نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


القضاء يثير في منزل ترامب عشّ الدبابير




يمكن القول، من دون خوفٍ من الشطط، إن ما حدث يوم الإثنين الفائت (8 أغسطس/ آب الجاري) في بيت الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في ميامي بيتش بفلوريدا، كان حدثاً مزلزلاً بكل ما للكلمة من معنى. فرقة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي فتشت منزل الرئيس المعروف باسم "مارا-لاغو"، تنفيذاً لإذن بالتفتيش من قاضٍ فيدرالي. ليس هذا الحدث عادياً بأي معنى. دونالد ترامب هو الرئيس الأول في تاريخ أميركا الذي تداهم الشرطة الفيدرالية منزله وتفتّشه


 

ولكن دونالد ترامب يحب أن يكون الأول، فهو أوّل شخصٍ يجلس في المكتب البيضاوي من دون أن يكون لديه أي خبرة سياسية أو عسكرية، وأوّل رئيسٍ يحاول الكونغرس عزله مرتين، وأول رئيسٍ يُتَّهم بعلاقة شائنة مع دولة خارجية، وأول رئيسٍ يدفع مالاً لمومس لكي تصمت عمّا فعله معها قبل أن يكون رئيساً. وهو أوّل رئيسٍ يرفض حضور مراسم نقل السلطات منذ نحو 150 سنة، وأوّل رئيس يفاخر بتحرّشه بالنساء، ويعلن أنه يكره المهاجرين ويحرم مسلمين من دخول بلاده.

لا أحد يعرف، حتى كتابة هذا المقال، تفاصيل ما جرى وأسبابه. نحن متأكّدون فقط من أن الشرطة الفيدرالية لا يمكن أن تقتحم بيت رئيس سابق بدون دليل دامغ على ارتكابه جرماً كبيراً. ولكننا لا نعرف بعدُ طبيعة هذا الجرم. ولا نعرف أيضاً ماذا وجد العملاء الفيدراليون في أثناء بحثهم في خزنة ترامب أو أوراقه الشخصية، ولكن أحد محامي ترامب قال إن الفيدراليين صادروا 12 صندوقاً تحتوي على أوراقٍ يبدو أن ترامب كان يخفيها عن السلطات.

أنفق ترامب في المحاكم وقتاً طويلاً يدافع عن نفسه أطول من السنوات التي أمضاها وهو يحكم البلاد

مؤكّد أن هذا البحث في منزل رئيس سابق يتطلّب موافقة كبار المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، بمن فيهم النائب العام ميريك غارلاند ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، المعيّن أساساً من ترامب. ومن المؤكّد أيضاً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكي يحصل على مذكّرة التفتيش، كان عليه أن يقدّم إلى قاضٍ فيدرالي إقراراتٍ مشفوعةً بقسم، تحدّد الجريمة أو الجرائم التي اعتقدوا أنها وقعت، وتؤكّد للقاضي أن احتمال وقوع هذه الجريمة كبير جدّاً، وأن الدليل على وقوعها موجود في المكان المعيّن. ويبدو أن العملاء احتاجوا ساعات لتنفيذ التفتيش. ووفقاً للقانون الأميركي، عليهم إعداد جردٍ بما تمّ الاستيلاء عليه وتقديم نسخة من الجرد للشخص الذي تمّ تفتيش بيته، وأخرى إلى القاضي المكلّف بالأمر، فلا مراء إذن في أن ترامب يعرف بالضبط ما الذي أخذه العملاء الفيدراليون، ولماذا.

ويقول مطّلعون إن هدف التفتيش كان البحث ومصادرة وثائق، ربما يكون بعضها سرّياً جداً، كان ترامب قد أمر بنقلها من البيت الأبيض إلى منزله في فلوريدا. وإذا رأى العملاء أدلّة أخرى على ارتكاب جرائم أخرى، فلن يغمضوا أعينهم عنها ويتصرّفوا كأنهم لم يروها، فالمؤكّد قانونياً أن قوات تطبيق القانون التي تبحث عن أدلة عن جريمة، ووجدت أدلّة أخرى على جريمة ثانية، فلها أن تستولي على ذلك أيضاً.

قد يُتهم ترامب أيضاً بإحداث "مؤامرة مثيرة للفتنة"، حيث يجرّم القانون محاولة إطاحة الحكومة الأميركية بالقوة

لم يكن ترامب في القصر وقت التفتيش. كان في نيويورك، يستعدّ لحملته لانتخابات 2024. ولكنه سارع إلى إصدار بيانٍ يهاجم التفتيش، واصفاً ما جرى بأنه "هجومٌ لا يمكن أن يحدُث إلا في دول العالم الثالث المنهارة"، ومضيفاً أن الولايات المتحدة غدت "ويا للأسف الآن واحدةً من تلك البلدان، فاسدة على مستوى لم نشهده من قبل". وسرعان ما بدأ يستغلّ هذا الحدث الجديد لجمع مزيدٍ من الأموال من مناصريه المتعصّبين لحملته الانتخابية.

