ــ
مزار الدب رواية لاتشبه أية رواية ، هي تفصيل لوضع كان ولايزال ــ مع شديد الأسف قائما ــ هي مخيال ميشيل المستمد من واقع محشو بالقهر، ميشيل الرجل المختلف ، المفكر الذي كرس جهده وحياته من أجل الإنسان في البلاد العربية عامة وفي سورية خاصة ، وطنه الذي أحبه وتفانى في حبه، ميشيل في" مزار الدب" أي سورية يُبرز الشخصية التي احتلت يوميات الناس وهبطت عليهم فجأة ، جاءتهم بشخص غريب بعد أن مروا بفجائع ومصائب تتالت ، فشمر هذا الشخص عن ساعديه واستخدم مُكره ودهاءه مستعينا بشخصيات تحتاج للظهور وتتميز بالعنف كشخصية " نايف المفزلك ، ذراعه الأيمن ــ وشخصية " إبراهيم الناطور صاحب العصا لمن عصا " وهذه الشخصية تحديدا مأخوذه من دور السلطة الأمنية التي ثبتت أقدام نظام " حمدان الأبرص " الزعيم المعصوم الذي لايقهر ....لابد هنا من الإشارة إلى أسلوب حمدان الأبرص الذي اعتبر " مزار الدب " ملكاً تابعا له ، الغى الأرض والإنسان، وقال : مالكم لي ومالي لكم ، أنا هو المزار والمزار أنا....إذن أنتم لي .
رواية لايمكن للمرء قراءتها كما تقرأ الرويات الأخرى ، لابد من التوقف عند كل جملة ، فللجمل معانيها العميقة وإسقاطاتها على ماعشناه إبان تلك الحقبة مع الأسد الأب، فحمدان الأبرص باعتماده على الأمن" إبراهيم الناطور " وعلى دور" نايف المفزلك "...لايعني أنه يثق بهم ، فهم مجرد أتباع مطيعة رهن بنانه، يستطيع أن يخسفهم أسفل سافلين لو شك في طاعتهم لحظة! فهم مجرد أداة توصله إلى مبتغاه ، يضحي بهم بسهولة حين يطلبون أكثر من دورهم ، وصل به الأمر أن أطلق على نفسه اسم " الهادي ...المعصوم " وأطلق عليه نايف المفزلك اسم " الشيخ القائد " ــ ص ــ58
وفي صفحة " 81 "أصبحت القرية تعيش على وتيرة حياة شيخها يملأها إحساس بأنه غدا محورها وسر وجودها ، ففتحت أمامه أبوابها وطلبت رأيه في قضاياها ، من الأكثر تفاهة إلى الأكثر خطورة وحميمية ، إلى أن أذابت كيانها فيه وربطت مصيرها برغباته وأوامره ...."
هذه العبارات تشي وتُفضي لشخصية نعرفها عن كثب " حافظ الأسد"، وحين نقرأ عن طرق القصاص التي يتبعها " حمدان الأبرص " ضد معارضيه أو مَن يجرؤ على مخالفة أوامره وعليه الانصياع والطاعة لما يصدر عنه فنرى أن الموت يأتيه من حيث لايدري، كما جرى للعجائز الثلاث "زهية العوض" التي سقط علها سقف البيت ووقعت "فاطمة الشوصا "في نبع الماء وكادت أن تغرق ، ثم ماجرى "لأم ديب البصارة "حين سقطت وكسرت ساقيها وإحدى يديها....وكيف يفرض عليهن طلب المغفرة والعفو من الشيخ الهادي....بربكم إلى أين يأخذكم هذا الخيال ؟
يصف" الهادي حمدان الأبرص" أعماله بقوله :" هو الرجل الذي هدم عالماً ليقيم مكانه عالماً من صنعه"ــ ص( 97 )، فأصبح طيفه يتطاول ويتعاظم مغطيأ الدنيا ، أيقن عندئذٍ أنه اقترب من النقطة التي يصبح فيها " روح الكون بأسره "!.
