على الرغم أن أيا من البلدان الثلاثة لا يُجرّم هوية العابرين/ات، إلا أن قوات الأمن عادة ما تخلط بينها وبين التوجه الجنسي، إذ تعتبر النساء العابرات رجالا مثليين وكذلك تعتبر الرجال العابرين نساءً مثليات، ومن ثم يمكن مقاضاتهم/ن بموجب قوانين متعددة. يؤدي عدم تطابق الوثائق الرسمية للأشخاص العابرين/ات مع هويتهم/ن الجندرية إلى تعرضهم/ن لانتهاكات الشرطة ، بما في ذلك المضايقات والاعتقالات التعسفية.
في مصر ولبنان غالبا ما يُحتَجز المعتقلون/ات العابرون/ات جندريا في زنازين لا تُطابق هويتهم/ن الجندرية ، أو في الحبس الانفرادي لعدم توافر بدائل أخرى. في مثل هذه الأماكن يعاني العابرون/ات من سوء المعاملة والتي قد تصل إلى حد التعذيب. مثال على ذلك الكشوفات الشرجية القسرية وهي ممارسة مشينة "لإثبات" النشاط الجنسي المثلي.
تُلّخص الأقسام المنفصلة التالية الخاصة بمصر، ولبنان، وتونس عقبات الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي في كل من تلك الدول استنادا إلى مراجعة القوانين والقضايا، وثلاث فتاوى حول الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي، وكذلك مقابلات أجريت في 2021 مع أشخاص عابرين/ات جندريا، وناشطين/ات، وخبراء/خبيرات قانونيين.
قابلتُ مع 16 عابر/ة جندريا - خمسة من مصر وستة من لبنان وخمسة من تونس - أربعة منهم نشطاء/ات أيضا. كما قابلت خبيرَين قانونيَّين من مصر، ومحاميا من لبنان، ومحاميا من تونس. كما حلّلتُ أربع قضايا أمام المحاكم المصرية، وقضيتين في تونس، وقضيتين في لبنان، بالإضافة إلى ثلاث فتاوى دينية بشأن الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي. استخدمتُ أسماء مستعارة لبعض الذين تمت مقابلتهم حرصا على سلامتهم/ن.
جميع الاقتباسات الواردة لاحقا مأخوذة من المقابلات التي أجريتها. لا تزعم الروايات أو التعليقات الفردية أنها تُمثل كل الأناس العابرين/ت جندريا في الدول الثلاث، ولكنها قُدِمت كأمثلة على المسائل الشائعة التي يواجهها العابرون/ات، والتي تتسق مع ما ذُكر وأُبلغ عنه في أماكن أخرى.
عام 2020 أشار رئيس اللجنة أنه من 2014 وحتى 2017 تمت الموافقة على 87 حالة لأسباب "بدنية" وليس بناءً على خلل في الهوية الجندرية. يأتي هذا القرار الطبي متأثرا بالشريعة الإسلامية، والتي طبقا لبعض التفاسير تُميز بين "تحويل الجنس" والمقصود به جراحات تأكيد أو تحديد الجنس للأشخاص العابرين/ات، وفي المقابل "تصحيح الجنس" والذي يشير إلى جراحة لأولئك ممن يجمعون خصائص الجنسين، وهذه هي الحالة الوحيدة الجائزة وفقا للشريعة.
في غياب رعاية صحية لتأكيد الجندر مدعومة من الحكومة، ظهرت تجارة طبية سرية خطيرة وباهظة التكاليف يُقدَّم فيها العلاج بدون رقابة في مراكز غير مرخصة وبدون أي سبيل للمساءلة. كثير من العابرين/ات في مصر ممن يسعون/ين لإجراء جراحة لا يملكون أي خيار آخر غير الإقدام على تلك المجازفة. في 25 أغسطس/آب 2021، تعرض عز الدين، وهو رجل عابر مصري ذو 26 عاما، إلى نزيف أدى إلى وفاته عقب خروجه المبكر من المستشفى بعد عملية جراحية لتأكيد الجندر في عيادة تعمل في الخفاء.
أفادت سلمى، وهي ناشطة مصرية عابرة عمرها 27 عاما، بأن "لجنة تصحيح الجنس في نقابة الأطباء توقفت عن منح أي موافقات، وبالتالي لم يعد هناك خيارا آخر أمام العابرين/ات جندريا الذين يريدون إجراء عمليات جراحية سوى القيام بها في مستشفيات تعمل في الخفاء. حتى قبل هذا كان الأزهر (السلطة الدينية في مصر) يقف في طريق حصول العابرين/ات جندريا على الموافقة برغم توفير جميع الأوراق الطبية المطلوبة، لأن الأزهر يرى أن الأشخاص حاملي صفات الجنسين هم فقط من يصح لهم/ن إجراء جراحة تصحيح الجنس".
وتحدثت ندى، وهي امرأة عابرة مصرية عمرها 28 عاما، عن تجربتها في الخضوع لجراحة بعيادة تعمل في الخفاء: "بالنسبة للدكاترة الخاصة الأمر ليس سوى تجارة. طالبوني بدفع 7 آلاف جنيه مصري (445 دولار) تكاليف العملية الأولى وكانت تجربة شاقة جدا ومؤلمة. وبسبب معاملة الدكاترة غير الودية تجاهي اضطررت للمغادرة حتى قبل أن أتعافى".
