وكعادتها تتناول الرواية الموضوعات المفضلة للأديبة التشيلية مثل الهروب، والمنفى، والحنين إلى الوطن. وتبدأ الأحداث مع الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) التي أجبرت الكثير من المواطنين على النزوح. تعتبر "وينيبيج" المركب التي استخدمها شاعر تشيلي العظيم، بابلو نيرودا في تهريب آلاف اللاجئين الإسبان إلى تشيلي عام 1939، البطل الحقيقي للرواية.(د ب أ): لماذا قررت الكتابة عن مركب بابلو نيرودا؟الليندي: عرفت بقصة "وينيبيج" قبل أكثر من أربعين عاما، عندما أخبرني عنها أحد ركابها، يدعى فيكتور باي. عرفت بالقصة، ولكن اتصور أنني لم أشعر بحاجة لدي لكتابتها حتى الآن لأن موضوع اللاجئين والمهاجرين، كان حاضرا دائما في الأجواء وفي كل مكان. ولهذا فإن رواياتي الثلاثة الأخيرة تتناول موضوعات تتعلق بالنازحين، البشر الذين تم اقتلاعهم من جذورهم.(د ب أ): هل كان هذا الموضوع في دائرة اهتماماتك باستمرار؟
الليندي: حسنا، لقد كانت تجربة شخصية، تجعلني اتعاطف كثيرا مع الناس الذين يمرون بهذه الظروف: المنفيين، اللاجئين، والناس الذين يبحثون عن ملاذ، والمهاجرين بالطبع. علاوة على أنه لدي في الولايات المتحدة، مؤسسة تعمل مع النساء والأطفال في العديد من المناطق في العالم، إلا أننا نركز في الوقت الحالي على منطقة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث توجد العديد والعديد من المشاكل وحيث تقع العديد من الانتهاكات لحقوق الانسان بحق الناس التي تبحث عن ملاذ آمن.
(د ب أ): وضعت استشهادا لنيرودا في مطلع كل فصل من فصول روايتك الجديدة "بتلة البحر الطويلة"، ما هي أهمية أعمال نيرودا بالنسبة لمهنتك ككاتبة؟
الليندي: تعتبر هذه الرواية، بصورة ما أو بأخرى، تكريما لنيرودا، لما قام به من عمل عظيم، لأن المركب لم تكن لتنقذ هؤلاء الناس لولا تدخل نيرودا. كان نيرودا يكن لإسبانيا حبا كبيرا، وكانت تربطه صداقات قوية بالعديد من الجمهوريين الإسبان، وكان من الأصدقاء المقربين من فيدريكو جارثيا لوركا، وأنطونيو ماتشادو، وكان إحضار لائجين إسبان إلى تشيلي، فكرته بالأساس. تحدث مع رئيس الجمهورية آنذاك، وحصل على التصريح المناسب لإحضارهم. أرسلوه بعد ذلك إلى فرنسا بدون مال. وكان مضطرا للحصول على المال لكي يتمكن من شراء المركب وتجهيزه لكي يستطيع حملهم إلى تشيلي، وهنا تكمن "أوديسا الوينيبيج" أو رحلة عبور مركب نيرودا، وكل هذا تم بفضل جهوده ولهذا أضع استشهادا من أبياته في افتتاحية كل فصل من الرواية.
(د ب أ): قلت في إحدى المقابلات إن الشعور بالغربة صاحبك طوال حياتك، هل تصفين لنا هذا الشعور؟
الليندي: أقيم في الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما ولازمني طوال هذه المدة الشعور بأنني غريبة، لأنني في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، اتحدث بلكنة، لا أرى نفسي مواطنة أمريكية، أبدو من تشيلي. وعندما أعود إلى تشيلي، بعد فترات طويلة، أشعر أيضا بنوع من الغربة. وهو ليس بالضرورة شعورا سيئا، لقد اعتدت على الفكرة. الأمر الجيد في أن يكون الانسان مهاجرا أبديا مثلي أنا، أو أجنبي، يكمن في عدم الافتقاد إلى تلك الدهشة والفضول المصاحب للمرء عند رؤية كل جديد وغريب. أجد لدي شغف بكل شيئ، ونظرا لأنني لست معتادة على ما أرى من حولي، أطرح الأسئلة التي لا يسألها أي أحد، وهذا يجعلني أعرف قصصا وحكايات عن الناس بسبب ولعي واهتمامي بكل شيء. لو كنت أعيش في بلادي بشكل مريح ومستقر، ربما لما كانت لدي الحاجة للانتقال والتساؤل عن كل شيئ مثلما أفعل الآن.
