“اللجان المركزية” التي تشكّلت في آب 2018، عقب سيطرة النظام السوري على المنطقة، تعتبر القوة العسكرية الأكبر من بين المجموعات المقاتلة غير النظامية في درعا، وضمت في بداية تأسيسها قيادة فصائل سابقين وشيوخًا ووجهاء، وكانت تعمل على إجراء مفاوضات مع روسيا والنظام السوري لتطبيق بنود اتفاق “التسوية”.
 
أما “اللواء الثامن”، فهو فصيل محلي شكلته روسيا من بقايا فصيل “شباب السنة” المعارض للنظام، الذي كان من كبرى فصائل المعارضة في الجنوب السوري قبل اتفاق التسوية، ويعتبر الفصيل الوحيد الذي يملك أسلحة متوسطة بعد أن سحبت الأسلحة الثقيلة والمدرعات من كامل فصائل درعا بموجب اتفاق التسوية، وينتمي “اللواء الثامن” لـ”الأمن العسكري” التابع للنظام السوري إداريًا، بعد أن سحبت روسيا دعمها للفصيل.
المواجهات الأحدث التي شهدتها بلدة اليادودة أسفرت عن مقتل القيادي السابق بفصائل المعارضة محمد جاد الله الزعبي، إلى جانب ستة أفراد آخرين من الجانبين، وجرحى في صفوف المدنيين من سكان المنطقة.
  لماذا تنطلق هذه العمليات؟
أرجع قياديان في فصائل محلية المشاركة بالعملية الأمنية في بلدة اليادودة، إلى انتشار عمليات الاستهداف لأعضاء في “اللجنة المركزية” بمحافظة درعا، أحدثهم القيادي المحلي راضي الحشيش.
وأشار القياديان، في حديثهما إلى عنب بلدي، إلى أن بعض المجموعات المحلية تشكل ملاذًا آمنًا لعناصر من تنظيم “الدولة” و”تحرير الشام”.
وأضاف القياديان العاملان في ريف درعا الغربي (تحفظا على اسميهما لأسباب أمنية) أن العملية جاءت ردًا على عمليات الاغتيال التي طالت العديد أعضاء اللجنة المركزية وشيوخ الدين في الريف الغربي على وجه الخصوص.
وبحسب القياديين، فإن “اللواء الثامن” شارك بدعم فصائل “اللجنة المركزية” بالمضادات الأرضية والأسلحة المتوسطة فقط، لكنه لم يشارك بثقله العسكري كاملًا.
وفي 18 من كانون الأول الماضي، تعرض القيادي البارز راضي الحشيش لاستهداف غربي درعا، أسفر عن مقتله، وهو قيادي سابق في “جيش المعتز بالله” (أحد كبرى فصائل درعا المعارضة سابقًا)، ومن مؤسسي “اللجان المركزية” والمشرفين على التفاوض مع النظام السوري وروسيا في ريف درعا الغربي.
أبو الفداء السكري، أحد وجهاء ريف درعا الشرقي، قال لعنب بلدي إن العمليات الأمنية، وأحدثها في اليادودة نسفت عادات وتقاليد حوران وتجاهلت الأنظمة العشائرية المتبعة بالمنطقة.
واستنكر طريقة الهجوم في حرق وتدمير المنازل واستهداف المدنيين، بحسب تعبيره.
ولم تتمكن عنب بلدي من التحقق عبر مصادر محايدة من مقتل أي مدني خلال العملية نفسها.
وأضاف السكري أنه طالما وُجِه اتهام لجهة ما باغتيال القيادي راضي الحشيش، فهناك “أعراف عشائرية وشرعية” كان من الممكن اتباعها عوضًا عن تشكيل أرتال عسكرية من “اللواء الثامن” التابع للنظام السوري، وفصائل “اللجنة المركزية”، ومهاجمة اليادودة.
وحصلت عنب بلدي على شهادات من ثلاثة عناصر مشاركين بالعملية أن المواجهات التي شهدتها اليادودة أسفرت عن مقتل محمد جادالله الزعبي وتفحم جثته بعد احتراق منزله الذي تحصّن به لساعات.

