لقد حدثت أشياء كثيرة يا أخي “إيمانويل”، ولكن من أهم ما حدث أن الكنيسة المصرية قد تدخلت في الحياة السياسية، وتحالَفَتْ وناضَلَتْ مع كل قوى الاستبداد في الداخل والخارج لكي تعود مصر إلى أحضان الحاكم الظالم، ذلك الحاكم الذي تشكو منه أنت الآن، وتقول عنه إن المسيحيين في عهده “يحصلون على حقوقهم الإنسانية بناءً على حجم مساندتهم للنظم السياسية”!
هذا كلامك يا عزيزي!
*
سأحكي لك قصة لطيفة يا عزيزي “إيمانويل”.. الحقيقة هي لطيفة وسخيفة.. جزء منها لطيف كالفراشة، وجزء آخر سخيف سخافة خطابات الضبع الحاكم..
تقول القصة: قامت ثورة يناير في عام 2011م، وكنا في الميدان لا فرق بين مسلم ومسيحي، يصلي المسلم ويحرسه القبطي، يتوضأ من ماء يصبه أخوه المواطن الذي يخالفه في الدين..
يصلي المسيحيون في الميدان ومن حولهم عشرات الآلاف من إخوتهم المسلمين يحرسون قداساتهم..
خلال الأيام التي قضيناها في الميادين ثبت بالدليل القاطع أن يدا لم تمتد إلى كنيسة.. اللهم إلا يد الأمن.. تلك اليد التي فجرت كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، فقتلت المصريين الذي يصلون داخلها لمجرد مكاسب سياسية..
هذا هو الجزء اللطيف من القصة..
تتساءل عن الجزء السخيف؟
حسنا..
الجزء السخيف يتكون من عدة أجزاء.. الجزء الأول:
بعد نجاح الثورة في خلع مبارك، انضم الشباب المسيحيون الذين كانوا في الميادين إلى إخوتهم المصريين في نضالهم ضد الاستبداد، فبدأوا مبادرات فعالة لبناء مصر في مؤسسات المجتمع المدني، وانضموا أيضا لأحزاب سياسية..
وأنا أقول لك إنني كنت شاهدا على إجبار الكنيسة لكل هؤلاء الشباب على الانضواء تحت لواء الكنيسة (بصفتها الممثل السياسي للأقباط)، أي أن يعملوا في الحياة السياسية طبقا لتوجيهات الكنيسة لا طبقا لآرائهم الحرة، وتوجهاتهم السياسية!
.
كان ذلك دأب الكنيسة منذ عشرات السنين، وكم هُدد السياسيون الأقباط بالحرمان إذا تجاوزوا الخطوط الكنسية الحمراء (تلك الخطوط التي تضعها أجهزة الأمن).
لقد استقال أمامي شباب مسيحيون من عدة أحزاب سياسية، وذلك بعد أن أجبرت الكنيسة أسرهم على الضغط عليهم، وأصبح المتاح أمام الشاب المسيحي أحزاب محددة، أحزاب كلنا نعرفها..
لقد وصل الأمر إلى حد التهديد بالحرمان.. وأنت تعرف ما الحرمان يا عزيزي “إيمانويل”!
أما الجزء الثاني من الجزء السخيف من القصة..
يُحكى أن انقلابا عسكريا -سماه البعض ثورة- جرى في الثالث من تموز/ يوليو من عام 2013م، كان من أهم المساندين له في الداخل والخارج هو “الكتلة التصويتية” التي تزعم أنها كتلة تصويتية!
الكتلة التصويتية التي تقول أنت بلسانك إنها تعيش في بلد ليس فيه تجربة برلمانية أصلا.
الكتلة التصويتية التي رفعت صوتها بأن ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو هو “ثورة أبناء المسيح”، هكذا بكل صراحة.. ولك أن تتخيل لو أن شخصا يدين بدين آخر وصف عملا بهذا الوصف الديني الطائفي كم سكينا كانت ستقطعه هو وآله وصحبه!
*
عزيزي “إيمانويل”.. عزيزي المصري المسيحي..
