نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


( معارَضة مصدومة عاطفياً! )





إذا استغرب مولود تشاووش أوغلو الصدمة التي أحدثتها تصريحاته في أوساط معارضين سوريين فهو محق، لأن وزير الخارجية التركية لم يقل يوم الخميس الماضي ما يمكن أن يُحسب انعطافة في الموقف الرسمي التركي من القضية السورية. صدمة أوغلو أتت جزئياً من إشارته إلى محادثة عابرة بينه وبين وزير خارجية الأسد، أما ما أثار الغضب الشديد في أوساط معارضة فهو قوله: يجب علينا بطريقة ما أن تصالح بين المعارضة والنظام السوري، وإلا لن يكون هناك سلام دائم.



قبل ما يزيد عن خمس سنوات ونصف السنة اقتادت أنقرة المعارضة، التي تتخذ من الأراضي التركية مقراً لها، إلى أستانة. من العاصمة الكازاخستانية، انطلق المسار المسمى على اسمها، والذي اجتمعت فيه أساساً الدول الثلاث "الراعية" روسيا وتركيا وإيران، لإطلاق مسار سياسي غير مقيد بمقررات الأمم المتحدة، ومنها خاصة القرار 2254 الذي نص على عملية سياسية تهدف إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي، يُفترض في ظلها أن يُعدّ دستور جديد ويُطرح للاستفتاء عليه.
بعد سنة من إطلاق مسار أستانة، ستبتلع المعارضة المقيمة في تركيا إهانة جديدة، عندما يتم اقتيادها إلى سوتشي الروسية تحت مسمى مؤتمر حوار وطني سوري، بل تعمّد المضيف الروسي تقديم جرعة إضافية من الإذلال بتأخير دخول معارضين وبقائهم ساعات طويلة في المطار. في قاعة المؤتمر، بالغ مهرّجو الأسد في استعراضاتهم الخارجة تماماً عن نص الدعوة ما أدى إلى إفشاله، وهي "حسنة" تُسجّل لهم إذ أجهزوا على الفكرة، وأعفوا نظراءهم في وفد المعارضة من جولات إذلال أخرى.
غير بعيد عما سبق، دعم ثلاثي أستانة إطلاق اللجنة الدستورية، والأصح القول أنها ما كانت لتُشكَّل وتبدأ جلساتها لولا دعم الثلاثي، ولولا التنسيق بين أنقرة والمعارضة المقيمة لديها حول اللجنة، بما في ذلك التنسيق المتعلق بتفاصيل مثل اقتراح الأسماء. أهم من ذلك كله أن المعارضة، وافقت برعاية تركية، على اللجنة التي كان الأساس في إنشائها استبعاد أولوية تشكيل هيئة حكم انتقالي حسب نص القرار الأممي 2254، وحتى استبعاد مناورة أقل ضرراً هي المفاوضات المتزامنة في السلال الأربع الواردة في نص القرار.
يلزمنا مجلدات لو شئنا تقصي البراهين على أن المعارضة السورية قبلت منذ سنوات ما أعلنه وزير الخارجية التركية يوم الخميس، إلا إذا كان هناك مَن سيتذاكى علينا من هذه المعارضة "أو سواها"، ليقول أن الغرض من الانضواء في مسار أستانة ومسار اللجنة الدستورية هو الوصول إلى إطاحة بشار الأسد. حيث علينا الاقتناع قسراً بأن وفود بشار الأسد وراعييه الروسي والإيراني سيوافقون عبر عملية تفاوضية على إسقاطه، وكأننا لا نشهد مثلاً التسويف والمماطلة في أعمال اللجنة الدستورية من قبل وفد الأسد وبدعم روسي، فوق أن اللجنة مشكلة أصلاً بهدف الالتفاف على بيان جنيف ثم قرار مجلس الأمن.
من المخزي أن تظهر المعارضة، ومعارضون خارج هياكلها التنظيمية، كمن أصيب بصدمة عاطفية حادة بسبب تصريحات أوغلو الأخيرة والسابقة عليها. سيكون إظهار الصدمة مخزياً إذا أتى تمثيلاً على سوريين غاضبين من تلك التصريحات، وسيكون مخزياً على نحو أبلغ إذا أتى عن قناعة، بمعنى أن هؤلاء المعارضين وخلال سنوات لم يفهموا العملية السياسية التي يشاركون فيها برعاية أنقرة!
