حنكة بدرسون اصطدمت بموقف النظام الأسدي، الذي وافق على مضضٍ على القرار شكلاً، وعمل على مبدأ تفريغ القرار من مضمونه، هذه الحنكة سبقتها حنكة ديمستورا المبعوث الذي قام بتقسيم محتوى القرار الدولي إلى سلال أربع، تمّ اختصارها بسلة الدستورية التي لم تثمر منذ ثلاث سنوات أي تقدمٍ ملموس في التوافق على مسودة دستور جديد.
بدرسون وجد نفسه أسير مربع لعبة يقودها النظام وحلفه، هذه اللعبة تعتمد على التركيز على الهوامش دون الجوهر، ولهذا لم يستطع إدارة ملف التفاوض وتنفيذ القرار المكلف بتنفيذه. وهو أمر دفعه على طريقة تاجرٍ مفلسٍ بالبحث في دفاتر من سبقه من المبعوثين، فاختار ما سماه (خطوة مقابل خطوة)، أي أن يقوم طرفا الصراع بتنفيذ هذا المبدأ، وهذا يعني فشلٌ ذريعٌ للسيد بدرسون على إدارة ملف التفاوض حول القرار 2254 عبر تزامن تفاوضي بين السلال الأربع التي تشكّل جوهر القرار المذكور.
“خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ لا قيمة تفاوضية له بدون ضمانات دولية ملزمة تؤدي خلال زمن محدد إلى تنفيذ هذا القرار، هذا المبدأ رفضته قوى الثورة والمعارضة علناً كما رفضه النظام الأسدي، ولهذا يستغرب المرء كيف يقوم بدرسون بطرح هذا المبدأ من جديد في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.
بدرسون في هذه الإحاطة لم يأت بجديد، وهذا ما دفعه للبحث في دفاتر سلفه ديمستورا، أي تجزئة القرار رقم 2254 إلى سلال، ثم اختصار التفاوض على سلة واحدة هي السلة الدستورية، التي لم يتقدم التفاوض فيها قيد أنملة.
مبدأ “خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ تجزئة المجزّأ، وبدرسون حين يصرّ عليه، فهو يريد من ذلك أن يقول لمجلس الأمن، الذي يختطفه الروس بما يسمى (الفيتو) أو حق النقض لأحد الأعضاء الدائمين، أن تنفيذ القرار الدولي يحتاج إلى توافقات جدّية بين الروس والغرب، وهذا غير ممكن في ظلّ صراعاتهما المتعددة الساحات والأهداف.
بدرسون يريد أمرين اثنين من استمراره في منصبه كمبعوث دولي، ألا يخسر هذا المنصب أولاً، ولا أن يُشار إليه بالبنان أنه مبعوثٌ فاشلٌ، ولهذا فهو ذهب إلى دفاتر ديمستورا القديمة، فاكتشف أنه يمكنه ملء فراغ التفاوض عبر دعوة ما سُمي في حينها (نساء ديمستورا)، ولجان المجتمع المدني، وهي بالأساس ليست طرفاً في خلق الصراع السوري، ولا تستطيع أن تقدّم نيابة عن قوى الثورة والمعارضة ولا عن النظام أية ورقة تفاهمات تقود إلى الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن.
بدرسون صار يشتغل على الهوامش دون الجوهر، فهو يتابع الأوضاع الإنسانية في سوريا، ويشدّد على أهمية تقديم المساعدات الغذائية وغيرها لمحتاجيها من السوريين في الداخل المنكوب، وهو بطرحه لمبدأ “خطوة مقابل خطوة” إنما يكون قد حصل على ضوء أخضر من الأوربيين.
إن مبدأ “خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ يجعل قوى الثورة والمعارضة خارج دورها في الإصرار على تنفيذ القرار 2254، وهو أيضاً مبدأ يخاف النظام منه، لأن ملف الحل سيكون خارج إرادته، وهو لا يقبل بذلك، لذلك يركّز على مبدأ المصالحات بينه وبين القوى الرافضة لاستمرار استبداه، دون تقديم أي تنازل جوهري على صعيد بنية النظام السياسي في البلاد، بحيث يتمّ الانتقال من نظام استبدادي متوحش إلى نظام دولة مؤسسات ديمقراطية ولو بالحد الأدنى.
إن قوى الثورة والمعارضة التي تعي هذه الحقيقة، معنيةٌ بتغيير استراتيجيتها حيال هذا الوضع المعقّد، وهذا يعني ببساطة تغيير دورها في التأثير من خلال تغيير علاقتها الحالية بحاضنتيها الثورية والشعبية. وهذا التغيير يعني ببساطة أن يلعب الائتلاف الوطني دوراً سياسياً فاعلاً في مناطق المحرر من خلال التركيز على وحدة فصائل المعارضة العسكرية لتكون جيشاً وطنياً سورياً احترافياً تابعاً للحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها فعلاً لا قولاً، وليس مجرد تجميعٍ شكلي لهذه الفصائل.
