هى إذن كاتبة مهمومة بشكل أو بأخر بقضايا مجتمعها , وهى لا تعيش فى برج عاجي , ولا تصدر فى رؤيتها عن مفهوم ضيق يختزل الحياة فى مشكلة فردية , تضخمها , وتستنزل اللعنات على كل من لا يبدون تعاطفا معها . ولأنها ليست كذلك , فإنها ـ وبطبيعة الأمور ـ قد تضطر فى كتاباتها إلى الخوض فى أرض مليئة بالألغام وممنوع الاقتراب منها أو الغوص فى أعماقها بفضل ما تفرضه بعض الهيئات فى بلداننا العربية من قيود تمارسها ضد المبدعين , فارضة خطوطاً رقابية حمراء لا يجوز تخطيها على من يبدع , أو يتخذ من أمانة الكلمة وسيلة للكشف أو التنوير .
عن دار شرقيات بالقاهرة تصدر سمر يزبك روايتها الثانية "صلصال" التي تصدرها بقولها : "أن أى تطابق بين الشخصيات والأسماء والحوادث والأمكنة يحيلها إلى الواقع الفعلي , ليس دائماً محض صدفة" . هى إذن تقصد ما تقول , وتلح عليه , وتضغط بكل ما تملكه من أدوات لبلورته وإبرازه وتأكيده. وهي ترى أن الهم العام الذي يؤرقها لم يعد من الممكن السكوت عنه , أو تغاضيه , بعد ان استشري وأصبح يشكل عبئاً ثقيلاً وقيدا محكما لا على مصائر شخصياتها وما تمثله ، بل على مصائر العديدين من الجمهور العريض ليس فى وطنها فحسب ، بل فى معظم بلدان العالم الثالث عموما ، لقد ابتليت هذه البلدان بسيادة طبقة من العسكر ، قدر لها أن تتولى مقاليد الأمور فى بلدانها ، فعاشت ــ رغم تواضع مستواها الاجتماعى وتدنى مستواها الثقافى ــ حياة تتميز بالبذخ الشديد ، وسيادة مستبدة طاغية ، تحتكر السياسة والاقتصاد ، وتشترى الضمائر بنفوذها وأموالها وترهبها ، وتقدم الرواية نموذجان متضادان فى فكرهما ورؤيتها ومنهجهما فى الحياة ، حيدر العلى الثورى الرومانسى الحالم ، الذى نشأ فى أحضان الفكر والثقافة بعيداً عن الواقع الذى أبعد عنه بحكم نشأته الارستقراطية ، وفقدانه للدفء والحنان المتوقع لكل صبى ، بعد وفاة والدته يوم مولده ، ومحاولة أبية تنشأته كأمير يعيد مجد العائلة الذى غيبته الهجرات والارتحالات والعذابات ، فعاش فى مدرسة داخلية ، لا يعرف من عالمه سوى ارتباطه بعلاقة ود صبيانية بابنه مربيته ، وصديقة على حسن رغم تواضع مستوى عائلته المادى .
لم يجد حيدر العلى سلواه إلا فى قراءة كتب الأدب والتاريخ ، يفتش فيها عن عالم مثالى يخلو من القسوة والاستبداد ، عالم ينفتح على الإنسان والعدالة والحرية ، فعاش يقدس هذه القيم ، ويكتوى بنار غيابها فى الواقع المر الأليم ، وعاشت معه صورة الفارس منقذ العالم ، وهو يحمل رمحه على صهوه جواده ، وأن تكون فارسا ـــ كما قال له صديقه على حسن ــ عينى أن تصبح ضابطاً فى الجيش ، أن تحمل سلاحك وتمتطى حلمك حتى المجد ، هذا ما يعني أن تكون فارسا ، لذلك علينا أن نصبح ضباطاً فى الجيش ، لكنه فى الجيش يرى عالما مختلفاً فالأهواء والمصالح الشخصية طاغية ، والرغبة فى الاستحواذ على مقاليد السلطة ليست بدافع تحقيق قيم العدالة والحرية بقدر ما هى وسيلة لتحقيق الأطماع الشخصية ، والتطلع إلى ركوب طبقة تضمن لهم السيادة والسيطرة ، والقفز فوق أوجاع الملايين ، ويتساءل حيدى : هل أعيش قبل أوانى ، وبعد أوانى ، ومع أوانى ، هل يعنى كل ذلك أننى بطل تراجيدى أم فارس مستعار ، يقاتل طواحين الهواء ؟ هكذا يبدو حيدر العلى بين رفاقه نبتا شاذا ، لا يطمئنون إليه ، وكائنا غريبا بأفكاره المثالية ونشأته الارستقراطية ، وحلمه الدائم بالعدالة والحرية ، ويجد هو نفسه فى المكان الخطأ والزمان المستحيل ، فينسحب من الحياة العسكرية مقدما استقالته ، عائداً إلى قصره ، يحيا حياته بين الكتب والأشعار ، حتى يلقى حتفه فى ظروف غامضة .
