نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


سيكولوجية رجال النظام




أفردت الدراسات وأدبيات علم النفس حيِّزاً واسعاً لدراسة الشخصية وسماتها وقدراتها، وفي مرحلة متقدمة وبهدف زيادة الاستثمار في الإنسان ومهاراته وطاقاته ظهر علم النفس الفارق، أو ما يعرف بعلم نفس الفروق الفردية،


  وحدد هذا العلم صنفين لصفات الإنسان “الشخص” التي يتميز بها عن الآخرين من حوله. يتمثل الصنف الأول بالسمات الجسدية وما يمتلكه الفرد من طول ووزن ولون لبشرته وشعره. وينعكس الصنف الثاني وهو ميدان بحث علم نفس الفروق الفردية من خلال سَبْره لأغوار النفس البشرية، وما تمتلكه من قدرات وميول ومهارات فطرية يمكن تنميتها وتطويرها بالتعلم والتدريب، وصولاً إلى وضع الأفراد في المكان المناسب، باعتباره يرى في الشخصية أنها “البِنْية المميزة للسمات التي تميز الشخص عن غيره من الأفراد. ويعتمد عليها في التصرف في مواقف حياته اليومية، وإما أن تُظهر مدى براعته وذكائه، أو أن تُظهر مدى محدوديته وقدراته”.
وأولت الدول والحكومات أهمية بالغة في الاهتمام بمسألة الفروق الفردية والعمل على توظيفها في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية، بل وذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك من خلال رصد ميزانيات خاصة لتطوير الاختبارات والمقاييس والروائز التي من شأنها الكشف المبكر عن تلك القدرات لدى أبنائها لتُحسن تربيتها ورعايتها وتوظيفها بما يحقق ذات الفرد من جانب، ويُحسن في زيادة الإنتاج والمساهمة في أداء العمل بشكل أفضل في المؤسسات التي ينتمون إليها.
ويسهم تحقيق الإنسان لذاته ضمن المجتمع الذي ينتمي إليه في تحقيق التوافق النفسي على المستوى الخاص، والاستقرار الاجتماعي على المدى القريب والبعيد على المستوى العام؛ لأن علم النفس قسّم الذات البشرية إلى أربعة أقسام:
الذات الحقيقية: وتعني ما يمتلكه الفرد من طاقات وقدرات يستثمرها، أو يكتشفها الآخرون كالمهارات الحركية أو الميكانيكية وغيرها.
الذات المدركة: وتعني توظيف الفرد لقدراته وفق معرفته بها، وهنا يأتي دور المحيط والبيئة والأسرة في اكتشاف جوانب يغفل عنها صاحبها كالمهارات التي ذُكرت سابقاً.
الذات الاجتماعية: وهي نظرة المجتمع لما يمتلكه الفرد من طاقات “تقييم المجتمع”.
الذات المثالية: ما يطمح أن يظهر فيه الفرد في مجتمعه.
لم يعبأ نظام الأسد بهذا الجانب في التعامل مع مواطنيه على الرغم من سِني حكمه الطويلة، ومعرفته بتلك الفروق وما تمتلكه من طاقات خلاقة وابتكارات فريدة، وخبرات متجددة، على اختلاف تخصصاتها، واختلاف مراحلها العمرية، وهو إنْ وظفها فإنه يعمل على تدجينها بما يعود عليه بالثناء والمديح لرعايته لها بعد أن عمل على إفراغ مضامينها وإبداعاتها في بحر منظومة فساده المتلاطم.
