شتان، بعد اختبارات الثورة لضمائر ومواقف الفنانين، بين “حسني وغوّار” أو وضع دريد لحام، رغم ما حقق من شهرة ووصولية، بكفة مقابلة، مع نهاد قلعي المقتول بطعنة الخذلان عام 1993، بعد سنوات من الخيبة والعوز والحسرات. ولعل منطلق ودليل ذلك “الشتان” مما بقيّ لنهاد بقلوب وذواكر السوريين، حتى بعد وفاته بثلاثين عاماً”1928-1993″ مع الخزي والعار اللذين يلاحقان دريد لحام وهو على قيد الحياة.
حبلى ذاكرتي بقصص وأوجاع، حول استغلال أحد أهم ثنائي عربي للآخر، وتفيض الذاكرة بحكايا، للأسف، قلّما يُعترف بعدالتها، بزمن الجحود والوصولية و”حلال على الشاطر”.
بيد أني سألجم استفاضتي ما استطعت وأرمي ما يمكنني، باتجاه مركز الهدف، علّي أضيف بعض إنصاف، لمن أراه مثالاً للغيرية والموهبة وأعتبره من أكبر ضحايا الفن السوري بالعصر الحديث، وإن نافسه الكبير خالد تاجا حيناً وزاحمه فنانون اختاروا الوقوف إلى جانب الحق والثورة معظم الأحايين، فدفعوا ولم يزالوا، أثماناً ربما لا تقل عن خيبة وحرمان الراحل نهاد قلعي.
لا يمكنني مهما تجمّلت، من إبعاد شيعية دريد لحام عن كل ما وصله، بعد أن قام بأدوار وظيفية، ربما أخطرها “تنفيس” السوريين التي راقت لحافظ الأسد الذي منحه عام 1976 وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، والذي، التكريم والوسام، كان لهما الأثر الأبلغ بعمق طعنة نهاد قلعي، والتي تلقاها بفروسية وتابع مع دريد بأعمال كثيرة. ليحاول الوريث القاصر ترقيع عورة أبيه، فيمنح عام 2008 وسام الاستحقاق لنهاد قلعي بعد مماته، ويعيد منح الوسام لدريد لحام.
فلابن حي الأمين حظوة تعدت المحلية، بعد وصايا مرجعيات إيران، بالعناية والتمييز التي أثمرت نتائجها بتأييد الهيمنة الإيرانية بعد الثورة ومباركة صنائع حزب الله بقتل السوريين، في حين لموهبة ومباشرة ووضوح نهاد قلعي، ابن حي سوق ساروجا، فضلاً عن انتمائه المذهبي، أدوار بإقصائه عن التتويج بحياته وإهماله لحدود العوز، خلال فترة مرضه وقبيل وفاته التي ينسب كثيرون سببها الأساس، لضرب ضابط أسدي نهاد قلعي بكرسي على رأسه في مطعم بحي القصّاع بدمشق.
وأما رميتي التي قد لا تروق لكثيرين، حول ضحية استبداد أسدي، خبير بقتل المواهب وضليع بوأد التجارب المختلفة، فهي لومي لنهاد قلعي رحمه الله.
أجل، أقولها وأتمنى أن تُفهم على نحو دوافعي، من وجع وحسرة على مدرسة من المواهب، تجلت بالكتابة والتمثيل والإخراج، وحالة فنية متكاملة، قد لا تتكرر إلا كل قرون.
فنهاد قلعي، ومن الآخر، هو من رضيَ، بصرف النظر عن الأسباب والمبررات، برفع دريد لحام وتقديمه عليه، بعديد من الأعمال والمناسبات والأجور… وخال بغيريته المستمدة ربما من طباعه الأصيلة، بالخجل والكرم، أن ملح الرجال على الرجال دين، ولم يدرك أن الملح على الأنذال صدقة، يستغلونها ليتنكروا أول ما يتنكرون، للمطعم الكاسي.
فمن كان منذ خمسينيات القرن القرن الماضي علامة تعجّب، مذ أسس فرقة “النادي الشرقي”، وخيار الجمهورية المتحدة، بعد عرض “ثمن الحرية”، ليكون أول مدير للمسرح القومي بالإقليم الشمالي… هو نفسه من قبل بتسلق دريد لحام على أكتافه وماضيه وموهبته..
ونهاد قلعي الذي كان لظهوره بأول برنامج منوعات عرضه التلفزيون السوري”الإجازة السعيدة” موضع الادهاش، فتح الباب على مصراعيه لدريد لحام، ليتصدر المشهد في أعمال تلفزيونية، جميعها من كتابة الراحل قلعي” مقالب غوار- حمام الهنا- صح النوم- ملح وسكر” وكذا لأعمال سينمائية بدأت ب”عقد اللولو”.