لقد ظهرت الحقيقة.. أنتم كبقية المصريين، مجرد عبيد عند حاكم يعتبر الوطن “عزبته الخاصة”، لا قيمة لكم إلا لأنكم تدعمون الحاكم الظالم، وقيمتكم “مؤقتة” حتى يتمكن من الحكم والسيطرة، ثم يقلب لكم ظهر المجن، ولا يمكن أن يكون لكم حقوق، لأن الحقوق تعني أن تتغير الدولة وتصبح دولة قانون، ودولة القانون يستحيل أن يحكمها قطيع من الضباع لا يبالي بموت الناس محروقين في دور العبادة، ولا يبالي بالخدمات التي يقدمها قطاع المطافئ المخصص لخدمة “العبيد”..
المطافئ التي تقوم بدورها على أكمل وجه ستجدها هناك.. بعيدا.. خلف الأسوار.. في العاصمة الإدارية الجديدة.. في العلمين.. في المنتجعات مليارية التكلفة التي يعيش فيها بضع عشرات أو بضع مئات من المصريين والأجانب.. هناك.. بجوار يخوتهم، وطائراتهم الخاصة..
لا ترفع صوتك بالشكوى من الظلم، وإذا أردت أن تفعل فارفع صوتك أولا على الكنيسة التي ورطتك أنت والفقراء المحروقين في مغامرات سياسية لا طائل من ورائها، وفي ثأرات لا قبل لكم بها..
.
إن الخطوة الأولى للتغيير يا عزيزي “إيمانويل” أن تتراجع الكنيسة، وأن تعود مجرد مؤسسة دينية، وأن يصبح البابا أسقفا مهمته دينية.. وأن يرفض أن يكون “مقاول أنفار” عند كل انقلاب عسكري، أو عند كل مجزرة تحتاج لمصفقين، أو عند كل تظاهرة دولية يتباهى بحضورها “ديك البرابر”!
*
أعلم جيدا عزيزي “إيمانويل” أنك قد ترد عليّ بأن بعض الإسلاميين تحالفوا مع العسكر، وكانت مواقفهم من الأقباط ومن مجرزة ماسبيرو وغيرها مخزية، وأن ذلك تسبب في ردة فعل عند الأقباط، وأن ذلك سهّل مهمة الكنيسة في الاستحواذ على الشباب المسيحي مرة أخرى.. وهذا الكلام صحيح، وهؤلاء الإسلاميون غالبيتهم من صنع الأجهزة الأمنية أصلا، وقد ثبت ذلك في مراحل لاحقة، وما تقوله ليس مبررا للقضاء على تجربة ديمقراطية ناشئة.. وليس مبررا لاعتبار الكنيسة هي الحزب السياسي للأقباط.. والواجب اليوم أن نتعلم من هذه التجربة، لكي لا تكرر.. (أقول ذلك لأن هناك تجربة أخرى ستبدأ قريبا.. فنحن نعيش نهايات عهد أسود)!
في النهاية لقد جنينا جميعا الشوك والدم بسبب تحالف القوى الإسلامية والليبرالية مع العسكر، جنينا الويل بسبب خضوع الكنيسة والأزهر وكل المؤسسات لمجموعة من الضباط العملاء.. وتبيّن للجميع أنهم قد لعبوا بالجميع، وأسسوا دولة قمعية، أساسها الظلم، وعمدة نظامها أن تظل الغالبية العظمى من الشعب فقراء محتاجين، وأن تُقطع رأس كل من يتشوق لأي حق من حقوقه، لا فرق بين من يطالب بحقه في الرغيف، أو بحقه في كنيسة، أو حتى بحقه في شربة ماء من النيل الذي لا يعلم أحد مصيره!
*
لقد قلت في خطابك يا “إيمانويل” أن هذا الملف “يخص المسلمين قبل المسيحيين”، وهذا حقيقي، وأنا كمواطن مصري مسلم.. أقول لك إنك قد كتبت العلاج، فلا تتهرب أنت أيضا من المسؤولية.. الحل أن يكون هناك برلمان حقيقي، وحياة نيابية حقيقية، ومن العار أن نتحسر على الحياة البرلمانية ثم نطالب “الجهات السيادية” بالتدخل.. أنت تطالب تلك الجهات بالتدخل لمظلمتك أنت فقط.. وليحترق الوطن كله!
من المؤسف أن يكون كلامك عن “الدستور” يدعو إلى الرثاء لحالنا.. أكثر مما يدعو إلى الضحك!
أما مسألة أنه “لا يتصور أحد أن فكرة بناء كنيسة وفق المعايير الهندسية السليمة تحتاج إلى كل هذه المعاناة، وكل هذه الدماء”، فاسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ..
.
