وفي هذا السياق لا يجب التقليل من أهمية أنّ المجتمع الدولي انتزع من محور الممانعة، في أقل من شهرَين، ورقتَين أساسيتَين: الكيماوي السوري والنووي الإيراني، ومع انتزاع هاتين الورقتَين يكون هذا المحور قد فقد أهم عناصر قوته الاستراتيجية، لأنه لو أُتيح لطهران دخول النادي النووي لكانت حققت تفوّقاً نوعياً أتاح لها تثبيت نفوذها الإقليمي وتوسيعه، فيما انتزاع هذه الورقة منها يجعل المواجهة معها متكافئة نسبياً، خصوصاً بعد الضربة التي تلقتها في سوريا.
وإذا كانت إيران خسرت نووياً ومعنوياً بفعل استثمارها الطويل في هذا المجال وتكابرها برفضها التنازل ومن ثم التراجع، إلّا أنّ رفع العقوبات عنها ولو جزئياً يؤدي إلى ترييحها مالياً واقتصادياً وتمكينها من تعزيز أساليب مواجهتها الإقليمية عبر دعم القوى والمكونات التابعة لها داخل الجسم العربي، حيث إنّ السؤال الذي طرح نفسه في الساعات الأخيرة، هو، إذا كانت إيران قد استطاعت أن تتدخل بدول عدة وهي في حال من الإفلاس، فكيف سيكون الوضع بعد رفع العقوبات عنها؟
وفي حال صح ما تقدم بأنّ ترييحها اقتصادياّ سيدفعها إلى مزيد من توسيع سياسات النفوذ والتدخل، إلّا أنه في المقابل يجب الأخذ في الاعتبار العوامل الآتية:
أولاً، الاتفاق الأولي بين إيران والغرب يضع طهران بشكل أكبر تحت المجهر الدولي، فضلاً عن أنّ المرحلة الأولى من التفاهم بينهما تتطلّب من إيران إظهار المزيد من حسن النوايا للانتقال إلى المراحل اللاحقة من الاتفاق، ما يجعلها تتلافى في هذه المرحلة الاصطدام مع المجتمع الدولي تحت أيّ عنوان، وبالتالي لن يكون بوسعها التلاقي مع هذا المجتمع تحت العنوان النووي والتناقض معه في العناوين الإقليمية الممتدة من سوريا إلى فلسطين، ولذلك ستواصل في أفضل الأحوال سياستها الحالية مع خطوة إلى الوراء لا الى الأمام.
ثانياً، الأزمة السورية والمفاوضات الغربية مع إيران أدتا إلى استنهاض الدول العربية وفي طليعتها السعودية، وبالتالي من المؤكد أنّ هذه الدول ستحافظ على التوازن الذي نجحت في إرسائه مع طهران في أكثر من عاصمة عربية، ولا بل المواجهة أصبحت أكثر تكافؤاً، وهي تحتاج من الآن وصاعداً إلى استكمال ما بدأته وتنظيمه ومأسسته، خصوصاً أنّ تحركها والرسائل التي وجهتها أظهرا أنه لا يمكن الاستهانة بدورها.
ثالثاً، الدور الإقليمي لإيران مأزوم بخلاف المناخ الإعلامي لمحور الممانعة الذي يحاول أن يعمّم أجواء انتصارية، بدليل وضع حدّ لمحاولاتها زعزعة الاستقرار في البحرين واليمن، في مقابل ضرب أهم موقع نفوذ لطهران في سوريا التي سيتمحور مستقبل الوضع داخلها بين دولة معادية لطهران أو بالحد الأدنى غير قابلة للاستخدام بفعل التوازن الناشئ بين المعارضة والموالاة. وفي لبنان لم ينجح "حزب الله" في إعادته إلى زمن الوصاية، والتحديات التي تواجه الحزب في دمشق وبيروت أكبر من طاقته على تحملها طويلاً.
وأما في فلسطين فالثورات العربية أخرجت حماس من الحضن الإيراني، وتأثيرها داخل المعادلة الفلسطينية أصبح محدوداً جداً. وفي مصر شكل ردّ الفعل المصري على التصريحات التركية مؤشراً إلى الدور العربي المرتقب للقاهرة إقليمياً كسند للسعودية في مواجهة إسرائيل، إيران وتركيا.