وعلى النقيض تبدو شخصية " على حسن " الولد السادس لفلاح أجير عند إبراهيم بك والد حيدر بين سبعة صبيان وخمس بنات ، ربطته صداقة عميقة بحيدر أبن الباشا وتوطدت هذه الصداقة باعتراف الباشا بها ، هكذا وجد على حسن نفسه بين يوم وليلية يتمتع بالسطوة ، وتأكد له أن هناك مجدا كبيرا بانتظاره ، وقد تميز على حسن بالقسوة والصرامة حتى بين أخوته ، وتكفل إبراهيم بك بمصاريفه ورعايته ليكون مصدر تسلية لابنه ، دخل على حسن الكلية العسكرية فى منتصف القرن الماضى وصار مع حيدر رفيقين دائمين وتميز على حسن بولعه بالنساء ، حيث يغزو بيوت الفلاحين ، ويلذ له دعوة المرأة وسرقتها من فراش زوجها ، ثم سرعان ما يلفظها ويبحث عن غيرها ، وقد استهوته " سحر النصور" زوجة صديقة حيدر ، فقرر الاستحواذ عليها ، وسرعان ما تم له ما أراد ، ففرت معه بعد حصولها على الطلاق ، وأنجبت ابنه وحيدة مازل يشك فيما إذا كانت ابنته أم ابنه حيدر .
ينجح على حسن ــ بعد أن صار ضابطاً كبيراً ــ فى بناء قرية خاصة به وبعائلته داخل قريته الأصلية ، وضم إلى ملكية عائلته الكثير من الأراضى المحيطة ببيت أهله ، واشترى الكثير من الأراضى لأخوته ليقيموا فيها ديارهم الجديدة ، وقد ظهر البذخ الشديد فى تصميم البناء وتنسيق الحدائق وأنواع الزهور والطيور والنباتات العملاقة وأحواض السمك ، فضلا عن القبو العامر بكل أنواع الخمور .
وككل أبناء هذه الطبقة الجديدة كان على حسن يدرك جيداً سر علاقة أهل قريته به ، كان أغلبهم يعده من أهم من صنع للقرية شأنا واهتم بتطويرها وتحويلها إلى مدينة .
وأوجد فرصا للكثيرين من ناسها الذين هاجروا إلى دمشق واحتلوا مناصب هامة ، ذلك كله جعلهم طوع بنانه ، فكانوا يقدسون المهابة التى يظهر عليها دائما ، وكان التقديس ذاته مشوبا بالخوف والحذر ، البعض الاخر منهم كان لا يطيق سماع اسمه ويتحاشاه ، والباقى يتزلف إليه بكل الوسائل والطرق .
