"قرى أوكرانية" من أجل اللاجئين
في مخيم سكالستروب التابع للصليب الأحمر، جنوب غرب العاصمة كوبنهاغن، والذي افتتح مؤخرا من أجل اللاجئين الأوكرانيين، التقيت ديانا، شابة في العقد الثاني من عمرها تستكمل دراستها الجامعية عبر الإنترنت.
أتت ديانا بصحبة والديها في رحلة بالقطار واستقبلتها على الحدود فتاة دنماركية في نفس عمرها وأعطتها الورود.
تقول إنها لم تتخيل "مثل هذا الدفء في الدنمارك بعد أيام من الرعب" قضتها في أوكرانيا قبل أن تلوذ عائلتها بالفرار
في نفس المخيم الذي يسكنه 300 شخص، يتلقى السكان دروسا للغة الدنماركية تمهيدا لحياتهم الجديدة، ويقول البعض إنهم بدأوا بالفعل بالبحث عن وظائف من أجل الاستقرار هنا.
تقيم آلا مع زوجها وأبنائها الثلاثة بشكل مؤقت في المخيم بانتظار الحصول على مكان إقامة دائم. تقول إن البعض نصحها بأن الدنمارك بلد جيد وأنه يرحب بالأوكرانيين وأنها ستلقى الرعاية اللازمة لها ولأطفالها.
تساعد آلا في المخيم في تنظيم الملابس التي يتبرع بها الدنماركيون. كما أسست متجرا للملابس المستعملة داخل المخيم.
وتقول إنها تشعر بالامتنان للحكومة والشعب الدنماركيين حيث "قدما كل ما باستطاعتهما لدعم الفارين من ويلات الحرب"، وتضيف "خرجنا من بيوتنا بالملابس التي نرتديها فقط ولكن الدنماركيين سهلوا الأمر علينا".
الحكومة الدنماركية أعلنت أنها تستعد لاستقبال 100 ألف لاجئ أوكراني خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أنها لم تنظر حتى الآن في إمكانية وضع حد أقصى لعدد من سيتم استقبالهم.
كما أعلنت وزارة الهجرة إنها ستنشئ "قرى أوكرانية" تكون فيها الخدمات وحضانات الأطفال والمدارس باللغة الأوكرانية تسهيلا على اللاجئين من جهة، ونظرا لأن أعداد من يتوقع وصولهم قد تتجاوز ما يمكن استيعابه، ما قد يفرض الاستعانة باللاجئين أنفسهم في المساعدة في تسيير المدارس والحضانات باللغة الأوكرانية.
السوريون "غير مرحب" بهم
إبان أزمة اللاجئين السوريين في 2015، استقبلت الدنمارك 35 ألف لاجئ سوري، لكنها في السنوات الأخيرة سنت قوانين ترسل، بحسب البعض، رسالة مفادها أن اللاجئين غير مرحب بهم.
ففي 2016 أقر مجلس النواب الدنماركي قانونا عرف باسم "قانون المجوهرات" يسمح للحكومة بمصادرة أي مقتنيات لدى طالبي اللجوء تزيد قيمتها عن ما يعادل حوالي 1000 دولار آنذاك. كما نصت مادة، وردت ضمن حزمة قوانين صدرت في الوقت ذاته، على إطالة مدة لم شمل أفراد الأسرة الواحدة لمدة قد تصل إلى 3 سنوات.
يقول محمد، مدرس الفيزياء الفلسطيني السوري إنه تفاجأ بردة فعل الحكومة الدنماركية، المشهورة بسياستها التي تعرف باسم "صفر لجوء"، تجاه الأوكرانيين.
ويؤكد "يوجد اهتمام كبير بالأوكرانيين. صفحات الفيسبوك امتلأت بمنشورات لدنماركيين يعرضون غرفا فارغة في منازلهم للأسر الأوكرانية، بل وإن البلديات تدفع لهؤلاء البلديات أموالا مقابل استضافتهم لأوكرانيين ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لنا".
ويتساءل "كيف أندمج في مجتمع أشعر طوال الوقت أنه يرفضني ويرفض وجودي، وأسمع ذلك يوميا من إعلامه ومن مسؤوليه".
يرد فايز العابد، الأب السوري لطفلين، إن السوريين يعرفون جيدا ما يمر به الأوكرانيون حاليا ويتعاطفون معهم، "فنحن عاصرنا نفس القصف ونفس الصواريخ الروسية وعانينا ويلات الحرب"، يقول.