مصر لن تنصلح إلا بكثير من الدماء، وقد بدأنا نزف الدماء في عام 2011م (وسنستمر)، ومن الأجدى لنا جميعا أن ننزف هذه الدماء لتغيير الحاكم الظالم بدلا من نزفها في الكنائس المحترقة، والعبارات الغارقة، والقطارات المتصادمة.
الكل مظلوم في مصر يا عزيزي.. والظالم معروف.. أنت مظلوم لأنك مصري.. قبل أن تكون مظلوما لأنك تصلي لهذا الإله أو ذاك.. فهناك إله في القصر يُعبد في الأرض دون كل الآلهة، وهو لا يقبل إلا بتقسيم الناس، فاتحادهم زواله..
صحيح أنك كتبت رأيك بجرأة أحييك عليها.. ولكنك كتبته أيضا لأنك مسيحي، كتبته معتقدا أن الكنيسة التي تتحالف مع النظام الحالي.. ستحميك من بطش الأجهزة التي نعلمها..
لست أدري هل سيفهم المصري المسيحي ما أعنيه؟ أم لا؟ هل تفهم ما أعنيه يا “إيمانويل”؟
لقد أصبح الوضع معقدا، فالمسيحي المصري يعيش معتقدا أن السبب الوحيد الذي يؤدي إلى اضطهاده هو أنه مسيحي، وفي الوقت نفسه يرى هذا المواطن نفسه أن السبب الوحيد الذي يحميه من البطش أيضا.. هو أنه مسيحي! وبالتالي يعيش في حيرة بين أن يكون قبطيا يتمتع بقدر من الحماية لأسباب “طائفية”، وبين أن يكون مواطنا يحميه القانون!
في النهاية.. لا بد أن يحدد الأقباط موقفهم.. هل هم مواطنون؟ أم أقباط؟
ولكل إجابة تبعات كثيرة..
لقد جرب الأقباط أن يكونوا “أقباطا”، تحركهم الأوامر الكنسية لدعم النظام العميل في تظاهراته في الداخل والخارج، أمام الاتحادية وفي ميدان التحرير.. أمام البيت الأبيض وفي 10 داوننج ستريت.. وها هم يتحسرون على عدم وجود تجربة برلمانية، وعدم وجود قانون.. والخ.. الخ.
فليفكر الأقباط مرة أن يكونوا مواطنين.. ربما تكون النتيجة -بعد نضج التجربة- مختلفة!
أكرر عزائي لكل مكلوم.. وتأييدي لكل مظلوم..
حفظ الله مصر من حكامها..
--------
الايام
هذا كلامك يا عزيزي!
*
سأحكي لك قصة لطيفة يا عزيزي “إيمانويل”.. الحقيقة هي لطيفة وسخيفة.. جزء منها لطيف كالفراشة، وجزء آخر سخيف سخافة خطابات الضبع الحاكم..
تقول القصة: قامت ثورة يناير في عام 2011م، وكنا في الميدان لا فرق بين مسلم ومسيحي، يصلي المسلم ويحرسه القبطي، يتوضأ من ماء يصبه أخوه المواطن الذي يخالفه في الدين..
يصلي المسيحيون في الميدان ومن حولهم عشرات الآلاف من إخوتهم المسلمين يحرسون قداساتهم..
خلال الأيام التي قضيناها في الميادين ثبت بالدليل القاطع أن يدا لم تمتد إلى كنيسة.. اللهم إلا يد الأمن.. تلك اليد التي فجرت كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، فقتلت المصريين الذي يصلون داخلها لمجرد مكاسب سياسية..
هذا هو الجزء اللطيف من القصة..
تتساءل عن الجزء السخيف؟
حسنا..
الجزء السخيف يتكون من عدة أجزاء.. الجزء الأول:
بعد نجاح الثورة في خلع مبارك، انضم الشباب المسيحيون الذين كانوا في الميادين إلى إخوتهم المصريين في نضالهم ضد الاستبداد، فبدأوا مبادرات فعالة لبناء مصر في مؤسسات المجتمع المدني، وانضموا أيضا لأحزاب سياسية..
وأنا أقول لك إنني كنت شاهدا على إجبار الكنيسة لكل هؤلاء الشباب على الانضواء تحت لواء الكنيسة (بصفتها الممثل السياسي للأقباط)، أي أن يعملوا في الحياة السياسية طبقا لتوجيهات الكنيسة لا طبقا لآرائهم الحرة، وتوجهاتهم السياسية!
.
