يأتي كتاب "هاني الحسن: صاحب الحضور الأنيق والنّوْء العاصف"، الصادر عام 2023 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بتوقيع حسان البلعاوي وبالتعاون مع ثائر المصري وبكر أبو بكر، ليكشف جوانب من بعض المنعطفات الخطيرة التي مرت بها الثورة الفلسطينية، ولا سيما في الأردن ولبنان، وليوضح العلاقة الإشكالية بين الثورة وقائدها ياسر عرفات مع النظام السوري، وأيضاً مع الأردن ومصر والعراق. اعتمد الكتاب على شهادات من المقربين من هاني الحسن وعلى أرشيفه من المقالات والمقابلات والتصريحات الصحافية، وخلا من أوراق خاصة للحسن. ويعزو المؤلف حسان البلعاوي ذلك إلى أن الظروف لم تسعفه باستكمال حوار بدأ مع الحسن وعقدت منه جلسة واحدة.
شغل هاني الحسن (1937-2012) مواقع تتيح له أن يسرد تفاصيل الجوانب الغامضة من حياة الثورة، فهو من الرعيل المؤسس لفتح وعضو لجنتها المركزية والمفوض العام للتعبئة والتنظيم ووزير الداخلية مع ياسر عرفات رغم معارضته لاتفاق أوسلو لعدم وضوح صياغته لجهة الانسحاب الإسرائيلي ومرحلية التفاوض، ما يجعل التفاوض مفتوحاً. لعب دوراً كبيراً في مفاوضات المنظمة مع الرئيس السوري حافظ الأسد في أثناء الوجود الفلسطيني في لبنان ومفاوضات الخروج من بيروت عام ١٩٨٢، كذلك لعب دوراً كبيراً في ترتيب عودة العلاقة الفلسطينية الأردنية بعد أيلول الأسود، ولا سيما بموضوع فكّ الارتباط الأردني مع الضفة الغربية، وكذلك كان دوره في ترتيب العلاقة مع مصر ــ حسني مبارك.
عائلة سياسية
ولد هاني الحسن في حيفا ضمن أسرة مقاومة، فوالده محمد سعيد الحسن رفيق درب الشيخ عز الدين القسام وصاحب وقف مقام الخضر في الكرمل الذي استولت عليه إسرائيل وحولته إلى مزار يهودي، وكنت أتمنى أن يتوسع المؤلف بهذه النقطة وكذلك بالمعلومة الجديدة التي كشف عنها، وهي مراسلات بين الشيخ محمد سعيد، والد صاحب السيرة، وسلطان باشا الأطرش، زعيم الثورة السورية، ومنها رسالة تفيد بإرسال بنادق ورصاص وأموال من الأطرش دعماً لثورة ١٩٣٦. شهد الحسن سقوط مدينته حيفا طفلاً، ونزحت العائلة إلى صيدا، ومن ثم إلى دمشق، وتأثر في يفاعته بحركة الإخوان المسلمين، في حين انتسب أخوه الأكبر خالد إلى حزب التحرير رغم عمله فترة مع مصطفى السباعي، أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية.
فدية عيدي أمين
خطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة فرنسية عام ١٩٧٦ كانت منطلقة من مطار اللد إلى باريس عبر أثينا وأجبرتها على الهبوط في مطار عنتيبي في أوغندا. طالب الخاطفون بإطلاق سراح عدد من الفلسطينيين بالإضافة إلى أوروبيين كانوا على علاقة بـ"الجبهة الشعبية". كلّف عرفات الحسن حلّ المسألة، فوصل إلى مطار عنتيبي على متن طائرة مصرية، وكان رئيس أوغندا عيدي أمين موجوداً في المطار يطالب بفدية مقدارها 50 مليون دولار، وصرخ عيدي أمين بوجه الحسن: "لقد وصلت تقريباً إلى اتفاق، وأنت تأتي إلى هنا لتحصد الربح؟".
رفض أمين طلب الحسن إطلاق سراح الأطفال والنساء مقابل أن تدفع المنظمة له 350 ألف دولار. اتصل أمين برئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق حاييم بارليف، كان وقتها وزير التجارة، فأكد أن الأموال ستكون عنده خلال ساعات. أدرك الحسن وقتها أن الإسرائيليين بصدد تجهيز عملية عسكرية، وطلب من وديع حداد، الذي حضر إلى أوغندا، مغادرة البلد، وهو ما جنّبه القتل أو الاعتقال. في النهاية قتل جميع الخاطفين مقابل أربعة من الكوماندوز الإسرائيلي، ومنهم قائد العملية شقيق بنيامين نتنياهو.
هاني الحسن في إيران
كان الحسن شاهداً على صعود العلاقة مع إيران وعلى الاختلاف معها، حيث عُيِّن أول سفير لفلسطين في طهران عام 1979 بعد انتصار الثورة وتحويل سفارة إسرائيل إلى سفارة فلسطين، وقد سلمت إيران وثائق السفارة الإسرائيلية للحسن، حيث درسها ضباط فلسطينيون. يذكر الكتاب أن عرفات رحب بالمتطوعين الإيرانيين في الجنوب اللبناني، الذين سيلعبون دوراً بتأسيس حزب الله لاحقاً، وكما يذكر فإن عرفات طرح تشكيل قوات فلسطينية للفصل بين إيران والعراق، ورفض الخميني ذلك.