والراحل الكريم الذي بدأ مسرحياً مع دريد لحام ب”مساعد المختار” قبل تأسيس مسرح “الشوك” الذي ابتدعه، الراحل عمر حجو، وانضمام الراحل محمد الماغوط ليخط “ضيعة تشرين وغربة” كباكورة لسلسة مسرح سياسي، كان علامة فارقة بالمنطقة العربية، رغم مالنا من مآخذ ربما ليس مكانها هنا، إن بدأت من اسم ضيعة تشرين بعد وهم انتصار حرب تشرين، لا تنتهي عند التنفيس وفش المتلقي عبر مقولة، ماذا يمكنك أن تقول أكثر مما قلنا..انضب واصمت…هو من قبل باتساع دور دريد على المسرح وتسويغه “ون مان شو”.
وكما أتيت آنفاً في تحميل الراحل الموهبة قلعي، بعض ما حلّ به على الأقل، من دون سوق المبررات، وإن كانت وجيهة.
أختم بدور الراحل بمسرحية “غربة” وقبوله بالدور وهو مريض، ما كرس الشفقة بذهنية المتلقين وقتذاك، بدل من حجر الأساس والركن الأبرز، كما بأعمال البدايات والانطلاقة.
ولعلّ ثعلبة دريد لحام وإيثاره تسويق قلعي على ذلك النحو لمآرب وخط عودة حينما سيواجه بجحده وعقوقه، ينقلنا للمقلب الآخر بهذه المحاكمة السريعة..
فكما قلنا عن موهبة وغيرية وأصالة نهاد قلعي، ربما المنطق يدفعنا للاعتراف بذكاء وموهبة دريد لحام، وإن شابها التمثيل والتصنّع، إن بالصوت أو الحركات البهلوانية التي تفيض عن حاجة المشهد وخصوصية الخشبة..
وربما المثال الذي يقفز لذاكرتي الآن، هو سعيد صالح وعادل إمام، فكما الجميع يعترف بتفوّق موهبة سعيد صالح، كما يقرون بموهبة نهاد قلعي، إلا أن الحصاد الذي حققه “غوار” قبل “الزعيم” ينكأ الجراح بعد استعراض نهاية سعيد صالح كما تذكر نهاية قلعي..
لتبقى غصة القلب و”القيح الذي يصل الحنجرة” حول زماننا الرخو، الذي يصفق لغوار والزعيم، ويتناسى فضائل ومواهب، قتلها القمع حيناً وخيانة “سلام يا صاحبي” بقية الأحايين.
نهاية القول وعود على بدء “العنوان” أرى، وربما يوافقني جلّ السوريين، أن نهاد قلعي عبر مسيرته المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، كان ملح الفن السوري الذي خانه وتنكّر له دريد لحام…الذي أراه سكر الفن السوري الذي قد يمتعك بطعمه الضار للحظات، لكنه أس وأساس الأمراض التي إن بدأت بالاستغلال لن تنتهي بالخيانة.
-٠-------
العربي القديم
حبلى ذاكرتي بقصص وأوجاع، حول استغلال أحد أهم ثنائي عربي للآخر، وتفيض الذاكرة بحكايا، للأسف، قلّما يُعترف بعدالتها، بزمن الجحود والوصولية و”حلال على الشاطر”.
بيد أني سألجم استفاضتي ما استطعت وأرمي ما يمكنني، باتجاه مركز الهدف، علّي أضيف بعض إنصاف، لمن أراه مثالاً للغيرية والموهبة وأعتبره من أكبر ضحايا الفن السوري بالعصر الحديث، وإن نافسه الكبير خالد تاجا حيناً وزاحمه فنانون اختاروا الوقوف إلى جانب الحق والثورة معظم الأحايين، فدفعوا ولم يزالوا، أثماناً ربما لا تقل عن خيبة وحرمان الراحل نهاد قلعي.
لا يمكنني مهما تجمّلت، من إبعاد شيعية دريد لحام عن كل ما وصله، بعد أن قام بأدوار وظيفية، ربما أخطرها “تنفيس” السوريين التي راقت لحافظ الأسد الذي منحه عام 1976 وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، والذي، التكريم والوسام، كان لهما الأثر الأبلغ بعمق طعنة نهاد قلعي، والتي تلقاها بفروسية وتابع مع دريد بأعمال كثيرة. ليحاول الوريث القاصر ترقيع عورة أبيه، فيمنح عام 2008 وسام الاستحقاق لنهاد قلعي بعد مماته، ويعيد منح الوسام لدريد لحام.
فلابن حي الأمين حظوة تعدت المحلية، بعد وصايا مرجعيات إيران، بالعناية والتمييز التي أثمرت نتائجها بتأييد الهيمنة الإيرانية بعد الثورة ومباركة صنائع حزب الله بقتل السوريين، في حين لموهبة ومباشرة ووضوح نهاد قلعي، ابن حي سوق ساروجا، فضلاً عن انتمائه المذهبي، أدوار بإقصائه عن التتويج بحياته وإهماله لحدود العوز، خلال فترة مرضه وقبيل وفاته التي ينسب كثيرون سببها الأساس، لضرب ضابط أسدي نهاد قلعي بكرسي على رأسه في مطعم بحي القصّاع بدمشق.