كان ذلك دأب الكنيسة منذ عشرات السنين، وكم هُدد السياسيون الأقباط بالحرمان إذا تجاوزوا الخطوط الكنسية الحمراء (تلك الخطوط التي تضعها أجهزة الأمن).
لقد استقال أمامي شباب مسيحيون من عدة أحزاب سياسية، وذلك بعد أن أجبرت الكنيسة أسرهم على الضغط عليهم، وأصبح المتاح أمام الشاب المسيحي أحزاب محددة، أحزاب كلنا نعرفها..
لقد وصل الأمر إلى حد التهديد بالحرمان.. وأنت تعرف ما الحرمان يا عزيزي “إيمانويل”!
أما الجزء الثاني من الجزء السخيف من القصة..
يُحكى أن انقلابا عسكريا -سماه البعض ثورة- جرى في الثالث من تموز/ يوليو من عام 2013م، كان من أهم المساندين له في الداخل والخارج هو “الكتلة التصويتية” التي تزعم أنها كتلة تصويتية!
الكتلة التصويتية التي تقول أنت بلسانك إنها تعيش في بلد ليس فيه تجربة برلمانية أصلا.
الكتلة التصويتية التي رفعت صوتها بأن ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو هو “ثورة أبناء المسيح”، هكذا بكل صراحة.. ولك أن تتخيل لو أن شخصا يدين بدين آخر وصف عملا بهذا الوصف الديني الطائفي كم سكينا كانت ستقطعه هو وآله وصحبه!
*
عزيزي “إيمانويل”.. عزيزي المصري المسيحي..
لقد ظهرت الحقيقة.. أنتم كبقية المصريين، مجرد عبيد عند حاكم يعتبر الوطن “عزبته الخاصة”، لا قيمة لكم إلا لأنكم تدعمون الحاكم الظالم، وقيمتكم “مؤقتة” حتى يتمكن من الحكم والسيطرة، ثم يقلب لكم ظهر المجن، ولا يمكن أن يكون لكم حقوق، لأن الحقوق تعني أن تتغير الدولة وتصبح دولة قانون، ودولة القانون يستحيل أن يحكمها قطيع من الضباع لا يبالي بموت الناس محروقين في دور العبادة، ولا يبالي بالخدمات التي يقدمها قطاع المطافئ المخصص لخدمة “العبيد”..
المطافئ التي تقوم بدورها على أكمل وجه ستجدها هناك.. بعيدا.. خلف الأسوار.. في العاصمة الإدارية الجديدة.. في العلمين.. في المنتجعات مليارية التكلفة التي يعيش فيها بضع عشرات أو بضع مئات من المصريين والأجانب.. هناك.. بجوار يخوتهم، وطائراتهم الخاصة..
لا ترفع صوتك بالشكوى من الظلم، وإذا أردت أن تفعل فارفع صوتك أولا على الكنيسة التي ورطتك أنت والفقراء المحروقين في مغامرات سياسية لا طائل من ورائها، وفي ثأرات لا قبل لكم بها..
.
إن الخطوة الأولى للتغيير يا عزيزي “إيمانويل” أن تتراجع الكنيسة، وأن تعود مجرد مؤسسة دينية، وأن يصبح البابا أسقفا مهمته دينية.. وأن يرفض أن يكون “مقاول أنفار” عند كل انقلاب عسكري، أو عند كل مجزرة تحتاج لمصفقين، أو عند كل تظاهرة دولية يتباهى بحضورها “ديك البرابر”!
*
أعلم جيدا عزيزي “إيمانويل” أنك قد ترد عليّ بأن بعض الإسلاميين تحالفوا مع العسكر، وكانت مواقفهم من الأقباط ومن مجرزة ماسبيرو وغيرها مخزية، وأن ذلك تسبب في ردة فعل عند الأقباط، وأن ذلك سهّل مهمة الكنيسة في الاستحواذ على الشباب المسيحي مرة أخرى.. وهذا الكلام صحيح، وهؤلاء الإسلاميون غالبيتهم من صنع الأجهزة الأمنية أصلا، وقد ثبت ذلك في مراحل لاحقة، وما تقوله ليس مبررا للقضاء على تجربة ديمقراطية ناشئة.. وليس مبررا لاعتبار الكنيسة هي الحزب السياسي للأقباط.. والواجب اليوم أن نتعلم من هذه التجربة، لكي لا تكرر.. (أقول ذلك لأن هناك تجربة أخرى ستبدأ قريبا.. فنحن نعيش نهايات عهد أسود)!