لكنه يبدي استياءه من الفارق الكبير في طريقة البلاد في معاملة الأوكرانيين مقابل ما تلقاه السوريون من معاملة، "الدنمارك تتشدق دائما بدعمها للإنسانية والمساواة بين الجميع، ولكن هذا لم يكن الوضع بالنسبة إلينا".
في مقاطعة نيروم، التي تبعد 20 كيلومترا شمال العاصمة كوبنهاغن، يقوم الشاب السوري محمد، الذي ينحدر من مدينة القامشلي، بالمساعدة في تجهيز منزل تابع للبلدية لاستقبال لاجئين أوكرانيين بشكل مؤقت.
يعيش محمد في الدنمارك منذ 7 أعوام، ولكنه لم يحصل على الإقامة الدائمة بعد ويأمل أن يحصل عليها في المستقبل القريب.
يقول إنه أراد أن يساعد الأوكرانيين، لأنه يفهم جيدا ما يمرون به ولأنه أيضا تلقى المساعدة لدى وصوله البلاد، ويضيف "حتى لو أن الأوكرانيين يتلقون الآن مساعدة بشكل أكبر مما كان الأمر عليه معنا، فهذا يسعدني لأني أعرف جيدا معنى أن تترك بيتك وتفر من الحرب".
ملف اللاجئين و"ازدواجية المعايير"
في السنوات الأخيرة أصبح ملف اللاجئين على رأس أولويات الأحزاب المختلفة خلال السباقات الانتخابية.
بعد فوزها في انتخابات 2019، صرحت رئيسة الوزراء وزعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، إنها تنوي وضع نهاية لطلبات اللجوء في الدنمارك.
عرفت هذه السياسة باسم "صفر لجوء". ولم تتوان الحكومة الدنماركية في التأكيد عليها علنا.
العام الماضي قامت السلطات بمراجعة إقامات 1200 سوري، ودراستها للنظر في إمكانية عودتهم إلى سورية بعد أن اعتبرت الحكومة منطقتي دمشق وريفها آمنتين بما يكفي لعودة اللاجئين إليهما.
وكانت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي تصاريح الإقامة لعدد من السوريين.
وتعتبر النائبة كاثرين أولداغ من حزب اليسار المعارض إن القوانين تغطي "تمييزا غير مباشر".
فقد سنت الحكومة الدنماركية، كدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، قانونا خاصا باللاجئين الأوكرانيين يسمح لهم بالبقاء في البلاد لمدة عامين والحصول على وظائف، على غرار ما فعلت العام الماضي مع مترجمين أفغان تعاونوا مع الجيش الدنماركي في أفغانستان ولجؤوا إلى الدنمارك بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة عام 2021. لكن "الأفغان بقوا في المخيمات لـ 8 أشهر بينما يبقى الأوكرانيون أيام".
وتقول أولداغ إن "التمييز يتم بشكل مستتر، لكنه يصعب عملية الاندماج في المجتمع على اللاجئين غير الأوروبيين كالسوريين والأفغان.وتضيف "إذا كنت أفغانيا ورأيت سهولة حصول الأوكرانيين على إقاماتهم سأشعر بالخداع"
تبرر الحكومة الدنماركية موقفها من اللاجئين الأوكرانيين، بأن أوكرانيا "بلد مجاور"، وهو الأمر الذي حتم عليها المساعدة كحال الدول الأوروبية الأخرى.
كما يقول المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم راسموس ستوكلند "نحن دولة صغيرة وتعدادنا 6 ملايين نسمة ولا نستطيع أن نستضيف كل اللاجئين في العالم. لقد ساعدنا السوريين أيضا، ولكن يجب على حكومات الشرق الأوسط أن تعتني بجيرانها كما نعتني بجيراننا الأوكرانيين".
أقرت الحكومة الدنماركية العام الماضي قانونا يسمح باستضافة اللاجئين خارج دول الاتحاد الأوروبي في دول "شريكة". وتجري كوبنهاغن محادثات مع دولة رواندا من أجل اتفاق محتمل قد يفضي لإرسال طالبي اللجوء إلى هناك. يقول ستوكلند لبي بي سي إن المراكز في رواندا ستكون مخصصة لـ "غير الأوروبيين" من طالبي اللجوء.