نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


هل هي دعوات للسلام أم لإنقاذ بوتين؟






تكرّرت خلال الشهر الأخير تصريحات المسؤولين الروس التي تعلن انفتاح موسكو على عقد مفاوضات سلام حول أوكرانيا، وتسعى روسيا من هذه الدعوات الى إظهار نفسها كطرف مُحب للسلام وإظهار قادة أوكرانيا إذا رفضوا هذه الدعوات كمتشدّدين، رغم أن روسيا هي الدولة المعتدية التي بدأت الحرب، كما تهدف إلى التغطية على جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الروسية يومياً إن كان في قصف المناطق السكنية والمنشآت الاقتصادية ومحطات الطاقة بشكل متعمّد أو في المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها في كل منطقة يتم تحريرها من القوات الروسية.


 
ولكن صيغة الدعوة فضفاضة لا تتحدّث عن أهداف محددة للمفاوضات أو جداول زمنية لتنفيذها، ولكن يمكن أخذ فكرة عن الأهداف الحقيقية للروس في دعوتهم تلك من خلال ما يطرحه أحد حلفاء بوتين الدوليين وهو الرئيس التركي إردوغان، الذي رغم خلافه مع بوتين في كثير من الملفّات ولكنه لا يستطيع تحمّل فكرة خسارته للحرب، لأن ذلك يحرمه من الطرف الدولي الذي يستند عليه أو يهدّد بالتقرّب منه كلما تعرّض لضغوط غربية تتعلق بملف حقوق الإنسان أو باستفزازاته لقبرص واليونان في شرق المتوسط. 
فالرئيس إردوغان عند حديثه عن السلام يعطي الأولوية لوقف إطلاق النار بما يوحي بأن هذا هو المطلب الحقيقي للقادة العسكريين الروس، لأنه يمنحهم الوقت لإعادة تجميع قواتهم وبناء مخزونات الذخيرة والصواريخ واستبدال الأسلحة التي تمّ تدميرها، كما أنه يوقف زخم الهجوم الأوكراني الحالي المترافق مع روح معنوية عالية لأن أي خسارة إستراتيجية جديدة للجيش الروسي بعد الضربتين الكبيرتين اللتين تلقّاهما في إيزيوم وليمان في الشرق وفي خيرسون في الجنوب قد يهدد سلطة بوتين، ففي الأشهر الماضية ارتفعت في روسيا أصوات غير مسبوقة ابتدأت بالهجوم على أداء القادة العسكريين لتصل فيما بعد إلى انتقاد بوتين نفسه ومن قبل أقرب الداعمين له مثل الفيلسوف القومي دوغين.
وتأمّل روسيا التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار خلال فصل الشتاء لأنها ستفقد بعدها ورقة ضغط على الغرب في ملف الغاز كما سيكون قصف محطات الطاقة الأوكرانية ذو تأثير أقل على الرأي العام الداخلي، ولذلك وصل الأمر بحلفاء بوتين إلى طلب حتى ولو هدنة قصيرة، ولكن الرئيس زيلينسكي رفضها موضّحاً "أن روسيا تبحث الآن عن فترة راحة لاستعادة قوتها وبعضهم ينظر إلى هذا الطلب وكأنه يعني نهاية الحرب مع أنه لن يؤدي إلّا إلى تفاقم الوضع لأن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلّا بالقضاء على العدوان الروسي". 
ويستخدم دعاة القبول بوقف إطلاق النار ذريعة التهديدات الروسية باستخدام أسلحة نووية رغم أن هذه التهديدات فقدت فعاليتها عند الرأي العام العالمي لأن الأوكرانيين أنفسهم المعنيين بهذه التهديدات لم يعطوها أهمية، ولأن جريمة مثل هذه سيترتّب عليها نتائج لا يمكن إصلاحها من ناحية النظرة إلى بوتين ومن ناحية مكانة روسيا الدولية نفسها. 
ولعلّ أحد أهم أهداف هذه الدعوة لمفاوضات سلام إحداث شرخ بين دول الغرب خصوصاً لأن هذه الدول تتفاوت في درجة دعمها لأوكرانيا، فجمهوريات البلطيق وبولندا وفنلندا وبريطانيا ودول أخرى تتبنّى مواقف مؤيدة دون تحفّظ لأوكرانيا وتؤيدها بكل طاقتها، لأن أغلب دول أوروبا الشرقية والدول الإسكندنافية تعتقد أن هزيمة أوكرانيا ستجعلها الهدف الثاني لبوتين وترى أن أوكرانيا تقاتل بالنيابة عنها وعن العالم الحر. 