في النهاية لقد جنينا جميعا الشوك والدم بسبب تحالف القوى الإسلامية والليبرالية مع العسكر، جنينا الويل بسبب خضوع الكنيسة والأزهر وكل المؤسسات لمجموعة من الضباط العملاء.. وتبيّن للجميع أنهم قد لعبوا بالجميع، وأسسوا دولة قمعية، أساسها الظلم، وعمدة نظامها أن تظل الغالبية العظمى من الشعب فقراء محتاجين، وأن تُقطع رأس كل من يتشوق لأي حق من حقوقه، لا فرق بين من يطالب بحقه في الرغيف، أو بحقه في كنيسة، أو حتى بحقه في شربة ماء من النيل الذي لا يعلم أحد مصيره!
*
لقد قلت في خطابك يا “إيمانويل” أن هذا الملف “يخص المسلمين قبل المسيحيين”، وهذا حقيقي، وأنا كمواطن مصري مسلم.. أقول لك إنك قد كتبت العلاج، فلا تتهرب أنت أيضا من المسؤولية.. الحل أن يكون هناك برلمان حقيقي، وحياة نيابية حقيقية، ومن العار أن نتحسر على الحياة البرلمانية ثم نطالب “الجهات السيادية” بالتدخل.. أنت تطالب تلك الجهات بالتدخل لمظلمتك أنت فقط.. وليحترق الوطن كله!
من المؤسف أن يكون كلامك عن “الدستور” يدعو إلى الرثاء لحالنا.. أكثر مما يدعو إلى الضحك!
أما مسألة أنه “لا يتصور أحد أن فكرة بناء كنيسة وفق المعايير الهندسية السليمة تحتاج إلى كل هذه المعاناة، وكل هذه الدماء”، فاسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ..
.
مصر لن تنصلح إلا بكثير من الدماء، وقد بدأنا نزف الدماء في عام 2011م (وسنستمر)، ومن الأجدى لنا جميعا أن ننزف هذه الدماء لتغيير الحاكم الظالم بدلا من نزفها في الكنائس المحترقة، والعبارات الغارقة، والقطارات المتصادمة.
الكل مظلوم في مصر يا عزيزي.. والظالم معروف.. أنت مظلوم لأنك مصري.. قبل أن تكون مظلوما لأنك تصلي لهذا الإله أو ذاك.. فهناك إله في القصر يُعبد في الأرض دون كل الآلهة، وهو لا يقبل إلا بتقسيم الناس، فاتحادهم زواله..
صحيح أنك كتبت رأيك بجرأة أحييك عليها.. ولكنك كتبته أيضا لأنك مسيحي، كتبته معتقدا أن الكنيسة التي تتحالف مع النظام الحالي.. ستحميك من بطش الأجهزة التي نعلمها..
لست أدري هل سيفهم المصري المسيحي ما أعنيه؟ أم لا؟ هل تفهم ما أعنيه يا “إيمانويل”؟
لقد أصبح الوضع معقدا، فالمسيحي المصري يعيش معتقدا أن السبب الوحيد الذي يؤدي إلى اضطهاده هو أنه مسيحي، وفي الوقت نفسه يرى هذا المواطن نفسه أن السبب الوحيد الذي يحميه من البطش أيضا.. هو أنه مسيحي! وبالتالي يعيش في حيرة بين أن يكون قبطيا يتمتع بقدر من الحماية لأسباب “طائفية”، وبين أن يكون مواطنا يحميه القانون!
في النهاية.. لا بد أن يحدد الأقباط موقفهم.. هل هم مواطنون؟ أم أقباط؟
ولكل إجابة تبعات كثيرة..
لقد جرب الأقباط أن يكونوا “أقباطا”، تحركهم الأوامر الكنسية لدعم النظام العميل في تظاهراته في الداخل والخارج، أمام الاتحادية وفي ميدان التحرير.. أمام البيت الأبيض وفي 10 داوننج ستريت.. وها هم يتحسرون على عدم وجود تجربة برلمانية، وعدم وجود قانون.. والخ.. الخ.
فليفكر الأقباط مرة أن يكونوا مواطنين.. ربما تكون النتيجة -بعد نضج التجربة- مختلفة!
أكرر عزائي لكل مكلوم.. وتأييدي لكل مظلوم..
حفظ الله مصر من حكامها..
--------
الايام