ثم أطلق عليه صفة الرسول صاحب الدعوة والرسالة! ، والرسالة هنا مأخوذه من استغلال " حافظ الأسد لحزب البعث لتثبيت نظامه ، حين حول هذا الحزب لقائد للدولة والمجتمع في المادة الثامنة من الدستور السوري لتثبيت نظامه ــ
لدرجة أن يديه المباركة حولت شعب المزار إلى عجينة يشكلها كما يشاء ....يُخرج منها خبزاً مقدساً يغذي الأرواح قبل الأبدان ، ناهيك عن محاولته إلغاء التاريخ وحصر تاريخ المزار ابتداء من لحظة هبوطه عليه ودخوله حياة المزاريين ، وعليهم نسيان ماكانوا عليه بل ووصل به الأمر لمراقبة أحلامهم فأنشأ جمعية لمراقبة أحلام المزاريين وتسجيلها، كما سبق وأنشأ لهم مجلساً وجمعية أخرى ينفذون من خلالها مايرسمه لهم من مشاريع زراعية وغير زراعية،، يخطط لهم مايزرعون ، ما يأكلون وما يلبسون....فأدخل على سبيل المثال زراعة التبغ التي لم يعرفها المزاريون سابقاً ،إذ اعتبر الأحلام هي الخطر الأكبر عليه وعلى رسالته ، ولهذا عليهم أن ينسوا ويفقدوا ذاكرتهم القديمة ...وألا يعرفوا إلا "رسالته الخالدة "! وقد قال ذراعه الأيمن فيها :" في كل رسالة خالدة شيء كثير من الظلم ولعله من الخير أن ينزل ظلمها بأتباعها المتفهمين أكثر مما يُنزله باتباعها المهتدين".
مزار الدب قراءة عميقة للواقع السوري إبان الثمانينات ، وكلنا يعلم ما ارتُكب من فظائع في تلك الحقبة " حماة، تدمر " والسجون المكتظة باليمين كما اليسارمن أبناء سورية ...
كم تمنيت لو أطال الله بعمرك ياميشيل لترى أولاً هذه الرواية وقد وُجد مخطوطها المفقود وقامت الغالية " شذى" بجهد نشرها ..لكني أيضا تمنيت أن تعيش أكثر لتتحفنا بعطائك الأدبي كما السياسي، الذي بدأنا نتذوقه من خلال روايتيك ( دير الجسور و مزار الدب )، كما أتمنى على كل عربي وكل سوري أن يقرأهما ، لما فيهما من إلمام وتشويق في العبارات، التي تبحث عميقاً وتنبش في الواقع الأمني والسياسي الذي حطم التاريخ والكيان السوري ــ المزاري " وأبَدَّهُ ليصبح مزرعة أسدية أو" مزرعه حمدانية "...فالموالي يستطيع أن يمارس كل الموبقات دون أن يطاله قانون، فالقانون هو الشيخ الهادي ...لكنه أيضا مُراقب وتحت قبضة الشيخ فلو التفتَ للأعلى أو سأل عن موضوع يتعلق بمصالح الشيخ وسيادته، فإن عنقه مربوطة بحبلٍ في يد الشيخ وماعليه إلا لف الحبل حول عنقه.
"أنتم هنا حيث أريد وهناك حيث أرغب" ، وماعلى شعب المزار إلا أن يتحولوا لرعايا مطيعة خانعة ...وهكذا رتب أوضاع المزار لتصبح قابلة " للجملوكية الوراثية " التي أرسى الأب قواعدها وصمم جدران نظامها الصلبة ...سهلة القيادة.
مزار الدب صورة يلعب فيها الخيال دور الواقع ...اقرأوا هذه التحفة ، التي قرأتكم ...وقرأت معاناتكم وأوضاعكم ...كي تثوروا من أجل استعادة أحلامكم ...