ومن الواضح أنّ الغرب لم يعد يعتمد في سياسته مبدأ المقايضة، حيث إنّ تخلي النظام السوري عن الكيماوي جنّبه الضربة العسكرية الغربية فقط لا غير، بدليل أنّ ما أعقب هذا الاتفاق لم يُظهر تراجعاً عن عزم المجتمع الدولي على تنحي الرئيس السوري، ورفضه أن يكون بشار الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، ما يؤكد على الفصل التام الذي يعتمده بين الأزمتين الكيماوية والسياسية. وما ينطبق على دمشق ينسحب على طهران وفي تخليها عن النووي ما يتيح لها رفع العقوبات عنها حصراً.
ومن هنا، فإنّ ما حصل هو هزيمة لطهران وقبلها لدمشق، وعلى الدول المتوجسة من الدور الإقليمي الإيراني العمل على تحصين وضعها واستكمال مواجهتها، وما تحقق لغاية اليوم على يد المجتمع الدولي أكثر من المطلوب كيماوياً ونووياً، وهذا المجتمع أولويته مصالحه ولا يقدم هدايا مجانية لأحد.
ولا شك أنه بالنسبة إلى البعض، الحلّ الأمثل كان بتوجيه ضربة عسكرية غربية ضدّ النظام السوري، كما توجيه ضربة أخرى ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، ولكنّ هذا الأمر لم يحصل بفعل تراجع النظامَين السوري والإيراني، وبالتالي في ظل غياب الأسباب لا يمكن للغرب أن يُقدم على ضربة من هذا النوع، إلّا أنه قدّم في المقابل خدمة مهمة للمنطقة وشعوبها، فضلاً عن أنه على دول هذه المنطقة وشعوبها أن تقوم بالدور المطلوب منها وألّا تكون اتكالية وكأنّ الأمور يجب أن تُقدّم لها على طبق من فضة.
ومَن يعتقد أنّ إيران يمكن أن تتحايل على المجموعة الدولية يكون واهماً، فهذه الاتفاقات لا يمكن إلّا أن تنفّذ، والثابت الأساس في كل ما جرى هو أنّ إيران النووية انتهت إلى غير رجعة، وعلى الدول العربية أن تستفيد من هذه اللحظة التاريخية بغية دفع طهران إلى التراجع عن مشروعها الإقليمي بعد تراجعها عن النووي، خصوصاً أنّ المدخل للإستقرار في المنطقة ومواجهة التطرف وإرساء مناخات الاعتدال تكمن في عودة إيران إلى داخل حدودها الجغرافية.
وإذا كانت إيران خسرت نووياً ومعنوياً بفعل استثمارها الطويل في هذا المجال وتكابرها برفضها التنازل ومن ثم التراجع، إلّا أنّ رفع العقوبات عنها ولو جزئياً يؤدي إلى ترييحها مالياً واقتصادياً وتمكينها من تعزيز أساليب مواجهتها الإقليمية عبر دعم القوى والمكونات التابعة لها داخل الجسم العربي، حيث إنّ السؤال الذي طرح نفسه في الساعات الأخيرة، هو، إذا كانت إيران قد استطاعت أن تتدخل بدول عدة وهي في حال من الإفلاس، فكيف سيكون الوضع بعد رفع العقوبات عنها؟
وفي حال صح ما تقدم بأنّ ترييحها اقتصادياّ سيدفعها إلى مزيد من توسيع سياسات النفوذ والتدخل، إلّا أنه في المقابل يجب الأخذ في الاعتبار العوامل الآتية:
أولاً، الاتفاق الأولي بين إيران والغرب يضع طهران بشكل أكبر تحت المجهر الدولي، فضلاً عن أنّ المرحلة الأولى من التفاهم بينهما تتطلّب من إيران إظهار المزيد من حسن النوايا للانتقال إلى المراحل اللاحقة من الاتفاق، ما يجعلها تتلافى في هذه المرحلة الاصطدام مع المجتمع الدولي تحت أيّ عنوان، وبالتالي لن يكون بوسعها التلاقي مع هذا المجتمع تحت العنوان النووي والتناقض معه في العناوين الإقليمية الممتدة من سوريا إلى فلسطين، ولذلك ستواصل في أفضل الأحوال سياستها الحالية مع خطوة إلى الوراء لا الى الأمام.
