وكذلك علاقاتها معوحلفائها في القارة الأوروبية، وكذلك السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم النامي وكذلك في كيفية التعامل مع التغيرات في موازين وطبيعة القوى على المسرح الدولي. فضلاً عن عديدٍ من التحديات على الصعيد الداخلي من أزمة اقتصادية طاحنة وارتفاع أسعار الطاقة وقضايا داخلية بامتياز كقضايا الرعاية الصحية والضرائب .... وهو الأمر الذي يفرض على الرئيس الأمريكي القادم باراك أوباما ضرورة فهم طبيعة التحديات وتكيف الولايات المتحدة مع تلك البيئة الأمنية والمتغيرات الدولية الجديدة.
وقد كانت التحديات التي تواجهها السياسية الخارجية الأمريكية محور كتاب صدر حديثًا في الولايات المتحدة تحت عنوان "أمريكا والعالم: محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية America And The "World: Conversations On The Future Of American Foreign Policy. وهو كتاب يتضمن محادثات (غير معدة محاورها أو أسلتها مسبقة) مُحَرَرَةَ أدارها كاتب عمود بصحيفة الواشنطن بوست Washington Post ديفيد إجناتيس David Ignatius بين خبيرين في الشئون الخارجية والسياسة الخارجية الأمريكية زيجنو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski وبرنت سكوكروفت Brent Scowcroft الربيع الماضي، وقد امتدت المناقشات لأيام متعددة تناولت مناقشات واسعة حول القضايا الجدلية التي تواجهها الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وعلى التحديات الأساسية التي ستواجه الرئيس الأمريكي الجديد على صعيد السياسة الخارجية. ويتكون الكتاب من ثمانية فصول رئيسة يسبقها مقدمة كتبها إجناتيس.
اتفاق في معارضة حرب العراق
اتفقَ بريجنسكي وسكوكروفت على معارضة الحرب الأمريكية على العراق. ففي الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن توجيه ضربة عسكرية أمريكية للنظام العراقي لأسباب متعددة استندت إليها الإدارة الحالية بمساندة قوية من تيار المحافظين الجدد داخل الإدارة وخارجها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شكك كل من بريجنسكي وسكوكروفت في أهميتها ومدى حكمتها.
كان انتقاد سكوكروفت للغزو الأمريكي على العراق صعبًا؛ لعلاقته الوثيقة بعائلة بوش، إلا أنه نشر مقالة في صحيفة "وول ستريت جورنال Wall Street Journal" بعنوان "لا تهاجموا صدام Don't Attack Saddam" في الثاني والعشرين من أغسطس عام 2002. وفي تلك المقالة حذر سكوكروفت من أن الحرب الأمريكية على العراق ستُعرض الجهود الأمريكية للحرب على الإرهاب التي قادتها واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للخطر، إن لم تقض على تلك الجهود الأمريكية، حيث قد تؤدي تلك الحرب إلى وقف التعاون الدولي مع واشنطن في حربها على الإرهاب. وأضاف متنبئًا بأن تلك الحرب سوف تكون مكلفة جدًّا (حرب غالية الثمن)، وسيكون لها تبعاتها القوية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وفي الشهر ذاته الذي نشر فيه سكوكروفت مقالته، حذر بريجنسكي من أن نتائج الحرب الأمريكية في العراق غير متوقعة لاسيما في منطقة ملتهبة، وكان يرفض تلك الحرب لاستنادها على أسباب شخصية. وفي فبراير 2003 – أي قبل شهر من الحرب الأمريكية على العراق – أضاف أنه في حال اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية قرارًا منفردًا للحرب على النظام العراقي السابق فإنها ستجد نفسها دون شريك في تحمل أعباء ونتائج تلك الحرب، فضلاً عن حديثه عن تزايد العداوة والكراهية للولايات المتحدة بالخارج.
ولذا ركز بريجنسكي وسكوكروفت في حديثهما مع إجناتيس على التأزم الأمريكي في العراق مشيرين إلى أن تلك الحرب دعمت وعززت النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، حيث كان العراق حجر عثرة أمام النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة قوة الجماعات الإرهابية وعدد من ينضمون إليها، بجانب تزايد كراهية الولايات المتحدة بالمنطقة. ورغم هذا الاتفاق إلا أنهما يختلفان في موعد الانسحاب الأمريكي من العراق، حيث يرى سكوكروفت أن الانسحاب البسيط simply withdrawing يُعد أحد عوائق التوصل إلى حل، في حين يرى بريجنسكي أن استمرار الوجود الأمريكي يعد أحد أوجه المشكلة العراقية والتأزم الأمريكي هناك.
