ذلك لا يعني، كما أوضحت مشاهد الأيام القليلة الماضية، أنّ زعيماً شيعياً ميليشياتياً منافساً مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لا يستطيع التجوّل في محيط البرلمان وشوارع «المنطقة الخضراء»، حاملاً في اليد اليمنى بندقية آلية، وفي جيب القميص جواز سفر أحمر اللون (إيرانيّ الجنسية؟)؛ باسم الشيعة عموماً كما يزعم، ولكن خصيصاً باسم شيعته هو ونيابة عن محازبيه وحلفائه الآتين من كلّ فجّ سطحي أو عميق.
خارج البرلمان، في تسميته الرسمية أو في انقلاباته إلى حوزة أو حسينية، تظاهر أيضاً أنصار «التيار التنسيقي» لتذكير الشارع (الشعبي، فضلاً عن الإقليمي والدولي، قبل المرجعية الشيعية العليا و»التيار الصدري»، فضلاً عن الكتل الممثلة للسنّة، وصولاً إلى فئات الكرد…)؛ بأنّ انتخابات تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وإنْ لم تكن رياحها مواتية تماماً، لم تبدّل في شيء جوهر ولاء «التيار» لإيران سياسياً ومذهبياً، ومثاقيل ذلك الولاء في المشهد المحلي.
وذات يوم غير بعيد شاءت طهران تلزيم شؤون «العراق ما بعد الاحتلال»، كما سار التعبير الفاسد الزائف يومذاك، إلى ساسة أقرب إلى أتباع أمثال نوري المالكي وحيدر العبادي وإبراهيم الجعفري؛ وإلى قادة ميليشيات أشدّ ولاء وتبعية، أمثال أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي؛ وكان قاسم سليماني على قيد الحياة، يصول ويجول في مشارق «هلال الممانعة» ومغاربه، فلا تحدّ صولاته وجولاته حدود بين بغداد وبيروت. في المقابل، كانت هذه الخيارات الإيرانية البائسة، الحمقاء سياسياً وأخلاقياً كما يتوجب القول، قد دفعت غالبية ساحقة من جماهير الشيعة، في مدن الصفيح وقرى وبلدات الجنوب الفقيرة خاصة، إلى الهتاف بحياة مقتدى الصدر وعلي السيستاني والحوزة العلمية، ضدّ «البوّاقين»، لصوص الشعب الفاسدين المفسدين، الطائفيين اللاوطنيين. قسط غير قليل من تلك الشرائح الشعبية كانت، قبل أزمنة غير بعيدة بدورها، قد اعتادت الهتاف بحياة أحمد الجلبي أو إياد علاوي أو موفق الربيعي أو عدنان الباجه جي أو حتى عبد العزيز الحكيم…
استعادة هذه الخلفيات لا تبدو صالحة لتوفير منطلقات شتى تتيح فهم الأنواء التي تعصف اليوم بالبيت الشيعي العراقي، فحسب؛ بل لعلها أقرب إلى قواعد اشتباك لا تتغيّر في الجوهر إلا لماماً، وعلى نحو طفيف دائماً، متماثل المحتوى ومتغاير المآزق ليس أكثر. ذلك لا لأيّ اعتبار آخر يسبق حقيقة نواس القوى الشيعية في ارتباطاتها مع طهران، بين 1) ولاء تامّ أقصى وأعمى، و2) تطوّع في خدمة سلّة المصالح الإقليمية الإيرانية ضمن «دفتر شروط» محليّ الطابع يخصّ اقتسام المصالح ومحاصصة السلطة، و3) تحالف أكثر ترجيحاً للميزان المحلي وأعلى استجابة لانتفاضات الشعب ضدّ «البوّاقين» ورعاة الفساد والنهب وانحطاط الخدمات.
وفي إسباغ هذا الاسم أو ذاك، أو هذه المجموعة السياسية والميليشياتية أو تلك، على أنساق النواس الثلاثة المشار إليها؛ للمرء أن يتخفف من حرج التدقيق في التصنيف أو الفرز، إذْ في الوسع دائماً إيجاد قواسم مشتركة بين زيد هنا أو عمرو هناك، خاصة حين تنأى مرجعية السيستاني العليا عن أيّ مقدار من الانحياز أو الترجيح أو التفضيل.