تنافس أمني

حول الانقسام الذي حصل في الجنوب السوري عقب “التسوية” قال القيادي السابق في “جيش الثورة” وعضو “اللجنة المركزية” في ريف درعا الغربي محمود البردان (أبو مرشد)، إن المنطقة سقطت بقرار دولي أفضى لسيطرة شكلية للنظام على الجنوب السوري.
وتقف إيران دائمًا خلف سيطرة النظام على المنطقة، عبر مفاوضات تسليم الحديدة في اليمن للسعودية، مقابل تسليم درعا والقنيطرة للنظام السوري، بحسب البردان، الذي ربطته علاقة جيدة مع غرفة “موك” لتنسيق الدعم الدولي للمعارضة السورية قبل عام 2015.
وأضاف أنه بعد سيطرة النظام خرجت “جبهة النصرة” بكوادرها للشمال السوري، وكذلك سيطر النظام وفصائل معارضة على منطقة حوض اليرموك التي كان يتمركز فيها تنظيم “الدولة”، ما دفع بعض القياديين للاختباء في بعض المزارع دون أن يظهروا خلال العام الذي عقب “التسوية”.
وبعد الاستقرار في الجنوب السوري الذي أسست له “اللجان المركزية” التي أدارت القطاع الخدمي، ومنعت قوات النظام من التغلغل في الجنوب، عاد قادة من “هيئة تحرير الشام” إلى درعا، ثم نشطت مجموعات تنظيم “الدولة” فيها.
البردان اتهم مكونات “تحرير الشام” وخلايا تنظيم “الدولة” بالمسؤولية عن عمليات الاغتيال والاستهداف التي طالت وجهاء وقادة سابقين من أبناء المحافظة.
وقال إن بعض القياديين السابقين في “الجيش الحر” أمنوا بيئة ملائمة لعودة خلايا من التنظيم و”الهيئة”، ما أسفر عن مقتل العشرات من خيرة مشايخ وقادة حوران.
وحول العملية الأمنية الأخيرة في اليادودة، قال البردان “طفح الكيل، لم يعد يجدي الحوار مع هذه المكونات، صار خيارنا الوحيد هو قتالهم، وسبق أن أخبرنا وجهاء اليادودة أن حوران مجمعة على استئصال هذا الخطر المحدق”.
وأضاف أن هذه العملية نتاج اجتماع عقد بمدينة طفس في تشرين الثاني 2023، وخرج منه اتفاق نص على محاربة خلايا تنظيم “الدولة” وتجار المخدرات واللصوص، بحسب البردان.
 