الحاجة إلى دور أمريكي أكثر نشاطا بالشرق الأوسط
وعلى عكس أقطاب المحافظين الجدد بإدارتي الرئيس بوش يرى المستشاران السابقان للأمن القومي الأمريكي أن الحوار مع القوى والدول المعارضة أو العدائية للولايات المتحدة من الأدوات المفيدة لتحقيق المصلحة والسياسة الخارجية الأمريكية، ويريان أن لغة الرئيس بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أبعدت الحلفاء عن الولايات المتحدة وزادت من الاستياء العالمي للسياسة الأمريكية.
ولهذا يُوليان أهمية لعملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، ويقولان: إن الوصول إلى سلام فلسطيني – إسرائيلي سيحدث تغيرات جوهرية في المنطقة والذي سيكون مُحفزًا للتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله اللبناني وسوريا وإيران، وهما في ذلك يتفقان مع ما ذهبت إليه عديدٌ من التقارير الدولية مثل تقرير لجنة دراسة العراق أو تقرير "بيكر- هاميلتون".
ومن هذا المنطلق يؤكدان أن على الرئيس الأمريكي القادم البدء بعملية السلام بمجرد وصوله إلي البت الأبيض. في وقت تمر به منطقة الشرق الأوسط بمرحلة غير عادية، حسبما يذهب سكوكروفت، حيث إن هناك حكومة إسرائيلية ضعيفة وكذلك كيان فلسطيني ضعيف، ويضيف سكوكروفت "ولأول مرة نجد دولاً عربية مستعدة لتدعيم هذا الحل". ويضيف أن المنطقة هشة حاليًّا وهو الأمر الذي يفرض على الرئيس القادم التعامل بسرعة مع قضايا منطقة الشرق الأوسط.
رؤية واقعية للتطورات الدولية
وتناول الكتاب رؤية بريجنسكي وسكوكروفت لقضايا مركزية في السياسة الخارجية الأمريكية وهي العلاقات مع أوروبا والقوى الكبرى - الصعود الصيني كقوة اقتصادية، والطموح الروسي في استعادة مجد الإمبراطورية السوفيتية في ظل قيادتي الرئيسين الروسي الأسبق "فلاديمير بوتين" والحالي "دميترى ميدفيديف" -، فقد كررا وأكدا أكثر من مرة على ضرورة تخلص الولايات المتحدة من العقلية الجامدة التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فحسب إجناتيس فإنهما عبَّرا عن رغبتهما في إعادة الثقة للدور الأمريكي. وتتلخص رؤيتهما للقرن الحادي والعشرين في أن الولايات المتحدة قوى عظمى يتوجب عليها أن تصل إلى كل العالم ليس بالموعظة والمبادئ ولكن بالاستماع والتعاون والإجبار وقت الحاجة.
وهذا الاتجاه يرتبط بدوره باعتراف بريجنسكي بما يطلق عليه الصحوة السياسية العالمية. فيقول للمرة الأولى في التاريخ أضحى العالم في صورته الكلية نشطًا سياسيًّا مكونًّا بصورة كبيرة التعصب ونفاد الصبر وغياب المساواة والغيرة والاستياء وهجرة على مستوى واسع. والبحث عن الكرامة ومستوى معيشي مرتفع – في وقت تعجز فيه أغلب الحكومات عن توفيره – إلى جانب انتشار أسلحة الدمار الشامل، دفع بريجنسكي إلى الملاحظة بصورة تشاؤمية قائلا: " اليوم، قتل مليون شخص أسهل من فرض الحكم على ملايين الضاجرين والثائرين ومن نفد صبرهم".
ويرى بريجنسكي وسكوكروفت أن العولمة لم تعمل على نشر التجارة والتكنولوجيا على نطاق واسع وإنما عملت أيضًا على نشر نفاد الصبر والاستياء نتيجة المرونة والانفتاح والرغبة في الحديث مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وذلك حسبما يستخلص إجناتيس.
وانطلاقًا من منهجهما الواقعي في السياسة الخارجية يدعوان الولايات المتحدة بالانخراط البناء في التغيرات السريعة التي يمر بها المسرح الدولي في وقتنا هذا، وليس تبنيًا لموقفٍ دفاعي تجاه تلك التغيرات الدولية. ويتفقان أيضًًا حول المبادئ العليا الدبلوماسية والاستراتيجية الأساسية للتحرك الأمريكي عالميًّا، ولكنهما يختلفان حول شكل توسيع حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو). وعلى الرغم من اختلاف الانتماء الحزبي لبريجنسكي وسكوكروفت، حيث إن الأول ديمقراطي والثاني جمهوري، إلا أنهما يتفقان على احتياج واشنطن لإعادة تكيف نفسها مع البيئة الدولية الجديدة.