كذلك أدى الفراغ التشريعي في مصر فيما يتعلق بالاعتراف القانوني للنوع الجندري إلى اعتماد بعض القضاة على مبادئ الشريعة الإسلامية في إصدار أحكامهم. في قضية من سنة 2016 أقرت محكمة إدارية بأنه طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، يُسمح بجراحات "تصحيح الجنس" للأشخاص حاملي صفات الجنسين، بينما من الأفضل التعامل مع "تغيير الجنس" للأشخاص الذين لديهم اضطراب في الهوية الجندرية من خلال وسائل العلاج النفسي من دون عمليات جراحية أو تدخل هرموني. نص الحكم ، والذي يرفض طلب رجل عابر جندريا تغيير وثائق هويته، على أن الحرية الشخصية ليست مطلقة وإنما تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الاجتماعية والتقاليد المصرية، وإن صاحب الدعوى خالف هذه القيم والشريعة أيضا حين أجرى عملية تغيير جنسي لعلاج مرضه النفسي.
بالرغم أن القوانين في مصر لا تجرم أحدا لكونه عابرا جندريا ، إلا أن الأجهزة الأمنية تلجأ في أغلب الأحيان إلى قوانين تجرّم "الإخلال بالآداب العامة" و"الفسق والفجور" لاعتقال العابرين/ت ومضايقتهم/ن. وأثناء اعتقالهم/ن، عادة ما يُحتجز العابرون/ات في غرف حجز لا تتوافق مع هويتهم/ن الجندرية، ما يعرّضهم/ن لسوء المعاملة، والتي قد تصل إلى حد التعذيب كالعنف الجنسي من قبل أفراد الأمن وأيضا المحتجزين، أو قد يتم وضعهم/ن قيد الحبس الانفرادي لفترات ممتدة، أو إخضاعهم/ن لكشوفات شرجية قسرية.
أُلقي القبض على ماشا، وهي امرأة عابرة جندريا عمرها 34 عاما، وحُكِم عليها في 2020 بالسجن ثلاث سنوات في مصر بتهمة "التحريض على الفجور وممارسته". روت ماشا أنها وُضِعت في غرفة حجز مؤقتة إنفراديا في إحدى أقسام الشرطة في القاهرة على مدار عام تقريبا قائلة: "كان عليّ أن أتحمل انتهاكات لا تنتهي من قبل الشرطة. اغُتصبت عدة مرات. بالنسبة للشرطة، كنا نستحق أن نُغتصب كجزء من العقوبة".
صرحت محكمة مدنية لبنانية في حكمها الصادر في 1992 بأن السماح لمقدم الطلب بالاعتراف القانوني بهويته الجندرية سيؤدي إلى اضطراب في نسيج المجتمع، وأنه من أجل الصالح العام للمجتمع، لا يمكن للمحكمة السماح بتغيير الجنس لسبب نفسي لأن المحكمة لا تعتبره ضرورة.
في يناير/كانون الثاني 2016، أصدرت محكمة استئناف لبنانية حكما يسمح لرجل عابر جندريا بتغيير اسمه ونوعه الاجتماعي في مستندات الهوية، وبهذا نقضت قرار محكمة أدنى وأجبرت السلطات على تغيير الأوراق الرسمية. وتوصلت المحكمة إلى أنه لا ينبغي أن تكون جراحة تأكيد الجندر شرطا مسبقا للاعتراف بالهوية الجندرية.
ورغم هذه السابقة الإيجابية، إلا أن العقبات الإجرائية، والتي تشمل رسوما مرتفعة، والتردد في خوض دعاوى قضائية مطولة، علاوة على عدم توافر مساعدة قانونية، تُثني الأشخاص العابرين/ات عن السعي للحصول على أحكام قضائية تقضي بتغيير نوعهم/ن الاجتماعي.
الرعاية الطبية لتأكيد الجندر مفقودة إلى حد كبير في لبنان. أخبرني ناصر، وهو رجل لبناني عابر جندريا عمره 36 عاما، عن التحديات التي واجهها عند محاولته تلقي رعاية لتأكيد الجندر والحصول على الاعتراف القانوني بهويته الجندرية. في سن الـ 24، استشار ناصر طبيبا نفسيا في "المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت"، والذي شخّصه بأن لديه ديسفوريا جندرية (الانزعاج الجندري) بعد ستة أشهر من العلاج. عندما بلغ 25 عاما، أُحِيل إلى طبيب آخر لتلقي العلاج الهرموني التعويضي. يقول ناصر إنه في هذه الأثناء حُرِم من العمل بسبب اختلاف بياناته في الأوراق الرسمية عن تعبيره الجندري، ما أجبره على إنفاق جميع مدخراته واقتراض المال من أصدقائه لدفع تكاليف علاجه.
بدأ ناصر إجراءات الاعتراف القانوني بهويته الجندرية في عام 2016 في لبنان. قال إن السلطات القضائية طلبت جراحة لتأكيد الجندر كشرط مسبق للاعتراف القانوني. انتهى به الأمر بالسفر إلى تايلاند، حيث دفع 13 ألف دولار أمريكي لإجراء ثلاث عمليات في مستشفى يانهي في بانكوك. بالإضافة إلى ذلك، دفع ناصر 7 آلاف دولار أمريكي كرسوم قانونية منذ أن بدأ إجراءات الاعتراف القانوني. تحدث ناصر أيضا عن تأثير الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان على تكلفة العلاج الهرموني: "نقص الدواء قلّص كمية المواد الهرمونية المتوفرة في الصيدليات، وارتفعت الأسعار من 3 آلاف ليرة لبنانية (1.96 دولار) للجرعة الواحدة إلى 100 دولار لثلاث جرعات".