تياران عسكريان

بعد “تسوية” تموز 2018، وهزيمة فصائل المعارضة، شُكلت “اللجان المركزية” بثلاث مكونات رئيسية وهي “لجنة درعا البلد” و”لجنة الريف الغربي” وفصيل “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة الذي تبع لـ”الفليق الخامس” المشكل روسيًا عام 2016 ثم تبع إلى “الأمن العسكري”.
بينما بقيت بعض المجموعات العسكرية الصغيرة الرافضة لاتفاق “التسوية” في درعا، ومعترضة على التفاوض بين “اللجان المركزية” والنظام السوري.
وفي بداية تشكيل “اللجان”، انضم لها معظم القادة العسكريين في درعا، إذ كانت المفاوضات في بدايتها محصورة مع الجانب الروسي، ولكن نتيجة عدم إيفاء الروس بوعودهم بالضغط على النظام السوري في الإفراج عن المعتقلين، وسحب الحواجز الأمنية وعودة الموظفين المفصولين، وحل مسألة المنشقين، تراجع الدور الذي تلعبه “اللجان المركزية” وانشق عنها بعض القادة مثل خلدون الزعبي، ومحمد جادالله الزعبي، وأدهم الأكراد (جميعهم قتلوا بأحداث متفرقة).
وفي عام 2019، بدأت عمليات الاغتيال تستهدف أعضاء “اللجان المركزية” فقتل القيادي ياسر الدنيفات، والشيخ أبو البراء الجلم، ومصعب البردان، والشيخ أحمد بقيرات، والشيخ محمود البنات وغيرهم من الأعضاء من ذوي المكانة الاجتماعية في مناطقهم.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع قادة سابقين في فصائل المعارضة، ممن يعارضون تحركات “اللجان المركزية” في درعا، لكن لم تلقى رد حتى لحظة تحرير هذا الخبر.
عمليات الاغتيال شكلت لاحقًا تيارين عسكريين متنازعين في درعا، إذ اتهمت “اللجان المركزية” و”اللواء الثامن” المنشقين عن اللجان والمجموعات المستقلة بتأمين حماية عناصر من تنظيم “الدولة”، في حين اتهمت المجموعات في الضفة الأخرى “اللجان المركزية” بالتماهي والتبعية للنظام السوري، وبالتحديد “الأمن العسكري”.
القيادي السابق في فصائل المعارضة الملازم أول ناجي المجاريش (يقيم في الأردن) قال لعنب بلدي إن الأوضاع العسكرية في الجنوب السوري تشهد توترًا أمنيًا مستمرًا إثر صراع بين طرفين رئيسيين في ظل مراقبة حثيثة من قبل النظام للأوضاع.
وعزز التوتر الأمني حضوره عندما وجدت شخصيات كانت محسوبة على “الجيش الحر” نفسها في تحالف وثيق مع تنظيمات متشددة مثل “هيئة تحرير الشام” و”تنظيم الدولة”، لكنها كانت ولا تزال متفرقة ولا تخضع لقرار مركزي على عكس الجهة المقابلة التي تتحكم بها “اللجان المركزية” عبر التنسيق فيما بينها، بحسب المجاريش.
الطرف الثاني، بحسب المجاريش، هم قادة وعناصر سابقون في “الجيش الحر”، ممن تلاقت مصالحهم مع مصالح النظام، وذهبوا إلى حد بعيد في التنسيق مثل “اللواء الثامن” مثلًا، ووافقوا على التبعية لـ”الأمن العسكري” لكنهم ما زالوا متمسكين بانتمائه لـ”الجيش الحر” ويعملون على مبدأ “الفزعة لرفاق الأمس”.
وكل هذه الصراعات خلفت منطقة متوترة أمنيًا، تكثر فيها عمليات القتل والسرقة وتهريب المخدرات.
  من المستفيد؟
قيادي في “اللواء الثامن”، تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، رفض تسمية العملية بـ”الحملة العسكرية” إذ اعتبر أنها عملية أمنية محدودة استهدفت مجموعة يقودها محمد جاد الله الزعبي، ونفى القيادي مشاركة قوات النظام بالعملية أو أي استخدم سلاح ثقيل خلال الهجوم.
وكانت وكالة “سبوتنيك ” الروسية، نقلت عن مراسلها في درعا، أن “أحد أبرز قياديي تنظيم (الدولة) جنوبي سوريا قتل برصاص الجيش السوري”.
وأضافت أن العملية تمت بمساندة مجموعات محلية مسلحة بينها، “اللواء الثامن”، والتي كانت قد أجرت “مصالحات مع الدولة السورية”، خلال السنوات الماضية، برعاية روسية.
القيادي في “اللواء الثامن” نفى تدخل النظام، أو علاقته بالهجوم، وأضاف أن الرتل العسكري التابع لـ”اللواء” مر عبر حواجز النظام، على اعتبار أنه كان مشكّل من قوة عسكرية كبيرة، بالتالي لن تعترضه الحواجز الأمنية.
وأضاف أن العديد من عناصر “اللواء” المشاركين في الحملة الأمنية، هم أصلًا مطلوبون للنظام بتهم أمنية وسياسية.
ويرى العقيد المنشق عن قوات النظام منير الحريري (من أبناء درعا ويقيم في الأردن) أن المحافظة تعيش “فوضى عارمة”، خطط ونسق لها النظام بكل مفاصله الأمنية وبتزكية من إيران لإفشال “التناسق المجتمعي” في الجنوب وإبراز النظام كجهة وحيدة قادرة على ضبط المنطقة.
وأضاف لعنب بلدي أن النظام نجح في تحويل المشهد من صراعات فصائلية إلى حالات ثأر يقودها أشخاص لا مكانة لهم في المجتمع، “مع غياب واضح للعقل والحكمة وأصحاب الرأي من كلا الأطراف”.
الحريري يرى أن النظام و”التنظيمات الاسلامية” دعمت بعض الأطراف وأسهمت بتنامي قوتها على حساب الطرف الثاني، وبالنظر إلى المشهد الحالي، فإن بعد الأطراف صارت وبطريقة غير مباشرة منفذة لأجندة النظام الموضوعة مسبقًا للمنطقة.