نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


فأر بوتين ومصير الحرب... "رب بيدق أكل ملكاً"




"في زقاق بناء في لينينغراد (سان بطرسبرغ) كان الصبيان يطاردون بالعصي أسراب الفئران، وفجأة رأى أحدهم فأراً كبيراً، فطارده، وحصره في الزاوية، ولم يترك له أي مهرب. وما كان من الفأر إلا أن قفز على وجه الصبي، ففر خائفاً ولم يفلت منه إلا بفضل سرعته". هكذا يصف فلاديمير بوتين درساً تعلمه في طفولته عن معنى "أن تُحشر في الزاوية".


 
لهذه الرواية التي سردها الرئيس الروسي عن طفولته، مغزى كبيراً في هذا الوقت. فالحقيقة أن بوتين الآن، بعد أن استنفد فرص المناورة، بات يفتقد الحيلة لأي انتصار ذي معنى، تجعله يائساً بحق.
 
لم تعد الأرقام الروسية الضخمة تنقذه. الحقيقة أن لديه أكثر ثلاثة أضعاف السكان وعشرة اضعاف القوات وعشرين ضعفاً في المدرعات والطائرات، وعشرات الأضعاف من القوة النارية، لكنها ليست كافية حتى في خيرسون، ما يؤكد الدروس العسكرية القديمة: المعنويات، تكاتف المجتمع والجيش في الدفاع عن قضية ملموسة للناس.
 
كل ذلك مستحيل على القوات الروسية الغازية، إذ لا يوجد أساس معنوي "للدفاع عن روسيا الأم"، وحتى بالنسبة إلى الجنود المحترفين، تبدو حجج البروباغندا العسكرية الروسية أشبه بالوجبات السريعة. فلا أوكرانيا نازية، ولا رئيسها اليهودي فاشي، ولا الشعب الأوكراني مجرد شقيق صغير يقبض بـ"سوا ربينا". ورغم أن بوتين يتأبط الميكروفونات في المهرجانات "الجماهيرية"، يصعب عليه حشد المجتمع. البروباغندا الروسية مثقوبة أصلاً بقيمها وبشكلها المتطرف في أمركته. فالستار الحديدي الجديد لبوتين مثقوب حتى العظم.
 
ثم هناك القصور التاريخي للجيش الروسي في الدعم اللوجستي منذ الحرب اليابانية - الروسية، ثم الفنلندية، وهناك العقل الصدئ للاستراتيجية التي لم تخرج بعد من عباءة القائد العظيم جوكوف، والتي لا يعوّض عنها استخدام العصابات الإجرامية لقوات الأمن الداخلي مثل فاغنر وقاديروف.
 
فبمجرد دخول بعض أصناف الأسلحة الغربية للميدان شلّت العسكرية الروسية. المسيّرات، الصواريخ المحمولة، مدافع الهاوتزر، وتوماهوك، وهكذا أُجبر اسطول البحر الأسود والطيران على الانكفاء. إنها بيادق صغيرة بالنسبة إلى الحروب، لكن "رب بيدق أكل ملكاً".
 
ثم هناك الشتاء الروسي الذي طالما دحر الغزاة. والغزاة هذه المرة هم الروس أنفسهم، والشتاء سيجبرهم على التباطؤ ولن تسعفهم جحافل الاحتياط الذين انتُزعوا من فُرشهم ليذهبوا إلى الحرب. يلزم تدريبهم ستة أشهر أو سنة على الأقل. وهم يسألون قادتهم منذ الآن عن رواتب عائلاتهم وعن تعويض مقتلهم، وحتى عن أقساط بيوتهم للبنوك. فلا أحد يعلم الجواب وواضح أنهم لا ناقة ولا جمل!
 
رغم ذلك يستمر الأوكرانيون بالتقدم في أرضهم، بل ويفتحون جبهة رابعة. وبعد تفجير جسر القرم الذي دشنه بوتين بعربته عام 2018، يجابه الرئيس الروسي حقيقته المرة. لم يعد بمقدوره أن يحقق أي انتصار ذي مغزى. بل إنه يلوم فولوديمير زيلينسكي لأنه لا يريد السلام.
 
أمام هذه الحقائق التي يدرك بوتين أغلبها، فإنه يلوّح بالسلاح النووي. بل يدفع قطاره النووي نحو الحدود، في ما سمّاه من جديد "مناورة حربية". ويرد الغرب أنه "يأخذ التهديد على محمل الجد"، ويطيش بهلوانيو الدبلوماسية، في بعض دول أوروبا، بحثاً عن مخرج لبوتين.
 
