نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


هل ثمة مستقبل لسوريا التي نعرفها؟




يكفي أن ترى الأدوات التي يستخدمها أي حرفيّ أو بنّاء، لتخمِّن إن كان بوسعه القيام بعمله المفترض وبأية درجة من الاتقان. ولو طبقنا هذا المبدأ في ميدان السياسية، يمكن أن نستشرف إمكانية نهوض سوريا من جديد، ليس كما كانت عليه بالطبع، ولكن كدولة حديثة يسودها القانون. فماذا لدينا من سياسيين ومشاريع سياسية من أجل ذلك؟ الجواب حالياً، وببساطة، لا أحد ولا شيء. لكن ثمة ممكنات ولو ضئيلة، وهذا ما يجعلني ألاحق بصيص الأمل، قبل أن أكسر قلمي وأستريح!
 


 
تختلف سوريا المنهارة عن غيرها من الدول التي مرت بظروف مشابهة، بأنها لا تمتلك خريطة طريق تجعل الخروج من هذا الخراب مسألة وقت، فلا القوى القديمة، الحاكمة أو المعارضة، أثبتت أن لديها ما تقدمه بهذا الخصوص، والواقع يشهد على ذلك، ولا توجد قوى ثالثة تمتلك مشاريع جاهزة للتصدي لضرورات التغيير، مدفوعة بإرادة شعبية قوية. كما أن القوى الفاعلة في هذا العالم لا تبدو معنية بما يحدث، إلا بما يلامس مصالحها الخاصة.
وفي كل الحالات، لا عذر لهؤلاء الذين ارتضوا الاستقواء بالأجنبي والتبعية له، ولا يزالون يتكلمون بما يفرِّق، وأولئك الذين استخدموا ويستخدمون أدوات طائفية أو قومية أو فئوية، ويتبادلون الحديث عن المظالم التاريخية والمستجدة، ليس بهدف استخلاص الدروس، إنما ليجتروها ويتقاذفوها ككرة الطائرة.
لا نعذرهم لأنهم يدعوننا للغرق أكثر فأكثر في المستنقع السوري، بعيداً عن وطن ما زلنا نحلم به. لكن، وقبل أن نخطو في اتجاه الوطن، الحلم، لا بد من مراجعة بعض الأكاذيب التي صدقناها أو أُجبرنا على ذلك!

الكذبة الأولى، الأشهر والأعم في منطقتنا، هي أن الاستعمار وإسرائيل سبب تخلفنا، كأننا كنا في ازدهار ونعيم وجاء من يحطم حضارتنا وقيمنا! في الواقع، لم نكن نمتلك غير عصبيات موروثة يعود بعض جذورها إلى الصراع القيسي – اليماني، ولم نمتلك الإرادة يوماً لتغييرها بما يساير الحاضر ويتطلع نحو المستقبل، وقبلنا أن نعيش على فتات الآخرين، من لباس البالة إلى التقنيات المفصولة عن أدمغتنا العاجزة حتى عن التقليد، فماذا لو فكرنا بأن نستفيد من أعدائنا ونقلدهم في إنجازاتهم، ونحاربهم بأسلحة العلم والمعرفة، عوضاً عن سيوفنا الصدئة التي لم تربح معركة واحدة؟
الكذبة الثانية هي أن الماضي يمكن أن يعود، أو أنه يصلح لحياة هذه الأيام، باسم الشرائع وغيرها، فكيف لثبات أن يعبِّر عن تدفق نهر الحياة؟ لنتذكر، من الناحية الاجتماعية، كيف تم إجهاض قانون الأحوال المدنية ذي الصلة باتفاقية 1936 بين سلطة الانتداب والحكومة السورية، والاستعصاء الذي ما زال سارياً حتى الآن في هذا المجال، نتيجة إغلاق باب الاختيار، وقد سفّهنا شعار “الدين لله والوطن للجميع” بجهلنا وتعصبنا، فبقينا قبائل وطوائف وأديان وإن سكنا في أحياء مختلطة. أما السياسة، فلم نفهمها مصالح وإنجازات، وهللنا لكل زعيم، حتى قدمنا بلدنا للاستبداد على طبق من ذهب.

الكذبة الثالثة هي أن سوريا المتنوعة، بيئياً وبشرياً وثقافًة وأدياناً، يمكن أن تُحكم مركزياً وحسب. أليس من اللافت أن رفض الاعتراف بخصوصية ثلاث مناطق سورية، المنطقة الساحلية وجبل العرب والجزيرة السورية، وصولاً إلى ضمها قسراً من قبل حكومات الكتلة الوطنية بعد الاستقلال، أن هذه المناطق قد عادت لتعبر عن فرادتها بصورة ما بعد انفجار عام 2011، فضلاً عن نشوء كانتونات جديدة؟
الكذبة الرابعة هي الاعتقاد بأن الاستبداد والقمع يمكن أن يبني أوطاناً قابلة للحياة. فلو وجد المرء نفسه في مأزق وضاع طريق الحل أمامه، يمكن أن يستعين بأي مدّعٍ ليجرب حظه في إنقاذه. هذا ما فعله السوريون في عام 1958 بلجوئهم إلى عبد الناصر، وحين فطنوا بأنهم وقعوا في الفخ، انقلبوا عليه. لكن، ولأنهم لم يمتلكوا برامج لحل المشاكل الوطنية العالقة والملحة، وأهمها تنمية الريف والإصلاح الزراعي، جاء انقلاب البعثيين وحلفائهم الناصريين بتلك السهولة عام 1963، ليتابعوا عهد الوحدة المشؤوم، سياسياً واقتصادياً. ثم تتابعت التصفيات الداخلية في تموز 1963 وفي 1966 و 1970، وصولاً إلى ترسيخ حالة الاستنقاع وعبادة الفرد وتعميم القمع وإضاعة فرص التغيير وانفجار البلد.

مئة عام مضت من دون مشروع للتغيير قابلٍ للحياة في المنطقة عامة وسوريا خاصة، قرن من الزمن تكررت خلاله الأزمات والكوارث، والجميع مغتبطون بـ “نعمة” لا وعيهم، شعوباً ونخباً، ينتظرون منقذاً من الأرض والسماء ولا يأت، لتعود التناقضات والعصبيات بصورة أمرّ وأقسى مما كانت عليه، وبتعبيراتها الأكثر دموية بعد 2011.
إن مفتاح الحل هو الاعتراف بأن مشاكلنا داخلية وحلها بالأساس من الداخل، لكن بأدوات عصرية، على أن يتم توظيف كل العلاقات والمساعدات الخارجية لخدمة هذا النهج، حينئذٍ، نكون قد امتلكنا مشروعنا الخاص. أما الحديث عن المؤامرات والتدخلات والاحتلالات، قبل الاعتراف بمسؤوليتنا عما حدث، فمكانه سلة مهملات التاريخ المليئة بها.

عام آخر ينقضي وقد تحولت أحلام السوريين إلى أنقاض، ولا أمل يلوح في الأفق. لكن الأمور لن تبقى على حالها، ومساهمتنا فيها هو ما يجعلها تغييراً يمكن أن يكون في صالح بلدنا وخير أهله، حتى لا تنتهي أعمار أبنائنا وهم ينتظرون، كما ضاعت أعمارنا في الانتظار. وعسى أن يكون العام القادم أفضل حالاً للسوريين وللبشرية جمعاء.
----------
  الناس نيوز

د . منير شحود
الجمعة 30 ديسمبر 2022