أضاف ناصر أنه تعرض للمضايقة من قبل الطبيب الشرعي المنتدب بواسطة المحكمة لفحصه. "كان الطبيب الشرعي غير لائق على الإطلاق، وأبدى رهاب العابرين/ات جندريا، ولم يفهم أي شيء عن هويتي. سألني أسئلة غير لائقة على نحو "هل نمت مع رجل من قبل؟" و"كيف تعتقد أنه بإمكانك منح زوجتك المستقبلية المتعة الجنسية؟"".
على الرغم أن المحكمة أصدرت حكما لصالحه في عام 2021 بالسماح له بتغيير وثائق هويته، قال ناصر إنه لا يزال ينتظر تنفيذ القرار من قبل السلطات اللبنانية.
مُنى، وهي امرأة لبنانية عابرة جندريا عمرها 37 عاما، ركّزت على التكاليف الباهظة للجراحة اللازمة للاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي: "دفعت 3,500 دولار مقابل عملية جراحية للجزء العلوي [تكبير الثدي] قام بها جراح تجميل في لبنان. بينما تبلغ تكلفة عملية تغيير الجنس 16 ألف دولار على الأقل. وهذا لا يمكنني تحمله".
توفر العلاج الهرموني محدود أيضا في لبنان، فإذا تمكن العابرون/ات جندريا من الحصول عليه يظل من الصعب إيجاد الإشراف الطبي المناسب للمتابعة اللازمة. وقد دفع ذلك ببعض العابرين إلى تلقي العلاج الهرموني من دون استشارة رسمية، ما أدى إلى مضاعفات صحية في بعض الحالات.
سعاد، وهي امرأة عابرة لبنانية عمرها 27 عاما، تقول: "أخذت هرمونات بقرار مني والتَهَب ساقي لأن الأمر لم يكن تحت إشراف الطبيب، لذا اضطررت للذهاب إلى المستشفى لشهور وهناك تعرضت للإذلال. لم يوافقوا على دخولي المستشفى في بادئ الأمر بسبب عدم توافق بيانات البطاقة الشخصية مع هويتي الجندرية المعلنة. لم يسمحوا لي بدخول مبنى المستشفى حتى اتصلت بعمي الذي أعطاهم مالا فسمحوا لي عندها بالدخول".
تحدث العابرون/ات جندريا مرارا وتكرارا عن القيود على تلقيهم/ن الخدمات الأساسية بسبب ذلك التباين بين الوثائق الرسمية وتعبيرهم/ن الجندري. تقول منى عن تجربتها في إيجاد سكن عام 2019: "حين اكتشف المُلّاك أني عابرة رفضوا. أحدهم قال أنه بإمكاني الاستئجار بوثيقة الهوية لشخص آخر مثل أخي، لكن ليس هويتي".
تتعرض النساء العابرات جندريا للعنف على أيدي قوات الأمن في لبنان لعدم تطابق وثائق الهوية مع تعبيرهن الجندري. تقول ديانا، وهي امرأة عابرة لبنانية عمرها 27 عاما، إن قوى الأمن الداخلي اعتقلتها بشكل تعسفي عام 2018 بسبب تعبيرها الجندري، وأساءت معاملتها أثناء احتجازها، وأرغمتها على التوقيع على اعتراف:
وفقًا لدراسة أجرتها "مؤسسة هاينرش بول" الألمانية عام 2018، فإن القضاء التونسي يرفض بشكل ممنهج طلبات تغيير بيانات النوع الاجتماعي في حالة الأشخاص الذين خضعوا لجراحة تأكيد الجنس بسبب اضطراب الهوية الجندرية، مستشهدين بأدلة مختلفة من القرآن وآخذين في الاعتبار مكانة تونس الثقافية في العالمين العربي والإسلامي كأساس لقراراتهم. تشير الدراسة نفسها إلى أن القضاء يميل أكثر إلى السماح بالاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي للأشخاص حاملي صفات الجنسين أكثر من العابرين/ات.
اعتماد السلطات القضائية على الفهم الخاطئ لهويات العابرين/ات على أنها مرض يجبر العابرين/ات جندريا الذين يسعون للحصول على اعتراف قانوني بهويتهم الجندرية على تحمل فحوصات طبية مهينة من قبل سلطات الطب الشرعي القضائية. كما تلزم السلطات القضائية العابرين/ات بالخضوع لكافة طرق العلاج الجراحية والهرمونية قبل البت في طلباتهم.
في عام 2018، أقرت محكمة تونسية الاعتراف القانوني بالهوية الجندرية لرجل عابر كان قد تلقى رعاية طبية لتأكيد الجندر في ألمانيا، ونقض هذا الحكم حكما سابقا من محكمة أدنى. وعَزَت المحكمة قرارها إلى تشخيص الرجل بخلل الهوية الجندرية بعد استشارة أطباء نفسيين وشرعيين للبت في ما إذا كان المدعي قد خضع لرعاية تأكيد الجندر بدافع الضرورة الطبية.
خيارات الجراحة محدودة أكثر في تونس. أخبروني العابرون/ات جندريا هناك إنهم مضطرون للسفر إلى الخارج للحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجونها. أحمد التونسي ناشط تونسي عابر جندريا عمره 37 عاما من مجموعة "منبوذات " للعابرين/ات جندريا ومقرها تونس. يقول أحمد: "لا يوجد أطباء يمكنهم إجراء عمليات جراحية لنا هنا، بعض جراحي التجميل من الممكن أن يجروا جراحة الجزء العلوي [تكبير الثديين أو إزالتهما] لكنها مكلفة للغاية. في 2015، سافرت إلى مصر حيث سهّل لي بعض الأصدقاء الاتصال بالأطباء الذين أجروا لي العملية في عيادتهم الخاصة".