(د ب أ): قلت إنكِ تشعرين في الولايات المتحدة بإنك تشيلية. كيف تغيرت حياتك كتشيلية تقيم في الولايات المتحدة في ظل حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب؟
الليندي: كوني تشيلية لا علاقة له بدونالد ترامب. اعتقد أن غالبية الشعب الأمريكي مستاء من ترامب، وأنا جزء من هذا، ولكن حتى لو لم أكن تشيلية، وكنت مواطنة أمريكية، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئا. لا يوجد أحد من بين دائرة معارفي، والتي تشمل كلا من زوجي، ابني، وجميع أصدقائي، وفريق العمل الذي يتعاون معي، يؤيد ترامب. بعبارة أخرى، يحظى ترامب بتأييد من قبل قطاع محدود من الشعب الأمريكي، لا انتمي إليه. اعتقد أن ما يحدث في الولايات المتحدة في ظل حكم إدارة ترامب أمر كارثي.
(د ب أ): فلنتحدث عن تشيلي، رأينا مؤخرا مشاهد، تذكرنا بعصر الدكتاتورية، مع نزول الجيش إلى الشارع. صفي لنا شعورك وأنت ترين هذه المشاهد.
الليندي: إنه أمر فظيع، لأن الشباب الذين يتظاهرون ويحتجون في الشارع، لم يكونوا قد ولدوا حين وقوع الانقلاب العسكري، ومن ثم، فليس لديهم أية ذكريات مع هذه الأحداث. يعرف الناس الكبار مثلي، الذين عاشوها، معنى نزول الجيش إلى الشارع، لأن إنزال الجيش إلى الشارع شيئ وسحب الجيش من الشارع شيئ آخر تماما. بمعنى آخر، نعرف كيف تبدأ مثل هذه الأمور ولكن لا أحد يعرف مطلقا كيف تنتهي. لا يوجد زعيم لهذه الاحتجاجات، وحده الغضب واليأس يحرك هذا الشعب الذي شعر بوطأة ظلم هذا النظام، ويثقله الشعور بانعدام العدالة، في مجتمع فئة منه تحظى بكافة المزايا ولديها كل شيئ، بينما معاشات الفقراء المسنين، على سبيل المثال، لا تكفيهم للحصول على ما يسد رمقهم. لقد خصخص النظام جميع الخدمات: التعليم والصحة والنقل والماء والكهرباء، وأصبح كل شيئ في يد القطاع الخاص، وهذا دفع في النهاية لتفجير غضب الشعب. بدأت هذه الاحتجاجات الشعبية بسبب رفع سعر وسائل النقل العام 30 بيزو، ليخرج الناس إلى الشارع محتجين رافعين رايات تقول: "ليست 30 بيزو، بل ثلاثين عاما من هذا الوضع الجائر".
(د ب أ): وماذا يتطلب الأمر لكي تتوقف الاحتجاجات؟
الليندي: الحوار. اعتقد أننا بحاجة إلى اللجوء إلى الحوار، وهناك حاجة أيضا لتغيير الدستور، يجب تحسين المنظومة لكي تصبح أكثر عدالة فيما يتعلق بتوزيع الموارد. كما يجب توفير حياة كريمة للطبقة المتوسطة الغارقة في الديون لكي لا تضطر لأن تواصل حياتها تحت وطأة الدين. كما يجب أن يدفع الأثرياء ضرائبهم كما يجب.
بيانات شخصية:
إيزابيل الليندي، من مواليد 1942 في بيرو، إبنة دبلوماسي من تشيلي، كان والدها توماس، ابن عم أول رئيس يساري منتخب ديمقراطيا في تاريخ تشيلي الحديث والمعاصر، سلفادور الليندي، الذي قتل على يد قوات الجيش الانقلابية داخل القصر الجمهوري في العاصمة سانتياجو دي تشيلي خلال الانقلاب الذي دبرته الولايات المتحدة ضده في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 1973، بالتواطؤ مع الجنرال، أوجوستو بينوشيه، أحد أشرس وأسوأ الانقلابات العسكرية التي شهدتها أمريكا الجنوبية في تلك الفترة، والذي لم يقمع ويدمر اقتصاد البلاد وحرياتها، وزور تاريخها، مدعيا أن الليندي انتحر، وهي المعلومة التي مازالت تدرس في كتب التاريخ إلى الأن، كما تعاون مع قوات امبريالية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ضد جيرانه مثل الأرجنتين في حرب الفوكلاند أو المالبيناس، وظل في السلطة حتى عام 1989، وحمته بريطانيا من المحاكمة، ومات على فراشه مطلع الألفية. عقب إنقلاب بينوشيه على الرئيس المنتخب للاستيلاء على موارد تشيلي من النحاس، نفيت عائلة الليندي إلى فنزويلا، وهي الأحداث التي سجلتها إيزابيل في روايتها "بيت الأرواح". كتبت إيزابيل 23 عملا أدبيا، منها رواية تصور معاناتها بسبب فقد ابنتها نتيجة خطأ طبي في إحدى المستشفيات. ترجمت أعمالها إلى 42 لغة، ومن بينها العربية، ويعتبر المترجم السوري الشهير، صالح علماني أكثر مترجم لأعمالها. جدير بالذكر أن روايتها التي حققت لها الشهرة الكبيرة في بداية مشوارها "بيت الأرواح" قدمت للسينما في عمل بنفس الاسم لعب بطولته أسماء كبيرة مثل ميريل ستريب، وجيرمي أيرون، وينونا رايدر وأنطونيو بانديراس.