ورغم نجاح على حسن ومن هم على شاكلته فى تأسيس ارستقراطية عسكرية ، تعتمد على بسط نفوذهم بالطغيان ومعاداة الثقافة الحرة ، ووأد كل الأصوات المعارضة والتنكيل بها ، ونهب ثروات البلاد حتى أثارها وتاريخها ، إلا أنهم يحيون حياة تخلو من المعنى ، حياة تصفر فيها رياح جافة تستلب الروح والضمير وتجعلهم يقفون متصلبين أمام فكرة تجريدهم من مناصبهم ، أو أمام الاحساس بأنهم يوما ما سيجرفهم تيار غضب الشعوب الذى طالما استنزفوا دمه وفكره بهذا لم يكن غريبا ان ينتهى الامر بعلى حسن ضائعاً داخل قبوه السرى يفكر بحيدر العلى ويتساءل :
أين اختفت جثته وهل ابنة على حسن وراء هذا الاختفاء ؟ وهل مات حيدر العلى حقا ؟ هل هرب ؟ وما الذى يريده بهروبه هذا ؟ هل يحمل وثائق ضده؟ هل جمع شيئا يدينه وسيقوم بتسليمه إلى جهة ما ؟ ويتراءى له حيدر العلى محدقا من خلال المرآة ، فيصيح مذعورا : اخرج ياجبان ، ثم يهوى بقبضته على المرأة محطما لها ، فيخر ساقطا على الأرض ، لكنه يجاهد فى الوقوف ويأتيه صوت من أعماقه يصيح به : لا تكن ضعيفا ، أنت الحديد وهو التراب ، أنت القادم وهو الماضى ، أنت الواحد الذى حولت الزمن والأشياء إلى لعبة فى يدك ، أنت من كان طول هذه السنين ، أنت من سيبقى .
بهذه النهاية المفتوحة تنتهى هذه الرواية النبيلة المقصد ، والتى ترسم هذه العلاقة الشائكة بين الحرية والاستبداد ، وبين الحلم وضياع الحلم ، والتى تترك بصيصاً من نور وأمل ينير عتمة هذا النفق الشديد السواد ، ورغم مقدرة الكاتبة على رسم شخوصها بعناية ، إلا أن التركيز على شخصيتى حيدر وعلى حسن قد طغى على باقى شخصيات الرواية ، فشخصية سحر النصور الزوجة التى هجرت زوجها أثر قبلة دسمة من شفتى على حسن كانت تستحق مزيدا من العناية والإثراء ، وشخصية كل من الشاب عبد الله ومحسن أستاذ التاريخ اللذان أطاح بهما بطش النظام كانا فى حاجة ماسة إلى مزيد من الروية باعتبارهما يمثلان الجانب الإنسانى فى النضال ضد الاستبداد ، فضلا عن أن الرواية تكاد تخلو من الحوار الذى يبرز الاختلاف بين الشخصيات ، ويكسب كل شخصية مذاقها الخاص .
لكن يبقى لهذه الرواية قدرتها على كشف عورة هذه الطبقة المستبدة التى أجهضت ومازالت أحلام الشعوب فى غد مشرق سيبزغ نوره ولو بعد حين .
----------------------
الصورة : سمر يزبك
عن دار شرقيات بالقاهرة تصدر سمر يزبك روايتها الثانية "صلصال" التي تصدرها بقولها : "أن أى تطابق بين الشخصيات والأسماء والحوادث والأمكنة يحيلها إلى الواقع الفعلي , ليس دائماً محض صدفة" . هى إذن تقصد ما تقول , وتلح عليه , وتضغط بكل ما تملكه من أدوات لبلورته وإبرازه وتأكيده. وهي ترى أن الهم العام الذي يؤرقها لم يعد من الممكن السكوت عنه , أو تغاضيه , بعد ان استشري وأصبح يشكل عبئاً ثقيلاً وقيدا محكما لا على مصائر شخصياتها وما تمثله ، بل على مصائر العديدين من الجمهور العريض ليس فى وطنها فحسب ، بل فى معظم بلدان العالم الثالث عموما ، لقد ابتليت هذه البلدان بسيادة طبقة من العسكر ، قدر لها أن تتولى مقاليد الأمور فى بلدانها ، فعاشت ــ رغم تواضع مستواها الاجتماعى وتدنى مستواها الثقافى ــ حياة تتميز بالبذخ الشديد ، وسيادة مستبدة طاغية ، تحتكر السياسة والاقتصاد ، وتشترى الضمائر بنفوذها وأموالها وترهبها ، وتقدم الرواية نموذجان متضادان فى فكرهما ورؤيتها ومنهجهما فى الحياة ، حيدر العلى الثورى الرومانسى الحالم ، الذى نشأ فى أحضان الفكر والثقافة بعيداً عن الواقع الذى أبعد عنه بحكم نشأته الارستقراطية ، وفقدانه للدفء والحنان المتوقع لكل صبى ، بعد وفاة والدته يوم مولده ، ومحاولة أبية تنشأته كأمير يعيد مجد العائلة الذى غيبته الهجرات والارتحالات والعذابات ، فعاش فى مدرسة داخلية ، لا يعرف من عالمه سوى ارتباطه بعلاقة ود صبيانية بابنه مربيته ، وصديقة على حسن رغم تواضع مستوى عائلته المادى .