الممارسات التعسفية تقيّد أيضا حصول العابرين/ات جندريا على أشكال أخرى من الرعاية الصحية. تحدث العديد ممن تمت مقابلتهم/ن عن حرمانهم/ن من الرعاية الطبية العامة وكذلك عن مضايقة العاملين/ات بالمجال الطبي لهم بسبب هويتهم/ن. قال نادر، وهو رجل عابر عمره 34 عاما من تونس: "عندما أمرض، أفضّل أن أنام حتى أشفى بدل الذهاب إلى المستشفى. في كل مرة أذهب فيها أتعرض إما للسخرية أو السُباب، وفي كثير من الأحيان لا أتلقى العلاج الذي أحتاج إليه".
التمييز الناشئ عن عدم الاتساق بين وثائق الهوية والهوية الجندرية للأفراد العابرين/ات جندريا يؤثر على كل جانب من جوانب حياتهم/ن، بما في ذلك الحصول على السكن والعمل. قال نادر: "بالنسبة لي، المشكلة الأكبر هي عدم التوافق بين أوراقي وهويتي الجندرية. لا يمكنني الحصول على وظيفة، وهذا يؤثر على جميع جوانب حياتي الأخرى". وأضاف: "أساس مشاكلنا هو الافتقار إلى التمكين الاقتصادي. إذا حصلنا على وظائف، يمكننا كسب المال ثم الخضوع للعمليات أو السفر إلى الخارج".
هذه الدول أطراف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" ، والتي تؤكد على حماية حقوق الإنسان بغض النظر عن الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي. أوضحت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأيضا "اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، أنه من المحظور قيام الدول بممارسة التمييز بسبب التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية فيما يتعلق باحترام وكفالة الحقوق المنصوص عليها في كل من المعاهدتين وقد ورد في التعليق العام رقم 14 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحق في الصحة هو ركيزة أساسية، ودعا التعليق الدول إلى ضمان الحصول على رعاية صحية بدون تمييز. كما شدد التعليق العام رقم 4 للجنة على الحق في سكن ملائم وآمن.
وبموجب "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان" ، فإن مصر وتونس ملزمتان أيضا بحماية الأقليات الجنسية والجندرية على النحو المنصوص عليه في قرار اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب رقم 275 لعام 2014 ، والذي يدين الهجمات والانتهاكات الحقوقية المنهجية على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي، ويقول إن على الحكومات إصدار قوانين جديدة لمعالجة تلك الانتهاكات.
يتعين على السلطات في مصر، ولبنان، وتونس تلبية احتياجات سكانها من العابرين/ات جندريا أمام القانون بالتساوي مع غيرهم/ن. يحق للأشخاص العابرين/ات جندريا الحصول على رعاية طبية واعتراف شرعي بنوعهم/ن الاجتماعي متى أرادوا/أردن دون خوف من العنف أو التمييز أو فقدان مصدر رزقهم/ن.
تسلط نتائج البحث الضوء على ضرورة تقديم البرلمانات في مصر ولبنان، وفي حالة تونس عندما يعود البرلمان المعلق إلى الانعقاد، تشريعا يسمح بتغيير الاسم والنوع الاجتماعي من خلال إجراء إداري بسيط قائم على الإعلان الذاتي. أيضا، على الدول إصدار تشريعات شاملة مناهضة للتمييز، بما يشمل التمييز على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي.
أخيرا، لا بد أن تضمن وزارات الصحة وهيئات الطب الشرعي أن النظام الصحي العام يوفر الرعاية الصحية لتأكيد الجندر، وفي حال عدم توافرها، ينبغي أن تتحمل أنظمة التأمين الصحي الخاصة والعامة تغطية التكاليف أو تعويضها.
نظرا إلى العنف الموثق ضد العابرين/ات جندريا على أيدي قوات الأمن، على السلطات في مصر، ولبنان، وتونس أن تتيح لهم فرص متساوية في الحماية القانونية وآليات الشكوى كي يستطيعوا/ن الإبلاغ عن الانتهاكات ضدهم/ن.
---------------
The Tahir Institute for Middle East Policy
في مصر ولبنان غالبا ما يُحتَجز المعتقلون/ات العابرون/ات جندريا في زنازين لا تُطابق هويتهم/ن الجندرية ، أو في الحبس الانفرادي لعدم توافر بدائل أخرى. في مثل هذه الأماكن يعاني العابرون/ات من سوء المعاملة والتي قد تصل إلى حد التعذيب. مثال على ذلك الكشوفات الشرجية القسرية وهي ممارسة مشينة "لإثبات" النشاط الجنسي المثلي.
تُلّخص الأقسام المنفصلة التالية الخاصة بمصر، ولبنان، وتونس عقبات الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي في كل من تلك الدول استنادا إلى مراجعة القوانين والقضايا، وثلاث فتاوى حول الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي، وكذلك مقابلات أجريت في 2021 مع أشخاص عابرين/ات جندريا، وناشطين/ات، وخبراء/خبيرات قانونيين.
قابلتُ مع 16 عابر/ة جندريا - خمسة من مصر وستة من لبنان وخمسة من تونس - أربعة منهم نشطاء/ات أيضا. كما قابلت خبيرَين قانونيَّين من مصر، ومحاميا من لبنان، ومحاميا من تونس. كما حلّلتُ أربع قضايا أمام المحاكم المصرية، وقضيتين في تونس، وقضيتين في لبنان، بالإضافة إلى ثلاث فتاوى دينية بشأن الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي. استخدمتُ أسماء مستعارة لبعض الذين تمت مقابلتهم حرصا على سلامتهم/ن.