نبذة عن بريجنسكي وسكوكروفت
زيجنو بريجنسكي، خبير في الشئون السياسية والأمنية، وقد سطع اسمه كمحاضر بجامعتي هارفارد Harvard وكولومبيا Columbia، كما خدم بريجنسكي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مستشارًا للأمن القومي الأمريكي، وهو حاليًا من مستشاري وصانعي السياسات المستقبلية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية Center for Strategic and International Studies (CSIS) بواشنطن، ومحاضرًا بجامعة جون هوبكنز Johns Hopkins University، وله عديدٌ من الكتابات منها كتابه " الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم" الذي يعد من أفضل الكتب بيعًا حسب صحيفة نيويورك تايمز New York Times، ويعيش حاليًا في العاصمة الأمريكية "واشنطن"، وهو من مواليد بولندا Poland.
أما برنت سكوكروفت فهو رئيس مجموعة سكوكروفت Scowcroft Group، وهي شركة للاستشارات المالية والأعمال الدولية، وقد سطع اسمه كجنرال بالقوات الجوية الأمريكية، كما خدم مستشارًا للأمن القومي بإدارة كل من الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد والرئيس الحالي "جورج بوش الابن"، ومساعدًا عسكريًّا للرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون. وهو مؤلف مشارك مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب George H.W. Bush كتاب تحول العالم A World Transformed ويعيش حاليًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، وهو من مواليد ولاية يوتا Utah.
وخلاصة القول: يقدم الكاتب للقارئ نقاشات موسعة حول عديدٍ من التحديات الجمة التي تواجهها السياسة الخارجية الأمريكية على المسرح الدولي حاليًا والتي نذكر منها على سبيل المثال انتشار الأسلحة النووية والاحتباس الحراري والإرهاب، والذي يعطي أهمية لانتخابات الرئاسة الأمريكية لاختيار رئيس قادر على التعامل مع تلك التحديات.
----------------------------
عنوان الكتاب: أمريكا والعالم: محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية.
America And The "World: Conversations On The Future Of American Foreign Policy.
المؤلف: زيجنو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski وبرنت سكوكروفت Brent Scowcroft
تاريخ النشر: 8 سبتمبر 2008.
دار النشر: Basic Books.
عدد الصفحات: 304 صفحة.
وقد كانت التحديات التي تواجهها السياسية الخارجية الأمريكية محور كتاب صدر حديثًا في الولايات المتحدة تحت عنوان "أمريكا والعالم: محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية America And The "World: Conversations On The Future Of American Foreign Policy. وهو كتاب يتضمن محادثات (غير معدة محاورها أو أسلتها مسبقة) مُحَرَرَةَ أدارها كاتب عمود بصحيفة الواشنطن بوست Washington Post ديفيد إجناتيس David Ignatius بين خبيرين في الشئون الخارجية والسياسة الخارجية الأمريكية زيجنو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski وبرنت سكوكروفت Brent Scowcroft الربيع الماضي، وقد امتدت المناقشات لأيام متعددة تناولت مناقشات واسعة حول القضايا الجدلية التي تواجهها الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وعلى التحديات الأساسية التي ستواجه الرئيس الأمريكي الجديد على صعيد السياسة الخارجية. ويتكون الكتاب من ثمانية فصول رئيسة يسبقها مقدمة كتبها إجناتيس.
اتفاق في معارضة حرب العراق
اتفقَ بريجنسكي وسكوكروفت على معارضة الحرب الأمريكية على العراق. ففي الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن توجيه ضربة عسكرية أمريكية للنظام العراقي لأسباب متعددة استندت إليها الإدارة الحالية بمساندة قوية من تيار المحافظين الجدد داخل الإدارة وخارجها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شكك كل من بريجنسكي وسكوكروفت في أهميتها ومدى حكمتها.
