ويفيد تتبع المعلومات القليلة والشحيحة عن هذا المجلس، في الواقع، إلى أنه عبارة عن مجموعة من الضباط لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يقودهم الضابط المنشق عن قوات النظام، مناف طلاس، وهم من يقومون بنشر بعض الأخبار والمعلومات المبتورة والغامضة، ثم لا تلبث المجموعة وأخبارها أن تختفي لمدة طويلة، لتظهر مع خبر جديد مقطوع عما سبقه.
استقصاء حقيقة المجلس وأعضائه، قادت كما ذكرنا سابقاً، إلى ما لا يزيد على خمسة ضباط، معظمهم من بلدة الرستن التي ينتمي إليها طلاس، وقد أنشأ واحد منهم مجموعة في "واتسآب" بإسم المجلس، وضم إليها نحو الـ200 من الضباط والعسكريين المنشقين، قبلوا الوجود في تلك الغرفة على أساس أنها إخبارية وبدافع الفضول وحسب. لكن يبدو أن القائمين على المجلس يعتبرون هؤلاء كلهم أعضاء في تنظيمهم، أو أنه يتم التعامل معهم ككتلة عسكرية تتبع للمجلس.
أيضاً يتم الحديث بشكل مستمر عن أنشطة واجتماعات ولقاءات يعقدها هذا المجلس مع شخصيات ودول كبرى، لكن ليست لدينا صورة واحدة عن لقاء من هذا النوع، ولا من حضروه ولا عن مخرجاته، والأهم أن لا أثر على أرض الواقع لهذه الاجتماعات، لا على الصعيد الميداني العسكري ولا السياسي.
مؤخراً، أجرى أحد أعضاء المجلس، هو المقدم أحمد قناطري، لقاء مع صحيفة "القدس العربي"، تحدث فيه عن "سلسلة" لقاءات في باريس مع الجانب الأميركي، تضمنت تواصلات مع ضباط في مناطق سيطرة النظام، لكن المتحدث أو الناطق الذي تحدث بإسم المجلس لم يذكر صفة وأسماء من تم اللقاء بهم، ولا من أجروا تلك اللقاءات من طرف المجلس، ولا الخطوات الفعلية التالية. وهو أمر يمكن أن يكون مفهوماً بخصوص نشاطات كيان عسكري، لكنه يغدو مدعاة لعدم الاهتمام إذا ما اقترن بشائعات مشابهة تم بثها على مدى سنوات، دارت إحداها حول اجتماع مع الروس، وأخرى عن توافق مع الإمارات، ولم ترتبط تلك الشائعات بأي وقائع تثبتها لاحقاً.
يتحدث الناطق باسم المجلس العسكري في المقابلة آنفة الذكر، عن نفوذ هذا المجلس في أوساط العسكريين، سواء في مناطق سيطرة المعارضة أو في منطقة النظام، لكن استطلاع دقة هذه المعلومة في مناطق سيطرة المعارضة ينفي ذلك، ويصعب بطبيعة الحال تحري دقتها في صفوف ضباط النظام وقادته. لكن، على نحو منطقي، يصعب تخيل أن ضباطاً من الموالين لنظام الأسد يتواصلون مع هذا المجلس العسكري المعارض، في حين لا يستطيع صحافي أو ناشط مدني هناك أن يتواصل مع أي فعالية يشم منها رائحة المعارضة، وإذا كان ثمة تواصُل فهو على الأرجح من نوع الاختراق الأمني لمخابرات النظام لا أكثر.
ومع كل هذا الغموض، والمعطيات التي لا تشير إلى شيء مما يعتد به حتى الآن بخصوص هذا المشروع، إلا أنه لا مانع من مناقشة فكرته بحد ذاتها، وهدفه وجدواه وإمكانية تحققه. إذ يفترض أن هدف هذا المشروع هو إقامة مجلس مشترك من ضباط في صفوف النظام مع ضباط منشقين يقودون البلاد في مرحلة انتقالية ويضمنون حل المسألة أو القضية السورية بوسائل سياسية لاحقاً، وأن الأولوية هي للمطلب الأمني. وهو هدف غير واقعي لأن سبب الأزمة السورية الآن، ليس توافر الأمن من عدمه، الأزمة أعمق وذات منشأ سياسي، ومطالبها تتعلق بإصلاح النظام السياسي وتوفير حريات أكبر ومشاركة أوسع للسوريين في مختلف جوانب الحياة والسلطة. ولا نعتقد أن وضع هذا كله في يد مجلس عسكري يمكنه أن يحل المعضلة، بل نستطيع القول إن الحكم العسكري والأمني هو جوهر ما ثار عليه السوريون، ولا يمكن معالجة المشكلة بالسبب الذي أدى إليها.