لم يجد حيدر العلى سلواه إلا فى قراءة كتب الأدب والتاريخ ، يفتش فيها عن عالم مثالى يخلو من القسوة والاستبداد ، عالم ينفتح على الإنسان والعدالة والحرية ، فعاش يقدس هذه القيم ، ويكتوى بنار غيابها فى الواقع المر الأليم ، وعاشت معه صورة الفارس منقذ العالم ، وهو يحمل رمحه على صهوه جواده ، وأن تكون فارسا ـــ كما قال له صديقه على حسن ــ عينى أن تصبح ضابطاً فى الجيش ، أن تحمل سلاحك وتمتطى حلمك حتى المجد ، هذا ما يعني أن تكون فارسا ، لذلك علينا أن نصبح ضباطاً فى الجيش ، لكنه فى الجيش يرى عالما مختلفاً فالأهواء والمصالح الشخصية طاغية ، والرغبة فى الاستحواذ على مقاليد السلطة ليست بدافع تحقيق قيم العدالة والحرية بقدر ما هى وسيلة لتحقيق الأطماع الشخصية ، والتطلع إلى ركوب طبقة تضمن لهم السيادة والسيطرة ، والقفز فوق أوجاع الملايين ، ويتساءل حيدى : هل أعيش قبل أوانى ، وبعد أوانى ، ومع أوانى ، هل يعنى كل ذلك أننى بطل تراجيدى أم فارس مستعار ، يقاتل طواحين الهواء ؟ هكذا يبدو حيدر العلى بين رفاقه نبتا شاذا ، لا يطمئنون إليه ، وكائنا غريبا بأفكاره المثالية ونشأته الارستقراطية ، وحلمه الدائم بالعدالة والحرية ، ويجد هو نفسه فى المكان الخطأ والزمان المستحيل ، فينسحب من الحياة العسكرية مقدما استقالته ، عائداً إلى قصره ، يحيا حياته بين الكتب والأشعار ، حتى يلقى حتفه فى ظروف غامضة .
وعلى النقيض تبدو شخصية " على حسن " الولد السادس لفلاح أجير عند إبراهيم بك والد حيدر بين سبعة صبيان وخمس بنات ، ربطته صداقة عميقة بحيدر أبن الباشا وتوطدت هذه الصداقة باعتراف الباشا بها ، هكذا وجد على حسن نفسه بين يوم وليلية يتمتع بالسطوة ، وتأكد له أن هناك مجدا كبيرا بانتظاره ، وقد تميز على حسن بالقسوة والصرامة حتى بين أخوته ، وتكفل إبراهيم بك بمصاريفه ورعايته ليكون مصدر تسلية لابنه ، دخل على حسن الكلية العسكرية فى منتصف القرن الماضى وصار مع حيدر رفيقين دائمين وتميز على حسن بولعه بالنساء ، حيث يغزو بيوت الفلاحين ، ويلذ له دعوة المرأة وسرقتها من فراش زوجها ، ثم سرعان ما يلفظها ويبحث عن غيرها ، وقد استهوته " سحر النصور" زوجة صديقة حيدر ، فقرر الاستحواذ عليها ، وسرعان ما تم له ما أراد ، ففرت معه بعد حصولها على الطلاق ، وأنجبت ابنه وحيدة مازل يشك فيما إذا كانت ابنته أم ابنه حيدر .
ينجح على حسن ــ بعد أن صار ضابطاً كبيراً ــ فى بناء قرية خاصة به وبعائلته داخل قريته الأصلية ، وضم إلى ملكية عائلته الكثير من الأراضى المحيطة ببيت أهله ، واشترى الكثير من الأراضى لأخوته ليقيموا فيها ديارهم الجديدة ، وقد ظهر البذخ الشديد فى تصميم البناء وتنسيق الحدائق وأنواع الزهور والطيور والنباتات العملاقة وأحواض السمك ، فضلا عن القبو العامر بكل أنواع الخمور .