على صعيد متصل، من المحتمل جداً أن فرصة الشماتة قد أتت أخيراً لمعارضة ومعارضين اتخذوا منذ البداية موقفاً مضاداً للتدخل التركي، وللمعارضة المقيمة في تركيا. هي أيضاً فرصة ثمينة للشماتة لمنظومة الإدارة الذاتية الكردية وأنصارها، إلا أنها مؤقتة بطبيعة الحال، وهي شماتة الخاسرين بخاسرين لأن هذه المنظومة مُستهدفة بأي تقارب بين أنقرة والأسد.
الانقسام تجاه تركيا يفضح جانباً آخر من جوانب عدم نضج المعارضة السورية، وعدم نضج قوة الأمر الواقع الكردية. الانقسام أخذ طابع الولاء والعداء، لينعكس خصومة أو قتالاً بين جانبيه. الموالون لأنقرة بالغوا عاطفياً في امتداح الدور التركي، من استضافة العدد الأكبر من اللاجئين، إلى ما يرونه دعماً للمعارضة عندما تخلى عنها الجميع. قسم من المعادين للدور التركي لم يروا فيه سوى إسلامية الحزب الحاكم، بينما لم يرَ الأكراد سوى ذلك العدو الأبدي الذي لن تتغير طبيعته بتغير حكامه.
ما كان مفتقداً منذ البداية ذلك الإدراك العام بأن التدخل التركي مكتوبٌ في "جينات" الصراع السوري-السوري، بصرف النظر عن مداه وعن طبيعة الحزب الحاكم في أنقرة. قلّما شهدنا في بلد ما صراعاً داخلياً طويلاً، ثورةً أو حرباً أهلية، من دون أن يتدخل الجار الأكبر بذرائع متعددة، في مقدمها حماية أمنه القومي. ومن نافل القول أن التدخل لا يراعي الاعتبارات الأخلاقية، ولا أولويات أصحاب الشأن من أهل البلد المنكوب.
ضمن إدراك أفضل لما تحتمه الجغرافيا وميزان القوى، كان يمكن للمعارضة التي أصبحت تابعة لأنقرة، ولغيرها بما فيها منظومة الإدارة الذاتية الكردية، أن تتعامل بواقعية أفضل مع التدخل التركي، فلا تصفق له على طول الخط مدفوعة بالولاء، ولا تعاديه على طول الخط ولو على سبيل رد الفعل على ما يراه الأكراد عداء تركياً أصيلاً.
لو تحلّت القوى المذكورة بالواقعية، خارج العواطف والأحلام، لكانت صدمتها الآن أقل، ولكانت معاً أكثر قدرة للضغط على الجار التركي، لأن الواقعية كانت ستقرّب أيضاً بين الخاسرين بدل أن نشهد الشماتات المتبادلة، بحيث تكون خسارة طرف عزاءً لطرف آخر خاسر. من بين ما تمليه الواقعية أن أنقرة لا تنطق عن سياسة تتفرد بها، فالخط العام وضعته واشنطن مبكراً بإعلانها عدم وجود حل في سوريا سوى الحل السياسي، ومن ثم اعتبارها الأسد جزءاً من الحل السياسي.
المعارضة قبلت، ولو مرغمة، بما أملاه التوجه الأمريكي على الجميع، وهي كما أسلفنا قبلت برعاية تركية لما هو أدنى من أفضل قرار دولي على علاته. لا تصريحات لمعارضين من هنا أو هناك ستغير هذه الحقيقة، ولن تغير في موقف أنقرة التي تمسك بالمعارضة وبمناطق نفوذها بموجب تفاهمات دولية. أقصى وأفضل ما تفعله المعارضة إذا صدقت، بدل تمثيل دور المخدوع عاطفياً، هو الاستقالة النهائية، بمعنى حل هياكلها الحالية التي وجدت برغبة دولية. وأفضل ما تفعله الإدارة الذاتية هو الكفّ عن التذاكي، والاعتراف بأنها فوتت فرصة البحث عن خيار يقيها خياري القتل برصاص أنقرة أو الانتحار برصاص الأسد.
------------
المدن
*كاتب وروائي سوري.

عمر قدور
الثلاثاء 16 غشت 2022