واستطراداً، فإن الرئيس نواف سلام لم يكن من متسوّلي المناصب والمصالح لدى النظام السوري السابق وليست عليه "ديون سياسية" يجب سدادها لأي جهة. أما الرئيس أحمد الشرع فلا يزال يشقّ طريقه، تحت رقابة دولية وعربية شديدة، مدركاً أن شرعيته (الشعبية أو الثورية) تتعزّز بصقل مصداقيته اقليمياً ودولياً.
أن تتبنّى السعودية مساعدة سوريا ولبنان للخروج من محنتهما، وأن تسهّل التقارب والتعاون بينهما، فهذا في مصلحتهما، وبالتالي في مصلحتها. يحتاج كلا البلدين الى مساهماتها ليتجاوزا الكوارث التي عاشاها على مدى عقود ماضية، وليس هناك أي جهة إقليمية أو دولية تستطيع توفير الرعاية والضمان اللذين تؤمنهما، بشروطها طبعاً، التي باتت شروطاً دولية، بعدما انتهت مساهماتها السابقة الى خيبات أمل في لبنان كما في سوريا. ومَن يستذكر صيغة الـ "سين- سين"، التي كانت مطلوبة وضرورية في حينها، عليه أن ينساها، لأن هناك صيغة أخرى تتبلور بمواكبة دولية لتكريس إشراف سعودي على استعادة الاستقرار في البلدين.
قبل أيام قليلة عاش اللبنانيون ذكرى اندلاع "الحرب الأهلية/ حرب الآخرين"، وعلى رغم كل ما كُشف وكُتب وقيل عن ذلك الأحد الثالث عشر من نيسان 1975 لم تظهر أي اشارة حقيقية الى الجهة التي أشعلت الشرارة في عين الرمانة، أهي سورية (أسدية) استخبارية أم إسرائيلية او تقاطعاً بينهما، إذ أثبتت الوقائع أنهما الجهتان المستفيدتان من تسميم البلد، وأن اللبنانيين والفلسطينيين كانوا ولا يزالون الضحيتين الخاسرتين. وفي طيات الصراع الذي استغرق خمسين عاماً، ولما ينتهِ بعد، دخل النظام الإيراني على الخط مصدّراً "ثورته" ومتنكّراً بالقضية الفلسطينية، ومؤسساً لفصل جديد قائم على اضعاف الجيوش الوطنية لمصلحة ميليشيات مذهبية لا يمكنها بأي حال أن تدير دولاً أو تشكّل حكماً رشيداً.
هذه هي التركة الثقيلة التي تنبغي تصفيتها، وتتطلّب ارادةً وتعاوناً بين سوريا ولبنان، ورعاية عربية متفاهمة مع تركيا. فعدا عشرات الملفات العالقة (ترسيم الحدود وضبطها، النزوح السوري وتداعياته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، قضية المعتقلين والمفقودين والمخفيين، والاحترام المتبادل للسيادة...)، فرضت الاحتلالات الإسرائيلية الجديدة نفسها على جدول أعمال المنطقة، وتلعب فيها الولايات المتحدة دور الوسيط والعدوّ في آن، وليس واضحاً بعد مدى مجاراتها/ مشاركتها إسرائيل في طموحاتها. فالائتلاف الإسرائيلي المتطرّف لم يكتفِ من حربه ويعتقد أن لديه فرصة تاريخية لتحقيق الأهداف القصوى التي حدّدها ولا تقتصر على احتلال قطاع غزّة وضمّ الضفة الغربية، بل تشكّل خطراً كبيراً على لبنان، وبالأخص على سوريا إذ ترى إسرائيل أن "شرقها الاوسطي الجديد" يجب أن يرضخ كليّاً لدواعي أمنها، أي أنه
لايستقيم إلا بتقسيم سوريا وانتزاع حصّة لها فيها. ثمة في واشنطن مهووسون متطرّفون يمكن أن يتبنّوا مشاريع كهذه.
-----------
النهار
لايستقيم إلا بتقسيم سوريا وانتزاع حصّة لها فيها. ثمة في واشنطن مهووسون متطرّفون يمكن أن يتبنّوا مشاريع كهذه.
-----------
النهار