الكتاب بلغ 332 صفحة من القطع المتوسط، وفيه معلومات عن تلك الحقبة من تاريخ ثورتنا كثير من السوريين أنفسهم لايعلمونها!.
استهل ديب مؤلفه بنصّ لجبران خليل جبران من كتاب “العواصف” وتبعها بقصيدة للشاعر سعيد عقل عن الشام: (ياشام عاد الصيف متئداً)، وبعد نقله لرسائل شكر عن كتابه السابق: “تاريخ سورية المعاصر”، كان هناك مقدمة للوزير اللبناني السابق ورئيس حزب الكتائب اللبنانية السابق أ. كريم بقراودني، بعنوان: “سوريا في عين العاصفة”.
يكشف ديب أن للحرب السورية أبواباُ سبعة، ملائمة لأبواب دمشق التاريخية السبعة التي أشار إليها في مقدمته.
في الباب الأول تحدث عن أزمة سورية في الحرب الإعلامية والدبلوماسية، إذ منذ الخمسينات تحاول أمريكا الاستيلاء على سورية، لكنها فشلت، فتهديدات كولن باول لبشار الأسد مباشرة في حال عدم تنفيذه لإملاءاته التي جاء بها في أيار 2003 لها أصداؤها في ربيع 2011م!.
في الباب الثاني تحدث عن اعتبار سورية جزء من الربيع العربي.
وفي الباب الثالث تحدث عن الصراع بين البعث والإخوان المسلمين، واعتبره الحامل الأساسي للثورة السورية، والصراع الخفي بين الأقلية العلوية والأكثرية السنية، استند في ذلك على خروج التظاهرات من المناطق الحدودية ذي الصبغة السنية، ولاينسى أن ينبه إلى أن انتصار الثورة 2011 سيعني انتصار تنظيم الإخوان مما سيجعل سورية نموذجا أفغانياً طالبانياً.
وفي الباب الرابع تكلم عن تقويض التعددية الدينية والإثنية، حيث كانت سورية الأسد تمظهرا لخروج العلويين من قوقعتهم نحو الانخراط بالسلطة، وظهور طبقة سنية برجوازية جديدة، ومشاركة أبناء الأقليات بالسياسة والاقتصاد، ما جعل النظام يُبطئ من عملية الاصلاح حتى لا تتحول سورية إلى المثال اللبناني المفتت، لينتصر المؤلف إلى فكرة عدم أهلية الشعب السوري للإصلاح السياسي.
وفي الباب الخامس ذكر تأزم الحالة السورية من خلال انفجار اجتماعي داخلي، وهجمة العولمة الاقتصادية، واعتبر الفارق بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي أدى لارتفاع البطالة في التسعينات ليؤدي إلى مستويات فقر شديدة، وهو من حيث شعر أو لم يشعر يكسر سردية إعلام النظام السوري اليوم أن الوضع كان جيداً قبل الثورة السورية! لقد حمّل “ديب” النظام السوري مسؤولية عدم محاسبة الفاسدين، ووصفه بالجهل الاقتصادي بمآلات تحرك القطاع الخاص.
وفي الباب السادس تحدث عن فشل ربيع دمشق.
وفي الباب السابع ذكر أن أزمة سورية هي جزء من صراعها مع إسرائيل، بل إن استهداف النظام السوري إنما سببه مواجهته للمشروع الصهيوني، ليؤكد بقراءة تحليلية منحازة بشكل أو بآخر على دور اسرائيل بدعم الثوار وإدارة المعارك خلف الكواليس، ودعمها اللوجستي والإعلامي للثورة السورية بعد ٢٠١١م.
وفي آخر كتابه يضع الملاحق من خسائر بشرية، وانتشار ميداني، واتفاق جنيف ومواقف المعارضة السورية.
وخاتمة عنونها بـ: خلاصة ومفترق طريق: ولعل الملمح الأول للكتاب هو هوس الكاتب بنظرية المؤامرة، واعتبار ما جرى في سورية بعد 2011م سببه إرادة أمريكية وأيادي إسرائيلية ترسم وتخطط، دون الاهتمام كثيراً بالأسباب الداخلية التي جعلت الثورة السورية تتوسع وتتمدد وتتعسكر وتتأسلم حتى تاريخ كتابه!
لكن الكاتب رغم موقفه السلبي من الثورة السورية باعتبارها إحدى تجليات المؤامرة ضد الدولة السورية وليس النظام السوري، فقد اعتبر استخدام كلمة (النظام السوري) مؤامرة أخرى لتقزيم المعركة، وليس ضد شخص رئيس الدولة، رغم كل ذلك إلا أن الكاتب لا يُبرئ النظام السوري من صبغة الاستبداد، ولا ينفي وجود سوريين معارضين أو لنقل ثواراً هدفهم محاربة الاستبداد فقط، وليس تنفيذ أجندات خارجية، مع أن إسرائيل لم تشعر بالأمن إلا في زمن البعث وسلطة الأسد، كما وأن الموقف الأمريكي من النظام السوري كان ومازال موقفا غير عدائي له، كان ذلك واضحاً بمنع سلاح مضاد الطيران عن المعارضة السورية في أوج الدعم الغربي لها.
كما انتقد الكاتب جهل المعارضة السورية لأدوات الصراع السليم، لتنزل إلى مستوى النظام السوري باستخدام الطائفية فتصارعه بأدواته الطائفية، لتخسر كتلاً اجتماعية إلى جانبه مجاناً، ومع كونه محقاً في هذا الجانب إلا أن المعارضة السورية قبل بروز الجماعات الراديكالية التي أخرج النظام السوري قادتها من سجونه، وفتحت حكومة المالكي في العراق لهم الموصل مجاناً، فقد كانت معارضةً تنادي بثلاثية: ((لا للطائفية))، ويمكن القول أن المعارضة السورية رغم كل سلبياتها إلا أنها لم تنزلق نحو مستوى النظام الطائفي، ورفضت الجماعات المتطرفة سواء النصرة – هيئة تحرير الشام حالياً- أو داعش أو حراس الدين ..
يجدر الإشارة هنا إلى مقال حسين عبد العزيز في نقده لبعض أطروحات كمال ديب، في قراءته للكتاب المذكور سنة 2021م على موقع سورية، ولهذا ما يمكن إضافته هنا أخيراً، أننا أمام ضرورة تدوين للواقع السوري، ولعل مواقف حيادية ظاهرياً ومنحازة للنظام السوري باطنياً مثل موقف “كمال ديب” قد تجعل صورة الثورة السورية مُحوَّرة عن حقيقتها، وهنا ضرورة وجود مؤرخين غير حياديين، بل موضوعيين، ومنحازيين للحقيقة وللشعب السوري في تدوين أحداث الثورة السورية خطوة بخطوة، وسنة بسنة، عن طريق الكتابة، فالكتاب وحده ما يبقى تراثاً للأجيال، وإن كنا لا ننادي بالاستغناء عن التتريخ المصور الذي يقوم النشطاء اليوم.
لقد استطاع “كمال ديب” بشكل أو بآخر أن يسحب الشرعية الأخلاقية من الثورة السورية، رغم اعترافه بوجود الاستبداد لدى النظام السوري، مايجعل من الضرورة بمكان أن يكون لكتابه نقد موضوعي من قبل المؤرخين السوريين، ولعل هذا سبب اختيارنا لعنوان هذا الكتاب.
--------
تيار المستقبل السوري