نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


رحلة السلام مابين التخيل والتحقق




في احتفال مهيب على مسرح تحيط به الأعلام الإسرائيلية والفلسطينية، تم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل وفلسطين. لم تستغرق المحادثات فترة طويلة. كانت العناصر الأساسية للمعاهدة معروفة منذ فترة طويلة. لم تحمل الوثيقة أية مفاجآت حقيقية.



في احتفال مهيب على مسرح تحيط به الأعلام الإسرائيلية والفلسطينية، تم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل وفلسطين. لم تستغرق المحادثات فترة طويلة. كانت العناصر الأساسية للمعاهدة معروفة منذ فترة طويلة. لم تحمل الوثيقة أية مفاجآت حقيقية.

وافقت إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أصبحت الحدود بين الدولتين ترتكز على ما يسمى بالخط الأخضر (خط ما قبل 1967). إلا أن الطرفين اتفقا على تبادل محدود للحدود والأراضي. تم إلحاق حوالي 5% من الضفة الغربية، بما فيها بضع "تجمعات استيطانية" بإسرائيل مقابل مساحات مكافئة بمحاذاة قطاع غزة. عبّر الطرفان عن رغبتهما بإبقاء الحدود مفتوحة أمام تنقلات الناس والبضائع.

في القدس أصبحت الأحياء العربية، بما فيها الحرم الشريف (تلة الهيكل) جزءاً من فلسطين، بينما بقيت الأحياء اليهودية والحائط الغربي في إسرائيل. بقي نصفا القدس موحدان فعلياً تحت سلطة بلدية مشتركة بتمثيل متساوٍ.

وافقت إسرائيل على نقل جميع المستوطنات من الأراضي الفلسطينية.

بالنسبة لمشكلة اللاجئين، تم تحقيق حل معقد. تم تشكيل لجنة حقيقة ومصالحة لتقصّي أحداث الأعوام 1948 و 1967، والتي أدت إلى نزوح اللاجئين. وافق الطرفان على الالتزام بما تتوصل إليه اللجنة، التي تشكلت من مؤرخين إسرائيليين وفلسطينيين ودوليين.

اعترفت إسرائيل من حيث المبدأ بحق العودة، إلا أن الطرفين وافقا على أن عدداً محدوداً ومتفقاً عليه من قبل الطرفين سوف يتمكّن من العودة إلى الأراضي الإسرائيلية، بينما يتم تعويض الآخرين وتوطينهم في دولة فلسطين أو في أماكن أخرى حسب رغباتهم وبمعونة دولية.

كذلك تم تعيين لجنة أخرى للإشراف على توزيع عادل للموارد المائية وخاصة تحلية مياه البحر بشكل واسع، بمعونة دولية لصالح الطرفين.

بعد أن تصافح رئيسا إسرائيل وفلسطين، وقف الجميع دقيقة صمت في ذكرى جميع الذين قتلوا في النزاع الذي دام عقوداً عديدة.

أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أن المعاهدة تتفق مع المبادرة العربية لعام 2002، وأكد أن جميع الدول الأعضاء بالجامعة سوف تقوم بإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل.

بعد خلاف طويل مؤلم، نجح الرئيس الفلسطيني الجديد في توحيد الفصائل الفلسطينية المتحاربة في منظمة تحرير فلسطينية متجددة وحكومة إقليمية لفلسطين. بعد سلسلة من الاتهامات والاتهامات المضادة قامت كل من حماس وفتح بمساندة الاتفاقية.

عندما تصافح الرئيسان تنفس العالم بأسره الصعداء.

إلا أن توقيع الوثيقة من قبل المسؤولين لم تكن سوى بداية الكفاح. كما يعلم الجميع، فإن مواجهة حاسمة بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين كانت تلوح في الأفق.

كان المستوطنون وحلفاؤهم قد قضوا سنوات يعدّون العدة لهذا الاختبار. استطاعوا بدعم من عناصر رئيسية في الجيش والوزارات المختلفة من الوصول إلى موارد ضخمة من الأسلحة والأموال. صمم الكثيرون منهم على خوض حرب أهلية إذا احتاج الأمر كذلك.

إلا أنه عندما وقع الصدام كان أقل دراماتيكية مما كان متوقعاً، وكما اتُّفِق عليه مع الفلسطينيين، أعطي المستوطنون فترة سنة للمغادرة طوعاً مقابل تعويضات سخية جداً. بعد تردد مبدئي، وافق حوالي نصف المستوطنين على العرض وغادروا المناطق المحتلة فعلاً. أصيب الباقون بالإحباط من الدعم الراسخ من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي لاتفاقية السلام.

في نهاية المطاف أصبح القتال متقطّعاً. في لحظة الأزمة، نجحت الديمقراطية الإسرائيلية وبقي الجيش موالياً بصلابة للحكومة، رغم جهود المستوطنين التي كرسوها طوال سنوات لاختراق الجيش ومجموعات الضباط.

شك العديد من المعلقين فيما إذا كانت معاهدات السلام ممكنة في غياب تغيير عميق في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بعد انتخابات عام 2012 أعلن الرئيس أن مصالح أمريكا الأساسية تتطلب توجهاً معتدلاً متساوياً حتى يتسنى التغلب على الحقد الذي شعر به ملايين المسلمين تجاه أمريكا. "سوف نساند كلاً من إسرائيل والفلسطينيين في حملتهم البطولية للسلام"، كما أعلن الرئيس. لم يجرؤ اللوبي المساند لإسرائيل على معارضته، لشعورهم بالتغيير الأساسي في الرأي العام الأميركي والخوف من ردة فعل معادية للسامية.

وبينما امتلأت فنادق تل أبيب برجال الأعمال العرب الساعين للحصول على مشاريع مشتركة، سارع نظراؤهم من الإسرائيليين بمجموعات كبيرة إلى الرياض وبغداد والدوحة ودبي. ملأت قصص نجاحاتهم أخبار المحطات التلفزيونية وغطت على منظر المستوطنين وهم يحاولون إعادة صور "فك الارتباط" مع غزة قبل عشرة سنوات.

ونظراً لموقعهم بين إسرائيل والعالم العربي، أصبح الفلسطينيون وسطاء يسعى الجميع للحصول على خدماتهم. وقد نجح الأسرى السابقون في السجون الإسرائيلية، الذين تعلموا اللغة العبرية، نجحوا بشكل خاص في إيجاد اتصالات في مجال الأعمال. كذلك حصل المواطنين العرب في إسرائيل، نتيجة لمعرفتهم الدقيقة بالإجراءات والعمليات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية. ارتفع معدل معيشتهم اليومية بشدة ليصل إلى معدل معيشة الإسرائيليين اليهود تقريباً. انخفض معدلات الولادة بينهم، كما هو الحال في أوضاع الازدهار المتزايد.

في نهاية المطاف ثبتت صحة القول القديم "لا يتم صنع السلام بين الحكومات وإنما بين الشعوب"، مرة أخرى. قامت العلاقات البشرية والمصالح الاقتصادية ومرور الزمن بإتمام العملية التي بدأت بمعاهدة السلام الرسمية.

###

* يوري أفنيري صحفي وناشط سلام، وهو مؤسس حركة السلام "غوش شالوم".


يوري افنيري
السبت 25 أكتوبر 2008