فالخلاصة الأهمّ قد تكمن في قراءة انقلابات البرلمان العراقي إلى حوزة أو حسينية على قاعدة اشتباك من نوع آخر مختلف، سياسي واجتماعي وأخلاقي قبل أن يكون مذهبياً أو مناطقياً؛ وهذا سبيل صالح، أيضاً، لإدراك الأنواء التي تعصف ببيوت عراقية أخرى، سنّية وكردية وتركمانية ومسيحية…
---------
القدس العربي
خارج البرلمان، في تسميته الرسمية أو في انقلاباته إلى حوزة أو حسينية، تظاهر أيضاً أنصار «التيار التنسيقي» لتذكير الشارع (الشعبي، فضلاً عن الإقليمي والدولي، قبل المرجعية الشيعية العليا و»التيار الصدري»، فضلاً عن الكتل الممثلة للسنّة، وصولاً إلى فئات الكرد…)؛ بأنّ انتخابات تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وإنْ لم تكن رياحها مواتية تماماً، لم تبدّل في شيء جوهر ولاء «التيار» لإيران سياسياً ومذهبياً، ومثاقيل ذلك الولاء في المشهد المحلي.
وذات يوم غير بعيد شاءت طهران تلزيم شؤون «العراق ما بعد الاحتلال»، كما سار التعبير الفاسد الزائف يومذاك، إلى ساسة أقرب إلى أتباع أمثال نوري المالكي وحيدر العبادي وإبراهيم الجعفري؛ وإلى قادة ميليشيات أشدّ ولاء وتبعية، أمثال أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي؛ وكان قاسم سليماني على قيد الحياة، يصول ويجول في مشارق «هلال الممانعة» ومغاربه، فلا تحدّ صولاته وجولاته حدود بين بغداد وبيروت. في المقابل، كانت هذه الخيارات الإيرانية البائسة، الحمقاء سياسياً وأخلاقياً كما يتوجب القول، قد دفعت غالبية ساحقة من جماهير الشيعة، في مدن الصفيح وقرى وبلدات الجنوب الفقيرة خاصة، إلى الهتاف بحياة مقتدى الصدر وعلي السيستاني والحوزة العلمية، ضدّ «البوّاقين»، لصوص الشعب الفاسدين المفسدين، الطائفيين اللاوطنيين. قسط غير قليل من تلك الشرائح الشعبية كانت، قبل أزمنة غير بعيدة بدورها، قد اعتادت الهتاف بحياة أحمد الجلبي أو إياد علاوي أو موفق الربيعي أو عدنان الباجه جي أو حتى عبد العزيز الحكيم…
استعادة هذه الخلفيات لا تبدو صالحة لتوفير منطلقات شتى تتيح فهم الأنواء التي تعصف اليوم بالبيت الشيعي العراقي، فحسب؛ بل لعلها أقرب إلى قواعد اشتباك لا تتغيّر في الجوهر إلا لماماً، وعلى نحو طفيف دائماً، متماثل المحتوى ومتغاير المآزق ليس أكثر. ذلك لا لأيّ اعتبار آخر يسبق حقيقة نواس القوى الشيعية في ارتباطاتها مع طهران، بين 1) ولاء تامّ أقصى وأعمى، و2) تطوّع في خدمة سلّة المصالح الإقليمية الإيرانية ضمن «دفتر شروط» محليّ الطابع يخصّ اقتسام المصالح ومحاصصة السلطة، و3) تحالف أكثر ترجيحاً للميزان المحلي وأعلى استجابة لانتفاضات الشعب ضدّ «البوّاقين» ورعاة الفساد والنهب وانحطاط الخدمات.
وفي إسباغ هذا الاسم أو ذاك، أو هذه المجموعة السياسية والميليشياتية أو تلك، على أنساق النواس الثلاثة المشار إليها؛ للمرء أن يتخفف من حرج التدقيق في التصنيف أو الفرز، إذْ في الوسع دائماً إيجاد قواسم مشتركة بين زيد هنا أو عمرو هناك، خاصة حين تنأى مرجعية السيستاني العليا عن أيّ مقدار من الانحياز أو الترجيح أو التفضيل.
فالخلاصة الأهمّ قد تكمن في قراءة انقلابات البرلمان العراقي إلى حوزة أو حسينية على قاعدة اشتباك من نوع آخر مختلف، سياسي واجتماعي وأخلاقي قبل أن يكون مذهبياً أو مناطقياً؛ وهذا سبيل صالح، أيضاً، لإدراك الأنواء التي تعصف ببيوت عراقية أخرى، سنّية وكردية وتركمانية ومسيحية…
---------
القدس العربي