تمتاز كتابات النعيمي بالثورة على الموروث وكسر التابوهات الشرقية هذا الكتاب – الذي ألّفته الصحفية والكاتبة المولودة أواخر الخمسينيات في دمشق والتي تعيش منذ فترة طويلة في باريس – ليس سيرة ذاتية، وليس نصاً بورنوغرافياً. إنه ببساطة يستعصي على التصنيف، إلا أنه رغم ذلك حقق ضجة كبيرة. امرأة تأخذ في الكلام: لم تذكر سلوى النعيمي اسم الراوية، وهذا هو التنازل الوحيد الذي تقدمه للعادات والأخلاق العربية. تعمل الراوية أمينة مكتبة، في البداية في دمشق، ثم في باريس، وخلسة تشرع في قراءة كتب الجنس في التراث العربي. حتى وإن كانت هذه الكتب قد طواها النسيان في معظم الأحيان، أو لم يعد من الممكن الحصول عليها اليوم في سوق الكتاب العربي. رغم ذلك فإن الكتب متوافرة بكثرة، منذ القرن التاسع على أقصى تقدير. في التراث العربي الإسلامي (على خلاف الإسلام الأصولي) يُعتبر الاستمتاع بممارسة الجنس مع النساء هبة ربانية، وبها يتذوق المؤمن مباهج الفردوس وهو بعد على الأرض.
الإيروتيكا المقروءة والمُعاشة
إن اكتشاف مثل تلك الكتب واللقاء مع رجل تسميه الراوية في الكتاب "المفكر" (ثم يكتشف القارئ فيما بعد أنه ليس رجلاً واحداً فحسب) يطلقان لدى الرواية عملية تحرر جنسي. إنها تعيش الآن حياتها الجنسية عن وعي ودون مراعاة زائفة لمشاعر الآخرين. ليس هذا فحسب، إنها تجد – بعد أن دغدغت مشاعرها عبر قراءة كتب الجنس في التراث العربي – اللغة المناسبة لمشاعرها.
من ناحية يطلع القارئ على المغامرات الجنسية للراوية وصديقاتها، ومن ناحية أخرى تدعو الراوية – بأسلوب يقترب من أسلوب المقالة – إلى بث أنفاس الحياة في لغة الجنس العتيقة كما كانت موجودة يوماً في العالم العربي والتي أصبحت طي النسيان: "لقد كتبَ الشيخ السيوطي في القرن الثالث عشر للنساء خصيصاً كتاباً عن فن الحب. إذا قرأته النساء اليوم لن يفهمن كلمة واحدة منه. وكأن المرء يعطي إنساناً من العصر الحجري كتاباً عن المعلوماتية. (...) كيف يمكن لنا أن نتحدث عن الثقافة الجنسية إذا لم يكن الناس يعرفون أبسط المعلومات عن أعضاء الجسد البشري؟" ولهذا فإن هذا الكتاب في حقيقة الأمر دعوة إلى وضع نهاية لذلك وإرساء قاعدة للتحرير الجنسي للرجل والمرأة على السواء.
ألعاب ما بعد الحداثة
غلاف الرواية بالعربية
Bild vergrössern "الكتاب إحياء للأدب الإيروتيكي القديم وتلاعب حداثي مع ذلك التراث" تتلقى الراوية تكليفاً من مدير المكتبة التي تعمل بها كي تلقي محاضرة في مؤتمر يُعقد في أمريكا عن مخطوطات الجنس في التراث العربي – أي أن المدير يطلب مها أن تتحدث على الملأ عن هذا الموضوع. بسبب إجراءات أمنية – هكذا نقرأ في نهاية الكتاب – لن تستطيع الراوية الاشتراك في المؤتمر، ولكن كتاب "برهان العسل" الذي يمسك به القارئ بين يديه هو المقالة التي كان يمكن للراوية أن تكتبها، بعد إضافة خبراتها الشخصية بالطبع. الكتاب في الوقت نفسه إحياء للأدب الإيروتيكي القديم وتلاعب حداثي مع ذلك التراث، فنجد عناوين الفصول مثلاً وكأنها عبارات مقتبسة من التراث: "عن التعلم والتعليم" أو "عن الخداع والتحايل". غير أن الكاتبة تسخر من هذا الشكل أيضاً عندما تطلق مثلاً على أحد فصول الكتاب "الجنس والمدينة العربية".
ليست الرسالة موجهة للشرق وحده
لا تتمتع رسالة سلوى النعيمي براهنية بالنسبة للعالم العربي فحسب. إذا قرأت إحدى نصيرات الحركة النسائية هذا الكتاب الداعي إلى الاستمتاع بالجنس، هكذا تقول الراوية في إحدى فقرات الكتاب، "فستعتبرني عبدة للإيديولوجية الذكورية وستعلن عليّ الحرب." كتاب النعيمي الداعي إلى الإباحية الجنسية لن يلقى الاعتراضات من جانب أنصار المفاهيم التقليدية فيما يخص العائلة والعلاقات الجنسية في العالم العربي وحسب. الكتاب إذن مستفز ويدعو للدهشة، وهو خليط ذكي من المقالة والحكاية، ولكنه – فلننتبه - ليس رواية كما يعد العنوان الجانبي.
