وتضيف: "وجدت في نفسي تلك الشجاعة لخوض هذه التجربة، وقد كان بالفعل وقت كتابة تلك السيرة، وقتا جميلا، وكان الاسترسال في الكتابة، واستعادة صفحات من حياة، وذكريات هو الصفة التي صاحبتني أثناء الكتابة، حتى إنني كنت أكتب الكثير، ثم أقرر بعد أن أنتقي أي المشاهد الحياتية يمكن أن يتضمنها الكتاب الذي أظنه أقرب إلى الرواية الواقعية، باختصار لقد صاحبني شغف الكتابة الجميل، طوال الوقت".
في المقابل، تحدثت الروائية التونسية فتحية دبش عن كون كلّ الكتاب والكاتبات شرقا وغربا يستلهمون ويستلهمن من حيواتهم ومحليتهم في كتاباتهم وخاصّة في فن الرواية.
وتضيف دبش: "وجب أيضا الاعتراف للكاتبات العربيّات بقدرتهنّ على الكتابة الروائية سواء تم الاتكاء فيها على السيرة أو غيرها، خاصة أن كتابة الرواية أكثر تعقيدا من كتابة السيرة الذاتية من حيث تقنيات الكتابة. والكاتبات العربيات أثبتن أن الفارق بين كتاباتهنّ وكتابات الرجال ليس إلا فارقا كمّيا باعتبار وفرة إنتاج الكتّاب (الرجال) مقارنة بعدد الكاتبات".
وتضيف دبش: "أما عن كتابة السيرة الذاتية الصريحة فالأدب العربي لا يخلو منها حتى وإن كانت شحيحة سواء بالنسبة للكتاب أو الكاتبات وذلك يعود إلى عدّة أسباب منها الذاتي ومنها الموضوعي. حيث إنّ كتابة السيرة مشروع تام ومستقل بذاته ويحتاج إلى رؤية واضحة لماهيّة السيرة ومدى أهميّتها لتشكّل إضافة للكاتب وللمكتبة العربية. فإذا لم يتوفر هذا العنصر بطل حافز كتابة السيرة".
وتتابع: "أمّا الموضوعي، وهو الأهم بنظري؛ فيعود إلى عدم تصالح الإنسان العربي بصفة عامة رجلا كان أو امرأة، كاتبا كان أو غير ذلك، مع ثقافة الاعتراف والانكشاف والحقيقة؛ وهي ركيزة لا يمكن كتابة سيرة ذاتية أو غيرية بدون الوعي بها وبدون القدرة على مواجهة الحقيقة العارية. وأعتقد أنّ هذا السبب هو ما جعل الكتّاب العرب لا يلجؤون إلى كتابة السيرة الصريحة. بل وحتى بعض النّصوص "السير-ذاتية" التي وصلتنا لا تذعن لميثاق الحقيقة بل تسقط في معيار التمجيد للذات." وبالمقابل ترى الروائية السودانية آن الصافي، أن الكاتب -سواء كان رجلا أم امرأة- يعي معطيات البيئات المحلية وثقافاتها.
وتتابع الصافي: "هذه الثقافات -بآلية تعاقبتها الأجيال- وضعت سياجا وخطوطا حمراء لا يُسمح بتجاوزها. على الرغم من أن هناك حقبات تاريخية سابقة كانت تضع الحديث في كل شيء ممكن كما ورد في الأثر من قصص محكية وقصائد ورسوم وكتابات من عصور سابقة". وتستدرك فتقول إن الأمر لا يقتصر على المرأة بل الرجل أيضا؛ فلكي يعيش الكاتب بسلام ما أمكن؛ يتجنب أن يوصل دقائق وتفاصيل تخصه عبر سرده للسيرة الذاتية بشكل مباشر. ومحاسبة الكاتب أخلاقيا وشخصنة النقد قد تذهب بالأعمال الأدبية وكاتبها إلى أبعاد ليست في الحسبان. يبقى كيف للكاتب أن يعيش في هكذا مجتمعات؟!".
وقد عبرت عن هذا الاختيار القصري الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد في مقدمة سيرتها الذاتية "رجوع إلى الطفولة" خوفا من الوسط الاجتماعي العائلي والأسري وزملاء العمل، الذي تتحكم فيه أحكام القيمة المميزة بالتعميم والتعتيم، والقائمة على حكم ثابت جَمْعي، أي "تمثل ذهني" راسخ في اللاوعي التقليدي الموروث، حول قصور عقل المرأة عن التفكير وبالتالي عن الإبداع والابتكار. وترى هدى النعيمي أن لجوء الكاتبة العربية إلى الرواية كملاذ للبوح بسيرتها الحياتية عوضا عن تقديم كتاب تحت مسمى السيرة خدعة مشروعة في الكتابة، فهي تترك للقارئ مجال التفسير، وتسافر به بين الحقيقة والخيال، وبين (أنا الكاتب) وبين (أنا الشخصية) لتزيد أسئلته حول الرواية، والراوي، فيمكن للروائي أو الروائية الاحتماء وراء شخصية روائية مغايرة عن شخصيته الحقيقية، "ثم إنه خلف ستار تلك الشخصية، يمكن البوح بما لا يمكن البوح به على العلن، وبالتالي تبقى الرواية كما (القناع ) الذي تختفي وراءه السيرة الذاتية أو أجزاء منها، هذا ما أعتقده".
