إلا أنّ رواية "أوتار خلف القضبان" للكاتب السوري "أسعد شلاش" الصادرة مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر، اعتمدت على فعل المقاومة في السجن كثيمة أساسية، فعلى الرغم من سرده للمآسي والمعاناة التي كابدها بطل روايته الذي في الغالب أسقط أسعد تجربته فيها، إلا أنه ركّز بوصلته على الموسيقى كسبيل للبقاء.
"أهلًا وسهلًا بالرفاق العشرة، بكم يصبح عددنا ستيناً، لا تجهدوا أنفسكم! فالمساحة المخصصة لكلّ صاحب رأي حرّ في هذا الوطن الشاسع هي ربع متر مربع، حسبناها قبلكم، معذرة يا رفاق فليس لنا سوى هذه البطانيات القذرة، تفضلوا بالجلوس، ولكن إذا سمحتم ضموا أرجلكم إلى بطونكم قدر المستطاع، ولكم أن تجلسوا في أيّ صفّ كان، لا تخشوا أن تتيبس ظهوركم من الانحناء، دوركم في إسنادها على الحائط محفوظ، فكلّ شيء هنا يتمّ بانتظام، حتّى الدخول إلى التواليت له دور هنا، لكن دون (شاويش بخشة)."
لقد مثّلت إعادة صناعة العود مراراً وتكراراً بالنسبة لبطل رواية "أوتار وراء القضبان" الإصرار على التشبث بالحياة، وكلما تحسنت المواد الأولية وطريقة الصنع كلما شعر "فرح" بتآلف مع بيئته الجديدة التي فُرضت عليه عنوة، وازدادت رغبته في الخروج من المعتقل محتفظاً بروحه نقية غير منقوصة. "- السجن هو احتراق بطيء، تلف لخلايا الروح رويدًا رويدًا. - صحيح يا صديقي، ألا تلاحظ أنّ ظاهرة الكتابة منتشرة في السجن بشتّى أنواعها سواء كانت نثراً أو شعراً أو ...إلخ
لم يدعني رئيف أن أكمل وتابع: الحبس ليس حبس الجسد فقط، بل هو حبس الروح بكلّ تجلياتها الوجدانية من مشاعر وعواطف، فلا حبيبة (مبتسماً) هنا ولا أمّ هنا، لا أخت، لا أحد تستطيع أن تبثه ما يعتريك من مشاعر، لذلك يبث السجناء عواطفهم للورق.
- نعم صديقي السجن هو عالم اللون الواحد.
- ولكن على الأقل عودك يخفّف عنك الكثير، فما بالك بمن لا يملك ما يقتل به الوقت، لا بدّ أنّ الوقت قد يقتله."
كما لم تغب السياسة والذكريات وحتى النزوع اللحظي نحو العيش، عن الجو العام للرواية، فقد كُتبت كتوليفة ضمت بين دفتيها حملاً معلوماتياً عن البيئة التي خرج منها البطل، والذكريات التي عاشها هناك خلف الجدران، ونزعت في حواراتها نحو التفاصيل اليومية البسيطة. وهذا لا ينزع عنها شعور الحزن الذي يراود قارئ هكذا أنواع أدبية، فقد ظهر على طول مسار السردية من خلال تفاصيل القسوة والإذلال والتعذيب والجوع والأمراض التي سادت السجن وحكاياته. " كمال: يا شباب كلّنا هنا رفاق، صحيح أنّنا قد لا نكون من حزب واحد، لكننا كلنا شيوعيون أو على الأقل ندّعي بأنّنا مثقفون، ومن المعيب أن يسرق أحدنا قطعة خبز لرفيقه.
جهاد: هذه ليست المرة الأولى وقد تكررت الحادثة أكثر من مرة ومع أكثر من رفيق.
حمزة: راسماً بكلامه خطاً بيانياً متسارعاً يهبط فجأة وبحدة ويصعد كذلك ويتوقف قبل أن يكمل الجملة، وبعدها قد يكمل أو يبدأ بجملة جديدة ـ أيّ حقير وانتهازي هذا الذي يسرق قطعة خبز صغيرة!! ألا يعرف السهيرة من هو؟"
بلغة تتفاوت بين البساطة والعمق، بين المجاز الشعري والمباشرة، خط "أسعد" حكايته وحكايا رفاقه ليقول إنّ الإنسان قادر على النجاة مهما عصفت به المآسي.
بعد الاحتفال طرح عدنان أن يعود إلى مكانه ويحلّ محلّه رامي، كان ردي ليس لديّ أيّ مانع. أوّل حدث على المستوى الشخصي في بداية العام الجديد هو الحدث الأهم منذ بداية اعتقالي، وذلك عندما قرأ السجان عدة أسماء من بينهم اسمي وطلب أن نستعدّ للزيارة.
- أسعد شلاش: كاتب وناشط سياسي سوري من مواليد سراقب - إدلب 1955 - خرّيج المعهد الموسيقي في حلب 1987، واعتقل في العام نفسه ولمدة سبع سنوات.
- يكتب في عدد من المجلات والدوريات. وصدر له كتيب عن الغناء الشعبي لمدينة سراقب.
ربع متر لكل صاحب رأي حر!
