الكتاب الذي يقع في مئة وستين صفحة، خصصها المؤلف الناقد لدراسة رواية واحدة فقط، يمثل جهداً أكاديمياً معمقاً في تحليل عناصر الرواية وبينتها، انطلاقاً من حالة المواجهة الطائفية التي عبرت عنها كما يشير العنوان…
هذه المواجهة التي يقول عنها منصور ، في الفصل الأول من الكتاب إنها تمردت على “كل هذا السياق الذي كبّل الأدب السوري طويلاً، حين تنطلق أحداث روايته من مجزرة حماة التي ارتكبها نظام حافظ الأسد ” المقبور ” ، كما يحلو للقسم الأوسع من الشعب السوري وصفه ، في شباط 1982.
ففي تلك المجزرة بلغت المواجهة الطائفية ذروتها من حيث التوحش واكتمال الجريمة.. ووجدت في مدينة حماة ( وسط سورية ) مكانها المناسب أو المفضل، كي تتفاعل رواية المظلومية مع درامية المكان في الذاكرة العلوية ( الطائفة التي تستحكم مفاصل الأمن والجيش وباقي تفاصيل الشعب والبلاد ) ، فتشحن النفوس بأحقاد لا ينفع معها أي “انحرافات” إنسانية قد تخفف عصبية الأحقاد الضرورية لجعل المجزرة درساً مثالياً في الانتقام، ودرساً نموذجياً في تأديب المدينة… بل وسائر المدن السورية الأخرى”.
وما بين تقنيات التحليل الأدبي، وسبر الواقعة التاريخية، واستقراء بنية الصراعات الاجتماعية في المجتمع السوري يبحر الناقد المجتهد محمد منصور في واحدة من أعقد روايات الأديب الكبير فواز حداد، وأكثرها كابوسية وقسوة، ليقدم لنا تفكيكاً لكل عناصر الرواية، واستقراءً حاذقاً لما بين سطورها، من دون أن ينسى أن يقدم خدمة جليلة لمن فاته قراءة هذه الرواية الضخمة، عبر تقديم تلخيص شامل لأحداثها استغرق ما يقرب من ثلاثين صفحة.. الأمر الذي سيمكن القارئ من استعادة ما غاب عنه من أحداثها بكل التفاصيل والتحولات الدقيقة.
ومن أجمل فصول كتاب (ضمير المتكلم) النقدي الشيق هذا، الفصل الذي خصصه المؤلف الناقد، للقصر الرئاسي وشخصية حافظ الأسد الروائية.
ذلك أن شخصية حافظ الأسد ” الرئيس ” موجودة في رواية (السوريون الأعداء) كأحد أبطال الرواية الأساسيين، ومما قاله منصور عن معالجة فواز حداد لها:
“من الواضح أن فواز حداد وجد في شخصية حافظ الأسد الديكتاتور، شخصية درامية مثيرة لخياله ككاتب، ولعلاقته بشخوصه وهو يمزج الحقيقة التاريخية بهوامش الخيال الروائي. لقد قدم الكاتب شخصية حافظ الأسد بوجوه متعددة، لم يكن يعنيه أن يكون خارق الذكاء، بل ركز على قسوته الناتجة عن الجمود، وميّز بين الذكاء والمكر. وأوضح في غير موضع أن آليات اختبار الرئيس لمن يريد أن يمنحهم الثقة ممن حوله، لا تخلو من انتهازية وجبن. فهو يعطيهم الفرصة لينفّذوا ما يقترحونه دون أن يأخذ ذلك على عاتقه، فإن نجوا تبنى نجاحهم، وإن فشلوا عاقبهم عقاباً قاسياً: “الرئيس يريد تحميله مخاطر العمل كله، في حال أخفق سيدفع الثمن، العقاب نصيبه. الحجة هي عدم معرفة الرئيس، وأن البطانة تستغله وتسيء إليه، ومن الأجدر منه بالاتهام في أنه صاحب هذا المشروع المهول الذي يُقصد منه في النهاية تنصيب الرئيس إلهاً؟
إذا لم ينجح فالرئيس نفسه سيتنصل منه؟” (السوريون الأعداء ص: 316). ويعقب منصور على الاستشهاد الأخير من نص الرواية: هل هذا سلوك قائد وزعيم حقيقي يكسب قلوب من حوله قبل أن يكسبوا ثقته؟! بالتأكيد لا. إنه سلوك شخص يملك هامشاً لا محدوداً لمعاقبة من يشاء ومكافأة من يشاء. وبالتالي فعليهم أن يدفعوا ثمن فشلهم من جيوبهم، وأن يهدوه نجاحاتهم فقط لأنه أتاح لهم فرصة كي ينجحوا من أجله”.