انفتح الحسن على لقاء مختلف الأحزاب الإيرانية، فأغضب ذلك طهران، ما دفع المنظمة إلى تغيير الحسن، الذي التقى لاحقاً مسعود رجوي، قائد "مجاهدي خلق" المعارضة، والرئيس الإيراني المنفي آنذاك أبو الحسن بني صدر، فردت الصحافة الإيرانية بعنوان "قليلاً من الوفاء لإيران يا أخ هاني". في هذا الاجتماع، أخبر رجوي الحسن بأن لديه وثائق عن صفقات أسلحة إسرائيلية لإيران، التي عرفت لاحقاً بفضيحة "إيران كونترا".
الخروج من بيروت
مع بداية الغزو الإسرائيلي لبيروت، أوفد عرفات الحسن إلى بشير الجميل، الذي اقترح التصريح بأنه يرفض الغزو الإسرائيلي مقابل إجلاء المنظمة من لبنان وإبقاء ثكنتين فقط للفلسطينيين، ولكن الحسن رفض العرض، مؤكداً أن الغزو الإسرائيلي لن يتوقف. ويشير الحسن بخصوص علاقته ببشير إلى أن الأخير لم يكن يرتاح للمحادثات معه، ويميل إلى أبو حسن سلامة الذي "استطاع كسب ثقة بشير أكثر مني، فالاثنان يلتقيان على نقطة مهمة، هي حب حركات المليشيات حيث المواكب والرشاشات والجلسة الحلوة بين القبضايات". يروي الكتاب أن السوفييت طلبوا من عرفات الخروج من بيروت عبر سفيرهم ألكسندر سولداتوف، فسأله عرفات: كيف أخرج؟ أجابه السفير: على ظهر المدمرات الأميركية! اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر، قال عرفات: لو خرجت فلن أُطاع، أنا لست دولة، عقب السفير: إذاً ستؤخذ أسيراً، فردّ عرفات: إن قائداً في مسدسه طلقتان لا يؤخذ أسيراً.
علاقة هاني الحسن بنظام الأسد
عيّن عرفات الحسن للتنسيق مع الملك حسين بعد اجتماع عرفات ــ الحسين في الطائف، وجرى التوصل بجهود الحسن إلى اتفاق عمّان عام 1985، الذي نصّ على كونفيدرالية فلسطينية ــ أردنية بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولكن المنظمة تراجعت عن الاتفاق وأرسلت الشقيق الأكبر خالد الحسن للتعديل، فأعلن الملك حسين وقف التنسيق مع المنظمة. بوساطة حسني مبارك عاد الحسن إلى عمان عام 1987 ورحب بفكّ الارتباط الأردني عن الضفة الغربية عام 1989، وكان مشاركاً بحل إشكاليات نجمت عن فكّ الارتباط، ومنها إيقاف رواتب نحو 21 ألف موظف مدني كان الأردن يتولى دفعها.
لم تقم منظمة التحرير بإدانة الغزو العراقي للكويت عام 1990، لكن هناك أصواتاً انتقدت الغزو ومبادرة صدام بربط ذلك بقضية فلسطين، ومنهم أبو إياد وأبو الهول والحسن، الذي صرح: "إذا تعرضت السعودية للغزو، فإن حركة فتح ستدافع عنها". أغضب التصريح عرفات، فطلب جمع تواقيع من المجلس الثوري لتجميد عضوية الحسن في اللجنة المركزية لفتح. لم يحصل ذلك وأُرسل للعراق مع وفد فلسطيني اجتمع مع صدام، الذي قال لهم: "لا تخافوا، سأحاربهم وبوصلتي فلسطين".
دور محمد دحلان
تحدث الحسن عن 13 محاولة اغتيال تعرض لها ياسر عرفات في بيروت وغيرها، وكشف عن محاولة في رام الله بطرد بريدي يحوي مادة "انثراكس" القاتلة وصل إلى مكتب عرفات، ولكن الأمن كشفه في أثناء توليه وزارة الداخلية. لاحقاً صرح الحسن عن ترتيب قتل عرفات بيد فلسطيني، وأن رسالة سلمها محمد دحلان، وزير الأمن الداخلي حينها، لرئيس الأركان الإسرائيلي شاوول موفاز جاء فيها: "يجب قتل عرفات بطريقة غير تقليدية".
وفي هذا الإطار، يتحدث عن دور تخريبي لدحلان في غزة، وأن الأخير كان يعتقد أن هاني الحسن وعباس زكي وصخر حبش هم الذين يضعون "فيتو" في اللجنة المركزية لحركة فتح على توليه وزارة الداخلية وأنهم "مارسوا أعمالاً صبيانية" واستغلوا فرصة ردة الفعل الشعبي ضد قرار شارون بإبعاد عرفات عن غزة، فدعوا الناس إلى مظاهرات ولم يفلحوا في الضفة، وقامت بعض التظاهرات في غزة، ومع ذلك تحولت إلى مناصرة عرفات والهجوم على دحلان، حيث رفع المتظاهرون شعارات تقول: "يا أبو عمار دوس دوس.. اضغط على دحلان الجاسوس".