يبدأ "شلاش" سرديته من مقدمة يؤكد حرصه فيها على "تدوين كل ما جرى ويجري من جرائم في زمن الاستبداد" ويكمل: "عزمت أن أكتب هذا العمل في محاولة لسرد تجربة قد تكون مغايرة لأغلب ما كُتب في أدب السجون، من خلال تسليط الضوء على مقاومة مجموعة من معتقلي حزب العمل الشيوعي السوري لظروف اعتقالهم". ثم يدخل في العمق اليومي ليبدأ حبك خيوط عمله بوتيرة تصاعدية، تكون سريعة في البداية؛ لتنتهي بانتهاء تجربة الاعتقال وبالإفراج عن بطل الرواية."أهلًا وسهلًا بالرفاق العشرة، بكم يصبح عددنا ستيناً، لا تجهدوا أنفسكم! فالمساحة المخصصة لكلّ صاحب رأي حرّ في هذا الوطن الشاسع هي ربع متر مربع، حسبناها قبلكم، معذرة يا رفاق فليس لنا سوى هذه البطانيات القذرة، تفضلوا بالجلوس، ولكن إذا سمحتم ضموا أرجلكم إلى بطونكم قدر المستطاع، ولكم أن تجلسوا في أيّ صفّ كان، لا تخشوا أن تتيبس ظهوركم من الانحناء، دوركم في إسنادها على الحائط محفوظ، فكلّ شيء هنا يتمّ بانتظام، حتّى الدخول إلى التواليت له دور هنا، لكن دون (شاويش بخشة)."
التمّرن على الموسيقى خلف القبضان!
تتحدث الرواية في معظمها على لسان الراوي العليم الذي يأخذنا إلى أعماق المشاهد بسلاسة، فيجتمع بطل القصة بزملائه في المهجع ليبدأ معهم دروساً في الموسيقى، وبأدوات بسيطة متوفرة، يصنعون آلة "العود"؛ و"المنجيرة"، كما يأخذون التمرّن على السلم الموسيقي والنوتات بظروف بدائية، وعلى الرغم من قسوة المكان والسجان، إلا أنهم حاولوا بهذه الأفعال التخفيف من وطأة الجدران التي ضمت أجسادهم وأرواحهم.لقد مثّلت إعادة صناعة العود مراراً وتكراراً بالنسبة لبطل رواية "أوتار وراء القضبان" الإصرار على التشبث بالحياة، وكلما تحسنت المواد الأولية وطريقة الصنع كلما شعر "فرح" بتآلف مع بيئته الجديدة التي فُرضت عليه عنوة، وازدادت رغبته في الخروج من المعتقل محتفظاً بروحه نقية غير منقوصة.
لم يدعني رئيف أن أكمل وتابع: الحبس ليس حبس الجسد فقط، بل هو حبس الروح بكلّ تجلياتها الوجدانية من مشاعر وعواطف، فلا حبيبة (مبتسماً) هنا ولا أمّ هنا، لا أخت، لا أحد تستطيع أن تبثه ما يعتريك من مشاعر، لذلك يبث السجناء عواطفهم للورق.
- نعم صديقي السجن هو عالم اللون الواحد.
- ولكن على الأقل عودك يخفّف عنك الكثير، فما بالك بمن لا يملك ما يقتل به الوقت، لا بدّ أنّ الوقت قد يقتله."
كما لم تغب السياسة والذكريات وحتى النزوع اللحظي نحو العيش، عن الجو العام للرواية، فقد كُتبت كتوليفة ضمت بين دفتيها حملاً معلوماتياً عن البيئة التي خرج منها البطل، والذكريات التي عاشها هناك خلف الجدران، ونزعت في حواراتها نحو التفاصيل اليومية البسيطة. وهذا لا ينزع عنها شعور الحزن الذي يراود قارئ هكذا أنواع أدبية، فقد ظهر على طول مسار السردية من خلال تفاصيل القسوة والإذلال والتعذيب والجوع والأمراض التي سادت السجن وحكاياته.
جهاد: هذه ليست المرة الأولى وقد تكررت الحادثة أكثر من مرة ومع أكثر من رفيق.
حمزة: راسماً بكلامه خطاً بيانياً متسارعاً يهبط فجأة وبحدة ويصعد كذلك ويتوقف قبل أن يكمل الجملة، وبعدها قد يكمل أو يبدأ بجملة جديدة ـ أيّ حقير وانتهازي هذا الذي يسرق قطعة خبز صغيرة!! ألا يعرف السهيرة من هو؟"
بيئة متكاملة للأحداث
لم يحاول الكاتب خلق اللبنات الأولى للعمل الروائي، فقد كانت مهيئة وجاهزة أمامه، فالمكان على صغر مساحته شكّل بيئة متكاملة للأحداث. وقد استطاع "شلاش" بمهارة أن يصعّد الأحداث تدريجيًا ويختتمها بنهاية مفتوحة على جهتين: السعادة بخروجه من الاعتقال والحزن على بقاء رفاق الطريق تحت قبضة الجلاد.بلغة تتفاوت بين البساطة والعمق، بين المجاز الشعري والمباشرة، خط "أسعد" حكايته وحكايا رفاقه ليقول إنّ الإنسان قادر على النجاة مهما عصفت به المآسي.
من أجواء الرواية
على أنغام عودي غنّى البعض، ورقص آخرون، عُقِدتْ حلقات الدبكة في أغلب المهاجع، تدخّل السجان أكثر من مرة وأخيراً هددنا وأوقف الاحتفال.بعد الاحتفال طرح عدنان أن يعود إلى مكانه ويحلّ محلّه رامي، كان ردي ليس لديّ أيّ مانع.
عن الرواية والكاتب:
- صدرت رواية (أوتار وراء القضبان) عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا، وقد جاءت في 218 صفحة من القطع المتوسط.- أسعد شلاش: كاتب وناشط سياسي سوري من مواليد سراقب - إدلب 1955
- يكتب في عدد من المجلات والدوريات. وصدر له كتيب عن الغناء الشعبي لمدينة سراقب.