نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


خمسين سنة جامعة – جزء أول





في شهر سبتمبر ١٩٧٢ من خمسين سنة وصلتني بالبريد بطاقة الترشيح اللي كان بيرسلها مكتب التنسيق، واللي بتبتدي بيها اول خطواتنا في الجامعة، رغم اننا بنكون عرفنا النتيجة من الجرايد اللي كانت بتعلن الحد الادنى للقبول في كل كلية من الكليات بعد انتهاء المرحلة الاولى. لكن بطاقة الترشيح هي المدخل للجامعة.


المدة بين تقديم ملفاتنا في مكتب التنسيق اللي كان مكانه في المدينة الجامعية وبين وصول بطاقات الترشيح لنا كانت حوالي شهر. يوم التقديم في مكتب التنسيق كانت المرة الاولى اللي ادخل فيها جامعة القاهرة ومدينتها الجامعية. بالنسبة لي كانت فخامة مباني الجامعة مبهرة. وكمان مباني المدينة الجامعية. من يوم ما دخلت من باب الجامعة في اغسطس ١٩٧٢ حسيت ان ده المكان اللي المفروض اقضي فيه عمري كله.
بعد استلام بطاقة الترشيح بدأت اجراءات الكشف الطبي، الكشف الطبي للجامعة كان في مكان قرب ميدان الجيزة في شارع قرة بن شريك. اظن انه كان مكتب صحة الجيزة.
في سنة ١٩٧٢ كانت الدراسة مؤجلة لنص أكتوبر، اعتقد كان اول يوم في الدراسة ١٤ اكتوبر.
يوم الخميس السابق على بداية الدراسة رحت الكلية علشان ادفع المصاريف واستخرج الكارنيه وكانت المصاريف حوالي ٤ جنيه، كنا في رمضان وقفنا في الطابور من الساعة ١١ خلصنا قبل المغرب بربع ساعة، خرجت اخدت تاكسي لبيت جدتي في المنيل يدوب لحقت ميعاد الفطار، عددنا ما كانش كبير لكن الصراف وقتها، الحاج لطفي الله يرحمه، زي ما عرفنا اسمه وعرفناه بعد كده، كان خطاط في نفس الوقت، فكان بيكتب الايصالات على مهله وبخط واضح مقروء لا يقارن بخط الصرافين الحكوميين، فكان طبيعي نقعد من قبل الظهر لقرب المغرب، الحاج لطفي كان صراف الكلية وفي الوقت نفسه كان طالب معانا بيكمل دراسته الجامعية والتحق بقسم اللغة العربية.
يومها في الطابور اتعرفت على اول صديقين لي في الكلية، اسماعيل عبد العزيز وأحمد عبد الحكيم، او احمد الشاعر زي ما كنا بنسميه، لانه كان بيكتب شعر، ولسه عندي بعض القصايد اللي كتبها بخط ايده، استمرت صداقتنا طول سنين الدراسة، واستمرت صداقتي مع اسماعيل لغاية النهاردة حقيقي بقالنا سنين ما اتقبلناش، لكن متواصلين على الفيسبوك لغاية دلوقتي.
اول يوم في الدراسة السبت ١٤ أكتوبر ١٩٧٢ اذا كانت الذاكرة لسه سليمة، رحت الكلية بدري مع اصدقاء المدرسة اللي دخل كل واحد فينا كلية اللي متأكد انهم كانوا معايا كارم زيدان اللي دخل اعلام وسعد نعمان عاشور اللي دخل تجارة واعتقد رحنا لنجاد البرعي في كلية حقوق. لفينا على كليتنا، كلية الآداب كانت الأكثر ترحيبا بالطلاب الجداد، اولا موقعها بيخلي مبناها الرئيسي منور بنور الدنيا الطبيعي من الصبح، وبعدين الكلية (اتحاد الطلبة واعضاء هيئة التدريس والادارة) بتستقبل العام الجامعي الجديد والطلاب الجداد اللي بينضموا للحياة الجامعية لاول مرة بالزينات والبالونات ولافتات الترحيب، وفي كل مكان بنلاقي جداول الدراسة متعلقة، وبنلاقي طلاب من الدفعات القديمة ومعيدين وموظفين من الكلية واقفين يرشدونا ومعاهم نسخ من جداول المحاضرات. ومن توزيعنا على المجموعات، فاكر يومها شفت الطالب محمد الشبة لاول مرة وكان في اخر دفعة في قسم الصحافة، وكان رئيس اتحاد الطلاب، بعد كده اصبحنا اصدقاء لغاية النهاردة، وكان من اللي بيستقبلونا بعض المعيدين، اللي بعد كده اصبحوا اساتذة في الكلية.