شتيفان فايدنر
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008
صدرت الترجمة الألمانية لكتاب سلوى النعيمي "برهان العسل" هذا العام بترجمة دوريس كيلياس:
Salwa Al Neimi: Der Honigkuss. Roman. Aus dem Arabischen von Doris Kilias: Verlag Hoffmann und Campe, Hamburg 2008, 126 S., 14,95 Euro.
الإيروتيكا المقروءة والمُعاشة
إن اكتشاف مثل تلك الكتب واللقاء مع رجل تسميه الراوية في الكتاب "المفكر" (ثم يكتشف القارئ فيما بعد أنه ليس رجلاً واحداً فحسب) يطلقان لدى الرواية عملية تحرر جنسي. إنها تعيش الآن حياتها الجنسية عن وعي ودون مراعاة زائفة لمشاعر الآخرين. ليس هذا فحسب، إنها تجد – بعد أن دغدغت مشاعرها عبر قراءة كتب الجنس في التراث العربي – اللغة المناسبة لمشاعرها.
من ناحية يطلع القارئ على المغامرات الجنسية للراوية وصديقاتها، ومن ناحية أخرى تدعو الراوية – بأسلوب يقترب من أسلوب المقالة – إلى بث أنفاس الحياة في لغة الجنس العتيقة كما كانت موجودة يوماً في العالم العربي والتي أصبحت طي النسيان: "لقد كتبَ الشيخ السيوطي في القرن الثالث عشر للنساء خصيصاً كتاباً عن فن الحب. إذا قرأته النساء اليوم لن يفهمن كلمة واحدة منه. وكأن المرء يعطي إنساناً من العصر الحجري كتاباً عن المعلوماتية. (...) كيف يمكن لنا أن نتحدث عن الثقافة الجنسية إذا لم يكن الناس يعرفون أبسط المعلومات عن أعضاء الجسد البشري؟" ولهذا فإن هذا الكتاب في حقيقة الأمر دعوة إلى وضع نهاية لذلك وإرساء قاعدة للتحرير الجنسي للرجل والمرأة على السواء.
ألعاب ما بعد الحداثة
غلاف الرواية بالعربية
Bild vergrössern "الكتاب إحياء للأدب الإيروتيكي القديم وتلاعب حداثي مع ذلك التراث" تتلقى الراوية تكليفاً من مدير المكتبة التي تعمل بها كي تلقي محاضرة في مؤتمر يُعقد في أمريكا عن مخطوطات الجنس في التراث العربي – أي أن المدير يطلب مها أن تتحدث على الملأ عن هذا الموضوع. بسبب إجراءات أمنية – هكذا نقرأ في نهاية الكتاب – لن تستطيع الراوية الاشتراك في المؤتمر، ولكن كتاب "برهان العسل" الذي يمسك به القارئ بين يديه هو المقالة التي كان يمكن للراوية أن تكتبها، بعد إضافة خبراتها الشخصية بالطبع. الكتاب في الوقت نفسه إحياء للأدب الإيروتيكي القديم وتلاعب حداثي مع ذلك التراث، فنجد عناوين الفصول مثلاً وكأنها عبارات مقتبسة من التراث: "عن التعلم والتعليم" أو "عن الخداع والتحايل". غير أن الكاتبة تسخر من هذا الشكل أيضاً عندما تطلق مثلاً على أحد فصول الكتاب "الجنس والمدينة العربية".
ليست الرسالة موجهة للشرق وحده
لا تتمتع رسالة سلوى النعيمي براهنية بالنسبة للعالم العربي فحسب. إذا قرأت إحدى نصيرات الحركة النسائية هذا الكتاب الداعي إلى الاستمتاع بالجنس، هكذا تقول الراوية في إحدى فقرات الكتاب، "فستعتبرني عبدة للإيديولوجية الذكورية وستعلن عليّ الحرب." كتاب النعيمي الداعي إلى الإباحية الجنسية لن يلقى الاعتراضات من جانب أنصار المفاهيم التقليدية فيما يخص العائلة والعلاقات الجنسية في العالم العربي وحسب. الكتاب إذن مستفز ويدعو للدهشة، وهو خليط ذكي من المقالة والحكاية، ولكنه – فلننتبه - ليس رواية كما يعد العنوان الجانبي.
شتيفان فايدنر
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008
صدرت الترجمة الألمانية لكتاب سلوى النعيمي "برهان العسل" هذا العام بترجمة دوريس كيلياس:
Salwa Al Neimi: Der Honigkuss. Roman. Aus dem Arabischen von Doris Kilias: Verlag Hoffmann und Campe, Hamburg 2008, 126 S., 14,95 Euro.