منزل مدمر وأشجار محترقة في أعقاب اشتباكات بين جيش ميانمار وجماعة مسلحة تابعة لجيش أراكان في قرية في بلدة مينبيا غرب ولاية راخين. (تصوير: STR/AFP عبر Getty Images)
- هناك حاجة ماسة إلى الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية حيث آلاف الوافدين الجدد يبحثون عن الحماية في بنغلاديش
- يجب على بنغلاديش الامتناع عن إعادة الروهينغيا إلى ميانمار، حيث تؤدي الغارات الجوية العسكرية العشوائية إلى مقتل مدنيين أيضًا
“والذين حالفهم الحظ بالوصول إلى بنغلاديش ليس لديهم ما يكفي من الطعام، أو مكان مناسب للنوم، أو حتى ملابسهم الخاصة”.
كان للانقلاب العسكري عام 2021 في ميانمار تأثير كارثي على حقوق الإنسان. لقد قتل جيش ميانمار أكثر من 5,000 مدني، واعتقل أكثر من 25,000 شخص. منذ وقوع الانقلاب، وثّقت منظمة العفو الدولية الغارات الجوية العشوائية التي نفذها جيش ميانمار، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في السجون، والعقاب الجماعي، والاعتقالات التعسفية.
بدأ التصعيد الأخير في ولاية أراكان في ميانمار، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بشن هجوم مضاد للمتمردين من قبل جيش أراكان ومجموعتين مسلحتين أخريين؛ مما شكل أكبر تهديد للسيطرة العسكرية منذ انقلاب 2021. وردّ جيش ميانمار بتكثيف الغارات الجوية العشوائية التي أدت إلى مقتل وإصابة ونزوح المدنيين.
وكان التأثير شديدًا على ولاية أراكان، حيث لا يزال العديد من الروهينغيا الذين يزيد عددهم عن 600,000 يعيشون في ميانمار؛ إذ تحولت البلدات إلى ساحات قتال.
يحتاج المجتمع الدولي إلى زيادة الأموال والمساعدات للذين يعيشون في مخيمات اللاجئين.وفي بنغلاديش، تدفع السلطات أفراد الروهينغيا الفارين من الصراع إلى العودة إلى ميانمار، في حين تحدث أولئك الذين وصلوا إلى مخيمات بنغلاديش عن نقص حاد في الإمدادات والخدمات الأساسية هناك.
في سبتمبر/أيلول 2024، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 22 شخصًا، على المستوى الفردي والجماعي، لجأوا مؤخرًا إلى بنغلاديش، وانضموا إلى أكثر من مليون لاجئ من الروهينغيا، وصل معظمهم في عام 2017 أو قبل ذلك.
وقال الوافدون الجدد إن جيش أراكان قتل بشكل غير مشروع مدنيين من الروهينغيا، وأخرجهم من منازلهم وتركهم عرضة للهجمات، وهي مزاعم نفتها الجماعة. وتأتي هذه الهجمات التي يتعرض لها الروهينغيا إلى جانب الغارات الجوية العشوائية التي شنها جيش ميانمار، والتي أدت إلى مقتل مدنيين من الروهينغيا ومن إثنية الراخين.
وغرق العديد من الروهينغيا، بمن فيهم الأطفال، الذين فروا من العنف إلى بنغلاديش أثناء عبورهم بالقوارب.
عمليات الإعادة في بنغلاديش تُفاقم مشاكل الروهينغيا
كان الأشخاص الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم في بنغلاديش قد فروا مؤخرًا من بلدة مونغداو في شمال ولاية أراكان، التي حاول جيش أراكان السيطرة عليها من جيش ميانمار بعدما استولى على بلدة بوثيدونغ في مايو/أيار. وكان العديد منهم قد نجوا من هجوم بطائرة مسيرة وقذائف الهاون وقع في 5 أغسطس/آب على ضفاف نهر ناف الذي يقسم ميانمار وبنغلاديش.
وأكد جميع الذين أجريت مقابلات معهم أن أولويتهم الملحة الآن هي الحصول على الخدمات الأساسية في المخيم، بما في ذلك المساعدات والمأوى والمال والأمن والغذاء والرعاية الصحية.