ثانياً، الأزمة السورية والمفاوضات الغربية مع إيران أدتا إلى استنهاض الدول العربية وفي طليعتها السعودية، وبالتالي من المؤكد أنّ هذه الدول ستحافظ على التوازن الذي نجحت في إرسائه مع طهران في أكثر من عاصمة عربية، ولا بل المواجهة أصبحت أكثر تكافؤاً، وهي تحتاج من الآن وصاعداً إلى استكمال ما بدأته وتنظيمه ومأسسته، خصوصاً أنّ تحركها والرسائل التي وجهتها أظهرا أنه لا يمكن الاستهانة بدورها.
ثالثاً، الدور الإقليمي لإيران مأزوم بخلاف المناخ الإعلامي لمحور الممانعة الذي يحاول أن يعمّم أجواء انتصارية، بدليل وضع حدّ لمحاولاتها زعزعة الاستقرار في البحرين واليمن، في مقابل ضرب أهم موقع نفوذ لطهران في سوريا التي سيتمحور مستقبل الوضع داخلها بين دولة معادية لطهران أو بالحد الأدنى غير قابلة للاستخدام بفعل التوازن الناشئ بين المعارضة والموالاة. وفي لبنان لم ينجح "حزب الله" في إعادته إلى زمن الوصاية، والتحديات التي تواجه الحزب في دمشق وبيروت أكبر من طاقته على تحملها طويلاً.
وأما في فلسطين فالثورات العربية أخرجت حماس من الحضن الإيراني، وتأثيرها داخل المعادلة الفلسطينية أصبح محدوداً جداً. وفي مصر شكل ردّ الفعل المصري على التصريحات التركية مؤشراً إلى الدور العربي المرتقب للقاهرة إقليمياً كسند للسعودية في مواجهة إسرائيل، إيران وتركيا.
ومن الواضح أنّ الغرب لم يعد يعتمد في سياسته مبدأ المقايضة، حيث إنّ تخلي النظام السوري عن الكيماوي جنّبه الضربة العسكرية الغربية فقط لا غير، بدليل أنّ ما أعقب هذا الاتفاق لم يُظهر تراجعاً عن عزم المجتمع الدولي على تنحي الرئيس السوري، ورفضه أن يكون بشار الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، ما يؤكد على الفصل التام الذي يعتمده بين الأزمتين الكيماوية والسياسية. وما ينطبق على دمشق ينسحب على طهران وفي تخليها عن النووي ما يتيح لها رفع العقوبات عنها حصراً.
ومن هنا، فإنّ ما حصل هو هزيمة لطهران وقبلها لدمشق، وعلى الدول المتوجسة من الدور الإقليمي الإيراني العمل على تحصين وضعها واستكمال مواجهتها، وما تحقق لغاية اليوم على يد المجتمع الدولي أكثر من المطلوب كيماوياً ونووياً، وهذا المجتمع أولويته مصالحه ولا يقدم هدايا مجانية لأحد.
ولا شك أنه بالنسبة إلى البعض، الحلّ الأمثل كان بتوجيه ضربة عسكرية غربية ضدّ النظام السوري، كما توجيه ضربة أخرى ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، ولكنّ هذا الأمر لم يحصل بفعل تراجع النظامَين السوري والإيراني، وبالتالي في ظل غياب الأسباب لا يمكن للغرب أن يُقدم على ضربة من هذا النوع، إلّا أنه قدّم في المقابل خدمة مهمة للمنطقة وشعوبها، فضلاً عن أنه على دول هذه المنطقة وشعوبها أن تقوم بالدور المطلوب منها وألّا تكون اتكالية وكأنّ الأمور يجب أن تُقدّم لها على طبق من فضة.
ومَن يعتقد أنّ إيران يمكن أن تتحايل على المجموعة الدولية يكون واهماً، فهذه الاتفاقات لا يمكن إلّا أن تنفّذ، والثابت الأساس في كل ما جرى هو أنّ إيران النووية انتهت إلى غير رجعة، وعلى الدول العربية أن تستفيد من هذه اللحظة التاريخية بغية دفع طهران إلى التراجع عن مشروعها الإقليمي بعد تراجعها عن النووي، خصوصاً أنّ المدخل للإستقرار في المنطقة ومواجهة التطرف وإرساء مناخات الاعتدال تكمن في عودة إيران إلى داخل حدودها الجغرافية.
--------------------
الجمهورية
الجمهورية