استقر في الاذهان ان فورة ترجمة الادب العربي في اوروبا بدأت بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للاداب وقد يكون هذا الكلام صحيحا في ما يتعلق بالرواية لكن حضور الادب العربي في الثقافة الغربية يعود الى ما قبل ذلك بقرون ٫ ولعل اشهر ترجمات ذلك الادب ترجمة الف ليلة وليلة التي انجزها ادوارد لين عام ١٨٣٩ ولها مقدمة ممتازة تعطي فكرة لا بأس بها عن المجتمعات الشرقية ٫ وقد تركزت الترجمات اللاحقة على كتب التراث قبل ان تجئ فورة ترجمة الروايات وبالنسبة للشعر ظلت ترجماته للغات الغربية قليلة وهذه ظاهرة معروفة في عالم الترجمة فصعوبة ترجمة الشعر تجعله في قائمة الندرة على الدوام .
بالنسبة للغات كانت الانجليزية الاكثر اهتماما بالادب العربي في الحقب الماضية نتيجة لوجود عدد كبير من الرحالة والمستشرقين والمبشرين الذين اتقنوا العربية أما قبلها فكانت اللغة الفرنسية تترجم اكثر بسبب حملة نابليون على مصر و العلاقات الاستعمارية مع سوريا ولبنان وشمال افريقيا وبعد الانجليزية والفرنسية أتى دور اللغة الاسبانية من خلال تواجد ثقافي عربي كبير في دول اميركا اللاتينية الناطقة بالاسبانية ثم دخلت الايطالية والالمانية الى هذا الميدان وكانت الالمانية الاسبق لترجمة النصوص التراثية الادبية نظرا لتواجد كم كبير من المخطوطات في جامعة لايبزيغ ومعاهدها ٫ ويمكن ان يقال الشئ نفسه عن اللغة الروسية التي بدأت ترجمة الادب العربي من خلال معاهد الاستشراق في جامعاتها.
و لدراسة ترجمة الادب العربي ، لا بد من التمعن في ذائقة المترجمين الغربيين واثرها في اختيار النصوص والتكهن بنجاحها من عدمه و كذلك دور النشر ودورها في التعريف بالاصدارات الحديثة والقديمة واقتراح بعضها للمترجمين.
و غير بعيد عن التاثير في حركة الترجمة ، الدور الرسمي في الرعاية والتمويل وخلق مناخات صحية للتفاعل بين الثقافات اضافة الى الاعلام والجامعات ودورهما في التعريف والنشر وتوثيق الصلات بين العالمين.
يظهر الاهتمام بالنص السياسي في عدد كبير من الترجمات الغربية ، بل يبدو ان السياسة كانت مدخلا للترجمة الادبية عند بعض المترجمين ، كما هو الحال مع المترجم الالماني هارتموت فِندريش الذي نقا لغسان كنفاني الى الالمانيه ثم نقل عمارة يعقوبيان لعلاء الاسواني الى الالمانيه ايضا .
من الجدير بالالتفات ايضا ، هو ترجمه العرب للروائي الالماني الكبير هيرمان هيسه للعربية لكن كتبه لم تنتشر كروائيي اميركا اللاتينية مثلا ، و هذا يعود الى ذائقة القارئ العربي .
في السنوات العشر الاخيرة ، تاثر الادب العربي بشكل واضح و صريح مع احدات الثورات العربية الجديدة ، او ما سمي اعلاميا بالربيع العربي ، فما مدى تأثير الربيع العربي على العلاقات الثقافية مع الغرب وهل يمكن ان ينعش حركة الترجمة للكتب السياسية والاجتماعية بعد ان اقتصرت الترجمات بالفترة الاخيرة على الادب ؟
و لن نهمل الاتهام الذي طالما اتهم المترجمون الغربيون به ، بانهم - المترجمون - دوما بانهم يبحثون عن النصوص التي تحكي عن المحرمات وعالم الحريم في المجتمعات الشرقية، لكننا يجب ان نتساءل و نحن نتصدى لهذا الملف ، هل لهذا الاتهام أثر من الدقة وان لم يكن كذلك فما هي الصفات التي يبحث عنها المترجم قبل ان يختار ؟