أما من ناحية إمكانيته، فإنه كي يكون ممكناً لا بد أن تتوافق عليه الأطراف الداخلية السورية والقوى الإقليمية المؤثرة والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة. وبنظرة سريعة، نستطيع أن نقول إنه ما من اتفاق في الداخل السوري بين القوى الداخلية السورية، سواء كانت في مناطق النظام أو المعارضة التابعة لتركيا أو مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، حول هذا المشروع. ولا هي قدمت أي إشارة أو ملمح يفيد برغبتها فيه. أما القوى الإقليمية، فلديها أدواتها التي تحقق بها أهدافها بغض النظر عن حل المسألة السورية من عدمها، وبغض النظر عن انتهاء حالة الصراع في هذا البلد. وعلى صعيد القوى الدولية، فإننا لا نعتقد أن لديها أي دوافع للخوض في مثل هذا المشروع، ولو كانت لديها الإرادة السياسية لإطلاق مسار الحل في سوريا، فإنها تملك أدوات سياسية أكثر فعالية، وأدوات منجزة وجاهزة، لا قوى يؤمل أن ترى النور.
وحتى لو افترضنا أن كل المناقشات السابقة غير صحيحة، وأن وراء الأكمة ما وراءها، وإن ثمة جهوداً ومساعي بالفعل في الكواليس التي لا نعرفها، فإننا نتساءل عن العقبة الرئيسية أمام هذا المشروع، وهي: ما الذي يجبر أو يغري بشار الأسد بتشاطُر السلطة مع مجموعة من الضباط المتمردين عليه؟ ولأي جهة سيقدم هذا "التنازل" الكبير جداً؟
هل أن الشعب الذي ثار عليه سيعود عن ثورته، بمجرد أن يفوض ضباطاً منشقين عنه ببعض السلطات؟ هل توجد قوة إقليمية أو دولية سيحقق تشكيل مجلس عسكري من هذا النوع مصالحها، وبالتالي تقدم لبشار الأسد مكافأة له على شكل رد اعتبار سياسي أو رفع للعقوبات أو ما شابه؟ من ناحية الواقعية السياسية التي يتذرع بها الناطقون باسم المجلس العسكري، لا نعتقد إن المجلس سيحقق أياً من هذه الغايات لنظام الأسد، وبالتالي فإن تنازله عن السلطة أو جزء منها، لهم، هو محض أوهام، ولا أساس منطقياً له. ولعل العميد مناف طلاس، الذي يعرف بشار الأسد من قرب، هو الأكثر إدراكاً بأنه لا يمكن لا يمكن لبشار الأسد أن يتنازل عن أي سلطة، ولهذا السبب ربما لم يعلن طلاس، ولا لمرة واحدة، عن تبنّيه أو تزعمه لهذا المشروع، تاركاً أمر إطلاق الشائعات حوله وعنه لمساعديه الخمسة، الذين ينجحون في وضع قائدهم في دائرة الضوء، لكنهم يخفقون في تسويق المشروع، وهذا طبيعي، فما دام القائم الرئيسي عليه لا يبدو مؤمناً به، فكيف سيؤمن به السوريون شديدو التشكك والارتياب!
------
المدن
استقصاء حقيقة المجلس وأعضائه، قادت كما ذكرنا سابقاً، إلى ما لا يزيد على خمسة ضباط، معظمهم من بلدة الرستن التي ينتمي إليها طلاس، وقد أنشأ واحد منهم مجموعة في "واتسآب" بإسم المجلس، وضم إليها نحو الـ200 من الضباط والعسكريين المنشقين، قبلوا الوجود في تلك الغرفة على أساس أنها إخبارية وبدافع الفضول وحسب. لكن يبدو أن القائمين على المجلس يعتبرون هؤلاء كلهم أعضاء في تنظيمهم، أو أنه يتم التعامل معهم ككتلة عسكرية تتبع للمجلس.
أيضاً يتم الحديث بشكل مستمر عن أنشطة واجتماعات ولقاءات يعقدها هذا المجلس مع شخصيات ودول كبرى، لكن ليست لدينا صورة واحدة عن لقاء من هذا النوع، ولا من حضروه ولا عن مخرجاته، والأهم أن لا أثر على أرض الواقع لهذه الاجتماعات، لا على الصعيد الميداني العسكري ولا السياسي.
مؤخراً، أجرى أحد أعضاء المجلس، هو المقدم أحمد قناطري، لقاء مع صحيفة "القدس العربي"، تحدث فيه عن "سلسلة" لقاءات في باريس مع الجانب الأميركي، تضمنت تواصلات مع ضباط في مناطق سيطرة النظام، لكن المتحدث أو الناطق الذي تحدث بإسم المجلس لم يذكر صفة وأسماء من تم اللقاء بهم، ولا من أجروا تلك اللقاءات من طرف المجلس، ولا الخطوات الفعلية التالية. وهو أمر يمكن أن يكون مفهوماً بخصوص نشاطات كيان عسكري، لكنه يغدو مدعاة لعدم الاهتمام إذا ما اقترن بشائعات مشابهة تم بثها على مدى سنوات، دارت إحداها حول اجتماع مع الروس، وأخرى عن توافق مع الإمارات، ولم ترتبط تلك الشائعات بأي وقائع تثبتها لاحقاً.
