كيف أخاطبه؟
والدي العزيز؟
البابا الحبيب؟
أستاذ علي؟
كنت أحس أن كل الكلمات’ كل التعابير’ لاتكفي...
رسائله لي ابتدأت دائما بشكل طريف و مختلف’و دائما وجدتني ابتسم بعد قراءة أول سطر:
الباش مهندس لهب آغا
الأخ لهب زميل الشعر و الحياة
وسلامات ياسيد لهب لك و للربع عبر البحار
في السنوات الأخيرة الرسائل قلت’ حتى أصبحت بإتجاه واحد’ مني له
لما كنت أسأله عن السبب’ كان يضحك و يقول أن السبب هو الكسل في آخر العمر.
في كثير من قصائده كان و كأنه يتنبأ بالمستقبل...كثيرا كنت أحس أنه كان يتنبأ بمستقبله هو!
في قصيدة "الصمت الأخير" من ديوان "في البدء كان الصمت" كتب:

وغاب عن أرضنا.
انه سيد ألوان الصباح
ولدته العاصفة,
شعره خصلات نار
فمه منقار عنقاء الرياح
-هل له عينا إله أو نبي؟
-أنفه خنجر فتح جاهلي.
صدره قلعة حب وثني
حامل في كفه دوما عصاه..تتلوى
هي أفعى
كلما مررها فوق جبين النار تنشق دروب الأبدية
كلما مس بها الريح دوى صوت خيول عربية

صديق الوالد’ الكاتب الكبير ممدوح عدوان قال:"علي الجندي’أول حرف من اسمه الوطن" ووصفه في مقدمة أعماله الكاملة بالعاصفة!!

بالنسبة لي و لشقيقاتي بأيام طفولتنا في حمص و دمشق’علي الجندي كان ببساطة: البابا.
البابا الذي أحببناه’ ونحبه دائمأ’ ان كان بهذا العالم أو بغيره.
الأب الذي لم أشك لحظة بحبه العميق لي و لأخواتي. الوالد الذي كان سابقا لعصره بطريقة تعامله معي ومع أخواتي و المجتمع الذي كان حولنا...

في كثير من السنين’ أيام خدمته العسكرية و في السنوات التي كان يعمل بها في لبنان’ كنا نراه خلال زياراته لنا. ذكرياتي أنها كانت دائما مليئة بالأبتسامات و الفرح و الدفء....

كنا فخورين بكونه الشاعر الكبير, و لكن مرت سنين كثيرة قبل أن أشعر بأني أستطيع أن أقرأ أو أن أبدأ بفهم شعره...

لا أستطيع أن أزيد على كل ما قيل عن جمال و غنى لفته’ أو عن قدرته العظيمة على الأبداع’ و لكن أستطيع أن أقول إني كأبنه فوجئت باكتشاف جانبا لشخصيته’ من خلال شعره لم أكن أعرفه في صغري..

بدأت أرى روحاً مثقلة بأحزان و مخاوف و خيبات أمل أمة كاملة...
مصدر شعره كان غزيراً’ و لكن عروس شعره كانت تغمره بالحب حيناً و بالغموض و الظلمة أحيانا أخرى.
تلك العروس الثائرة الحزينة كانت معه من أول الدرب
في أول دواوينه :الراية المنكسة"’ كتب:

ظلي في المرآة حزين’
يبدو’ يتغير من انسان
لإله ليس له صورة
وحش في عينيه حنان
ووميض حياة مقهورة!

هناك قصة ترويها الوالدة عن ايامهما بالجامعة في دمشق-
حين تعرفت على الوالد لأول مرة’ ذكر لها أنه يكتب الشعر’ و قرأ لها بعض قصائده الأكثر ظلمة و غموضا...
بعدها بأيام’ رآها جالسة على أحد المقاعد بالجامعة’ فجاء و سألها:" هل ممكن أن أشاركك بهذه الجلسة؟"
فقالت:" نعم’ على شرط أن لا تقرأ الشعر"

الشيء الأخير الذي أكتشفته هو أن الوالد كان يشعر بالغربة’ تلك الغربة التي لا تتطلب الرحيل!!

من كتاب " الراية المنكسة" أيضا:

...مر بي خياله محجبا بالسحب
و سيفه..قرابه
مطعم بالذهب
عيناه من زمرد
و شعره من لهب
أثار بي خوفا’و شوقا للرحيل الأبدي
أثار قي اعماقي السوداء ما نسيته من تعبي
أشعرني بغربتي
بوحدتي’
بأنني لست النبي!!

ومن مجموعة "النزف تحت الجلد" بعد العديد من السنين’ كتب:

"متعب بالبلاد التي طال فيها حنيني اليها
مرهق من ترابها الذي صار في العين شوكا..."

تعبه انتهى...
و غربته تركها لعالمنا...
عالمنا هذا الذي يشعر أمراء الزهر بالغربة
عالمنا هذا الذي يحتاج لأن يصغي أكثر لحكمة شيوخ الفراشات...
عالمنا هذا الذي نسي’ و تاه بعيدا عن نار كيانه الذي تخبوا...

أستاذ علي يأمير الزهر...
ياشيخ الفراشات’
أيها السيد من النار التي تخبو:
مستحيل أن أتصور من أنا دون أن تكون روحي مرتبطة بروحك...
لهبي و عاصفتي منك
اصراري على حريتي منك
تصوفي’ بوذيني’ مسيحيتي منك
حزني
ريش جناحي الأبيض منك
انسانيتي
جاهليتي
عروبتي
منك....

دمشق - الهدهد
السبت 10 أكتوبر 2009