جميع الاقتباسات الواردة لاحقا مأخوذة من المقابلات التي أجريتها. لا تزعم الروايات أو التعليقات الفردية أنها تُمثل كل الأناس العابرين/ت جندريا في الدول الثلاث، ولكنها قُدِمت كأمثلة على المسائل الشائعة التي يواجهها العابرون/ات، والتي تتسق مع ما ذُكر وأُبلغ عنه في أماكن أخرى.
مصر
يواجه العابرون/ات جندريا في مصر غياب الأطر القانونية والتشريعية التي تتيح لهم/ن الحصول على رعاية طبية لتأكيد الجندر وأيضا الاعتراف القانوني بهويتهم/ن الجندرية. في عام 2003، أنشأت وزارة الصحة المصرية لجنة مراجعة ضمن نقابة الأطباء لمن يرغب في ما يسمى بـ"عملية تصحيح الجنس". إلا أن هذه اللجنة التطوعية كانت تجتمع بشكل غير منتظم، ولم تتمتع بأي سلطة قانونية، وطُلِبَ منها ضم ممثل عن هيئة الرقابة الإسلامية المصرية، "دار الإفتاء".عام 2020 أشار رئيس اللجنة أنه من 2014 وحتى 2017 تمت الموافقة على 87 حالة لأسباب "بدنية" وليس بناءً على خلل في الهوية الجندرية. يأتي هذا القرار الطبي متأثرا بالشريعة الإسلامية، والتي طبقا لبعض التفاسير تُميز بين "تحويل الجنس" والمقصود به جراحات تأكيد أو تحديد الجنس للأشخاص العابرين/ات، وفي المقابل "تصحيح الجنس" والذي يشير إلى جراحة لأولئك ممن يجمعون خصائص الجنسين، وهذه هي الحالة الوحيدة الجائزة وفقا للشريعة.
في غياب رعاية صحية لتأكيد الجندر مدعومة من الحكومة، ظهرت تجارة طبية سرية خطيرة وباهظة التكاليف يُقدَّم فيها العلاج بدون رقابة في مراكز غير مرخصة وبدون أي سبيل للمساءلة. كثير من العابرين/ات في مصر ممن يسعون/ين لإجراء جراحة لا يملكون أي خيار آخر غير الإقدام على تلك المجازفة. في 25 أغسطس/آب 2021، تعرض عز الدين، وهو رجل عابر مصري ذو 26 عاما، إلى نزيف أدى إلى وفاته عقب خروجه المبكر من المستشفى بعد عملية جراحية لتأكيد الجندر في عيادة تعمل في الخفاء.
أفادت سلمى، وهي ناشطة مصرية عابرة عمرها 27 عاما، بأن "لجنة تصحيح الجنس في نقابة الأطباء توقفت عن منح أي موافقات، وبالتالي لم يعد هناك خيارا آخر أمام العابرين/ات جندريا الذين يريدون إجراء عمليات جراحية سوى القيام بها في مستشفيات تعمل في الخفاء. حتى قبل هذا كان الأزهر (السلطة الدينية في مصر) يقف في طريق حصول العابرين/ات جندريا على الموافقة برغم توفير جميع الأوراق الطبية المطلوبة، لأن الأزهر يرى أن الأشخاص حاملي صفات الجنسين هم فقط من يصح لهم/ن إجراء جراحة تصحيح الجنس".
وتحدثت ندى، وهي امرأة عابرة مصرية عمرها 28 عاما، عن تجربتها في الخضوع لجراحة بعيادة تعمل في الخفاء: "بالنسبة للدكاترة الخاصة الأمر ليس سوى تجارة. طالبوني بدفع 7 آلاف جنيه مصري (445 دولار) تكاليف العملية الأولى وكانت تجربة شاقة جدا ومؤلمة. وبسبب معاملة الدكاترة غير الودية تجاهي اضطررت للمغادرة حتى قبل أن أتعافى".
كذلك أدى الفراغ التشريعي في مصر فيما يتعلق بالاعتراف القانوني للنوع الجندري إلى اعتماد بعض القضاة على مبادئ الشريعة الإسلامية في إصدار أحكامهم. في قضية من سنة 2016 أقرت محكمة إدارية بأنه طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، يُسمح بجراحات "تصحيح الجنس" للأشخاص حاملي صفات الجنسين، بينما من الأفضل التعامل مع "تغيير الجنس" للأشخاص الذين لديهم اضطراب في الهوية الجندرية من خلال وسائل العلاج النفسي من دون عمليات جراحية أو تدخل هرموني. نص الحكم ، والذي يرفض طلب رجل عابر جندريا تغيير وثائق هويته، على أن الحرية الشخصية ليست مطلقة وإنما تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الاجتماعية والتقاليد المصرية، وإن صاحب الدعوى خالف هذه القيم والشريعة أيضا حين أجرى عملية تغيير جنسي لعلاج مرضه النفسي.