 
لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب الروسية المشؤومة، لكن معظم السيناريوات تتراوح من سيّئ إلى أسوأ. وخلاصتها هي: كيف يمكن إيصال بوتين إلى هزيمة نسبية يتفاوض عليها؟ ثم كيف تندرج السيناريوات في حال استخدام روسيا للسلاح النووي. فالمفاجأة من مبادئ الحرب النووية وهي لم تعد قائمة قطعاً.
 
أربعة سيناريوات محتملة لاستخدام النووي. السيناريو الأول يقوم على الهجوم الكاسح على الولايات المتحدة، لكنه مستبعد جداً، فالفرق في النوع كبير جداً. السيناريو الثاني، هجوم نووي عقابي على إحدى العواصم الأوروبية الداعمة لأوكرانيا، مثل برلين أو لندن والأقرب هي وارسو. وثمة في موسكو من يروج في أن أوروبا وأميركا لن تتورطا في حرب شاملة. ولكن ذلك لا يحل المعضلة الجوهرية. السيناريو الثالث، هو السلاح النووي التكتيكي، لكن سلاحاً من هذا النوع يعني توجيه ضربة لتجمعات كبيرة للأسلحة والقوات المعادية تبرر كلفتها. هذا ما يتجنبه الأوكرانيون، اذ يبعثرون قواتهم، ويمنحون صلاحيات واسعة للقادة على الأرض. ثم إنك لا يمكن أن تستخدم سلاحاً نووياً في أرض ستحتلها، فذاك يعني سلفاً أن قواتك لن تتمكن من دخولها.
 
ولو افترضنا أن بوتين استخدم هذا السلاح ضد قوات أوكرانية تتقدم نحو القرم، فإنه سيصيب قواته ومواطنيه بالقدر ذاته، بل إن هذا القصف لن يجيب عن السؤال الأساسي تجاه القصور الرئيسي للجيش الروسي في القدرات البرية. لقد أثبت أنه جيش مدفعية وأرض محروقة فحسب. ليس جيشاً تتكامل فيه صنوف الأسلحة، بل إنه، بسبب قصوره اللوجستي، لم يتمكن من أن يكون جيش دبابات. فكيف يحتل أرضاً بعد استخدام السلاح النووي؟ السيناريو الرابع هو سيناريو الإنكار. أي أن يؤدي قصف مفاعل نووي في زابوريجيا الى تلوث واسع، وينكر بوتين مسؤوليته، ثم "يهرع العالم" ليفتح منفذاً لانتصار يفبركه الرئيس الروسي لإنقاذ ماء وجهه. ومن قال إن هذا الأمر سينجح أيضاً؟ إذ لن يتجاوز ذلك معضلة حرب العصابات الطويلة التي بدأها منذ الآن في الأراضي المحتلة.
 
ثمة سيناريو خامس يكمن في احتمال فشل إطلاق صاروخ نووي روسي أن يتسبب في تلوث واسع وينسبه بوتين للغرب، وليحصل بذلك على ذريعة لهجوم معاكس. ويعتبر هذا السيناريو افتراضياً إلى أبعد الحدود.
 
وفي حال استخدام السلاح النووي التكتيكي، لا يتوقع أن ترد الولايات المتحدة بالمثل، لكنها ستنخرط هي وأوروبا في صراع مباشر ومن دون تردد. فكيف له أن ينقذ ماء الوجه؟
 
لدى الغرب ثروة كبيرة من الخيارات الحاسمة، بعضها في الحرب البرية وبعضها في البحر، وبعضها داخل روسيا، وبعضها في الاقتصاد، الخ...
 
نعم، كما حصل في فيتنام، وأفغانستان، يغرق الكبار في مستنقع الصغار! فكيف تقبل الدول الكبيرة الهزيمة؟ في الدول الديموقراطية، الدولة الكيان المجتمع أهم بكثير من الزعيم. أما السؤال في روسيا، فمختلف.
 
فمثل الفأر الذي طارده بوتين ذات مرة في أحد أزقة لينينغراد، قد يقرر الرئيس الروسي تصعيد التوترات. ليصبح السؤال الأهم: أيهما يخشاه بوتين أكثر: أن يبدو ضعيفاً لو تراجع، أم الخوف على روسيا وعلى نفسه بالطبع إن اختار الحل الشمشومي؟
يلخص هذا السؤال خطورة اللحظة.
---------

النهار العربي

سمير التقي
السبت 15 أكتوبر 2022