وإن كان هذا ينطبق على كلا الجنسين الرجل والمرأة، كما تقول النعيمي، فإنه بالفعل ينطبق على عالم الكاتبات العربيات بشكل أكثر كثافة من الرجال، "وأظن أن السبب لا يخفى على أحد، وهو حساسية وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية، لكونها محافظة وتفضل التكتم على كل ما لا تنطبق عليه القيم العروبية، أو (الصح) المطلق، وهذا ما لا تأتي به الحياة عادة، فيكون مكان البوح الطبيعي هو الرواية، وهو أسلوب يفضله الكثير"، بحسب الروائية.
وتضيف: "صدقا ما يهم هو جماليات العمل المقدم، من ناحية أخرى فليقدم الجميع سيرته الذاتية أيا كان وفي أي حقل وجد؛ فقط يلتزم الموضوعية والحياد إن أمكن، قد نشكك في ذلك، المهم أن يكون في الطرف الآخر القارئ، وأن يكون ذا قدرة على الاستفادة من هذه السير والتركيز على جوانبها الإنسانية بدون الغوص في ما قد يمس الكاتب ومن حوله بسوء. هل وصلنا في ثقافاتنا إلى هذا الحال؟!". ويستدرك محمد معتصم: "الكاتبة العربية كتبت ذاتها بصور شتى وبأساليب مختلفة ومن بينها تضمين مواقفها وآرائها وحتى تجاربها الشخصية والميدانية في الخطاب الروائي المميز بقابلية امتصاص كل أنواع الخطابات الموجودة في الساحة الثقافية، كالخطاب الشعري والسياسي والحقوقي والإعلامي والسجال الفكري والشهادات والتحقيقات".
ويختم: "قد سمح هذا التعدد في أشكال التعبير وكذلك تضمين الكتابة الذات ضمن المتن السردي الروائي للنقاد والباحثين في آن واحد، من العثور على بنيات ثقافية وفكرية تحيل على الواقع المعيش وتدوين لكثير من الحالات الاجتماعية وكثير من القضايا السياسية والفكرية والعقدية التي شغلت الناس في مختلف المراحل التاريخية الحديثة والمعاصرة التي شكلت وجه العالم العربي وخطت رسومه وحدوده التي هو عليها اليوم. أما الآن فكثير من الكاتبات والكتاب في العالم العربي اعتادوا على تجنيس أعمالهم بدون رعب، تحت مسمى "السيرة الذاتية" العامة أو الجزئية"
في المقابل، تحدثت الروائية التونسية فتحية دبش عن كون كلّ الكتاب والكاتبات شرقا وغربا يستلهمون ويستلهمن من حيواتهم ومحليتهم في كتاباتهم وخاصّة في فن الرواية.
وتضيف دبش: "وجب أيضا الاعتراف للكاتبات العربيّات بقدرتهنّ على الكتابة الروائية سواء تم الاتكاء فيها على السيرة أو غيرها، خاصة أن كتابة الرواية أكثر تعقيدا من كتابة السيرة الذاتية من حيث تقنيات الكتابة. والكاتبات العربيات أثبتن أن الفارق بين كتاباتهنّ وكتابات الرجال ليس إلا فارقا كمّيا باعتبار وفرة إنتاج الكتّاب (الرجال) مقارنة بعدد الكاتبات".
وتضيف دبش: "أما عن كتابة السيرة الذاتية الصريحة فالأدب العربي لا يخلو منها حتى وإن كانت شحيحة سواء بالنسبة للكتاب أو الكاتبات وذلك يعود إلى عدّة أسباب منها الذاتي ومنها الموضوعي. حيث إنّ كتابة السيرة مشروع تام ومستقل بذاته ويحتاج إلى رؤية واضحة لماهيّة السيرة ومدى أهميّتها لتشكّل إضافة للكاتب وللمكتبة العربية. فإذا لم يتوفر هذا العنصر بطل حافز كتابة السيرة".
وتتابع: "أمّا الموضوعي، وهو الأهم بنظري؛ فيعود إلى عدم تصالح الإنسان العربي بصفة عامة رجلا كان أو امرأة، كاتبا كان أو غير ذلك، مع ثقافة الاعتراف والانكشاف والحقيقة؛ وهي ركيزة لا يمكن كتابة سيرة ذاتية أو غيرية بدون الوعي بها وبدون القدرة على مواجهة الحقيقة العارية. وأعتقد أنّ هذا السبب هو ما جعل الكتّاب العرب لا يلجؤون إلى كتابة السيرة الصريحة. بل وحتى بعض النّصوص "السير-ذاتية" التي وصلتنا لا تذعن لميثاق الحقيقة بل تسقط في معيار التمجيد للذات." وبالمقابل ترى الروائية السودانية آن الصافي، أن الكاتب -سواء كان رجلا أم امرأة- يعي معطيات البيئات المحلية وثقافاتها.