كما لم تسلم تلك الطاقات والكفاءات التي من الممكن أن يفرزها علم نفس الفروق الفردية ومقاييسه من بطش النظام وجبروته، وعمل على التضييق على إبداعاتها بذرائع غوغائية، يربطها بأمن البلاد وسلامة المواطن، وذهب نظام الأسد إلى أبعد من خلال الزجّ بها في السجون والمعتقلات، فعلى سبيل المثال زج بأحد أبناء مدينة دير الزور في أتون عمليات التحقيق والاعتقال لمدة أكثر من عامين انتهت بتسريحه من عمله، لمجرد أنه أفصح عن نيته البدء بجمع ما يدور على ألسنة الكبار في محيطه عن التضحيات التي قدمتها المدينة وأبناؤها في سبيل التحرر من الاحتلال الفرنسي، وذلك بتهمة الدعوى إلى المناطقة على حساب المواطنة المزعومة التي تشهدها سورية الأسد.
أدت إدارة النظام لمؤسسات الدولة إلى أمرين الأول قتل روح الإبداع والمبادرة لدى السوريين، واعتماد مَن يصل منهم إلى منصب مقولة مفادها “المكان يرقيني”، وفيه يرى الشخص صاحب المنصب أن مكانه محكوم بحزمة من القوانين والقرارات التي تحفظ حقه وترقياته الوظيفية دون أي مبادرات أو تطوير، خاصة أنه ربما يكون شاهداً بما حل بمصير مَن حاول التجريب، وبذلك عاش هؤلاء الأشخاص في دوامة الروتين القاتل والانسحاب من المشهد بسلام، أو في أحسن الأحوال بقيت أفكارهم ودراساتهم المتخصصة حبيسة عقولهم أو أوراقهم التي يهربون بها من عين الرقيب.
ما سبق أوصلنا إلى الأمر الثاني من خلال اعتماد النظام أو صناعته لشخصيات قيادية تتسم من الناحية السيكولوجية بإحدى سمتين أو تجمع بينهما، فتلك الشخصيات من ناحية ترى في المنصب الذي آلت إليه أو سلكت الطريق للوصول إليه كافة الطرق الانتهازية. وتغليب المصالح الشخصية الضيقة “تعويضات مالية – بعثات خارجية أو داخلية – التكريم ومنح الأوسمة” على المصالح العامة والوطنية. ووجدت في جو الفساد المذكور ومحدودية المبادرات، والغوص فيه هروباً من محاولات لا طائل منها إن أرادت العمل بمهنية، إلى أن وصلت إلى مرحلة ذابت فيها السمات الشخصية مع تلك المصالح.
وتحولت تلك المصالح والمكتسبات إلى الذات الحقيقية لها، وما عزز ذلك وأدى للاستسلام لهذا الوضع وجود “القائد الأول والمعلم الأول والقاضي الأول والمهندس الأول”، والتي حصرت تلك الصفات برأس النظام “الأسد”.
ويعتمد النظام من ناحية ثانية على الشخصيات السطحية التي لا تمتلك الرأي والتأثير، نظراً لما لديها من طاعة عمياء وسرعة استجابة لكل ما يملى عليها، وعدم امتلاكها المعرفة والثقة بالنفس التي من شأنها أن تمكنها من الحكم على الأمور والمواقف، ولإيمانها المطلق بما يرويه القائد دون أدنى درجات المحاكمة، ولحرصها الدائم أن تبقى في مركز الاهتمام والمنصب ولو شكلياً، وأمثلة رجال الأسد أكثر من أن تُحصى، مع وجود استثناءات قليلة يُهيئ لها النظام الفرصة للظهور الشكلي، وأن يتعرف عليها الجمهور، لكنه لا يلبث أن يعمل على بترها عند شعوره بما قد تشكله له من تهديد، أو فضيحة لأسلوبه.
أدى الاعتماد على تلك الشخصيات بسماتها المذكورة إلى جمع كافة الصلاحيات بيد القائد “الأسد”، ولكن لذلك وجه سلبي يتمثل أنه في حال الغياب المفاجئ أو الموت لهذا القائد، فذلك من شأنه أن يخلق فوضى واضطراباً في صفوف تلك المنظومة، لا يمكن السيطرة عليه في غيابه، وهذا هو حال نظام الأسد اليوم.
------------
نداء بوست

رشيد محمود حوراني
الخميس 24 نونبر 2022