(د ب أ): وضعت استشهادا لنيرودا في مطلع كل فصل من فصول روايتك الجديدة "بتلة البحر الطويلة"، ما هي أهمية أعمال نيرودا بالنسبة لمهنتك ككاتبة؟
الليندي: تعتبر هذه الرواية، بصورة ما أو بأخرى، تكريما لنيرودا، لما قام به من عمل عظيم، لأن المركب لم تكن لتنقذ هؤلاء الناس لولا تدخل نيرودا. كان نيرودا يكن لإسبانيا حبا كبيرا، وكانت تربطه صداقات قوية بالعديد من الجمهوريين الإسبان، وكان من الأصدقاء المقربين من فيدريكو جارثيا لوركا، وأنطونيو ماتشادو، وكان إحضار لائجين إسبان إلى تشيلي، فكرته بالأساس. تحدث مع رئيس الجمهورية آنذاك، وحصل على التصريح المناسب لإحضارهم. أرسلوه بعد ذلك إلى فرنسا بدون مال. وكان مضطرا للحصول على المال لكي يتمكن من شراء المركب وتجهيزه لكي يستطيع حملهم إلى تشيلي، وهنا تكمن "أوديسا الوينيبيج" أو رحلة عبور مركب نيرودا، وكل هذا تم بفضل جهوده ولهذا أضع استشهادا من أبياته في افتتاحية كل فصل من الرواية.
(د ب أ): قلت في إحدى المقابلات إن الشعور بالغربة صاحبك طوال حياتك، هل تصفين لنا هذا الشعور؟
الليندي: أقيم في الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما ولازمني طوال هذه المدة الشعور بأنني غريبة، لأنني في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، اتحدث بلكنة، لا أرى نفسي مواطنة أمريكية، أبدو من تشيلي. وعندما أعود إلى تشيلي، بعد فترات طويلة، أشعر أيضا بنوع من الغربة. وهو ليس بالضرورة شعورا سيئا، لقد اعتدت على الفكرة. الأمر الجيد في أن يكون الانسان مهاجرا أبديا مثلي أنا، أو أجنبي، يكمن في عدم الافتقاد إلى تلك الدهشة والفضول المصاحب للمرء عند رؤية كل جديد وغريب. أجد لدي شغف بكل شيئ، ونظرا لأنني لست معتادة على ما أرى من حولي، أطرح الأسئلة التي لا يسألها أي أحد، وهذا يجعلني أعرف قصصا وحكايات عن الناس بسبب ولعي واهتمامي بكل شيء. لو كنت أعيش في بلادي بشكل مريح ومستقر، ربما لما كانت لدي الحاجة للانتقال والتساؤل عن كل شيئ مثلما أفعل الآن.
(د ب أ): قلت إنكِ تشعرين في الولايات المتحدة بإنك تشيلية. كيف تغيرت حياتك كتشيلية تقيم في الولايات المتحدة في ظل حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب؟
الليندي: كوني تشيلية لا علاقة له بدونالد ترامب. اعتقد أن غالبية الشعب الأمريكي مستاء من ترامب، وأنا جزء من هذا، ولكن حتى لو لم أكن تشيلية، وكنت مواطنة أمريكية، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئا. لا يوجد أحد من بين دائرة معارفي، والتي تشمل كلا من زوجي، ابني، وجميع أصدقائي، وفريق العمل الذي يتعاون معي، يؤيد ترامب. بعبارة أخرى، يحظى ترامب بتأييد من قبل قطاع محدود من الشعب الأمريكي، لا انتمي إليه. اعتقد أن ما يحدث في الولايات المتحدة في ظل حكم إدارة ترامب أمر كارثي.