وإن قوى الثورة والمعارضة معنية بترسيخ الاستقرار في مناطق الشمال المحرر، من خلال ترسيخ سلطة المجالس المحلية التي تأتي عبر الانتخابات، وكذلك ترسيخ الأمن من خلال ِأجهزة أمن مركزية تابعة للحكومة، تحترم المواطنين، وتمنع أي انتهاك لحقوقهم، وهذا يعني، أن تُخلي الفصائل مراكزها في المدن والبلدات، لترابط في أماكنها الطبيعية المتاخمة للقوى المعادية ضد أي اختراق من تلك القوى، كما أن قوى الثورة والمعارضة معنية بترسيخ جهاز قضائي مستقل وفاعل وليس رهينة لهذه القوة أو تلك.
إن هذا التغيير المطلوب إحداثه من قبل قوى الثورة والمعارضة يجب أن يجد دعماً حقيقياً من الحليف التركي، لأنه يحقق الاستقرار في الشمال المحرر، هذا الاستقرار غير ممكن البتة في ظل فصائلية عسكرية متناحرة ومتنافسة ومتدخلة بحياة الناس.
إن قيام رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط بدوره في وقف الخلافات العشائرية، ومطالبته بتفعيل دور مؤسسة القضاء في حل النزاعات، هو موقف يكشف عن وعي لأهمية تفعيل مؤسسات السلطة الوطنية في المناطق المحررة التي تمثّلها الحكومة المؤقتة، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات القضاء المستقل المعني بفضّ الخلافات واحترام حقوق الإنسان في الشمال المحرر.
فهل ستذهب قوى الثورة والمعارضة إلى إحداث تغييرات جدية وعميقة وذات طبيعة استراتيجية في علاقتها بحاضنتيها الشعبية والثورية؟ إنه ليس مطلباً فحسب، بل ضرورة حاسمة لحماية الشمال السوري، وتغيير معادلة الصراع مع النظام الاستبدادي الأسدي، وهذا ما يجعل من التفاوض مع النظام حول القرار 2254 أمراً يقود إلى حلٍ سياسي حقيقي.
إن برنامج الإصلاح الشامل الذي طرحه رئيس الائتلاف الوطني وفريقه يحتاج إلى هذه التغييرات، ليخلق حالة جديدة من تفعيل قوى الثورة، وزجّ طاقاتها المختلفة في التغيير المنشود الذي يؤدي إلى سوريا دولة مدنية ديمقراطية تعددية. فهل سيستمر قطار الإصلاح الشامل في مسيرته؟ سؤال رهن قيادة الائتلاف الوطني؟.
---------
نينار برس
بدرسون وجد نفسه أسير مربع لعبة يقودها النظام وحلفه، هذه اللعبة تعتمد على التركيز على الهوامش دون الجوهر، ولهذا لم يستطع إدارة ملف التفاوض وتنفيذ القرار المكلف بتنفيذه. وهو أمر دفعه على طريقة تاجرٍ مفلسٍ بالبحث في دفاتر من سبقه من المبعوثين، فاختار ما سماه (خطوة مقابل خطوة)، أي أن يقوم طرفا الصراع بتنفيذ هذا المبدأ، وهذا يعني فشلٌ ذريعٌ للسيد بدرسون على إدارة ملف التفاوض حول القرار 2254 عبر تزامن تفاوضي بين السلال الأربع التي تشكّل جوهر القرار المذكور.
“خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ لا قيمة تفاوضية له بدون ضمانات دولية ملزمة تؤدي خلال زمن محدد إلى تنفيذ هذا القرار، هذا المبدأ رفضته قوى الثورة والمعارضة علناً كما رفضه النظام الأسدي، ولهذا يستغرب المرء كيف يقوم بدرسون بطرح هذا المبدأ من جديد في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.
بدرسون في هذه الإحاطة لم يأت بجديد، وهذا ما دفعه للبحث في دفاتر سلفه ديمستورا، أي تجزئة القرار رقم 2254 إلى سلال، ثم اختصار التفاوض على سلة واحدة هي السلة الدستورية، التي لم يتقدم التفاوض فيها قيد أنملة.
مبدأ “خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ تجزئة المجزّأ، وبدرسون حين يصرّ عليه، فهو يريد من ذلك أن يقول لمجلس الأمن، الذي يختطفه الروس بما يسمى (الفيتو) أو حق النقض لأحد الأعضاء الدائمين، أن تنفيذ القرار الدولي يحتاج إلى توافقات جدّية بين الروس والغرب، وهذا غير ممكن في ظلّ صراعاتهما المتعددة الساحات والأهداف.