وتتابع الصافي: "هذه الثقافات -بآلية تعاقبتها الأجيال- وضعت سياجا وخطوطا حمراء لا يُسمح بتجاوزها. على الرغم من أن هناك حقبات تاريخية سابقة كانت تضع الحديث في كل شيء ممكن كما ورد في الأثر من قصص محكية وقصائد ورسوم وكتابات من عصور سابقة".
السيرة والرواية
في المقابل، تحدث الناقد المغربي محمد معتصم، عن تخفي المرأة الكاتبة وراء القضايا الكبرى السياسية والاجتماعية؛ حيث تدون ملاحظاتها ومذكراتها، مثلما فعلت الكاتبة المصرية هدى شعراوي وهي تكتب ذاتها من خلال التركيز على موضوعات سياسية عامة، لأن المذكرات ليست سوى نوع آخر من التعبير عن الذات الذي تميزت به كتابة السيرة الذاتية، والتي تحولت مع فيليب لوجون بعد "الميثاق الذاتي" إلى "كتابة الذات"، وتخفت المرأة مرة أخرى وراء الاسم المستعار مثال بنت الشاطئ، بنت البحر.وقد عبرت عن هذا الاختيار القصري الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد في مقدمة سيرتها الذاتية "رجوع إلى الطفولة" خوفا من الوسط الاجتماعي العائلي والأسري وزملاء العمل، الذي تتحكم فيه أحكام القيمة المميزة بالتعميم والتعتيم، والقائمة على حكم ثابت جَمْعي، أي "تمثل ذهني" راسخ في اللاوعي التقليدي الموروث، حول قصور عقل المرأة عن التفكير وبالتالي عن الإبداع والابتكار. وترى هدى النعيمي أن لجوء الكاتبة العربية إلى الرواية كملاذ للبوح بسيرتها الحياتية عوضا عن تقديم كتاب تحت مسمى السيرة خدعة مشروعة في الكتابة، فهي تترك للقارئ مجال التفسير، وتسافر به بين الحقيقة والخيال، وبين (أنا الكاتب) وبين (أنا الشخصية) لتزيد أسئلته حول الرواية، والراوي، فيمكن للروائي أو الروائية الاحتماء وراء شخصية روائية مغايرة عن شخصيته الحقيقية، "ثم إنه خلف ستار تلك الشخصية، يمكن البوح بما لا يمكن البوح به على العلن، وبالتالي تبقى الرواية كما (القناع ) الذي تختفي وراءه السيرة الذاتية أو أجزاء منها، هذا ما أعتقده".
وإن كان هذا ينطبق على كلا الجنسين الرجل والمرأة، كما تقول النعيمي، فإنه بالفعل ينطبق على عالم الكاتبات العربيات بشكل أكثر كثافة من الرجال، "وأظن أن السبب لا يخفى على أحد، وهو حساسية وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية، لكونها محافظة وتفضل التكتم على كل ما لا تنطبق عليه القيم العروبية، أو (الصح) المطلق، وهذا ما لا تأتي به الحياة عادة، فيكون مكان البوح الطبيعي هو الرواية، وهو أسلوب يفضله الكثير"، بحسب الروائية.
المباشرة والتواري
وتعترف الروائية السودانية آن الصافي، أن هناك من يتخذ من المباشرة في الكتابة أمرا حتميا ويواجه المتلقي أيا كانت خلفيته ولا يكترث، وهناك من يفضل التواري خلف شخوص وقصص وحكايا الأعمال السردي والشعرية المقدمة.وتضيف: "صدقا ما يهم هو جماليات العمل المقدم، من ناحية أخرى فليقدم الجميع سيرته الذاتية أيا كان وفي أي حقل وجد؛ فقط يلتزم الموضوعية والحياد إن أمكن، قد نشكك في ذلك، المهم أن يكون في الطرف الآخر القارئ، وأن يكون ذا قدرة على الاستفادة من هذه السير والتركيز على جوانبها الإنسانية بدون الغوص في ما قد يمس الكاتب ومن حوله بسوء. هل وصلنا في ثقافاتنا إلى هذا الحال؟!".
ويختم: "قد سمح هذا التعدد في أشكال التعبير وكذلك تضمين الكتابة الذات ضمن المتن السردي الروائي للنقاد والباحثين في آن واحد، من العثور على بنيات ثقافية وفكرية تحيل على الواقع المعيش وتدوين لكثير من الحالات الاجتماعية وكثير من القضايا السياسية والفكرية والعقدية التي شغلت الناس في مختلف المراحل التاريخية الحديثة والمعاصرة التي شكلت وجه العالم العربي وخطت رسومه وحدوده التي هو عليها اليوم. أما الآن فكثير من الكاتبات والكتاب في العالم العربي اعتادوا على تجنيس أعمالهم بدون رعب، تحت مسمى "السيرة الذاتية" العامة أو الجزئية"