بالرغم أن القوانين في مصر لا تجرم أحدا لكونه عابرا جندريا ، إلا أن الأجهزة الأمنية تلجأ في أغلب الأحيان إلى قوانين تجرّم "الإخلال بالآداب العامة" و"الفسق والفجور" لاعتقال العابرين/ت ومضايقتهم/ن. وأثناء اعتقالهم/ن، عادة ما يُحتجز العابرون/ات في غرف حجز لا تتوافق مع هويتهم/ن الجندرية، ما يعرّضهم/ن لسوء المعاملة، والتي قد تصل إلى حد التعذيب كالعنف الجنسي من قبل أفراد الأمن وأيضا المحتجزين، أو قد يتم وضعهم/ن قيد الحبس الانفرادي لفترات ممتدة، أو إخضاعهم/ن لكشوفات شرجية قسرية.
أُلقي القبض على ماشا، وهي امرأة عابرة جندريا عمرها 34 عاما، وحُكِم عليها في 2020 بالسجن ثلاث سنوات في مصر بتهمة "التحريض على الفجور وممارسته". روت ماشا أنها وُضِعت في غرفة حجز مؤقتة إنفراديا في إحدى أقسام الشرطة في القاهرة على مدار عام تقريبا قائلة: "كان عليّ أن أتحمل انتهاكات لا تنتهي من قبل الشرطة. اغُتصبت عدة مرات. بالنسبة للشرطة، كنا نستحق أن نُغتصب كجزء من العقوبة".
لبنان
لا يمتلك لبنان أي برامج رسمية تُقدم رعاية طبية لتحديد وتأكيد الجندر للعابرين/ات جندريا، وكذلك يفتقر لبنان إلى مسار قانوني واضح للاعتراف بالهوية الجندرية، ما يجعل القرار متروكا بالكامل لتقدير كل قاضٍ على حدة.صرحت محكمة مدنية لبنانية في حكمها الصادر في 1992 بأن السماح لمقدم الطلب بالاعتراف القانوني بهويته الجندرية سيؤدي إلى اضطراب في نسيج المجتمع، وأنه من أجل الصالح العام للمجتمع، لا يمكن للمحكمة السماح بتغيير الجنس لسبب نفسي لأن المحكمة لا تعتبره ضرورة.
في يناير/كانون الثاني 2016، أصدرت محكمة استئناف لبنانية حكما يسمح لرجل عابر جندريا بتغيير اسمه ونوعه الاجتماعي في مستندات الهوية، وبهذا نقضت قرار محكمة أدنى وأجبرت السلطات على تغيير الأوراق الرسمية. وتوصلت المحكمة إلى أنه لا ينبغي أن تكون جراحة تأكيد الجندر شرطا مسبقا للاعتراف بالهوية الجندرية.
ورغم هذه السابقة الإيجابية، إلا أن العقبات الإجرائية، والتي تشمل رسوما مرتفعة، والتردد في خوض دعاوى قضائية مطولة، علاوة على عدم توافر مساعدة قانونية، تُثني الأشخاص العابرين/ات عن السعي للحصول على أحكام قضائية تقضي بتغيير نوعهم/ن الاجتماعي.
الرعاية الطبية لتأكيد الجندر مفقودة إلى حد كبير في لبنان. أخبرني ناصر، وهو رجل لبناني عابر جندريا عمره 36 عاما، عن التحديات التي واجهها عند محاولته تلقي رعاية لتأكيد الجندر والحصول على الاعتراف القانوني بهويته الجندرية. في سن الـ 24، استشار ناصر طبيبا نفسيا في "المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت"، والذي شخّصه بأن لديه ديسفوريا جندرية (الانزعاج الجندري) بعد ستة أشهر من العلاج. عندما بلغ 25 عاما، أُحِيل إلى طبيب آخر لتلقي العلاج الهرموني التعويضي. يقول ناصر إنه في هذه الأثناء حُرِم من العمل بسبب اختلاف بياناته في الأوراق الرسمية عن تعبيره الجندري، ما أجبره على إنفاق جميع مدخراته واقتراض المال من أصدقائه لدفع تكاليف علاجه.
بدأ ناصر إجراءات الاعتراف القانوني بهويته الجندرية في عام 2016 في لبنان. قال إن السلطات القضائية طلبت جراحة لتأكيد الجندر كشرط مسبق للاعتراف القانوني. انتهى به الأمر بالسفر إلى تايلاند، حيث دفع 13 ألف دولار أمريكي لإجراء ثلاث عمليات في مستشفى يانهي في بانكوك. بالإضافة إلى ذلك، دفع ناصر 7 آلاف دولار أمريكي كرسوم قانونية منذ أن بدأ إجراءات الاعتراف القانوني. تحدث ناصر أيضا عن تأثير الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان على تكلفة العلاج الهرموني: "نقص الدواء قلّص كمية المواد الهرمونية المتوفرة في الصيدليات، وارتفعت الأسعار من 3 آلاف ليرة لبنانية (1.96 دولار) للجرعة الواحدة إلى 100 دولار لثلاث جرعات".
أضاف ناصر أنه تعرض للمضايقة من قبل الطبيب الشرعي المنتدب بواسطة المحكمة لفحصه. "كان الطبيب الشرعي غير لائق على الإطلاق، وأبدى رهاب العابرين/ات جندريا، ولم يفهم أي شيء عن هويتي. سألني أسئلة غير لائقة على نحو "هل نمت مع رجل من قبل؟" و"كيف تعتقد أنه بإمكانك منح زوجتك المستقبلية المتعة الجنسية؟"".
على الرغم أن المحكمة أصدرت حكما لصالحه في عام 2021 بالسماح له بتغيير وثائق هويته، قال ناصر إنه لا يزال ينتظر تنفيذ القرار من قبل السلطات اللبنانية.