(د ب أ): فلنتحدث عن تشيلي، رأينا مؤخرا مشاهد، تذكرنا بعصر الدكتاتورية، مع نزول الجيش إلى الشارع. صفي لنا شعورك وأنت ترين هذه المشاهد.
الليندي: إنه أمر فظيع، لأن الشباب الذين يتظاهرون ويحتجون في الشارع، لم يكونوا قد ولدوا حين وقوع الانقلاب العسكري، ومن ثم، فليس لديهم أية ذكريات مع هذه الأحداث. يعرف الناس الكبار مثلي، الذين عاشوها، معنى نزول الجيش إلى الشارع، لأن إنزال الجيش إلى الشارع شيئ وسحب الجيش من الشارع شيئ آخر تماما. بمعنى آخر، نعرف كيف تبدأ مثل هذه الأمور ولكن لا أحد يعرف مطلقا كيف تنتهي. لا يوجد زعيم لهذه الاحتجاجات، وحده الغضب واليأس يحرك هذا الشعب الذي شعر بوطأة ظلم هذا النظام، ويثقله الشعور بانعدام العدالة، في مجتمع فئة منه تحظى بكافة المزايا ولديها كل شيئ، بينما معاشات الفقراء المسنين، على سبيل المثال، لا تكفيهم للحصول على ما يسد رمقهم. لقد خصخص النظام جميع الخدمات: التعليم والصحة والنقل والماء والكهرباء، وأصبح كل شيئ في يد القطاع الخاص، وهذا دفع في النهاية لتفجير غضب الشعب. بدأت هذه الاحتجاجات الشعبية بسبب رفع سعر وسائل النقل العام 30 بيزو، ليخرج الناس إلى الشارع محتجين رافعين رايات تقول: "ليست 30 بيزو، بل ثلاثين عاما من هذا الوضع الجائر".
(د ب أ): وماذا يتطلب الأمر لكي تتوقف الاحتجاجات؟
الليندي: الحوار. اعتقد أننا بحاجة إلى اللجوء إلى الحوار، وهناك حاجة أيضا لتغيير الدستور، يجب تحسين المنظومة لكي تصبح أكثر عدالة فيما يتعلق بتوزيع الموارد. كما يجب توفير حياة كريمة للطبقة المتوسطة الغارقة في الديون لكي لا تضطر لأن تواصل حياتها تحت وطأة الدين. كما يجب أن يدفع الأثرياء ضرائبهم كما يجب.
بيانات شخصية:
إيزابيل الليندي، من مواليد 1942 في بيرو، إبنة دبلوماسي من تشيلي، كان والدها توماس، ابن عم أول رئيس يساري منتخب ديمقراطيا في تاريخ تشيلي الحديث والمعاصر، سلفادور الليندي، الذي قتل على يد قوات الجيش الانقلابية داخل القصر الجمهوري في العاصمة سانتياجو دي تشيلي خلال الانقلاب الذي دبرته الولايات المتحدة ضده في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 1973، بالتواطؤ مع الجنرال، أوجوستو بينوشيه، أحد أشرس وأسوأ الانقلابات العسكرية التي شهدتها أمريكا الجنوبية في تلك الفترة، والذي لم يقمع ويدمر اقتصاد البلاد وحرياتها، وزور تاريخها، مدعيا أن الليندي انتحر، وهي المعلومة التي مازالت تدرس في كتب التاريخ إلى الأن، كما تعاون مع قوات امبريالية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ضد جيرانه مثل الأرجنتين في حرب الفوكلاند أو المالبيناس، وظل في السلطة حتى عام 1989، وحمته بريطانيا من المحاكمة، ومات على فراشه مطلع الألفية. عقب إنقلاب بينوشيه على الرئيس المنتخب للاستيلاء على موارد تشيلي من النحاس، نفيت عائلة الليندي إلى فنزويلا، وهي الأحداث التي سجلتها إيزابيل في روايتها "بيت الأرواح". كتبت إيزابيل 23 عملا أدبيا، منها رواية تصور معاناتها بسبب فقد ابنتها نتيجة خطأ طبي في إحدى المستشفيات. ترجمت أعمالها إلى 42 لغة، ومن بينها العربية، ويعتبر المترجم السوري الشهير، صالح علماني أكثر مترجم لأعمالها. جدير بالذكر أن روايتها التي حققت لها الشهرة الكبيرة في بداية مشوارها "بيت الأرواح" قدمت للسينما في عمل بنفس الاسم لعب بطولته أسماء كبيرة مثل ميريل ستريب، وجيرمي أيرون، وينونا رايدر وأنطونيو بانديراس.