.
في هذه الدراسة يرى الباحث أن ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ أكثر من عام بدا كغلق لقوس الديمقراطية في المغرب والمشرق الذي بدأ عام 2011، لكن ذلك لن يكون غلقا نهائيا لأن الأنظمة المستبدة العربية تفتقر إلى فكر واضح ومشاريع اقتصادية قابلة للحياة مما يجعلها تواجه، عاجلا أو آجلا، احتجاجات شعبية واسعة.
يبدأ الكاتب مقاله/ الدراسة بالإقرار بأنه بعد عقد من الانتفاضات الشعبية عام 2011، تمر المجتمعات العربية حاليا بحالة من الانهاك وعدم اللامبالاة بعد موجات مستمرة من الثورة المضادة، فمن جهة لم يجد الناس العاديون فكرا قادرا على استمالتهم، ومن جهة أخرى تهرّأت النخب السياسية إلى درجة لم تعد تبذل فيه جهدا لإقناع الجماهير بأن مستقبلا زاهرا ينتظرها وباتت منصرفة للعناية بمصالحها الخاصة.
هنا، التقت النزعتان لتبعد الشعب عن السياسة فصار جزءا منه لا يرى الخلاص إلا في الهجرة، أما البقية فلن تظل في السنوات المقبلة بلا حراك لأن عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سيغذي لا محالة موجة جديدة من الغضب الشعبي. هذه الثورات المقبلة، كما يراها علوي، لن تكون إسلامية ولن تعتمد أيضا على شبكة «الإنترنت» أو قاموس المنظمات غير الحكومية الغربية، وأن مناضلي الغد سيبحثون بلا شك عن نسج تحالفات ضمن الطبقات المتوسطة المنحازة حاليا للأنظمة المستبدة.
ويرى المقال أن الجمود السياسي الحالي في البلاد العربية يعود إلى عدة عوامل أولها خيبة الأمل المريرة من الديمقراطية نفسها، وتونس هنا هي المثال الأكثر رمزية فقد كانت الرائدة في «الربيع العربي» عام 2011 وصمدت طويلا أمام الانتكاسات والتراجعات التي أعقبته. وإذا كان الانقلاب المؤسسي الذي قام به قيس سعيّد قيس 25 يوليو/تموز 2021 قد نجح فذلك لا يعود فقط، كما يرى الكاتب، إلى أن المؤسسات التي نشأت بعد الثورة والتي أرساها دستور 2014 بدت هشة بشكل مذهل، وإنما أيضا لأن الشعب قد سئم من الفساد المستشري وألاعيب السياسيين. ولهذا، استفاد «الاستبداد القيصري» لسعيّد من خيبة أمل المناضلين من الديمقراطية مما يدل، وفق الباحث، على أن نظاما سياسيا قائما على التعددية والإدماج يمكن أن يتعرّض إلى تراجع حاد.
ويقدم مولاي هشام علوي في مقاله عددا من الأسباب الرئيسية وراء هذا الجمود أوّلها أن التطورات السياسية الأخيرة في الغرب قد ساهمت في خيبة الأمل في الديمقراطية وذلك حين تعدّدت ممارسات في الولايات المتحدة وأوروبا جعلت مكانة الغرب تتراجع كنموذج، وتكفي هنا الإشارة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو المجري فيكتور أوربان أو القمع الذي جوبهت به في فرنسا مظاهرات السترات الصفراء.
السبب الثاني هو فشل الإسلام السياسي إذ إن الحركات الإسلامية التي فازت قبل عشر سنوات في عديد الانتخابات لم تعد تمثل بديلا ذا مصداقية. وسواء تعلّق الأمر بحركة «النهضة» التونسية أو «الإخوان المسلمون» في مصر أو حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، فإنها تبدو جميعا وقد شاخت وفقدت صلتها بجموع الشباب حين نعلم أن ثلثي سكان البلاد العربية هم في عمر أقل من ثلاثين عاما، فضلا عن المشروع الاقتصادي لهؤلاء يبدو أقرب إلى النموذج الليبرالي البعيد عن مقتضيات العدالة الاجتماعية. كما أن هذه الأحزاب كثيرا ما بحثت عن مختلف الأعذار لتبرير فشلها في الحكم متجنبة نقدها الذاتي ومفضلة الإشارة إلى مناورات «الدولة العميقة» ضدها.