كان انتقاد سكوكروفت للغزو الأمريكي على العراق صعبًا؛ لعلاقته الوثيقة بعائلة بوش، إلا أنه نشر مقالة في صحيفة "وول ستريت جورنال Wall Street Journal" بعنوان "لا تهاجموا صدام Don't Attack Saddam" في الثاني والعشرين من أغسطس عام 2002. وفي تلك المقالة حذر سكوكروفت من أن الحرب الأمريكية على العراق ستُعرض الجهود الأمريكية للحرب على الإرهاب التي قادتها واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للخطر، إن لم تقض على تلك الجهود الأمريكية، حيث قد تؤدي تلك الحرب إلى وقف التعاون الدولي مع واشنطن في حربها على الإرهاب. وأضاف متنبئًا بأن تلك الحرب سوف تكون مكلفة جدًّا (حرب غالية الثمن)، وسيكون لها تبعاتها القوية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وفي الشهر ذاته الذي نشر فيه سكوكروفت مقالته، حذر بريجنسكي من أن نتائج الحرب الأمريكية في العراق غير متوقعة لاسيما في منطقة ملتهبة، وكان يرفض تلك الحرب لاستنادها على أسباب شخصية. وفي فبراير 2003 – أي قبل شهر من الحرب الأمريكية على العراق – أضاف أنه في حال اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية قرارًا منفردًا للحرب على النظام العراقي السابق فإنها ستجد نفسها دون شريك في تحمل أعباء ونتائج تلك الحرب، فضلاً عن حديثه عن تزايد العداوة والكراهية للولايات المتحدة بالخارج.
ولذا ركز بريجنسكي وسكوكروفت في حديثهما مع إجناتيس على التأزم الأمريكي في العراق مشيرين إلى أن تلك الحرب دعمت وعززت النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، حيث كان العراق حجر عثرة أمام النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة قوة الجماعات الإرهابية وعدد من ينضمون إليها، بجانب تزايد كراهية الولايات المتحدة بالمنطقة. ورغم هذا الاتفاق إلا أنهما يختلفان في موعد الانسحاب الأمريكي من العراق، حيث يرى سكوكروفت أن الانسحاب البسيط simply withdrawing يُعد أحد عوائق التوصل إلى حل، في حين يرى بريجنسكي أن استمرار الوجود الأمريكي يعد أحد أوجه المشكلة العراقية والتأزم الأمريكي هناك.
الحاجة إلى دور أمريكي أكثر نشاطا بالشرق الأوسط
وعلى عكس أقطاب المحافظين الجدد بإدارتي الرئيس بوش يرى المستشاران السابقان للأمن القومي الأمريكي أن الحوار مع القوى والدول المعارضة أو العدائية للولايات المتحدة من الأدوات المفيدة لتحقيق المصلحة والسياسة الخارجية الأمريكية، ويريان أن لغة الرئيس بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أبعدت الحلفاء عن الولايات المتحدة وزادت من الاستياء العالمي للسياسة الأمريكية.
ولهذا يُوليان أهمية لعملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، ويقولان: إن الوصول إلى سلام فلسطيني – إسرائيلي سيحدث تغيرات جوهرية في المنطقة والذي سيكون مُحفزًا للتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله اللبناني وسوريا وإيران، وهما في ذلك يتفقان مع ما ذهبت إليه عديدٌ من التقارير الدولية مثل تقرير لجنة دراسة العراق أو تقرير "بيكر- هاميلتون".
ومن هذا المنطلق يؤكدان أن على الرئيس الأمريكي القادم البدء بعملية السلام بمجرد وصوله إلي البت الأبيض. في وقت تمر به منطقة الشرق الأوسط بمرحلة غير عادية، حسبما يذهب سكوكروفت، حيث إن هناك حكومة إسرائيلية ضعيفة وكذلك كيان فلسطيني ضعيف، ويضيف سكوكروفت "ولأول مرة نجد دولاً عربية مستعدة لتدعيم هذا الحل". ويضيف أن المنطقة هشة حاليًّا وهو الأمر الذي يفرض على الرئيس القادم التعامل بسرعة مع قضايا منطقة الشرق الأوسط.
رؤية واقعية للتطورات الدولية
وتناول الكتاب رؤية بريجنسكي وسكوكروفت لقضايا مركزية في السياسة الخارجية الأمريكية وهي العلاقات مع أوروبا والقوى الكبرى - الصعود الصيني كقوة اقتصادية، والطموح الروسي في استعادة مجد الإمبراطورية السوفيتية في ظل قيادتي الرئيسين الروسي الأسبق "فلاديمير بوتين" والحالي "دميترى ميدفيديف" -، فقد كررا وأكدا أكثر من مرة على ضرورة تخلص الولايات المتحدة من العقلية الجامدة التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فحسب إجناتيس فإنهما عبَّرا عن رغبتهما في إعادة الثقة للدور الأمريكي. وتتلخص رؤيتهما للقرن الحادي والعشرين في أن الولايات المتحدة قوى عظمى يتوجب عليها أن تصل إلى كل العالم ليس بالموعظة والمبادئ ولكن بالاستماع والتعاون والإجبار وقت الحاجة.