وأما رميتي التي قد لا تروق لكثيرين، حول ضحية استبداد أسدي، خبير بقتل المواهب وضليع بوأد التجارب المختلفة، فهي لومي لنهاد قلعي رحمه الله.
أجل، أقولها وأتمنى أن تُفهم على نحو دوافعي، من وجع وحسرة على مدرسة من المواهب، تجلت بالكتابة والتمثيل والإخراج، وحالة فنية متكاملة، قد لا تتكرر إلا كل قرون.
فنهاد قلعي، ومن الآخر، هو من رضيَ، بصرف النظر عن الأسباب والمبررات، برفع دريد لحام وتقديمه عليه، بعديد من الأعمال والمناسبات والأجور… وخال بغيريته المستمدة ربما من طباعه الأصيلة، بالخجل والكرم، أن ملح الرجال على الرجال دين، ولم يدرك أن الملح على الأنذال صدقة، يستغلونها ليتنكروا أول ما يتنكرون، للمطعم الكاسي.
فمن كان منذ خمسينيات القرن القرن الماضي علامة تعجّب، مذ أسس فرقة “النادي الشرقي”، وخيار الجمهورية المتحدة، بعد عرض “ثمن الحرية”، ليكون أول مدير للمسرح القومي بالإقليم الشمالي… هو نفسه من قبل بتسلق دريد لحام على أكتافه وماضيه وموهبته..
ونهاد قلعي الذي كان لظهوره بأول برنامج منوعات عرضه التلفزيون السوري”الإجازة السعيدة” موضع الادهاش، فتح الباب على مصراعيه لدريد لحام، ليتصدر المشهد في أعمال تلفزيونية، جميعها من كتابة الراحل قلعي” مقالب غوار- حمام الهنا- صح النوم- ملح وسكر” وكذا لأعمال سينمائية بدأت ب”عقد اللولو”.
والراحل الكريم الذي بدأ مسرحياً مع دريد لحام ب”مساعد المختار” قبل تأسيس مسرح “الشوك” الذي ابتدعه، الراحل عمر حجو، وانضمام الراحل محمد الماغوط ليخط “ضيعة تشرين وغربة” كباكورة لسلسة مسرح سياسي، كان علامة فارقة بالمنطقة العربية، رغم مالنا من مآخذ ربما ليس مكانها هنا، إن بدأت من اسم ضيعة تشرين بعد وهم انتصار حرب تشرين، لا تنتهي عند التنفيس وفش المتلقي عبر مقولة، ماذا يمكنك أن تقول أكثر مما قلنا..انضب واصمت…هو من قبل باتساع دور دريد على المسرح وتسويغه “ون مان شو”.
وكما أتيت آنفاً في تحميل الراحل الموهبة قلعي، بعض ما حلّ به على الأقل، من دون سوق المبررات، وإن كانت وجيهة.
أختم بدور الراحل بمسرحية “غربة” وقبوله بالدور وهو مريض، ما كرس الشفقة بذهنية المتلقين وقتذاك، بدل من حجر الأساس والركن الأبرز، كما بأعمال البدايات والانطلاقة.
ولعلّ ثعلبة دريد لحام وإيثاره تسويق قلعي على ذلك النحو لمآرب وخط عودة حينما سيواجه بجحده وعقوقه، ينقلنا للمقلب الآخر بهذه المحاكمة السريعة..
فكما قلنا عن موهبة وغيرية وأصالة نهاد قلعي، ربما المنطق يدفعنا للاعتراف بذكاء وموهبة دريد لحام، وإن شابها التمثيل والتصنّع، إن بالصوت أو الحركات البهلوانية التي تفيض عن حاجة المشهد وخصوصية الخشبة..
وربما المثال الذي يقفز لذاكرتي الآن، هو سعيد صالح وعادل إمام، فكما الجميع يعترف بتفوّق موهبة سعيد صالح، كما يقرون بموهبة نهاد قلعي، إلا أن الحصاد الذي حققه “غوار” قبل “الزعيم” ينكأ الجراح بعد استعراض نهاية سعيد صالح كما تذكر نهاية قلعي..
لتبقى غصة القلب و”القيح الذي يصل الحنجرة” حول زماننا الرخو، الذي يصفق لغوار والزعيم، ويتناسى فضائل ومواهب، قتلها القمع حيناً وخيانة “سلام يا صاحبي” بقية الأحايين.
نهاية القول وعود على بدء “العنوان” أرى، وربما يوافقني جلّ السوريين، أن نهاد قلعي عبر مسيرته المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، كان ملح الفن السوري الذي خانه وتنكّر له دريد لحام…الذي أراه سكر الفن السوري الذي قد يمتعك بطعمه الضار للحظات، لكنه أس وأساس الأمراض التي إن بدأت بالاستغلال لن تنتهي بالخيانة.
-٠-------
العربي القديم