كما أنهم كانوا خائفين من إعادتهم إلى ميانمار. إلا أن منظمة العفو الدولية وجدت أن سلطات الحدود البنغلاديشية أعادت قسرًا الروهينغيا الفارين من العنف، في انتهاك لمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي، الذي يحظر إعادة أو نقل أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأوضح رجل من الروهينغيا، عمره 39 عامًا، لمنظمة العفو الدولية أنه فر من مونغداو مع عائلته في 5 أغسطس/آب 2024. وفي الصباح الباكر من يوم 6 أغسطس/آب، كان قاربهم بالقرب من شاطئ بنغلاديش، وبدأت المياه تتسرب فانقلب. وأخبره السكان في وقت لاحق أن حرس الحدود البنغلاديشي منعهم من المساعدة.
وقال: “كان حرس الحدود في مكان قريب، لكنهم لم يساعدونا”.
وأضاف أنه فقد وعيه، واستيقظ على الشاطئ ليرى الجثث التي جرفتها الأمواج إلى البر. واكتشف لاحقًا أن جميع أطفاله الستة، الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و15 عامًا، قد غرقوا. وقال إن أخته فقدت أيضًا ستة من أطفالها. واحتجزه حرس الحدود البنغلاديشي. في الليلة التالية، أُعيد هو والآخرون معه إلى ميانمار، حيث وجدوا قاربًا آخر وعادوا. ووفقًا لأحد التقديرات الموثوقة، فقد حدثت أكثر من 5,000 حالة إعادة قسرية هذا العام، مع ارتفاع حاد في أعقاب هجمات 5 أغسطس/آب.
ومضت أنياس كالامار قائلة: “إن إعادة الأشخاص إلى بلد يتعرضون فيه لخطر حقيقي بالقتل لا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي فحسب؛ بل سيجبر الناس أيضًا على تحمل مخاطر أكبر أثناء محاولتهم تجنب اكتشافهم من قبل السلطات، مثل السفر ليلًا أو سلك طرق أطول”.
ويعيش الروهينغيا الذين وصلوا إلى مخيمات اللاجئين على سخاء أقاربهم هناك. وأعرب الوافدون الجدد على وجه الخصوص عن قلقهم من عدم تمكنهم من التسجيل لدى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للحصول على الدعم الأساسي. ونتيجة لذلك، يبيت الكثيرون دون طعام، ويخشون الخروج خوفًا من الترحيل، حتى عندما يحتاجون إلى الرعاية الطبية.
وذكر من أجريت معهم مقابلات أيضًا تدهور الوضع الأمني في المخيمات، ويرجع ذلك أساسًا إلى وجود مجموعتين مسلحتين من الروهينغيا: وهما منظمة تضامن الروهينغيا وجيش إنقاذ روهينغيا أراكان. إن ديناميكيات الصراع المتغيرة في ميانمار في ولاية أراكان تعني أن بعض جنود الروهينغيا قد تحالفوا مع الطغمة العسكرية في ميانمار. ونتيجة لذلك، يخشى اللاجئون الروهينغيا في بنغلاديش من احتمال اختطافهم هم أو أفراد أسرهم وإعادتهم قسرًا، وتجنيدهم للقتال هناك.
وكانت الغالبية العظمى منهم تأمل في إعادة التوطين في بلد ثالث.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 40 عامًا: “نحن خائفون دائمًا من الانتقال من مكان لآخر لأنه ليس لدينا أي وثائق. أتينا حديثًا إلى هنا، وسمعنا أيضًا عن أشخاص اختُطفوا”.
وأضافت أنياس كالامار قائلة: “يجب على الحكومة البنغلاديشية المؤقتة ومنظمات الإغاثة الإنسانية العمل معًا حتى يتمكن الناس من الحصول على الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمأوى الملائم والرعاية الطبية”.
“ويجب على بنغلاديش أيضًا أن تضمن عدم إعادة الأشخاص قسرًا إلى النزاع المتصاعد. وفي الوقت نفسه، يحتاج المجتمع الدولي إلى زيادة الأموال والمساعدات للذين يعيشون في مخيمات اللاجئين”.