السبب الثالث أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجالا يحتكره الشباب الطامحون في التغيير والباحثون عن فضاء بعيد عن رقابة السلطة لأن هذه الأخيرة لم تعد تعتمد قطع الوصول إلى هذا الفضاء وإنما إغراقه بحضورها وبتتبع نشطائه والتضييق عليهم واختراق مواقعهم والسعي الدائم إلى إرباكهم.
أما السبب الرابع وراء السخط والجمود السياسيين أن المجتمع المدني العربي أصبح هو نفسه أكثر كسرا وقابلية للاختراق بحيث أن الأمور لم تقف عند حد أن أغلبية الأنظمة استطاعت أن تُخرس النقابات والجمعيات المهنية بل إن المنظمات غير الحكومية سقطت هي الأخرى في فخ مراعاة الأهداف قصيرة المدى على حساب التغييرات الأكثر عمقا، وفق ما ذكره الكاتب. ويبقى السبب الخامس والأخير أن عددا من الدول العربية قد فوّضت جزءا من صلاحياتها إلى ميليشيات تقاتل على الأرض كما حصل في لبنان والعراق وليبيا واليمن وسوريا.
ويؤكد الكاتب أن الثورة المضادة لا تملك سوى عودة الاستبداد عبر الخوف والإكراه وأن الموجة الجديدة من «الربيع العربي» التي يراها قادمة لا محالة، ستكون أقوى بكثير من سابقتها وأن الدول التي تبدو الآن وكأنها في سبات سياسي ستجد نفسها في طريقها.
القدس العربي
في هذه الدراسة يرى الباحث أن ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ أكثر من عام بدا كغلق لقوس الديمقراطية في المغرب والمشرق الذي بدأ عام 2011، لكن ذلك لن يكون غلقا نهائيا لأن الأنظمة المستبدة العربية تفتقر إلى فكر واضح ومشاريع اقتصادية قابلة للحياة مما يجعلها تواجه، عاجلا أو آجلا، احتجاجات شعبية واسعة.
يبدأ الكاتب مقاله/ الدراسة بالإقرار بأنه بعد عقد من الانتفاضات الشعبية عام 2011، تمر المجتمعات العربية حاليا بحالة من الانهاك وعدم اللامبالاة بعد موجات مستمرة من الثورة المضادة، فمن جهة لم يجد الناس العاديون فكرا قادرا على استمالتهم، ومن جهة أخرى تهرّأت النخب السياسية إلى درجة لم تعد تبذل فيه جهدا لإقناع الجماهير بأن مستقبلا زاهرا ينتظرها وباتت منصرفة للعناية بمصالحها الخاصة.
هنا، التقت النزعتان لتبعد الشعب عن السياسة فصار جزءا منه لا يرى الخلاص إلا في الهجرة، أما البقية فلن تظل في السنوات المقبلة بلا حراك لأن عمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سيغذي لا محالة موجة جديدة من الغضب الشعبي. هذه الثورات المقبلة، كما يراها علوي، لن تكون إسلامية ولن تعتمد أيضا على شبكة «الإنترنت» أو قاموس المنظمات غير الحكومية الغربية، وأن مناضلي الغد سيبحثون بلا شك عن نسج تحالفات ضمن الطبقات المتوسطة المنحازة حاليا للأنظمة المستبدة.