كتاب “ضمير المتكلم… المواجهة الطائفية في رواية السوريون الأعداء” يفتح الباب واسعاً لدراسة أدب الكاتب السوري الكبير فواز حداد، مقدماً نموذجاً يحتذى لعمق المعالجة والرؤية ولأهمية أن يجد الأدب السوري عموماً اهتماماً نقدياً على هذا المستوى من الجدية والمثابرة المعتبرة
هذه المواجهة التي يقول عنها منصور ، في الفصل الأول من الكتاب إنها تمردت على “كل هذا السياق الذي كبّل الأدب السوري طويلاً، حين تنطلق أحداث روايته من مجزرة حماة التي ارتكبها نظام حافظ الأسد ” المقبور ” ، كما يحلو للقسم الأوسع من الشعب السوري وصفه ، في شباط 1982.
ففي تلك المجزرة بلغت المواجهة الطائفية ذروتها من حيث التوحش واكتمال الجريمة.. ووجدت في مدينة حماة ( وسط سورية ) مكانها المناسب أو المفضل، كي تتفاعل رواية المظلومية مع درامية المكان في الذاكرة العلوية ( الطائفة التي تستحكم مفاصل الأمن والجيش وباقي تفاصيل الشعب والبلاد ) ، فتشحن النفوس بأحقاد لا ينفع معها أي “انحرافات” إنسانية قد تخفف عصبية الأحقاد الضرورية لجعل المجزرة درساً مثالياً في الانتقام، ودرساً نموذجياً في تأديب المدينة… بل وسائر المدن السورية الأخرى”.
وما بين تقنيات التحليل الأدبي، وسبر الواقعة التاريخية، واستقراء بنية الصراعات الاجتماعية في المجتمع السوري يبحر الناقد المجتهد محمد منصور في واحدة من أعقد روايات الأديب الكبير فواز حداد، وأكثرها كابوسية وقسوة، ليقدم لنا تفكيكاً لكل عناصر الرواية، واستقراءً حاذقاً لما بين سطورها، من دون أن ينسى أن يقدم خدمة جليلة لمن فاته قراءة هذه الرواية الضخمة، عبر تقديم تلخيص شامل لأحداثها استغرق ما يقرب من ثلاثين صفحة.. الأمر الذي سيمكن القارئ من استعادة ما غاب عنه من أحداثها بكل التفاصيل والتحولات الدقيقة.
ومن أجمل فصول كتاب (ضمير المتكلم) النقدي الشيق هذا، الفصل الذي خصصه المؤلف الناقد، للقصر الرئاسي وشخصية حافظ الأسد الروائية.
ذلك أن شخصية حافظ الأسد ” الرئيس ” موجودة في رواية (السوريون الأعداء) كأحد أبطال الرواية الأساسيين، ومما قاله منصور عن معالجة فواز حداد لها:
“من الواضح أن فواز حداد وجد في شخصية حافظ الأسد الديكتاتور، شخصية درامية مثيرة لخياله ككاتب، ولعلاقته بشخوصه وهو يمزج الحقيقة التاريخية بهوامش الخيال الروائي. لقد قدم الكاتب شخصية حافظ الأسد بوجوه متعددة، لم يكن يعنيه أن يكون خارق الذكاء، بل ركز على قسوته الناتجة عن الجمود، وميّز بين الذكاء والمكر. وأوضح في غير موضع أن آليات اختبار الرئيس لمن يريد أن يمنحهم الثقة ممن حوله، لا تخلو من انتهازية وجبن. فهو يعطيهم الفرصة لينفّذوا ما يقترحونه دون أن يأخذ ذلك على عاتقه، فإن نجوا تبنى نجاحهم، وإن فشلوا عاقبهم عقاباً قاسياً: “الرئيس يريد تحميله مخاطر العمل كله، في حال أخفق سيدفع الثمن، العقاب نصيبه. الحجة هي عدم معرفة الرئيس، وأن البطانة تستغله وتسيء إليه، ومن الأجدر منه بالاتهام في أنه صاحب هذا المشروع المهول الذي يُقصد منه في النهاية تنصيب الرئيس إلهاً؟
إذا لم ينجح فالرئيس نفسه سيتنصل منه؟” (السوريون الأعداء ص: 316). ويعقب منصور على الاستشهاد الأخير من نص الرواية: هل هذا سلوك قائد وزعيم حقيقي يكسب قلوب من حوله قبل أن يكسبوا ثقته؟! بالتأكيد لا. إنه سلوك شخص يملك هامشاً لا محدوداً لمعاقبة من يشاء ومكافأة من يشاء. وبالتالي فعليهم أن يدفعوا ثمن فشلهم من جيوبهم، وأن يهدوه نجاحاتهم فقط لأنه أتاح لهم فرصة كي ينجحوا من أجله”.
كتاب “ضمير المتكلم… المواجهة الطائفية في رواية السوريون الأعداء” يفتح الباب واسعاً لدراسة أدب الكاتب السوري الكبير فواز حداد، مقدماً نموذجاً يحتذى لعمق المعالجة والرؤية ولأهمية أن يجد الأدب السوري عموماً اهتماماً نقدياً على هذا المستوى من الجدية والمثابرة المعتبرة