ــ باريس 20/06/2023
مزار الدب رواية لاتشبه أية رواية ، هي تفصيل لوضع كان ولايزال ــ مع شديد الأسف قائما ــ هي مخيال ميشيل المستمد من واقع محشو بالقهر، ميشيل الرجل المختلف ، المفكر الذي كرس جهده وحياته من أجل الإنسان في البلاد العربية عامة وفي سورية خاصة ، وطنه الذي أحبه وتفانى في حبه، ميشيل في" مزار الدب" أي سورية يُبرز الشخصية التي احتلت يوميات الناس وهبطت عليهم فجأة ، جاءتهم بشخص غريب بعد أن مروا بفجائع ومصائب تتالت ، فشمر هذا الشخص عن ساعديه واستخدم مُكره ودهاءه مستعينا بشخصيات تحتاج للظهور وتتميز بالعنف كشخصية " نايف المفزلك ، ذراعه الأيمن ــ وشخصية " إبراهيم الناطور صاحب العصا لمن عصا " وهذه الشخصية تحديدا مأخوذه من دور السلطة الأمنية التي ثبتت أقدام نظام " حمدان الأبرص " الزعيم المعصوم الذي لايقهر ....لابد هنا من الإشارة إلى أسلوب حمدان الأبرص الذي اعتبر " مزار الدب " ملكاً تابعا له ، الغى الأرض والإنسان، وقال : مالكم لي ومالي لكم ، أنا هو المزار والمزار أنا....إذن أنتم لي .
رواية لايمكن للمرء قراءتها كما تقرأ الرويات الأخرى ، لابد من التوقف عند كل جملة ، فللجمل معانيها العميقة وإسقاطاتها على ماعشناه إبان تلك الحقبة مع الأسد الأب، فحمدان الأبرص باعتماده على الأمن" إبراهيم الناطور " وعلى دور" نايف المفزلك "...لايعني أنه يثق بهم ، فهم مجرد أتباع مطيعة رهن بنانه، يستطيع أن يخسفهم أسفل سافلين لو شك في طاعتهم لحظة! فهم مجرد أداة توصله إلى مبتغاه ، يضحي بهم بسهولة حين يطلبون أكثر من دورهم ، وصل به الأمر أن أطلق على نفسه اسم " الهادي ...المعصوم " وأطلق عليه نايف المفزلك اسم " الشيخ القائد " ــ ص ــ58
وفي صفحة " 81 "أصبحت القرية تعيش على وتيرة حياة شيخها يملأها إحساس بأنه غدا محورها وسر وجودها ، ففتحت أمامه أبوابها وطلبت رأيه في قضاياها ، من الأكثر تفاهة إلى الأكثر خطورة وحميمية ، إلى أن أذابت كيانها فيه وربطت مصيرها برغباته وأوامره ...."
هذه العبارات تشي وتُفضي لشخصية نعرفها عن كثب " حافظ الأسد"، وحين نقرأ عن طرق القصاص التي يتبعها " حمدان الأبرص " ضد معارضيه أو مَن يجرؤ على مخالفة أوامره وعليه الانصياع والطاعة لما يصدر عنه فنرى أن الموت يأتيه من حيث لايدري، كما جرى للعجائز الثلاث "زهية العوض" التي سقط علها سقف البيت ووقعت "فاطمة الشوصا "في نبع الماء وكادت أن تغرق ، ثم ماجرى "لأم ديب البصارة "حين سقطت وكسرت ساقيها وإحدى يديها....وكيف يفرض عليهن طلب المغفرة والعفو من الشيخ الهادي....بربكم إلى أين يأخذكم هذا الخيال ؟
يصف" الهادي حمدان الأبرص" أعماله بقوله :" هو الرجل الذي هدم عالماً ليقيم مكانه عالماً من صنعه"ــ ص( 97 )، فأصبح طيفه يتطاول ويتعاظم مغطيأ الدنيا ، أيقن عندئذٍ أنه اقترب من النقطة التي يصبح فيها " روح الكون بأسره "!.