وفي اجتماع مع منظمة العفو الدولية، رفض المسؤولون البنغلاديشيون مزاعم الإعادة القسرية، لكنهم قالوا إن حرس الحدود “يعترضون” الأشخاص الذين يحاولون عبور الحدود. وشدّدوا أيضًا على أن البلاد لا يمكنها استيعاب المزيد من اللاجئين الروهينغيا.
انتهاكات جيش أراكان وجيش ميانمار
لقد اضطهد جيش ميانمار الروهينغيا لعقود من الزمن، وطردهم بشكل جماعي في عام 2017. وهو يجبرهم الآن على الانضمام إلى الجيش كجزء من قانون الخدمة العسكرية الوطنية. ووفقًا لما ورد، توصل جيش ميانمار أيضًا إلى اتفاقية “سلام” غير رسمية مع منظمة تضامن الروهينغيا، وهي جماعة مسلحة من الروهينغيا أقدم، عادت للظهور كقوة في الأشهر الأخيرة. وقد أدت هذه التطورات المعقدة إلى تأجيج التوترات بين الروهينغيا والأفراد من إثنية راخين، الذين يزعم جيش أراكان أنه يمثلهم. كما أدى تصاعد القتال في جميع أنحاء البلاد إلى تزايد الادعاءات بارتكاب انتهاكات على أيدي الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش. ووصف العديد من الروهينغيا العواقب الوخيمة للوقوع في الحصار بين الجانبين.
وقال أحد أفراد الروهينغيا الذين أجريت معهم مقابلات، لمنظمة العفو الدولية: “في كل مرة يكون هناك صراع، نتعرض للقتل”.
وقال صاحب متجر، يبلغ من العمر 42 عامًا، إنه في 1 أغسطس/آب، سقطت ذخيرة مجهولة المصدر خارج منزله في مونغداو، مما أدى إلى مقتل ابنه البالغ من العمر 4 سنوات. وفي 6 أغسطس/آب، دخل جيش أراكان – الذي تعرف على مقاتليه من خلال شاراتهم – قريته في مونغداو، ونقل جميع العائلات الهندوسية والبوذية إلى منطقة أخرى قالوا إنها آمنة، بينما بقيت عائلات الروهينغيا في مكانها.
يتعين على كل من جيش أراكان وجيش ميانمار الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.وأضاف: “بدأوا في إثارة الاضطرابات [استخدامها كقاعدة لشن الهجمات] في القرية، مما أجبرنا، نحن العائلات المسلمة، على المغادرة في 7 أغسطس/آب. كنا المجموعة العرقية الوحيدة المتبقية في القرية. وبدا أنهم فعلوا ذلك عمدًا”.
وعندما لجأ لاحقًا إلى وسط مدينة مونغداو في 15 أغسطس/آب، قال إنه رأى “قناصين” من جيش أراكان يطلقون النار على اثنين من المدنيين الروهينغيا. وأردف قائلًا: “شاهدت جيش أراكان يقتل امرأة فورًا بإطلاق النار عليها أثناء توجهها إلى بركة لجمع المياه… وكان هناك رجل آخر يجلس ويدخن أمام منزله، أصيب هو الآخر برصاصة في رأسه مباشرة وقُتل”.
وردًا على أسئلة منظمة العفو الدولية، قال جيش أراكان في 13 أكتوبر/تشرين الأول إن هذه الادعاءات غير مدعومة بأدلة، أو تفتقر للمصداقية. وأفاد أنه أصدر تحذيرات للمدنيين بمغادرة مونغداو قبل عملياته وساعد في إجلاء الناس، وأنه أصدر تعليمات لجنوده بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وأنه يتخذ إجراءات تأديبية في حالة حدوث انتهاكات.
منذ أواخر العام الماضي، وثقت منظمة العفو الدولية بشكل منفصل الغارات الجوية العسكرية التي شنتها ميانمار، والتي أدت إلى مقتل مدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية في ولاية أراكان. وهذا العام، فاقم تأثير تجنيد جيش ميانمار للروهينغيا ما يتعرض له الروهينغيا أصلًا من تمييز تاريخي وممنهج والأبارتهايد.
وقال تاجر ماشية، يبلغ من العمر 63 عامًا: “شعرت بالأسف الشديد لأنهم أشركونا في قتالهم، علمًا أنه لم يكن لنا علاقة به. بدا وكأنهم يحضّرون الأساس للتسبب بقتلنا”.