وككل أبناء هذه الطبقة الجديدة كان على حسن يدرك جيداً سر علاقة أهل قريته به ، كان أغلبهم يعده من أهم من صنع للقرية شأنا واهتم بتطويرها وتحويلها إلى مدينة .
وأوجد فرصا للكثيرين من ناسها الذين هاجروا إلى دمشق واحتلوا مناصب هامة ، ذلك كله جعلهم طوع بنانه ، فكانوا يقدسون المهابة التى يظهر عليها دائما ، وكان التقديس ذاته مشوبا بالخوف والحذر ، البعض الاخر منهم كان لا يطيق سماع اسمه ويتحاشاه ، والباقى يتزلف إليه بكل الوسائل والطرق .
ورغم نجاح على حسن ومن هم على شاكلته فى تأسيس ارستقراطية عسكرية ، تعتمد على بسط نفوذهم بالطغيان ومعاداة الثقافة الحرة ، ووأد كل الأصوات المعارضة والتنكيل بها ، ونهب ثروات البلاد حتى أثارها وتاريخها ، إلا أنهم يحيون حياة تخلو من المعنى ، حياة تصفر فيها رياح جافة تستلب الروح والضمير وتجعلهم يقفون متصلبين أمام فكرة تجريدهم من مناصبهم ، أو أمام الاحساس بأنهم يوما ما سيجرفهم تيار غضب الشعوب الذى طالما استنزفوا دمه وفكره بهذا لم يكن غريبا ان ينتهى الامر بعلى حسن ضائعاً داخل قبوه السرى يفكر بحيدر العلى ويتساءل :
أين اختفت جثته وهل ابنة على حسن وراء هذا الاختفاء ؟ وهل مات حيدر العلى حقا ؟ هل هرب ؟ وما الذى يريده بهروبه هذا ؟ هل يحمل وثائق ضده؟ هل جمع شيئا يدينه وسيقوم بتسليمه إلى جهة ما ؟ ويتراءى له حيدر العلى محدقا من خلال المرآة ، فيصيح مذعورا : اخرج ياجبان ، ثم يهوى بقبضته على المرأة محطما لها ، فيخر ساقطا على الأرض ، لكنه يجاهد فى الوقوف ويأتيه صوت من أعماقه يصيح به : لا تكن ضعيفا ، أنت الحديد وهو التراب ، أنت القادم وهو الماضى ، أنت الواحد الذى حولت الزمن والأشياء إلى لعبة فى يدك ، أنت من كان طول هذه السنين ، أنت من سيبقى .
بهذه النهاية المفتوحة تنتهى هذه الرواية النبيلة المقصد ، والتى ترسم هذه العلاقة الشائكة بين الحرية والاستبداد ، وبين الحلم وضياع الحلم ، والتى تترك بصيصاً من نور وأمل ينير عتمة هذا النفق الشديد السواد ، ورغم مقدرة الكاتبة على رسم شخوصها بعناية ، إلا أن التركيز على شخصيتى حيدر وعلى حسن قد طغى على باقى شخصيات الرواية ، فشخصية سحر النصور الزوجة التى هجرت زوجها أثر قبلة دسمة من شفتى على حسن كانت تستحق مزيدا من العناية والإثراء ، وشخصية كل من الشاب عبد الله ومحسن أستاذ التاريخ اللذان أطاح بهما بطش النظام كانا فى حاجة ماسة إلى مزيد من الروية باعتبارهما يمثلان الجانب الإنسانى فى النضال ضد الاستبداد ، فضلا عن أن الرواية تكاد تخلو من الحوار الذى يبرز الاختلاف بين الشخصيات ، ويكسب كل شخصية مذاقها الخاص .
لكن يبقى لهذه الرواية قدرتها على كشف عورة هذه الطبقة المستبدة التى أجهضت ومازالت أحلام الشعوب فى غد مشرق سيبزغ نوره ولو بعد حين .
----------------------
الصورة : سمر يزبك