ثم أطلق عليه صفة الرسول صاحب الدعوة والرسالة! ، والرسالة هنا مأخوذه من استغلال " حافظ الأسد لحزب البعث لتثبيت نظامه ، حين حول هذا الحزب لقائد للدولة والمجتمع في المادة الثامنة من الدستور السوري لتثبيت نظامه ــ
لدرجة أن يديه المباركة حولت شعب المزار إلى عجينة يشكلها كما يشاء ....يُخرج منها خبزاً مقدساً يغذي الأرواح قبل الأبدان ، ناهيك عن محاولته إلغاء التاريخ وحصر تاريخ المزار ابتداء من لحظة هبوطه عليه ودخوله حياة المزاريين ، وعليهم نسيان ماكانوا عليه بل ووصل به الأمر لمراقبة أحلامهم فأنشأ جمعية لمراقبة أحلام المزاريين وتسجيلها، كما سبق وأنشأ لهم مجلساً وجمعية أخرى ينفذون من خلالها مايرسمه لهم من مشاريع زراعية وغير زراعية،، يخطط لهم مايزرعون ، ما يأكلون وما يلبسون....فأدخل على سبيل المثال زراعة التبغ التي لم يعرفها المزاريون سابقاً ،إذ اعتبر الأحلام هي الخطر الأكبر عليه وعلى رسالته ، ولهذا عليهم أن ينسوا ويفقدوا ذاكرتهم القديمة ...وألا يعرفوا إلا "رسالته الخالدة "! وقد قال ذراعه الأيمن فيها :" في كل رسالة خالدة شيء كثير من الظلم ولعله من الخير أن ينزل ظلمها بأتباعها المتفهمين أكثر مما يُنزله باتباعها المهتدين".
مزار الدب قراءة عميقة للواقع السوري إبان الثمانينات ، وكلنا يعلم ما ارتُكب من فظائع في تلك الحقبة " حماة، تدمر " والسجون المكتظة باليمين كما اليسارمن أبناء سورية ...
كم تمنيت لو أطال الله بعمرك ياميشيل لترى أولاً هذه الرواية وقد وُجد مخطوطها المفقود وقامت الغالية " شذى" بجهد نشرها ..لكني أيضا تمنيت أن تعيش أكثر لتتحفنا بعطائك الأدبي كما السياسي، الذي بدأنا نتذوقه من خلال روايتيك ( دير الجسور و مزار الدب )، كما أتمنى على كل عربي وكل سوري أن يقرأهما ، لما فيهما من إلمام وتشويق في العبارات، التي تبحث عميقاً وتنبش في الواقع الأمني والسياسي الذي حطم التاريخ والكيان السوري ــ المزاري " وأبَدَّهُ ليصبح مزرعة أسدية أو" مزرعه حمدانية "...فالموالي يستطيع أن يمارس كل الموبقات دون أن يطاله قانون، فالقانون هو الشيخ الهادي ...لكنه أيضا مُراقب وتحت قبضة الشيخ فلو التفتَ للأعلى أو سأل عن موضوع يتعلق بمصالح الشيخ وسيادته، فإن عنقه مربوطة بحبلٍ في يد الشيخ وماعليه إلا لف الحبل حول عنقه.
"أنتم هنا حيث أريد وهناك حيث أرغب" ، وماعلى شعب المزار إلا أن يتحولوا لرعايا مطيعة خانعة ...وهكذا رتب أوضاع المزار لتصبح قابلة " للجملوكية الوراثية " التي أرسى الأب قواعدها وصمم جدران نظامها الصلبة ...سهلة القيادة.
مزار الدب صورة يلعب فيها الخيال دور الواقع ...اقرأوا هذه التحفة ، التي قرأتكم ...وقرأت معاناتكم وأوضاعكم ...كي تثوروا من أجل استعادة أحلامكم ...
ــ باريس 20/06/2023