بينما هناك دول في أوروبا مثل ألمانيا وإيطاليا تقف مع أوكرانيا وتدعمها ولكنها تعتقد أن الحل السياسي هو الطريق الأمثل لإنهاء هذه الحرب دون مطالبة أوكرانيا بتقديم أي تنازل في ما يتعلق بوحدة أراضيها، وهناك دول أخرى تعطي أولوية لتحقيق السلام حتى لو اقتضى ذلك تقديم بعض التنازلات من أوكرانيا دون أن تعلن ذلك صراحةً مثل فرنسا، وهناك أقصى اليمين وأقصى اليسار الأوروبي الذي يقف ضمنيّاً مع بوتين دون أن يصرّح بذلك علناً ولكن ليس لهؤلاء تأثير كبير على الرأي العام ولذلك يختبئون الآن خلف احتجاجات شعبية على تدهور الأوضاع المعيشية بسبب الحرب. 
أما في الولايات المتحدة وهي الطرف الأساسي الداعم لأوكرانيا فيمكن سماع كل الآراء السابقة، وصحيح أن الرأي العام الأميركي مُتعاطف مع أوكرانيا ولكن تطوّر الأحداث على الأرض هو الذي ساعد على بلورة السياسات التي انتهجتها الإدارة الديمقراطية الحالية، ففي الأسابيع القليلة التي سبقت الغزو والأسابيع الأولى بعده كانت أصوات "الواقعيين" هي الأعلى وهم الحريصين على أن لا تتورّط الولايات المتحدة تحت أي ظرف في مواجهة مباشرة مع روسيا، ولذلك كانوا يعملون وقتها على تهيئة الرأي العام الأميركي لتقبّل فكرة هزيمة الجيش الأوكراني على يد الروس بل كانوا يتوقّعون سقوط كييف خلال ساعات أو أيام، ولذلك دعوا زيلينسكي للخروج من كييف إلى بلد آمن ليتابع "نضاله" من هناك عبر حكومة منفى، لكن صمود الأوكرانيين هو الذي أضعف موقف هؤلاء ورجّح موقف دعاة تبنّي سياسة واضحة وحازمة في التصدّي للعدوان الروسي ودعم الجيش الأوكراني. 
واليوم بعد تسعة أشهر من الحرب عادت أصوات نفس هؤلاء "الواقعيين" للارتفاع والمطالبة بوقف إطلاق النار بعضهم يتذرّع ببداية فصل الشتاء وبناء الروس خطوط دفاعية حصينة، وآخرون بتجنّب إذلال بوتين والتهديدات النووية الروسية، ولكن عقبات عديدة تواجههم، أولها أنه من الصعب فرض تسوية على أوكرانيا تتضمّن منح بوتين أراضي استولى عليها خلال الأسابيع الأولى من الحرب رغماً عن القيادة الأوكرانية. 
ولذلك يلجأ بعضهم إلى تصوير زيلينسكي كزعيم متشدّد أو غير واقعي في مطالبه، وبعضهم يضعه في كفّة واحدة مع بوتين مع أن الأخير ديكتاتور يحكم روسيا منذ أكثر من 22 عام ولا تحظى مغامرته الأوكرانية بإجماع شعبي كما ظهر في هروب مئات آلاف الشباب خارج روسيا لتجنّب المُشاركة في هذه الحرب، وما اظهرته بعض المعارك من غياب الدافع للقتال عند كثير من الجنود الروس، بينما زيلينسكي رئيس مُنتخب ويحظى بتأييد شعبي واسع، فمهما ازدادت الضغوط عليه لن يكون بإمكانه تقديم أي تنازل دون استفتاء شعبي. 
ومن الصعب تبرير موقف أميركي يضغط على الأوكرانيين للقبول بأي شيء، ولذلك وقبل يومين فقط أكّد البيت الأبيض أن "زيلينسكي هو الوحيد الذي يمكنه الموافقة على بدء مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا" ونافياً وجود أي ضغوط أمريكية في هذا الاتجاه، بما يوضّح أن الكثير من ما يتم تداوله إعلامياً ليس أكثر من بروباغندا هدفها زرع الإحباط عند الرأي العام الأوكراني والغربي الداعم لأوكرانيا. 
أي أن الأسابيع القادمة ستشهد نشاطاً وضغوطاً على الإدارة الأميركية من التيارات التقليدية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وأوكرانيا وحلفائها الأوروبيين لمواصلة دعم الجيش الأوكراني وتوسيعه، وسيكون هناك ضغوط معاكسة من أقصى اليمين وأقصى اليسار في الولايات المتحدة لتحجيم الدعم لأوكرانيا. 
ولكن يمكن أخذ فكرة عن الموقف السائد عند شريحة واسعة من الرأي العام الغربي في ما قاله رئيس الوزراء البريطاني قبل أيام ومن قلب كييف، "سنقف إلى جانبكم حتى تحقّق أوكرانيا السلام والأمن الذي تستحقّه، إن شجاعة الشعب الأوكراني مصدر إلهام للعالم وسنخبر أحفادنا بقصتكم وكيف وقف شعب فخور في مواجهة هجوم مروّع وكيف قاتلتم وضحّيتم وانتصرتم"، ولذلك تقول المؤشرات حتى الآن إن زخم الحرب سيستمر إلى أن يصبح بالإمكان رسم سيناريو تستعيد فيه أوكرانيا الأراضي التي احتلها الروس في هذه الحرب مع إيجاد شيء يمكن تقديمه لبوتين كانتصار أمام الرأي  العام الروسي
--------
الحرة. 

د. عماد بوظو
الاثنين 28 نونبر 2022