ها قد أصبحت بريطانيّاً بـ”حضور” حافظ الأسد!
ملاذ الزعبي
هل أنت هنا من أجل مراسم أداء القَسَم كمواطن بريطانيّ صالح ومخلص للبلاد؟
– نعم، نعم. موعدي في الثّالثة عصراً، اسمي ملاذ. إم إيه إل إيه تي إتش، أعتذر لوصولي باكراً بعض الشيء، لكن كما تعرف، دفعت بعضاً من الدّم الذي يضخّه قلبي حتى وصلت إلى هذه المرحلة، وفي حال فاتني الموعد فسيكون عليّ الانتظار أشهراً غير معدودة وأن أملأ عشرات الاستمارات.
مفهوم، مفهوم مستر “ميلاث”. لكن السّاعة ما تزال السّادسة والنّصف صباحاً، على جميع الأحوال أهلاً بك، أنا أوتاميمبي- أفريكانو، سأكون المسؤول عن الأمور الإداريّة لهذا اليوم العظيم.
– تشرّفت بك سيد أوتاميمبي، هل أنت من أصول أفريقيّة؟
– أنا بريتيش لو سمحت.. مواطن بريطاني فخور.
– أعرف بالطبع، أقصد إن كنت تنحدر من أصول أفريقيّة..
– لماذا تطرح عليّ هذا السؤال؟ هل تفعل ما هو معتاد في بلادك من الاستفسار عن المنبت لمعرفة إن كنت علويّاً؟
– أنا بريتيش لو سمحت.. إن كنت تقصد بلدي السّابق سوريا، فهو على الرغم من امتيازه بفسيفساء برّاقة فعلاً، لكن يندر إلى حد ما أن تجد علويّاً أسود البشرة مثلك سيد أوتاميمبي، وعائلة أفريكانو ليست من عشائر السّاحل المعروفة، لا هي من الخياطين ولا من الحيدريّة، وعلاوة على ذلك ثمّة نظرية علميّة شائعة للتعرف على العلويين من شكل الجمجمة ولا حاجة بالتّالي إلى السّؤال. الأسئلة من هذا النوع نطرحها على أصحاب الأسماء حمّالة الأوجه والتي قد يتدثّر بها بعض المسيحيين: فادي حداد أو وسيم عبده مثلاً. طرحت السّؤال بسبب الفضول وتزجية الوقت لا أكثر..
حسناً… حسناً… أفضّل عدم الإجابة عن هذا السّؤال، نحن هنا بريطانيون دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو- الأصل القوميّ أو اللّغة أو النّسب، وحدها الثّروة تفصل بيننا. هل اطّلعت على التّرتيبات المتعلقة بأداء القسم؟
– بكل تأكيد، أحفظها عن ظهر قلب، ولكن ألاحظ أن الصّورة التي سأؤدي عليها القسم هي لجلالة الملكة الرّاحلة إليزابيث الثانية وليس لصاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث.
– ملاحظة ثاقبة بالفعل مستر… ماذا كان اسم عائلتك؟
– مستر أوتاميمبي، لقد سبق أن استخدمت نكتة لفظ اسم عائلتي بالإنجليزي وما يسبّبه من إحراج شخصيّ لي في نصٍّ سابق، لذا لنبق على اسمي الأول.
آي سي، آي سي مستر ماليث… في الحقيقة خبر وفاة جلالة الملكة وقع كالصاعقة وبشكل مفاجئ، ولم نضع بالحسبان- أي تدابير بديلة، لم نجهز إلى الآن صورة بديلة لجلالة الملك تشارلز…
– في بلداننا، لا حاجة لتجهيز شيء، صور السّيد الرّئيس معلّقة في كل مكان وتزيّن كل الجدران.
– هذا يشمل الحمّامات العامّة والمراحيض؟
– ليس لغاية اللحظة، لكنها فكرة حسنة، أعتقد أن هذه الصّور قد تساعد مرتادي الحمّامات في التغلّب على حالات الإخراج.
– الإخراج السينمائي.. هاها هاها ها
– ما أخفّ دمك يا مستر أوتاميمبي.
لنركّز في تفاصيل القَسَم الآن، عليك أن تتقن هذه العبارة، ردّد ورائي: أقسم بالله العظيم بأن أكون مخلصاً وأن أحمل- روح الولاء لصاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث…
– قسماً بالنّازلات الماحقات.. والدماء الزّاكيات الطاهرات.. قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا.. اشهدوا.. اشهدوا…
يو يو يو.. توقف توقف.. لنرجع إلى نقطة البداية: أقسم بالله العظيم بأن أكون مخلصاً وأن أحمل روح الولاء لصاحب- الجلا…
– عهدنا أن نتصدى للإمبرياليّة والصّهيونيّة والرّجعيّة.. ونسحق أداتهم المجرمة.. عصابة الإخوان المسلمين العميلة.