مُنى، وهي امرأة لبنانية عابرة جندريا عمرها 37 عاما، ركّزت على التكاليف الباهظة للجراحة اللازمة للاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي: "دفعت 3,500 دولار مقابل عملية جراحية للجزء العلوي [تكبير الثدي] قام بها جراح تجميل في لبنان. بينما تبلغ تكلفة عملية تغيير الجنس 16 ألف دولار على الأقل. وهذا لا يمكنني تحمله".
توفر العلاج الهرموني محدود أيضا في لبنان، فإذا تمكن العابرون/ات جندريا من الحصول عليه يظل من الصعب إيجاد الإشراف الطبي المناسب للمتابعة اللازمة. وقد دفع ذلك ببعض العابرين إلى تلقي العلاج الهرموني من دون استشارة رسمية، ما أدى إلى مضاعفات صحية في بعض الحالات.
سعاد، وهي امرأة عابرة لبنانية عمرها 27 عاما، تقول: "أخذت هرمونات بقرار مني والتَهَب ساقي لأن الأمر لم يكن تحت إشراف الطبيب، لذا اضطررت للذهاب إلى المستشفى لشهور وهناك تعرضت للإذلال. لم يوافقوا على دخولي المستشفى في بادئ الأمر بسبب عدم توافق بيانات البطاقة الشخصية مع هويتي الجندرية المعلنة. لم يسمحوا لي بدخول مبنى المستشفى حتى اتصلت بعمي الذي أعطاهم مالا فسمحوا لي عندها بالدخول".
تحدث العابرون/ات جندريا مرارا وتكرارا عن القيود على تلقيهم/ن الخدمات الأساسية بسبب ذلك التباين بين الوثائق الرسمية وتعبيرهم/ن الجندري. تقول منى عن تجربتها في إيجاد سكن عام 2019: "حين اكتشف المُلّاك أني عابرة رفضوا. أحدهم قال أنه بإمكاني الاستئجار بوثيقة الهوية لشخص آخر مثل أخي، لكن ليس هويتي".
تتعرض النساء العابرات جندريا للعنف على أيدي قوات الأمن في لبنان لعدم تطابق وثائق الهوية مع تعبيرهن الجندري. تقول ديانا، وهي امرأة عابرة لبنانية عمرها 27 عاما، إن قوى الأمن الداخلي اعتقلتها بشكل تعسفي عام 2018 بسبب تعبيرها الجندري، وأساءت معاملتها أثناء احتجازها، وأرغمتها على التوقيع على اعتراف:
كنت في طريقي إلى منزل والديّ، حيث أوقفني عنصر في قوى الأمن الداخلي وسألني إلى أين أذهب. أخبرته أنني أعيش هنا، قال إنني أكذب إذ أنه لم يرني من قبل. ثم نظر إلي وقال، "آه، أنت أيضا لوطي؟". شتمته وقلت إنه ليس من شأنه وأنني فعلا "لوطي". لذلك، ادعى أنني تحرشت به وحاولت إقناعه بالنوم معي. استدعوني للتحقيق وحاولوا إجباري على التوقيع على ورقة تقول إنني أغويت العنصر وقاموا بتخويفي باستعمال الصواعق وهددوا بصعقي إذا لم أوقع. استجوبوني من الساعة 6 صباحا إلى الساعة 7 مساءً، وأُجبرت على توقيع الورقة حتى سمحوا لي بالمغادرة. بعد 3 أشهر، أمروني بالذهاب إلى المحكمة العسكرية حيث اتهموني بـ "الاعتداء على رجل أمن"، واضطررت إلى دفع غرامة قدرها 300 ألف ل.ل. [200 دولار أمريكي].
تونس
غالبًا ما يسافر الأشخاص العابرون/ات جندريا في تونس خارج البلاد رغبة في الحصول على رعاية صحية لتأكيد الجندر، إذ إن القطاع الطبي الحكومي والخاص أيضا لا يوفر لهم الرعاية التي يحتاجون إليها. علاوة على ذلك، لا توجد إجراءات واضحة للحصول على الاعتراف القانوني بهويتهم الجندرية.وفقًا لدراسة أجرتها "مؤسسة هاينرش بول" الألمانية عام 2018، فإن القضاء التونسي يرفض بشكل ممنهج طلبات تغيير بيانات النوع الاجتماعي في حالة الأشخاص الذين خضعوا لجراحة تأكيد الجنس بسبب اضطراب الهوية الجندرية، مستشهدين بأدلة مختلفة من القرآن وآخذين في الاعتبار مكانة تونس الثقافية في العالمين العربي والإسلامي كأساس لقراراتهم. تشير الدراسة نفسها إلى أن القضاء يميل أكثر إلى السماح بالاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي للأشخاص حاملي صفات الجنسين أكثر من العابرين/ات.
اعتماد السلطات القضائية على الفهم الخاطئ لهويات العابرين/ات على أنها مرض يجبر العابرين/ات جندريا الذين يسعون للحصول على اعتراف قانوني بهويتهم الجندرية على تحمل فحوصات طبية مهينة من قبل سلطات الطب الشرعي القضائية. كما تلزم السلطات القضائية العابرين/ات بالخضوع لكافة طرق العلاج الجراحية والهرمونية قبل البت في طلباتهم.
في عام 2018، أقرت محكمة تونسية الاعتراف القانوني بالهوية الجندرية لرجل عابر كان قد تلقى رعاية طبية لتأكيد الجندر في ألمانيا، ونقض هذا الحكم حكما سابقا من محكمة أدنى. وعَزَت المحكمة قرارها إلى تشخيص الرجل بخلل الهوية الجندرية بعد استشارة أطباء نفسيين وشرعيين للبت في ما إذا كان المدعي قد خضع لرعاية تأكيد الجندر بدافع الضرورة الطبية.