ومع ذلك قد لا يكون تفتيش بيت ترامب آخرَ همومه القضائية، فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، أنفق ترامب في المحاكم وقتاً طويلاً يدافع عن نفسه أطول من السنوات التي أمضاها وهو يحكم البلاد، وبلغ عدد القضايا التي طاولته 4095 دعوى وتحقيقاً قضائياً. ولا تزال جملة منها تحوّم فوق رأسه، أهمها بالطبع (إضافة إلى نقل المستندات السرّية من البيت الأبيض) دوره في الهجوم على مبنى الكونغرس (الكابيتول) الأميركي في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، الذي تحقّق فيه لجنة مختارة من مجلس النوّاب. ومع أن مجلس النوّاب ليس جهةً قضائية، فإذا ما اختارت وزارة العدل توجيه اتهاماتٍ لترامب، فسيكون ذلك أكبر تحدٍّ له ولمدّعي الوزارة نفسها.

وقد يُتهم ترامب أيضاً بإحداث "مؤامرة مثيرة للفتنة"، حيث يجرّم القانون محاولة إطاحة الحكومة الأميركية بالقوة، وهي تهمة وُجهت بالفعل إلى مشاركين عديدين في الهجوم، وحكم على بعضهم بالفعل بالسجن سبع سنوات.

من الهموم القضائية الأخرى اتهامه بجمع حوالي 250 مليون دولار من مؤيديه المتعصّبين لتقديم دعاوى قضائية لدعم ادّعائه الكاذب بأنه فاز في الانتخابات، وإنفاق أموالٍ كثيرة في أماكن أخرى، بينها دفعات لمصمّم أزياء زوجته ميلانيا. من جانبٍ، يحظر القانون جمع الأموال لقضية كاذبة، ومن جانب آخر، ينبغي إنفاق التبرّعات في المجال التي جُمعت من أجله حصراً.

زلزال سياسي وقضائي، وسينتج عنه الكثير

ثم هنالك قضية التلاعب بالانتخابات في جورجيا، حيث اختيرت هيئة محلّفين كبرى، خصوصاً في مايو/ أيار للنظر في الأدلّة التي قدّمها النائب العام في ولاية جورجيا عن جهود ترامب للتأثير على نتائج انتخابات الولاية لعام 2020. ويركّز هذا التحقيق جزئياً على مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع براد رافينسبرغر، وزير داخلية الولاية الجمهوري في يناير/ كانون الثاني 2021، حين طلب ترامب من رافينسبرغر "العثور" على الأصوات اللازمة لقلب خسارة ترامب في الانتخابات، وفقاً لتسجيلٍ صوتي انتشر سريعاً بين الأميركيين. وأخيراً هنالك قضيتان في نيويورك: الأولى جنائية، تتعلق في ما إذا كانت شركة العقارات التابعة لعائلة ترامب قد أساءت تمثيل قيم ممتلكاتها للحصول على قروض بنكية مواتية وفواتير ضريبية أقل. والثانية مدنية، حيث تُجري المدّعي العام لولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس، تحقيقاً لفحص ما إذا كانت منظمة ترامب قد بالغت في قيم العقارات من أجل الحصول على قروضٍ من المصارف.

ويوم الأربعاء الماضي، مَثَل الرئيس ترامب أمام مدّعي نيويورك في جلسة شهادة تحت القسم، ولكنه لم يجب عن أي سؤال، بل تحصّن وراء حقّه في التعديل الخامس الذي يحمي الأفراد من الشهادة ضدّ أنفسهم. وعادة ما يُنظر إلى من يتحصّن بهذا التعديل على أنه يقرّ، نوعا ما، بأن شهادته يمكن أن تجرّمه. وسبق لترامب نفسه أن سخر ممن يتحصّن بهذا الحقّ، واعتبر أن أفراد العصابات فقط هم من يفعلون ذلك.

ما حدث أخيراً زلزال سياسي وقضائي، وسينتج عنه الكثير، ولكن المهم أن القضاء الأميركي لا يمكن أن يتوقّف الآن، فإن توقّف يكون كمن أثار وكر الدبابير، من دون أن ينجح في القضاء عليه .. إنّها أميركا، أحببناها أم كرهناها، رضينا عنها أم سخطنا عليها، تبقى البلاد التي يعامل فيها رئيس سابق (وحالي) معاملة المواطن العادي، حيث يتساوى الاثنان في القانون وأمامه. لا تُنتهك حرمة إلا لموجب أمر قضائي، ولا تصادر أو تُحجز أمتعة إلا وفقاً لقانون، ولا أحد مطلقاً فوق القانون.
---------
 العربي الجديد


وائل السواح
السبت 13 غشت 2022