وأشار الباحث المتحدر من مدينة "حلب" إلى أنه لطالما كان يخاطب المنظمات السورية أو الأميريكية أو المهتمة بموضوع الآثار أن تتبنى هذا المعرض وتموله وتحاول تقديم شيء ليصل هذا المشروع للناس، ولكن دون جدوى إلى أن قامت 9 منظمات أمريكية تحت اسم "فور سيريا" بتمويل المعرض بتكبير وتأطير اللوحات وحجز الصالة.
وتضمن المعرض الذي احتوى على 35 لوحة بقياسات مختلفة 5 صور منها وثائقية قديمة تعود إلى أكثر من 125 سنة صورها الرحالة والمصور الفرنسي الشهير "بونفيس"، وثمة صور كان الفرنسيون يطبعونها ككروت بوستال لمدينة دمشق التاريخية أما الصور الملتقطة بعدسة "فنصة"، فهي من الرصافة وتدمر قوس النصر ومعبد بل حلب وقلعتها وايقونة نادرة من كنيسة معلولا والجامع العمري في درعا وبصرى، إضافة إلى صورة إنسانية من دمشق لشخص في حالة صوفية وهو يقرأ، وصور لمحيط الجامع الأموي وفنائه الداخلي والأسواق القديمة المحيطة بالجامع وجسر المعلق في دير الزور الذي تم قصفه وتدميره منذ سنوات.
ولفت الفنان الدمشقي إلى أن معرضه هو رسالة واضحة للسوريين والأمريكيين أن الهدف ليس إثارة الحنين والذكريات لسوريا التي تفككت ونهبت بعض أهم آثارها، فيما تم تدمير أهم الآثار التي عرفها العالم عن عمد، وكل هذا حصل -كما يقول- أمام أنظار العالم.
واستدرك أن رسالته ليس فقط أن سوريا هي بلد الأبجدية وأول بلد نوتة موسيقية فقط، بل للفت الأنظار إلى القيم الفنية والمعمارية والتاريخية العريقة وجزء بسيط مما قدمته سوريا للذاكرة الإنسانية.
وتابع أن آثار سوريا هي مكتبة عالمية لفهم تاريخ وجذور ونشأة الفكر الإنساني الذي لا يقتصر على العمارة أو اللغة أو العلاقات الإنسانية بل هناك جوانب عريقة في الآثار السورية تشكل جزءاً من مخزون التراث العالمي منذ العصور الحجرية القديمة كما في مملكة تدمر وما يحيط بها من مواقع أثرية تعود إلى مئات الآلاف من السنين وتشير إلى تطور الإنسان خلال حقب تاريخية سحيقة جداً قبل ظهور الممالك والتدوين.
ونوّه "فنصة" إلى أنه دأب منذ وصوله إلى واشنطن على الإلتقاء بالمنظمات الأمريكية المهتمة بتاريخ سوريا، وكان يطالبهم باستمرار بالتعاون لاقامة معرض ولكنه لم يلق اهتماماً بهذه الفكرة حتى من قبل المنظمات السورية الأمريكية الذين اعتادوا على التسويف والشكوى من التمويل، وهو أمر لا يمكنه القيام به بمفرده نظراً لأنه مثل بقية الشعب السوري أجبر على الهجرة القسرية.
واستدرك "فنصة" أن معلومات الأمريكيين عن سوريا ضحلة ومخجلة للأسف بعكس الأوربيين الذين يعرفون الشرق الأوسط وسوريا جيداً أما الأمريكيون فلا يكادون يسمعون بسوريا إلا في الإعلام كبلد صراعات و"حرب أهلية" –حسب تعبيرهم- وقطع رؤوس وتنظيم "الدولة".
وأردف "فنصة" أن المدن السورية التاريخية محمية وفق القوانين الدولية باعتبارها تراثاً إنسانياً وهناك نصوص صريحة في الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو بهذا الخصوص، ويجب الحفاظ عليها، ولكن الأيام والسنوات والأحداث أثبتت أن هذا الكلام مجرد حبر على ورق ومنظمة اليونسكو –حسب قوله- شريكة في الدمار الذي لحق بالمدن والقرى والآثار السورية.
وحول مدى حاجتنا في ظروف المحنة هذه إلى كتب وصور تعرف الناس بتاريخ سوريا وعلاقتها الشائكة مع الزمن بعد أن كادت معاول التدمير تطال الكثير منها، أبان محدثنا بأن الخلاص من نظام الأسد الديكتاتوري المستبد هو أهم خطوة يمكن اتخاذها للتفكير لاحقاً بحماية وصون الآثار، لأن هذا النظام غير الوطني هو نظام لصوص يعتمد على قطاع طرق لسرقة وتهريب آثار البلاد، فالخلاص منه هو أول خطوة لترسيخ الإحساس بقيمة الإنسان وتراثه وغذائه تربيته وأخلاقيته وما دام هذا النظام موجوداً فكل هذه القيم منعدمة، واستدرك المصدر أن بعض المعارضين للأسف هم وجه آخر لهذا النظام كما أثبتت الأيام، وكانت الآثار السورية ضحية أيضاً لبعض فصائل الثورة التي مارست النهب والتهريب والتدمير تحت مسميات خرافية لا علاقة لها بقيم الإسلام والتسامح، واستدرك فنصة أن معرضه الوثائقي هذا عن الآثار السورية التي اختفت بالدمار الرهيب ،ليس حدثا اعتياديا بل هو مؤشر لضياع تراث إنساني عريق، وفقدان مكتبة عالمية لذاكرة الانسانية، تقارب المجزرة البشرية الكبرى التي ارتكبتها كل القوى العسكرية المسلحة بحق المدنيين والأبرياء وفي مقدمتهم المتسبب الرئيس في ذلك منظومة النظام الغادر والقاتل وما افرزه من قوى ظلامية.