خيارات الجراحة محدودة أكثر في تونس. أخبروني العابرون/ات جندريا هناك إنهم مضطرون للسفر إلى الخارج للحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجونها. أحمد التونسي ناشط تونسي عابر جندريا عمره 37 عاما من مجموعة "منبوذات " للعابرين/ات جندريا ومقرها تونس. يقول أحمد: "لا يوجد أطباء يمكنهم إجراء عمليات جراحية لنا هنا، بعض جراحي التجميل من الممكن أن يجروا جراحة الجزء العلوي [تكبير الثديين أو إزالتهما] لكنها مكلفة للغاية. في 2015، سافرت إلى مصر حيث سهّل لي بعض الأصدقاء الاتصال بالأطباء الذين أجروا لي العملية في عيادتهم الخاصة".
الممارسات التعسفية تقيّد أيضا حصول العابرين/ات جندريا على أشكال أخرى من الرعاية الصحية. تحدث العديد ممن تمت مقابلتهم/ن عن حرمانهم/ن من الرعاية الطبية العامة وكذلك عن مضايقة العاملين/ات بالمجال الطبي لهم بسبب هويتهم/ن. قال نادر، وهو رجل عابر عمره 34 عاما من تونس: "عندما أمرض، أفضّل أن أنام حتى أشفى بدل الذهاب إلى المستشفى. في كل مرة أذهب فيها أتعرض إما للسخرية أو السُباب، وفي كثير من الأحيان لا أتلقى العلاج الذي أحتاج إليه".
التمييز الناشئ عن عدم الاتساق بين وثائق الهوية والهوية الجندرية للأفراد العابرين/ات جندريا يؤثر على كل جانب من جوانب حياتهم/ن، بما في ذلك الحصول على السكن والعمل. قال نادر: "بالنسبة لي، المشكلة الأكبر هي عدم التوافق بين أوراقي وهويتي الجندرية. لا يمكنني الحصول على وظيفة، وهذا يؤثر على جميع جوانب حياتي الأخرى". وأضاف: "أساس مشاكلنا هو الافتقار إلى التمكين الاقتصادي. إذا حصلنا على وظائف، يمكننا كسب المال ثم الخضوع للعمليات أو السفر إلى الخارج".
الخاتمة والتوصيات
يتعرض العابرون/ات جندريا للتمييز من خلال السياسات والممارسات الموضحة أعلاه في الدول الثلاث. الاضطهاد ضدهم/ن في مصر ولبنان وتونس ينتهك حقوقهم/ن الأساسية، والتي تتضمن الحق في الصحة، والتعليم، والتوظيف، والتمتع بالحياة، والسلامة الجسدية، والحماية من المعاملة غير الإنسانية والمهينة، إضافة إلى حقهم/ن في عدم التمييز والحماية بموجب القانون.هذه الدول أطراف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" ، والتي تؤكد على حماية حقوق الإنسان بغض النظر عن الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي. أوضحت "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأيضا "اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، أنه من المحظور قيام الدول بممارسة التمييز بسبب التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية فيما يتعلق باحترام وكفالة الحقوق المنصوص عليها في كل من المعاهدتين وقد ورد في التعليق العام رقم 14 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحق في الصحة هو ركيزة أساسية، ودعا التعليق الدول إلى ضمان الحصول على رعاية صحية بدون تمييز. كما شدد التعليق العام رقم 4 للجنة على الحق في سكن ملائم وآمن.
وبموجب "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان" ، فإن مصر وتونس ملزمتان أيضا بحماية الأقليات الجنسية والجندرية على النحو المنصوص عليه في قرار اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب رقم 275 لعام 2014 ، والذي يدين الهجمات والانتهاكات الحقوقية المنهجية على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي، ويقول إن على الحكومات إصدار قوانين جديدة لمعالجة تلك الانتهاكات.
يتعين على السلطات في مصر، ولبنان، وتونس تلبية احتياجات سكانها من العابرين/ات جندريا أمام القانون بالتساوي مع غيرهم/ن. يحق للأشخاص العابرين/ات جندريا الحصول على رعاية طبية واعتراف شرعي بنوعهم/ن الاجتماعي متى أرادوا/أردن دون خوف من العنف أو التمييز أو فقدان مصدر رزقهم/ن.
تسلط نتائج البحث الضوء على ضرورة تقديم البرلمانات في مصر ولبنان، وفي حالة تونس عندما يعود البرلمان المعلق إلى الانعقاد، تشريعا يسمح بتغيير الاسم والنوع الاجتماعي من خلال إجراء إداري بسيط قائم على الإعلان الذاتي. أيضا، على الدول إصدار تشريعات شاملة مناهضة للتمييز، بما يشمل التمييز على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي.
أخيرا، لا بد أن تضمن وزارات الصحة وهيئات الطب الشرعي أن النظام الصحي العام يوفر الرعاية الصحية لتأكيد الجندر، وفي حال عدم توافرها، ينبغي أن تتحمل أنظمة التأمين الصحي الخاصة والعامة تغطية التكاليف أو تعويضها.
نظرا إلى العنف الموثق ضد العابرين/ات جندريا على أيدي قوات الأمن، على السلطات في مصر، ولبنان، وتونس أن تتيح لهم فرص متساوية في الحماية القانونية وآليات الشكوى كي يستطيعوا/ن الإبلاغ عن الانتهاكات ضدهم/ن.
---------------
The Tahir Institute for Middle East Policy