محو العائلات
في 5 أغسطس/آب 2024، أجبرت شدة القصف والمعارك المسلحة بين جيش ميانمار وجيش أراكان عشرات الأشخاص من مونغداو على البحث عن مأوى في منازل أشد صلابة بالقرب من حدود نهر ناف مع بنغلاديش. وقال تاجر الماشية من الروهينغيا، وهو يتذكر ذلك اليوم، إن جيش أراكان “كان يقترب من قريتنا، ويستولي على القرى المحيطة… لقد أرسل طائرات مسيرة إلى سمائنا وأبقاها لمدة ساعة تقريبًا، وكان بإمكانه إسقاط قنابل من هذه الطائرات في أي زمان ومكان أراد بواسطة جهاز التحكم عن بعد. لقد قتلوا الكثير من الناس”.
بعد ظهر ذلك اليوم، روى الكثيرون أنهم رأوا طائرة مسيرة وسمعوا عدة انفجارات. وأضاف تاجر الماشية أنه سمع ما بين ثمانية وعشرة انفجارات، وأن القنابل كانت تنفجر “حتى قبل أن تلمس الأرض”. ورأى جهازًا جويًا صغيرًا بدون طيار يحلق بالقرب من الحشد، وبدا وكأنه “طائرة مسيرة دائرية الشكل” مع شيء متصل بأسفلها.
وقال إن زوجته وابنته وصهره واثنين من أحفاده قُتلوا، في حين أصيبت الحفيدة الأصغر، البالغة من العمر سنة واحدة، بجروح خطيرة، وتم بتر ساقها اليسرى في وقت لاحق من الركبة في بنغلاديش. وقالت امرأة، تبلغ من العمر 18 عامًا من مونغداو، إنها فقدت والديها واثنتين من شقيقاتها، عمرهما سبعة وخمسة أعوام، خلال الانفجار. وفي وقت الهجوم، كان والدها يحمل إحدى شقيقاتها، بينما كانت والدتها تحمل الأخرى. وعندما وصلوا إلى شاطئ مونغداو في فترة ما بعد الظهر بحثًا عن قوارب للعبور إلى بنغلاديش، وقع انفجار.
وقالت: “اختبأنا بسرعة في الوحل، وجلسنا في المياه الموحلة، ثم انفجرت قنبلة أخرى، مما أدى إلى مقتل والديّ وشقيقتيّ وكثيرين آخرين”. “لقد رأيت كل ذلك بأم عيني – فقد قُتل والدايّ وشقيقتيّ عندما أصابتهم شظايا القنبلة”.
ورغم أنها لم تر طائرة مسيرة، إلا أنها قالت إن “القنبلة الكبيرة” التي قتلت أفراد عائلتها “جاءت محلقة”. الصوت يطاردها منذ ذلك الحين. وأضافت أنها رأت نحو 200 جثة على الشاطئ، وهو رقم ذكره أحد الذين أجريت مقابلات معهم بشكل مستقل.
وقال كل من تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية تقريبًا إنهم فقدوا شخصًا واحدًا على الأقل، من أقاربهم أثناء محاولتهم الفرار من ميانمار. وتظهر السجلات الطبية التي أُطلعت عليها منظمة العفو الدولية من الأيام التي تلت الهجوم، علاج الإصابات الناجمة عن انفجار قنبلة بعد وصولها إلى بنغلاديش. منذ أغسطس/آب، حدثت زيادة كبيرة في علاج إصابات الحرب لدى الفارين من ميانمار.
وقال جيش أراكان في رده على منظمة العفو الدولية، إن جيش ميانمار أو الجماعات المسلحة المتحالفة معه هم على الأرجح المسؤولون الأكبر، وأن شهود العيان أو الناجين ربما ينتمون إلى جماعات مسلحة.
واختتمت أنياس كالامار قائلة: “يجب على جيش أراكان أن يسمح بإجراء تحقيق مستقل ومحايد وفعال في الانتهاكات المحتملة التي ارتكبت خلال عملياته. ويتعين على كل من جيش أراكان وجيش ميانمار الالتزام بالقانون الدولي الإنساني”.
“إننا نواصل دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إحالة الوضع برمته في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية”.