– مستر ماثيل.. ما الذي تفعله؟
– أم ريلي سوري سيد أوتاميمبي، آسف حقاً.. أعتقد أنّني مشوّش بسبب أداء القسم على صورة شخص ميت، أشعر وكأن جلالتها ما زالت تحكم من قبرها.
– هاها.. تقصد مثل حافظ الأسد؟
– تعرف سيد أوتاميمبي، لدينا أشخاص يحكمون فعلاً من أماكن غريبة، في لبنان، حاكم من القبو، وفي إدلب حاكم من المخبأ، وفي الأمة الديمقراطية حاكم من السجن، وفي مناطق أخرى يبدو الموضوع أشبه بمهرّجين يحكمون من خيمة سيرك.
– ستضع كل هذا خلفك الآن وسيصبح ماضياً، ها قد أصبحت بريطانيّاً، لا بد أنك متحمس ولديك خطط حافلة.
– أوه لو تعرف… أنا أنتظر اللحظة التي أصوّت فيها لليمين المتطرف وأناصر حكومات معادية اللاجئين وأفعل ما بوسعي كي أجسر الهوة الواسعة التي تفصلني عن الإنجليز البيض، على أمل أن أشعر أنني واحد منهم..
علينا أن ننتهي من التّدريب على القَسَم، لأنَّنا سنردّد النَّشيد الوطنيّ كذلك، وأرجوك: لا تصفعني ولا تصفع القرّاء بنكتة- ترديد: حماة الديار عليكم سلام، بدلاً من نشيد: فليحفظ الله الملك.
– هل يمكن أن ألجأ إلى نشيد “بلادي بلادي بلادي..لك حبي وفؤادي” طيب؟
ـ أبسولوتلي لا مستر ميلاث.
– ولا حتى نشيد موطني موطني بصوت هاني متواسي مع الموسيقى التي تقشعر لها الأبدان؟
مستر ميلاث، لقد جعلتني أكره الساعة التي جئت بها إلى هنا طفلاً.. ولك “عليك وعلى بريطانيا وعلى أوروبا وعلى – الغرب كمان”… سأحمل نفسي وأعود إلى نيجيريا…
– ها لقد حزرت إذاً… أنت من أصول إفريقيّة!
--------
درج
ملاذ الزعبي
هل أنت هنا من أجل مراسم أداء القَسَم كمواطن بريطانيّ صالح ومخلص للبلاد؟
– نعم، نعم. موعدي في الثّالثة عصراً، اسمي ملاذ. إم إيه إل إيه تي إتش، أعتذر لوصولي باكراً بعض الشيء، لكن كما تعرف، دفعت بعضاً من الدّم الذي يضخّه قلبي حتى وصلت إلى هذه المرحلة، وفي حال فاتني الموعد فسيكون عليّ الانتظار أشهراً غير معدودة وأن أملأ عشرات الاستمارات.
مفهوم، مفهوم مستر “ميلاث”. لكن السّاعة ما تزال السّادسة والنّصف صباحاً، على جميع الأحوال أهلاً بك، أنا أوتاميمبي- أفريكانو، سأكون المسؤول عن الأمور الإداريّة لهذا اليوم العظيم.
– تشرّفت بك سيد أوتاميمبي، هل أنت من أصول أفريقيّة؟
– أنا بريتيش لو سمحت.. مواطن بريطاني فخور.
– أعرف بالطبع، أقصد إن كنت تنحدر من أصول أفريقيّة..
– لماذا تطرح عليّ هذا السؤال؟ هل تفعل ما هو معتاد في بلادك من الاستفسار عن المنبت لمعرفة إن كنت علويّاً؟
– أنا بريتيش لو سمحت.. إن كنت تقصد بلدي السّابق سوريا، فهو على الرغم من امتيازه بفسيفساء برّاقة فعلاً، لكن يندر إلى حد ما أن تجد علويّاً أسود البشرة مثلك سيد أوتاميمبي، وعائلة أفريكانو ليست من عشائر السّاحل المعروفة، لا هي من الخياطين ولا من الحيدريّة، وعلاوة على ذلك ثمّة نظرية علميّة شائعة للتعرف على العلويين من شكل الجمجمة ولا حاجة بالتّالي إلى السّؤال. الأسئلة من هذا النوع نطرحها على أصحاب الأسماء حمّالة الأوجه والتي قد يتدثّر بها بعض المسيحيين: فادي حداد أو وسيم عبده مثلاً. طرحت السّؤال بسبب الفضول وتزجية الوقت لا أكثر..