بدرسون يريد أمرين اثنين من استمراره في منصبه كمبعوث دولي، ألا يخسر هذا المنصب أولاً، ولا أن يُشار إليه بالبنان أنه مبعوثٌ فاشلٌ، ولهذا فهو ذهب إلى دفاتر ديمستورا القديمة، فاكتشف أنه يمكنه ملء فراغ التفاوض عبر دعوة ما سُمي في حينها (نساء ديمستورا)، ولجان المجتمع المدني، وهي بالأساس ليست طرفاً في خلق الصراع السوري، ولا تستطيع أن تقدّم نيابة عن قوى الثورة والمعارضة ولا عن النظام أية ورقة تفاهمات تقود إلى الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن.
بدرسون صار يشتغل على الهوامش دون الجوهر، فهو يتابع الأوضاع الإنسانية في سوريا، ويشدّد على أهمية تقديم المساعدات الغذائية وغيرها لمحتاجيها من السوريين في الداخل المنكوب، وهو بطرحه لمبدأ “خطوة مقابل خطوة” إنما يكون قد حصل على ضوء أخضر من الأوربيين.
إن مبدأ “خطوة مقابل خطوة” هو مبدأ يجعل قوى الثورة والمعارضة خارج دورها في الإصرار على تنفيذ القرار 2254، وهو أيضاً مبدأ يخاف النظام منه، لأن ملف الحل سيكون خارج إرادته، وهو لا يقبل بذلك، لذلك يركّز على مبدأ المصالحات بينه وبين القوى الرافضة لاستمرار استبداه، دون تقديم أي تنازل جوهري على صعيد بنية النظام السياسي في البلاد، بحيث يتمّ الانتقال من نظام استبدادي متوحش إلى نظام دولة مؤسسات ديمقراطية ولو بالحد الأدنى.
إن قوى الثورة والمعارضة التي تعي هذه الحقيقة، معنيةٌ بتغيير استراتيجيتها حيال هذا الوضع المعقّد، وهذا يعني ببساطة تغيير دورها في التأثير من خلال تغيير علاقتها الحالية بحاضنتيها الثورية والشعبية. وهذا التغيير يعني ببساطة أن يلعب الائتلاف الوطني دوراً سياسياً فاعلاً في مناطق المحرر من خلال التركيز على وحدة فصائل المعارضة العسكرية لتكون جيشاً وطنياً سورياً احترافياً تابعاً للحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها فعلاً لا قولاً، وليس مجرد تجميعٍ شكلي لهذه الفصائل.
وإن قوى الثورة والمعارضة معنية بترسيخ الاستقرار في مناطق الشمال المحرر، من خلال ترسيخ سلطة المجالس المحلية التي تأتي عبر الانتخابات، وكذلك ترسيخ الأمن من خلال ِأجهزة أمن مركزية تابعة للحكومة، تحترم المواطنين، وتمنع أي انتهاك لحقوقهم، وهذا يعني، أن تُخلي الفصائل مراكزها في المدن والبلدات، لترابط في أماكنها الطبيعية المتاخمة للقوى المعادية ضد أي اختراق من تلك القوى، كما أن قوى الثورة والمعارضة معنية بترسيخ جهاز قضائي مستقل وفاعل وليس رهينة لهذه القوة أو تلك.
إن هذا التغيير المطلوب إحداثه من قبل قوى الثورة والمعارضة يجب أن يجد دعماً حقيقياً من الحليف التركي، لأنه يحقق الاستقرار في الشمال المحرر، هذا الاستقرار غير ممكن البتة في ظل فصائلية عسكرية متناحرة ومتنافسة ومتدخلة بحياة الناس.
إن قيام رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط بدوره في وقف الخلافات العشائرية، ومطالبته بتفعيل دور مؤسسة القضاء في حل النزاعات، هو موقف يكشف عن وعي لأهمية تفعيل مؤسسات السلطة الوطنية في المناطق المحررة التي تمثّلها الحكومة المؤقتة، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات القضاء المستقل المعني بفضّ الخلافات واحترام حقوق الإنسان في الشمال المحرر.
فهل ستذهب قوى الثورة والمعارضة إلى إحداث تغييرات جدية وعميقة وذات طبيعة استراتيجية في علاقتها بحاضنتيها الشعبية والثورية؟ إنه ليس مطلباً فحسب، بل ضرورة حاسمة لحماية الشمال السوري، وتغيير معادلة الصراع مع النظام الاستبدادي الأسدي، وهذا ما يجعل من التفاوض مع النظام حول القرار 2254 أمراً يقود إلى حلٍ سياسي حقيقي.
إن برنامج الإصلاح الشامل الذي طرحه رئيس الائتلاف الوطني وفريقه يحتاج إلى هذه التغييرات، ليخلق حالة جديدة من تفعيل قوى الثورة، وزجّ طاقاتها المختلفة في التغيير المنشود الذي يؤدي إلى سوريا دولة مدنية ديمقراطية تعددية. فهل سيستمر قطار الإصلاح الشامل في مسيرته؟ سؤال رهن قيادة الائتلاف الوطني؟.
---------
نينار برس