الساعة ١١ كان فيه لقاء مفتوح مع عميد الكلية للترحيب بالطلاب الجدد في واحد من المدرجين الرئيسين في الكلية، مدرج ٧٤، وقتها كان المدرج بيحمل اسم الشهيد عبد الحكم الجراحي شهيد الحركة الطلابية في انتفاضة نوفمبر ١٩٣٥، واللي كان طالب في كلية الآداب، والمدرج الرئيسي التاني، مدرج ٧٨ كان اسمه مدرج عمر شاهين، شهيد المقاومة الشعبية في القناة في معارك الفدائين اللي ابتدت بعد الغاء النحاس باشا لمعاهدة ٣٦ في اكتوبر سنة ١٩٥١ واستمرت لغاية حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢، وعمر شاهين كان برضه طالب في كلية الآداب.
عميد الكلية الدكتور يحيى هويدي استقبلنا بكلمة ترحيب عرفنا فيها بالكلية، وخلنا نشعر بالفخر للانتماء لها، كلمنا عن طه حسين ودوره في الثقافة المصرية، وان دي كلية طه حسين، كلمنا عن ان دراستنا بتعلمنا حرية التفكير، والتفاعل مع الحياة، ان الجامعة مش محاضرات فقط، لكن حياة جامعية كاملة، بحث ومكتبة وتفاعلا مع اساتذتنا وانشطة طلابية، قال لنا ان تذوق الحياة بكل ما فيها هو جزء من دراستنا.
بعد ما كان تعلقي بالكلية، تعلق بالمبنى تحول الى تعلق بالمعنى وبالقيم اللي دراساتنا في كلية طه حسين بتغرسها جوانا، قيمة الحرية، قيمة إعمال العقل، قيمة الاستنارة. خرجت من لقاء الترحيب أكثر تمسكا بان حياتي ترتبط بالكلية دي.
السنة الاولى وقتها كانت الدراسة فيها عامة، وكنا بنتخصص من السنة التانية، الدفعة كانت حوالي ٢٠٠٠ طالب وطالبة، ودي كانت اكبر دفعة تدخل الكلية وقتها، المحاضرات العامة كنا مع بعض كلنا، لكن كنا متقسمين لسبع مجموعات (سكاشن بلغة الطلبة) في فصول التطبيقات في اللغة العربية واللغة الانجليزية، واللغة الفرنسية كانت مجموعات فقط، المحاضرات العامة كانت اللغة العربية واللغة الانجليزية والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والاجتماع، والمادة القومية، وبعدين كان فيه مادة اختيارية، بنختار من بين مواد الحضارة ومواد اللغات الشرقية واللغات القديمة، وهنا بتنقسم حسب اختياراتنا.
درس لنا في السنة الاولى مجموعة من أكبر اساتذة الكلية، في اللغة العربية درست لنا الدكتورة سهير القلماوي ودرس لنا كمان الدكتور عبد الحميد يونس والدكتور يوسف خليف والدكتور حسين نصار، وفي اللغة الانجليزية الدكتور رشاد رشدي، وفي التاريخ الدكتور حسن محمود والدكتورالسيد رجب حراز، كان المفروض ان الدكتور محمد أنيس هو اللي يدرس لنا لكن ترك المادة للدكتور حراز، وفي الجغرافيا الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم، في الفلسفة الدكتور يحيى هويدي، وفي الاجتماع الدكتورين أحمد ومصطفى الخشاب، وافتكر ان المادة القومية درسها لنا في السنة دي الدكتور عاطف غيث.
اما المجموعات في اللغة العربية فكان بيدرسها لنا المدرسين اللي أصبحوا بعد كده الاساتذة الكبار في القسم، زي الدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور عبد المحسن طه بدر والدكتور أحمد مرسي والدكتور جابر عصفور والدكتور طه وادي. ومجموعات اللغة الانجليزية وكنا بندرس فيها قواعد ونصوص ادبية ونصوص للفهم.
الكلية كانت بتشتغل من الساعة ٨ صباحا للساعة ٨ مساء. وكمان المكتبة المركزية كانت فاتحة لغاية ٨ مساء، كنا ندخل قاعات الاطلاع ما نسمعش صوت زي ما بيقولوا نرمي الابرة ترن. ما فيش استاذ او موظف او طالب يتكلم بصوت عالي، لو الواحد عمل صوت وهو بيقلب الورق بتاع الكتاب يبقى في ربع هدومه.

كانت فيه ساعات بين المحاضرات احيانا بتوصل لست ساعات. انا فاكر يوم السبت والتلات تحديدا كان عندي ساعات طويلة فاضية بين المحاضرات. كنا بنقضيها بين الانشطة الطلابية والمكتبة وكافتيريا الآداب اللي كانت من أشهر كافيتريات الجامعة واتصور فيها افلام كتير منها وقتها فيلم خلي بالك من زوزو. وكان ايجار الكافيتريا بيدخل لاتحاد الطلبة لدعم ميزانيته. الكلية والجامعة كلها كانت مكان مرحب بالطلاب. بنعيش فيها حياة كاملة.ولحكايات الخمسين سنة بقية…
----------
فيسبوك - صفحة الكاتب

عماد ابو غازي
الخميس 8 سبتمبر 2022