وهذا الاتجاه يرتبط بدوره باعتراف بريجنسكي بما يطلق عليه الصحوة السياسية العالمية. فيقول للمرة الأولى في التاريخ أضحى العالم في صورته الكلية نشطًا سياسيًّا مكونًّا بصورة كبيرة التعصب ونفاد الصبر وغياب المساواة والغيرة والاستياء وهجرة على مستوى واسع. والبحث عن الكرامة ومستوى معيشي مرتفع – في وقت تعجز فيه أغلب الحكومات عن توفيره – إلى جانب انتشار أسلحة الدمار الشامل، دفع بريجنسكي إلى الملاحظة بصورة تشاؤمية قائلا: " اليوم، قتل مليون شخص أسهل من فرض الحكم على ملايين الضاجرين والثائرين ومن نفد صبرهم".
ويرى بريجنسكي وسكوكروفت أن العولمة لم تعمل على نشر التجارة والتكنولوجيا على نطاق واسع وإنما عملت أيضًا على نشر نفاد الصبر والاستياء نتيجة المرونة والانفتاح والرغبة في الحديث مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وذلك حسبما يستخلص إجناتيس.
وانطلاقًا من منهجهما الواقعي في السياسة الخارجية يدعوان الولايات المتحدة بالانخراط البناء في التغيرات السريعة التي يمر بها المسرح الدولي في وقتنا هذا، وليس تبنيًا لموقفٍ دفاعي تجاه تلك التغيرات الدولية. ويتفقان أيضًًا حول المبادئ العليا الدبلوماسية والاستراتيجية الأساسية للتحرك الأمريكي عالميًّا، ولكنهما يختلفان حول شكل توسيع حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو). وعلى الرغم من اختلاف الانتماء الحزبي لبريجنسكي وسكوكروفت، حيث إن الأول ديمقراطي والثاني جمهوري، إلا أنهما يتفقان على احتياج واشنطن لإعادة تكيف نفسها مع البيئة الدولية الجديدة.
نبذة عن بريجنسكي وسكوكروفت
زيجنو بريجنسكي، خبير في الشئون السياسية والأمنية، وقد سطع اسمه كمحاضر بجامعتي هارفارد Harvard وكولومبيا Columbia، كما خدم بريجنسكي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مستشارًا للأمن القومي الأمريكي، وهو حاليًا من مستشاري وصانعي السياسات المستقبلية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية Center for Strategic and International Studies (CSIS) بواشنطن، ومحاضرًا بجامعة جون هوبكنز Johns Hopkins University، وله عديدٌ من الكتابات منها كتابه " الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم" الذي يعد من أفضل الكتب بيعًا حسب صحيفة نيويورك تايمز New York Times، ويعيش حاليًا في العاصمة الأمريكية "واشنطن"، وهو من مواليد بولندا Poland.
أما برنت سكوكروفت فهو رئيس مجموعة سكوكروفت Scowcroft Group، وهي شركة للاستشارات المالية والأعمال الدولية، وقد سطع اسمه كجنرال بالقوات الجوية الأمريكية، كما خدم مستشارًا للأمن القومي بإدارة كل من الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد والرئيس الحالي "جورج بوش الابن"، ومساعدًا عسكريًّا للرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون. وهو مؤلف مشارك مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب George H.W. Bush كتاب تحول العالم A World Transformed ويعيش حاليًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، وهو من مواليد ولاية يوتا Utah.
وخلاصة القول: يقدم الكاتب للقارئ نقاشات موسعة حول عديدٍ من التحديات الجمة التي تواجهها السياسة الخارجية الأمريكية على المسرح الدولي حاليًا والتي نذكر منها على سبيل المثال انتشار الأسلحة النووية والاحتباس الحراري والإرهاب، والذي يعطي أهمية لانتخابات الرئاسة الأمريكية لاختيار رئيس قادر على التعامل مع تلك التحديات.
----------------------------
عنوان الكتاب: أمريكا والعالم: محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية.
America And The "World: Conversations On The Future Of American Foreign Policy.
المؤلف: زيجنو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski وبرنت سكوكروفت Brent Scowcroft
تاريخ النشر: 8 سبتمبر 2008.
دار النشر: Basic Books.
عدد الصفحات: 304 صفحة.