يتحدث الناطق باسم المجلس العسكري في المقابلة آنفة الذكر، عن نفوذ هذا المجلس في أوساط العسكريين، سواء في مناطق سيطرة المعارضة أو في منطقة النظام، لكن استطلاع دقة هذه المعلومة في مناطق سيطرة المعارضة ينفي ذلك، ويصعب بطبيعة الحال تحري دقتها في صفوف ضباط النظام وقادته. لكن، على نحو منطقي، يصعب تخيل أن ضباطاً من الموالين لنظام الأسد يتواصلون مع هذا المجلس العسكري المعارض، في حين لا يستطيع صحافي أو ناشط مدني هناك أن يتواصل مع أي فعالية يشم منها رائحة المعارضة، وإذا كان ثمة تواصُل فهو على الأرجح من نوع الاختراق الأمني لمخابرات النظام لا أكثر.
ومع كل هذا الغموض، والمعطيات التي لا تشير إلى شيء مما يعتد به حتى الآن بخصوص هذا المشروع، إلا أنه لا مانع من مناقشة فكرته بحد ذاتها، وهدفه وجدواه وإمكانية تحققه. إذ يفترض أن هدف هذا المشروع هو إقامة مجلس مشترك من ضباط في صفوف النظام مع ضباط منشقين يقودون البلاد في مرحلة انتقالية ويضمنون حل المسألة أو القضية السورية بوسائل سياسية لاحقاً، وأن الأولوية هي للمطلب الأمني. وهو هدف غير واقعي لأن سبب الأزمة السورية الآن، ليس توافر الأمن من عدمه، الأزمة أعمق وذات منشأ سياسي، ومطالبها تتعلق بإصلاح النظام السياسي وتوفير حريات أكبر ومشاركة أوسع للسوريين في مختلف جوانب الحياة والسلطة. ولا نعتقد أن وضع هذا كله في يد مجلس عسكري يمكنه أن يحل المعضلة، بل نستطيع القول إن الحكم العسكري والأمني هو جوهر ما ثار عليه السوريون، ولا يمكن معالجة المشكلة بالسبب الذي أدى إليها.
أما من ناحية إمكانيته، فإنه كي يكون ممكناً لا بد أن تتوافق عليه الأطراف الداخلية السورية والقوى الإقليمية المؤثرة والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة. وبنظرة سريعة، نستطيع أن نقول إنه ما من اتفاق في الداخل السوري بين القوى الداخلية السورية، سواء كانت في مناطق النظام أو المعارضة التابعة لتركيا أو مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، حول هذا المشروع. ولا هي قدمت أي إشارة أو ملمح يفيد برغبتها فيه. أما القوى الإقليمية، فلديها أدواتها التي تحقق بها أهدافها بغض النظر عن حل المسألة السورية من عدمها، وبغض النظر عن انتهاء حالة الصراع في هذا البلد. وعلى صعيد القوى الدولية، فإننا لا نعتقد أن لديها أي دوافع للخوض في مثل هذا المشروع، ولو كانت لديها الإرادة السياسية لإطلاق مسار الحل في سوريا، فإنها تملك أدوات سياسية أكثر فعالية، وأدوات منجزة وجاهزة، لا قوى يؤمل أن ترى النور.
وحتى لو افترضنا أن كل المناقشات السابقة غير صحيحة، وأن وراء الأكمة ما وراءها، وإن ثمة جهوداً ومساعي بالفعل في الكواليس التي لا نعرفها، فإننا نتساءل عن العقبة الرئيسية أمام هذا المشروع، وهي: ما الذي يجبر أو يغري بشار الأسد بتشاطُر السلطة مع مجموعة من الضباط المتمردين عليه؟ ولأي جهة سيقدم هذا "التنازل" الكبير جداً؟
هل أن الشعب الذي ثار عليه سيعود عن ثورته، بمجرد أن يفوض ضباطاً منشقين عنه ببعض السلطات؟ هل توجد قوة إقليمية أو دولية سيحقق تشكيل مجلس عسكري من هذا النوع مصالحها، وبالتالي تقدم لبشار الأسد مكافأة له على شكل رد اعتبار سياسي أو رفع للعقوبات أو ما شابه؟ من ناحية الواقعية السياسية التي يتذرع بها الناطقون باسم المجلس العسكري، لا نعتقد إن المجلس سيحقق أياً من هذه الغايات لنظام الأسد، وبالتالي فإن تنازله عن السلطة أو جزء منها، لهم، هو محض أوهام، ولا أساس منطقياً له. ولعل العميد مناف طلاس، الذي يعرف بشار الأسد من قرب، هو الأكثر إدراكاً بأنه لا يمكن لا يمكن لبشار الأسد أن يتنازل عن أي سلطة، ولهذا السبب ربما لم يعلن طلاس، ولا لمرة واحدة، عن تبنّيه أو تزعمه لهذا المشروع، تاركاً أمر إطلاق الشائعات حوله وعنه لمساعديه الخمسة، الذين ينجحون في وضع قائدهم في دائرة الضوء، لكنهم يخفقون في تسويق المشروع، وهذا طبيعي، فما دام القائم الرئيسي عليه لا يبدو مؤمناً به، فكيف سيؤمن به السوريون شديدو التشكك والارتياب!
------
المدن