حسناً… حسناً… أفضّل عدم الإجابة عن هذا السّؤال، نحن هنا بريطانيون دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو- الأصل القوميّ أو اللّغة أو النّسب، وحدها الثّروة تفصل بيننا. هل اطّلعت على التّرتيبات المتعلقة بأداء القسم؟
– بكل تأكيد، أحفظها عن ظهر قلب، ولكن ألاحظ أن الصّورة التي سأؤدي عليها القسم هي لجلالة الملكة الرّاحلة إليزابيث الثانية وليس لصاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث.
– ملاحظة ثاقبة بالفعل مستر… ماذا كان اسم عائلتك؟
– مستر أوتاميمبي، لقد سبق أن استخدمت نكتة لفظ اسم عائلتي بالإنجليزي وما يسبّبه من إحراج شخصيّ لي في نصٍّ سابق، لذا لنبق على اسمي الأول.
آي سي، آي سي مستر ماليث… في الحقيقة خبر وفاة جلالة الملكة وقع كالصاعقة وبشكل مفاجئ، ولم نضع بالحسبان- أي تدابير بديلة، لم نجهز إلى الآن صورة بديلة لجلالة الملك تشارلز…
– في بلداننا، لا حاجة لتجهيز شيء، صور السّيد الرّئيس معلّقة في كل مكان وتزيّن كل الجدران.
– هذا يشمل الحمّامات العامّة والمراحيض؟
– ليس لغاية اللحظة، لكنها فكرة حسنة، أعتقد أن هذه الصّور قد تساعد مرتادي الحمّامات في التغلّب على حالات الإخراج.
– الإخراج السينمائي.. هاها هاها ها
– ما أخفّ دمك يا مستر أوتاميمبي.
لنركّز في تفاصيل القَسَم الآن، عليك أن تتقن هذه العبارة، ردّد ورائي: أقسم بالله العظيم بأن أكون مخلصاً وأن أحمل- روح الولاء لصاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث…
– قسماً بالنّازلات الماحقات.. والدماء الزّاكيات الطاهرات.. قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا.. اشهدوا.. اشهدوا…
يو يو يو.. توقف توقف.. لنرجع إلى نقطة البداية: أقسم بالله العظيم بأن أكون مخلصاً وأن أحمل روح الولاء لصاحب- الجلا…
– عهدنا أن نتصدى للإمبرياليّة والصّهيونيّة والرّجعيّة.. ونسحق أداتهم المجرمة.. عصابة الإخوان المسلمين العميلة.
– مستر ماثيل.. ما الذي تفعله؟
– أم ريلي سوري سيد أوتاميمبي، آسف حقاً.. أعتقد أنّني مشوّش بسبب أداء القسم على صورة شخص ميت، أشعر وكأن جلالتها ما زالت تحكم من قبرها.
– هاها.. تقصد مثل حافظ الأسد؟
– تعرف سيد أوتاميمبي، لدينا أشخاص يحكمون فعلاً من أماكن غريبة، في لبنان، حاكم من القبو، وفي إدلب حاكم من المخبأ، وفي الأمة الديمقراطية حاكم من السجن، وفي مناطق أخرى يبدو الموضوع أشبه بمهرّجين يحكمون من خيمة سيرك.
– ستضع كل هذا خلفك الآن وسيصبح ماضياً، ها قد أصبحت بريطانيّاً، لا بد أنك متحمس ولديك خطط حافلة.
– أوه لو تعرف… أنا أنتظر اللحظة التي أصوّت فيها لليمين المتطرف وأناصر حكومات معادية اللاجئين وأفعل ما بوسعي كي أجسر الهوة الواسعة التي تفصلني عن الإنجليز البيض، على أمل أن أشعر أنني واحد منهم..
علينا أن ننتهي من التّدريب على القَسَم، لأنَّنا سنردّد النَّشيد الوطنيّ كذلك، وأرجوك: لا تصفعني ولا تصفع القرّاء بنكتة- ترديد: حماة الديار عليكم سلام، بدلاً من نشيد: فليحفظ الله الملك.
– هل يمكن أن ألجأ إلى نشيد “بلادي بلادي بلادي..لك حبي وفؤادي” طيب؟
ـ أبسولوتلي لا مستر ميلاث.
– ولا حتى نشيد موطني موطني بصوت هاني متواسي مع الموسيقى التي تقشعر لها الأبدان؟
مستر ميلاث، لقد جعلتني أكره الساعة التي جئت بها إلى هنا طفلاً.. ولك “عليك وعلى بريطانيا وعلى أوروبا وعلى – الغرب كمان”… سأحمل نفسي وأعود إلى نيجيريا…
– ها لقد حزرت إذاً… أنت من أصول إفريقيّة!
--------
درج