ويرى المقال أن الجمود السياسي الحالي في البلاد العربية يعود إلى عدة عوامل أولها خيبة الأمل المريرة من الديمقراطية نفسها، وتونس هنا هي المثال الأكثر رمزية فقد كانت الرائدة في «الربيع العربي» عام 2011 وصمدت طويلا أمام الانتكاسات والتراجعات التي أعقبته. وإذا كان الانقلاب المؤسسي الذي قام به قيس سعيّد قيس 25 يوليو/تموز 2021 قد نجح فذلك لا يعود فقط، كما يرى الكاتب، إلى أن المؤسسات التي نشأت بعد الثورة والتي أرساها دستور 2014 بدت هشة بشكل مذهل، وإنما أيضا لأن الشعب قد سئم من الفساد المستشري وألاعيب السياسيين. ولهذا، استفاد «الاستبداد القيصري» لسعيّد من خيبة أمل المناضلين من الديمقراطية مما يدل، وفق الباحث، على أن نظاما سياسيا قائما على التعددية والإدماج يمكن أن يتعرّض إلى تراجع حاد.
ويقدم مولاي هشام علوي في مقاله عددا من الأسباب الرئيسية وراء هذا الجمود أوّلها أن التطورات السياسية الأخيرة في الغرب قد ساهمت في خيبة الأمل في الديمقراطية وذلك حين تعدّدت ممارسات في الولايات المتحدة وأوروبا جعلت مكانة الغرب تتراجع كنموذج، وتكفي هنا الإشارة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو المجري فيكتور أوربان أو القمع الذي جوبهت به في فرنسا مظاهرات السترات الصفراء.
السبب الثاني هو فشل الإسلام السياسي إذ إن الحركات الإسلامية التي فازت قبل عشر سنوات في عديد الانتخابات لم تعد تمثل بديلا ذا مصداقية. وسواء تعلّق الأمر بحركة «النهضة» التونسية أو «الإخوان المسلمون» في مصر أو حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، فإنها تبدو جميعا وقد شاخت وفقدت صلتها بجموع الشباب حين نعلم أن ثلثي سكان البلاد العربية هم في عمر أقل من ثلاثين عاما، فضلا عن المشروع الاقتصادي لهؤلاء يبدو أقرب إلى النموذج الليبرالي البعيد عن مقتضيات العدالة الاجتماعية. كما أن هذه الأحزاب كثيرا ما بحثت عن مختلف الأعذار لتبرير فشلها في الحكم متجنبة نقدها الذاتي ومفضلة الإشارة إلى مناورات «الدولة العميقة» ضدها.
السبب الثالث أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجالا يحتكره الشباب الطامحون في التغيير والباحثون عن فضاء بعيد عن رقابة السلطة لأن هذه الأخيرة لم تعد تعتمد قطع الوصول إلى هذا الفضاء وإنما إغراقه بحضورها وبتتبع نشطائه والتضييق عليهم واختراق مواقعهم والسعي الدائم إلى إرباكهم.
أما السبب الرابع وراء السخط والجمود السياسيين أن المجتمع المدني العربي أصبح هو نفسه أكثر كسرا وقابلية للاختراق بحيث أن الأمور لم تقف عند حد أن أغلبية الأنظمة استطاعت أن تُخرس النقابات والجمعيات المهنية بل إن المنظمات غير الحكومية سقطت هي الأخرى في فخ مراعاة الأهداف قصيرة المدى على حساب التغييرات الأكثر عمقا، وفق ما ذكره الكاتب. ويبقى السبب الخامس والأخير أن عددا من الدول العربية قد فوّضت جزءا من صلاحياتها إلى ميليشيات تقاتل على الأرض كما حصل في لبنان والعراق وليبيا واليمن وسوريا.
ويؤكد الكاتب أن الثورة المضادة لا تملك سوى عودة الاستبداد عبر الخوف والإكراه وأن الموجة الجديدة من «الربيع العربي» التي يراها قادمة لا محالة، ستكون أقوى بكثير من سابقتها وأن الدول التي تبدو الآن وكأنها في سبات سياسي ستجد نفسها في طريقها.
القدس العربي